Skip to main content

Full text of "162"

See other formats




المسرج والتغيّر ال جتماعيى 
فى الخليج العر ببى 


© دراسة في سوسيولوجيا التجربة المسرحية في الكويت والبحرين 


تأليف 
د.إسراهيم عبدالله فلوم 


ع لعن 


سلسلة كنب ثقافية شهرية بس رها المبلس الوطفيٍ للثقافة والفنون والآداب الكوية 


صدرت السلسلة في شعبان 1998 بإشراف أحمد مشاري العدواني 1923 1990 
105 
المسرح والغيّر ال جتماعى 
دراسة في سوسيولوجيا التجربة المسرحية في الكويت والبحرين 


تأليف 
د.اسراهيم عبدالله فلوم 





] ¢ 








وروحج ی kkk ag‏ 
المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها 
ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس 


xin 


الفصيال الول 
الاستجابة التلقائية للتغير من الارتجال الى الانقسام 


الفصل الثاني 
النموذج الهزلي المقلوب نموذجا للتغير 


الفكل الات 
التشكيل الهزلي من الهوة الثقافية 


الفصل الرابع 
التشكيل الهزلي من مستقبل التغير ومخاوفه 


تمهيد 
الفصل الخامس 
جدلي الحواجز الدرامية في تقاليد الأسرة 


جدلية القوى الدرامية في انهيار النظام التقليدي للأسرة 


الفصل السابع 
الحتميّة الدراميّة في حتميّة التغيّر المادي للأسرة 


الفصل الثامن 
الدرامي من الأرضيّة العادية والسيكولوجية للأسرة المتغيرة 


ص 


43 


6 


55 


109 


137 


169 


191 


xin 


الفصل التاسع 


خيال الرؤية المسرحية الجديدة من التطور الاجتماعي للأسرة 219 


تمهيد 


الكل االعاار 


الفصل الحادي عشر 


مسرحة النواخذة 


الجصال الات حفر 
مسرحة السلاطي 


خاتمه 


الهوامش 


المراجع والمصادر 


المؤلف في سطور 


25١ 


279 


307 


337 


343 


357 


363 


مقدمه 


تنطوي هذه الدراسة على محاولة ظاهرة للتقدم 
بتفسير سوسيولوجي للتجربة المسرحية في الخليج 
العربي (الكويت. البحرين) معتمدة على عاملين 
أساسيين: 

الأول: ينطلق من أن هذه التجرية المسرحية 
ليست مجرد انعكاس طبيعي للموضوعات 
الاجمساعية أو السياسية: أو الاقتصادية. واا 
هي انعكاس موضوعي لها. يستهدف الربط بين 
عناصر العمل المسرحيء وعلاقات الواقع التاريخي 
في سياق يلتهب بالحقيقة الجوهرية. ويستكشف 
«التموذج» أو «التمط» ليس باعتياره صفة جامدة 
أو قانونا ثابتاء وإنما باعتباره مستودعا للوعي 
الجمعي أو الرؤية الكلية للواقع. 

الثاني: يبحث في علاقة الصور والأفكارء أو 
الأشكال والمفاهيم بحركة التغير البنائي في مجتمع 
الخليج العربيء في محاولة للاهتداء إلى كيفية 
تولدهاء وتطورها على نحو يجعل للشكل المسرحي 
(وليس مضمونه فحسب) أعماقا سوسيولوجية, لا 
يمكن بحال من الأحوال أن تكون خارجة عنه؛ وإنما 
لامناص من أن تكون مفتاحا لمستغلقاته الداخلية. 

وقد وجدنا الأرضية الصالحة للبحث على ضوء 
ذلك المنهج في الربط بين التجربة المسرحية. وحركة 
التغير الاجتماعي في الخليج العربي لما في هذا 
الربط من التخصيص والإثبات. تخصيص للحقائق 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


کک Ea‏ ن تتسم بالشمول» ا ٠‏ وهي 0 
المسرحي. ولا مراء في أن البحث قن العلاقة الجدلية بين المسرح والينية 
الاجتماعية يقود إلى الخوض في طبيعة المشكلة الأولى في سوسيولوجيا 
المسرح» وهي تحديد نوع العلاقة التي تنشاً بين ظهور المسرح وبنيته 
الاجتماعية المتطورةء كما تنبهت لذلك بعض الدراسات المنهجية الجديدة 
في سوسيولوجيا الرواية . ذلك أنه لا يمكن فهم لحظة ابتكار مجتمع من 
المجتمعات لفن المسرح أو خلقه في مكان ماء وزمان ما إلا من خلال كون 
المسرح تجربة واقعة في الوعي الجمعي وموففا نابعا منه بالضرورةء ورؤية 
لما يحدث من تغيرات فى البنى الاجتماعية والسياسية: فالمسرح لا ينشاً 
من تلقاء نفسه أو ضمن عوامل خارجة عن الزمن الاجتماعي والمكان 
الاجتماعي. وإنما يتشكل من ديناميات التغيرء وفعلها الدرامي المتبلور في 
الواقع ال 

الافتراض الذي ينظر إلى سيد التغير بما بويا ا اه من دافعية 
وإرادة ورغبة في التحقق الفردي-باعتبارها خصوصية درامية» وليست مجرد 
ال ل الا اك ور Ma‏ 
التي خلقها ظهور النفط» وانقلاب نمط الإنتاج في فترة وجيزة من الزمن. 
ولا نعني بظهور النفط مجرد «المادة الخام» وإئما نعني به محركا أساسيا 
لتطور النظام الاجتماعي والسياسي في ذلك المجتمع. فقد كان الواقع 
الاقتصادي والاجتماعي للمناطق الساحلية في شرق الجزيرة العربية 
(البحرين؛ الكويت. قطرء الساحل العماني) يعتمد على نمط الإنتاج التقليدي 
الشائع في كثير من المجتمعات الآسيوية كالزراعة وصيد الأسماك. والغوص 
(۱) يرى لوسيان جولدمان في كتابه (من أجل سوسيولوجيا الرواية) أن المشكلة الأولى التي ينبغي 
أن تواجهها سوسيولوجيا الروايةاهي الماافة بين الشعل ريك الاجتماعية التي ترركت هيهاء أو 
بعبارة أخرى ما بين الرواية تنوع أدبي ومجتمع فردي حديث. 





المقدمه 


على اللؤلؤ. والتجارة؛ ثم اكتشف النفط في هذه البلادء ابتداء من مطلع 
العقد الرابع» فعرفت مصدرا حديثا للطاقة: والثروة. وميدانا لنشاط القوى 
العاملة. ومحركا للانتاج الجديد. وظرها تاريخيا حاسما لسلسلة من التغيرات 
السكانية. والحضرية والسياسية والتعليمية. وفسحة عريضة لظهور حركات 
التحديث والتتميةء بل أن نمط الإنتاج الحديث (النفط) جعل هذه البلاد 
لقمة سائغة للاحتكارات الأجنبية. وفرصة سانحة لنشوب التبعية الجديدة 
للنظام الرأسمالي الغربي في قلب المجتمع. 

إن التفاعل بين هذه الوجوه المتعددة لظهور النفطء. وبين الهياكل 
الاجتماعية التقليدية القائمة جعل مجتمع الخليج العربي في ظرف تاريخي 
يتميز بظواهر. ومشكلات مصاحبة للتغيرء ريما لم تعرفها المجتمعات العربية 
الأخرى بنفس الحدة والتوترء والصراع الذي وجدت عليه في ذلك المجتمع؛ 
كظواهر التسريع؛ والهوة الثقافية؛ والانقسام بين القديم و الجديد . والصراع 
بين التقليدي والمحدث. وصعود طبقات اجتماعية إلى السلطةء رغم جذورها 
الاجتماعية الرثةء وتلاشي الماضي» رغم قرب عهده. وسيطرة الخدمات 
الاستهلاكية. رغم لا عقلانيتها . وقلق التغيرات الديمغرافيةء والصراع بين 
الأجيال» وسقوط النظام القديم على مرأى من صعود النظام الجديد للحياة 
الاجتماعية. ونحو ذلك من مشكلات التغير البنائي في مجتمع الخليج 
العربي. 

وفي مثل هذا الظرف التاريخي المنقسم يتحقق الظرف الجوهري لتحرير 
ميلاد الحركة المسرحية منذ السنوات الأولى من هذا القرن فتصبح المسرحية 
المحلية نموذجا فنيا لديناميات التغير. ولضامينها الديمقراطية الراهنة أو 
البديلةء ولم يغب عن الحركة المسرحية بسبب ذلك قيامها بدور في غاية 
الدقة والخطورةء وهو أن تكون مجالا لتفتح الحريةء ومهادا للاستبصار 
الديمقراطي لا نكاد نجد له مثيلا في التاريخ الاجتماعي والثقافي لمجتمع 
الخليج العربي. 

وفي دراستتا للمسرح والتغير الاجتماعي في الخليج العربي تصميم 
على ضرورة وضع التجربة المسرحية في هذا الجزء من الوطن العربي في 
سياقها التاريخي الصحيح» وبحث جاد عن خصوصية هذه التجربة, لا 
بمنطق السرد التاريخي. أو الوصف الخارجي. وإنما بمنطق يستهدف العثور 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


على تلك الخصوصية في سياق مرادفتها لحركة التفيرء وتعبيرها عن وعي 
القوى الاجتماعية بهذه الحركة. ونفترض من أجل تحقيق كل ذلك فكرتين 
أساسيتين: تستكشفهما هذه الدراسة بعناية شديدة: وتستهدف إثباتهما 
بحذر أكثر شدة: 

الأولى: إن حركة التفير الاجتماعي ليست مجرد موضوع اجتماعي 
للتجربة المسريحية وإنما هي سياق يحرر ميلادهاء ويبلوو أشكالها: في 
حالة ما إذا كانت تلك الحركة مرتبطة ارتباطا إراديا بالوعي الجمعي» أو 
بالموقف الكلي» المتحررء الذي تقفه المجموعة إزاء الواقع في ظرف تاريخي 
محدد» من أجل تحقيق ذاتها. 

الثانية: إن التجربة المسرحية في مجتمع الخليج العربي بديل ظاهر 
للحرية الغائبة في هذا المجتمع؛ أكثر من كونها تعبيرا ظاهرا عن الحرية 
المتحققة فيه. 

وبين الفكرتين السابقتين علاقة جدلية واضحة. ذلك أن التغير المريوط 
بالوعي الإرادي لا يكون إلا من أجل أهداف ديمقراطيةء من شأنها أن تضع 
«المجموعة من الأفراد» في إطار تاريخي يحقق الوجود لذاتها . كما أن قيام 
التجربة المسرحية بديلا للحرية: أو الديمقراطية؛ ما هو إلا التشكيل المأمول 
للتغير الاجتماعي. فالتفير (الذي يتحكم فيه وعي الجماعة) يعني 
اا دوالك بطر اناي قت ار ا 

ولا مراء حينكة في آن يكون الكثير مما نراه غلى خشبة المسرح بديلا 
للكثير مما لا نتمكن من تحقيقه في حياتنا اليومية. فطا ما أن العمل الفني 
«يمثل لدى المبدع» ولدى المتأمل تخليصا من الطاقة العليلة التي كانت قد 
تراكمت لأقصى الحدود لديهما على اتجاهات معينة»'» فإن العمل المسرحي 
سيكو اتير اكترسن ساكر الغنون الأنخرس يقدركه على اشتغصاء اللكبوت 
من الرغبات» وإزالة الكوابح التي تحول دون التغيرء وتخليص الأفراد من 
قيود تقف أمام أي «احتمال» أو «ضرورة». 


)١(‏ جان برتليمي» بحث في علم الجمال. ترجمة د. أنور عبد العزيز. مطبعة نهضة مصر 
القاهرة؛ 970| ص 101 . 





البباب الأول 7 
تشكيلات المعزلة العنية في حركة التغير 


فهد: د يبه انَتَهِينَا يا يبه رِحَنّة يا يْبَه 

العم: إفتصّاير خير.. .كم 

فهد: مصيبة مصيبّة حلت علينا كنا 

الحم: الود وققة الفلفل اللي قت“ مَدَوَه 
فهد: يا ليت 

العم: كركيا وَقْفَتَ مَجَبُوس اللَّحَمَ ؟ 
فهد: يا ليت يا يه يا ليت 

العم: «المَرَقُ» الهولندي مُنعٌ إستيراده 5 
فهد: يا ليت يا يبه يا ليت 

العم: إِحَنَةَ ألحيّن متنا من الجوع وإِنْت تقول يا ليت 
فهد : يا ليت يا يُبَه يا ليت. 

العم: نموت من الجوع يا ليت !!! 
علاوي: التَقَط انْتَهَى ٩5‏ 

فهد : (يهز رأسه) 

«الكويت سنة 2000» 

سعد الفرج 966! 


تمهيد 


فى أواخر الخمسينات وصلت البدايات 
ارح الى ات نى اكلا رس والأندية إل 
ھا روا اها كبرحلة تازيحية ابوه 
الدروس الماضية للدور الإصلاحيء لتبدأ في الظهور 
سيماء تجربة مسرحية مختلفة اختلافا شديدا عن 
تلك البدايات الأولى. وأبرز مظهر للتغير الذي 
سات ار اسا فى مجك الخليج الغريي 
هو انتقالها من ساحات المدارس, والأندية إلى المكان 
ال ياص ادام العرض سركي تهنا 
يحققه من وسائل» وأدوات لها ضرورتها الفنية. 
وهذا يعني أن المسرح لم يعد اهتماما هامشياء 
ينطوي ضمن الاهتمامات العامة؛ فقد أصبح تكوين 
الفرق الشرحية منذ أوائخر العقد الحاعسن 
الفا الاسام جرفرى بارخ وا مل 
هذا الانتقال. مظاهر أخرىء» أطلقت للتجربة 
السا ا ف الدراح الرض ااي 
وتفتحه من الإرادة الذاتية؛ التي دفعتها التغيرات 
الاقتصادية دفعا متحررا. من ذلك أننا نجد منذ 
بداية العقد السادس مولدا حقيقيا للجهد. الكائن 
وراء كال ف امير العرص السريحي رق اورت 
حدامية الحسرض يطهون الخرن O‏ 
المتخصصة. كما تبلورت حرارة التغيرات بعمقهاء 
وتشارهها عن هور المشرحية الملية الى كدب 
اة العاميةة من آل أن خعرض لا أن فقرا: 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وكان ذلك يعني» أن التغير في مجتمع الخليج العربيء بدأ يخلق للتجربة 
المسرحية طابعا سوسيولوجياء أو سيميولوجياء يتميز بتشابكه العضوي مع 
الظرف التاريخى لحركة التغير. 

إن الجر لسر مف بذ الق اساد ايكذ اع لكل كع الساهات 
التغير في مجتمع الخليج العربيء إنها ظاهرة متكونة من تغير البنى 
الاجتماعية في هذا الجزء من الوطن العربي؛ ولقد بدأت هذه الظاهرة 
المسرحية تفصح عن معالم واضحة؛ كلما ازدادت معالم ذلك التغير وضوحاء 
أو كلما تبلور تمثل الجماعة لمظاهر التغيرء عن مزيد من الحاجة لإشباع 
الإرادة الفرديةء بالتحقق والإثبات» ولا يمكن لنا في وقفة سريعة أن نرسم 
صورة جلية للمعالم الرئيسة في التغيرء لأن حجم هذا التغير من الغنى؛ 
والعمق بحيث أنه أصبح وراء قيام تجربة مسرحية بأسرهاء في فترة لا 
تتجاوز ربع قرن من الزمن. 

أما البرجوازية «المعارضة» فهي الأوسع قاعدة؛ إنها تستفيد من التنمية, 
والتغير دون شكء ولكنها تقع أكثر من غيرها في دائرة استغلال برجوازية 
السلطة: إنها لا تمتلك أكثر من دخلها المحدودء ولا تقع عليها أعباء 
الاستهلاك الذي يجعلها دائمة التبرم. رافضة؛ وغير واثقة من الأوضاع 
السائدة. ومن ثم أصبحت مثارا للكثير من المتاعب» التي تواجهها حكومات 
المنطقة. ولكن لا يعني ذلك إخلاص هذه البرجوازية الدائم للتغير 
«الديمقراطي» سواء في صورته المتحققة, أو المأمولةء لأن مواقف كثيرة من 
الحيرةء والقلق» والنكوصء والتأرجح» خرجت منها قبل أن تخرج من غيرها . 

من جملة ما سبق» يمكن لنا أن نلاحظ» كيف أصبحت ديناميات التغير» 
قابلة للتمسرح» على نحو ليس له مثيل في التاريخ الاجتماعي لمنطقة الخليج 
العربي» فقد اقترن هذا التغير بشروط جديدةء لا يمكن أن يؤدي تمثلها 
بأي شكل من الأشكال إلا إلى خلق التجربة المسرحية؛ وليس تغيرها فحسب؛ 
عما كانت عليه في البواكير المسرحية. وأبرز ديناميات التغير. نجدها في 
تلك الطبقة الاجتماعية. التي أطلقنا عليها «البرجوازية المعارضة». ذلك أن 
هذه الطبقة وجدت في المسرح مضمونا حيويا لإشباع معارضتها للأخلاق؛ 
والعادات» والقوانين والنظم» التي أفرزتها التغيرات الجديدة. كما وجدت 
فيه مضمونا لتفريغ همومها الذاتيةء النابعة من صدامها مع التغيرء وإذا 


14 


تمهيد 


كانت قد صاغت لها مواقف متقدمةء تمتحن سيكولوجيتهاء امتحانا مرهقا 
في بعض الأعمال المسرحيةء ومواقف حائرة. قلقة في أعمال أخرى؛ ذات 
طابع ميلودرامي» فقد كانت من خلال ابتداع فن المهزلة السلوكية؛ أقدر 
على الخروج معافاة من الصدام مع التغيرء ولذلك تزدهر المهزلة الفنية 
على يد هذه الطبقة ازدهارا ملحوظاء خاصة بعد أن تلقفت قالب هذا 
الفن: جاهزا من خلال التركة الفنية التي خلفها المسرح المرتجلء أو الهرجة 
الشعبية المرتجلة. ولم تكن المهزلة السلوكية شكلا عميقا للتوغل في المعارضة, 
وإنما كانت شكلا يتمثل الحل السريع للتعارض مع تناقضات التغير؛ وأعبائه 
المتراكمة. ومن ثم جاءت المهزلة مسرحا لملاحقة التغير المتسارع عند أغلب 
كتابها المبرزين» وخاصة في الكويت» التي حققت التغيرات الاقتصادية 
فيهاء معدلا متسارعا لم تشهده مجتمعات الخليج العربي؛ إن لم تكن 
اللجتمعات العربية تاسرها. 

وجملة الأمر فإن المهزلة تؤدي جميع وظائفها تقريباء من خلال ارتباطها 
بالطبقة الاجتماعية المعارضة. لقد اتخذت منها سلاحا لنقد برجوازية 
«السلطة» بصفة خاصة. كما اتخذت منها وسيلة للتصحيح الاجتماعي؛ 
وصيانة الأفكار والأشكال الثابتةء والمستقرة ضد شتى عوامل الابتداع 
والتصنع؛ والتنافرء التي أتى بها التغير السريع. وأخيرا فإن هذه «البرجوازية 
المعارضة» تبتدع المهزلة لإثبات وجودهاء وكيانها الاجتماعيء وهي تحقق- 
لذلك-ما ذهب إليه الفيلسوف الإنجليزي سلي :51711 من أن الضحك-وهو 
أداة أساسية في المهزلة-«عامل صراع يساعدنا على أن نجاهد في سبيل 
استبقاء الحياة الجمعية على ما هي عليه؛ لأنه يسمح لكل جماعة بأن 
تحافظ على كيانها في حدود تقاليدها وعرفها.. . وبعبارة أخرى يمكننا أن 
تقول إت حينم كر الجماعة الوخد ةم غيزها من الجماعات (باعتيارها 
مغايرة لها) فإنها تحافظ بهذه السخرية على صميم كيانها الاجتماعي».!") 

ونعتقد أن إقرار النظام الديمقراطي في مجتمع الكويت» يمثل عاملا 
أساسيا في تمثل الوعي الجمعي للمضمون الديمقراظي. وترسبه في خلق 
التجربة المسرحية. وخاصة تجربة فن المهزلة لأن هذا النظام من شأنه أن 
يطلق حرية الفردء ويفتح لها المجال للمشاركة الواعية في التغيرء ذلك أن 


69 د. زكريا إبراهيم؛ سيكولوجية الفكاهة والضحك» مكتبة مصر بدون تاريخ» ص‎ )١( 





المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


عمر التجربة الديمقراطية في الكويت لا يكاد يقل كثيرا عن عمر التجربة 
المسرحية. إنهما تجربتان متعايشتان على نحو متفاعل وقد منحت التجربة 
الأولى للثانية. مقدرتها البالغة في الحوار مع الماضيء والحوار مع النظم 
الاجتماعية؛ والحوار مع التقاليد» والقوانين التي أن بها التغيرء والحوار مع 
الأفكارء والمفاهيم الجديدة: في حين منحت الثانية للأولى: وعيا أعرض 
لمعنى المعارضة؛ فقد جعلت من هذه المعارضة فضية تتبلور بصورة عنيفة 
في الأسرةء وبين الطبقات» وبين الأجيال أيضا. ومن ثم أصبحت المسارح 
شأنها شأن الجمعيات والنوادي» التي أقر الدستور إقامتهاء بمثابة «المحاولة 
الشعبية لتنظيم الرأي العام. وتحشيده» وتركيزه في بؤر مؤثرة على القرار 
السياسي داخل أروقة مجلس الأمة».!') 

وقد كانت المهزلة السلوكية المزدهرة على يد محمد النشمي» وعبد 
الرحمن الضويحي» وحسين الصالح؛ وصالح موسىء» وغيرهم أكثر الأشكال 
المسرحية تفتحاء وسط أجواء الديمقراطية؛ ولا مراء في ذلك ما دامت 
نشأة الملهاة ترتبط منذ القدم بعهد كان الناس «يحكمون فيه حكما 
ديمقراطيا» كما أشار إلى ذلك أرسط 2 

لقد انعكست البنية الاقتصادية الحديثة بعد ظهور النفط بلا تغير 
البنى الاجتماعية؛ فازدادت معدلات النمو السكاني. بصورة لم تشهدها 
مجتمعات الخليج العربي عامةء وليست الكويت أو البحرين وحدها. وتخلخل 
الوضع الديمغرافي التقليدي» فبدأت تنحل-تدريجيا-وحدة القبيلة أو وحدة 
القرابة. وتعرض نظام الأسرة لطوارئ التغير الاقتصادي الحديث. بحيث 
بدأ يفقد طابعه التقليدي الممتدء ويتجه إلى حجم متناقص تتلاشى معه 
السلطة الأبوية. 

وازداد تغلغل أشكال الحراك الاجتماعي في الطبقات الاجتماعية؛ كما 
ازدادت عمليات التقبلء والتمثل للأوضاع الجديدة؛ التي عمقتها معدلات 
التطور الواسعة في التعليم. والخدمات المختلفة الناجمة من فائض الثروة. 
كتوزيع الحكومة الكويتيةء لجزء كبير من دخل النفط على السكانء سنويا 
عن طريق ما يعرف ب «التثمين» (وهو شراء أراض ومساكن من الأهالي 
)١(‏ د. عبد الله النفيسي. الكويت الرأي الآخر. لندن 1978 .ص49. 
(2) أرسطو طاليسء في الشعر. ترجمة عبد الرحمن بدوي ص 10 . 


106 





تمهيد 


بأسعار مرتفعة جدا بهدف التوزيع الديمغرافي الجديد, وتنفيذ مشاريع 
التنمية). وتدريجيا تحولت الثروة إلى غطاء فضفاضء ستر الكثير من 
التناقضات الاجتماعية؛ فالطبقة العمالية لم تعد تمثل حجر الزاوية في 
الصراع الاجتماعيء نظرا لأنها تتكون من أغلبية مهاجرة مسحوقة, وأقلية 
محليةء تتمتع بدخل مرتفع إلى حد ما. ولذا انتقل الصراع إلى داخل الطبقة 
البرجوازيةء التي أتى عليها التغير الاقتصادي بالتشرذم: والتناقض بين 
شرائحها العلياء والدنياء فقد أصبح التناقض الجوهري قائما بين ما يمكن 
تسميته ببرجوازية السلطة (الشرائح العليا) وبرجوازية المعارضة:؛ (الشرائح 
الدنيا) وقد أفادت الأولى من القوانين العديدة؛ التى قامت الحكومة بتشريعها 
في اللحالات الاقتسنادية و الإ اة والسياسية وكات أول من اساد 
من عمليات التثمين. وفي حين اعتمدت شريحة منها على نفوذها القبليء 
والتجاري القديم؛ نجد شريحة أخرى تعتمد على مؤهلات ذاتيةء اكتسبتها 
من واقع التغيرء ودفعت بها نحو النمو في القطاعات المتصلة بالدمج مع 
النظام الرأسمالي فهي نموذج شائع للبرجوازية المحلية؛ التي «تصلح مروجة 
لطراز الحياة الرأسماليء تمتص المستوردات المترفةء وتدافع محلياء وباسمها 
عن المبادئ الصالحة لحرية المبادرة والإثراء الشخصي». (') 

وأغلب ما في عوامل التغير من تمثل (ونعني بالتمثل تلك الظاهرة 
الاجتماعية المماثلة للظاهرة الفسيولوجية التي تتحول فيها المادة الغذائية 
إلى عنصر حي) ينعكس بصورة متوغلة في ابتداع فن المهزلة. فضلا عن 
انعكاسه بصورة عامة في ابتداع أشكال مسرحية أخرى. الأمر الذي يسوغ 
لنا النظرء باهتمام بالغ للكيفية؛ التي صاغت فيها تجربة التمثل الاجتماعي 
في حركة التغير لأشكال المهزلة الفنيةء أو لنماذجها الدرامية. على خلاف 
ما حظيت به من إغضاء يقلل من شأنها لدى بعض الباحثين. ” وليس 
الاهتمام» أو الجدية التي نوليها للمهزلة سببا في التبكير بدراستهاء وإنما 
انتشار هذا الفن في فترة سنوات العقد السادسء والسابع» وظهوره المبكر 
بالقياس إلى أشكال مسرحية أخرى: يجعل منه فنا يحتل مرحلة الابتداء 
(1) ايف بينوت ما هي التنمية؛ ترجمة سعيد أبو الحسنء دار الحقيقة بيروت» بدون تاريخ ص 62 . 


)2( نجد كتاب «الحركة المسرحية في الكويت» للدكتور محمد حسن عيد الله اهتماما مطردا 
بالمسرح الجاد لا يمكن مقارنته بالصفحات القليلة المخصصة للمسرح الهزلي. 





المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


في تاريخ التجربة المسرحية في الخليج العربي. 

إن ظاهرة المسرح الهزلي تتمتع بانتشار قد لا تفوقه ظاهرة أخرى. لأنها 
تستقطب وحدها الجانب الآكبر من جهود التجربة المسرحية؛ طوال سنوات 
العقدين الماضيين. وإذا كان ذلك يذكي الرغبة في دراستهاء فإنه يثير 
أسباب الحذر في معالجة الكثير من نماذجهاء ذلك أن هذه الظاهرة لا 
تخلو أمثلتهاء ونماذجها من التكرار أحيانا. والاضطراب وعدم الوضوح 
أحيانا أخرىء كما لا يعدو أثر بعضهاء كونه عابرا من غير امتداد؛ أو 
استمرار. ومثل هذه الأسباب تدفع بنا إلى تخير النماذج الواضحة: التي 
نراها تتشكل بصدقء وعفوية من خصوصية التمثل الاجتماعي لظواهر 
التغير في مجتمع الخليج العربي. 


الإستجابة التلقائية للتغير 
من الإرتجال إلى الإنقسام 


ابتداع فن المهزلة في مجتمع الخليج العربي 
يبدأ من خلال تجربة الإرتجال المسرحي» مما يجعل 
من البحث في هذه التجربةء بحثا عن الجدور 
الشعبية: والاجتماعية لهذا الفن» الذي حقق من 
الانتشارء ما لم يحققه فن آخر. ولقد رأينا فيما 
مضى أن مرحلة البواكير المسرحية تكاد تخلو 
نصوصها المكتوبة من وسائل المهزلة السلوكية, 
باستثناء مسرحيتي «خروف نيام نيام» و«مهزلة من 
مهزلة».ولا يمكن أن نعتبر هاتين المسرحيتين 
الأصلء الذي تطورت منه الكوميديا الهزلية في 
السعينات. وذلك لأنباب رة متها آق حييد 
الرجيب. صاحب تلك التجربة «الهزلية» المكتوبة, 
تنقطع صلته بالمسرح. ولا يكتب لها 
الاستمرار.والتأثير. ومنها أن المسرحيتين لم تعرضا 
على خشبة المسرح في الكويت حتى يمكن افتراض 
الآثر. والامتداد منهماء إذ عرضت «مهزلة في 
مهزلة» في القاهرة بين جمهور محدود من الطلاب 
في مناسبة احتفال ديني (المولد النبوي). كما نشرت 
«خروف نيام نيام» في مجلة البعتةء التي كانت تصدر 


1۹ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


شهريا في القاهرة. وقد انطوت مع طي الصحيفةء وأصبحت معزولة عن 
السياق ا اسر وها آنا سوحن الان جردا لا تخلر انميت 
التادر الواضح ا اجو النصبى:كهما مجان من العاليلة رة وشخضيات 
من التراث العربي؛ ونمالاج من الواقع الحلى وهذا يعني أنهما تجريتان 
تضمنتا استلماما غير مباشر لأجواء متحققة من المهزلة الشعبية. 

ولسيهى لكاي القطع يرحتو الللسدرض | لمرتول كل E‏ من القارزية 
ای فى اتا لیے كانه فى ذلك قتاع اا ات السرنية 
الأخوف انض كان ال جال دام باهر دة جر تكله يتقو لخر 
لفات الى هدد :فى مداكل الوت الكزيرة ااا اتی اة او 
الخاريجية كنا حرف هة الجن موابهم من الادال الشعيئ: الحتمب 
بمواسم» ومناسبات الغوص والبحر: كموسم «الركبة» و«الكفال». ومناسية 
الاحتفال بالسفينة الجديدة «أوشار». وبينما كان «الراوي» الشعبي في 
الجالدس يتوم يدوو ا الق مغرف رسائل ا على انج اسن 
بما يسخر فى «سوالفه» (1) من الطرائف. والحركات المسليةء نجد الجماعات 
مق الارسال:والنساك وت نحاكم البااد ير تجلون فى راس الغوصن مشاه 
والانتظارء أو الخوف والانفصال. 

ويمكن إضافة ظاهرة الاحتفالات الدينية التى تتخذ فى كثير من الأحيان 
طابعا تشخيضياء كالوائد النبوية وذكرص غاشوراة قى مجم الخليج 
العربي-وخاصة البحرين-تنتشر طائفة كبيرة من الشيعة ذات أصول عربية 
غالبا-وتوجد بينهم طقوس كثيرة من التعزية؛ في المناسبات الدينيةء يعتمد 
ااي كبير :نهنا على تجميينا العراظلك الما والرافت الا ية فى 
تمثيل مرتجلء وينتشر ذلك من المآتم الشعبية بصورة خاصة؛ وفي مواكب 
العزاء في شهر محرم» وكان يعتبر من حسن الطالع للفتاة الصغيرة أن تمثل 
دورا كدور السيدة زینب» أو السيدة سكينة بلت الحسين. 

و الط مرا اه الان ا الا لري الو ةا دة 
متوغل الوجود في الزمن الاجتماعيء لأنه طريقة في التعبير عن الطاقة 


الإستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


الجمعية. لا يمكن تحديدها بزمن معين؛ حتى لقد اعتبر الارتجال» أصلا 
للملاحم الشعبيةء والأشكال الدراماتيكية. ومصدرا للكوميدياء أصلا 
للملاحم الشعبيةء والأشكال الدراماتيكية ومصدرا للكوميديا الإغريقية 
والرومانيةء وشكلا مستقرا للكوميدياء دي لارتي» الإيطالية بصورة خاصة: 
ويذكر لنا بعض الباحثين؛ أن أساس الكوميديا طقس شعبي» «كان فيه 
مجموعة من المهرجين العابثينء ينتظمون في مواكب» ويترنمون بالأغانيء 
التي لا يعرف اسم مؤلفها بالضبط» 2. 

وحين عرف مجتمع الخليج العربي فن المسرح حدثت ظاهرة تستلفت 
الانتباه. وهي أن المسرحيات التي اعتمدت على أسلوب الدرس التاريخي» 
أو الأخلاقي في الثلاثينات والأربعينات. اتخذت لها تطورا منعزلا عن نمو 
الهرجة الشعبية المرتجلةء فبينما انتهت الأولى إلى طريق مسدود. منذ 
نهاية العقد الخامسء كانت تلك الهرجة تجد طريقها إلى التفتح» والنضوج 
والاستواء في شكل المهزلة السلوكيةء ومثل هذا النموء يؤكد على أهمية 
الجذور الشعبيةء والاجتماعية في ابتداع الشكل المسرحي. لأنها-أي هذه 
الجذور-تتحول إلى عامل استقطاب جمعي» لكل ما تسفر عنه عملية التمثل 
الاجتماعي من ترسبات جديدةء يجتذبها موقع الاستقطاب في وجدان 
الجماعة. 

ولقد تعايشت البواكير المسرحية في الأربعينات والخمسينات بأجوائها 
الكلاسيكية. وأفكارها الرومانسية الا الأولى للمهزلة الشعبية 
المرتجلة. ولكن بصورة جعلت من الصعب على أحد اللونين؛ أو الشكلين أن 
يؤثر في نمو الآخرء أو في طبيعته الفنية. وهذه سنة لا يمكن حدوث 
خلافهاء ما دامت أصولها مختلفةء وما دامت هناك نظرة من المسرح الجادء 
أساسها عدم الاحترام للجو العابث الهازل في الكوميديا. 

ولما كان الهدف الذي يقوم الارتجال المسرحي من أجله مختلفا عنه في 
المسرحية التاريخيةء فقد شاعت فكرة أن تتخلل الفواصل التمثيلية المرتجلة 
بين فصول المسرحية التاريخيةء أو الاجتماعية. ويؤكد لنا ذلك بعض من 
تعقيبات الصحف ال محلية. فقد جاء في تعليق مجلة الرائد الكويتية على 
نجاح مسرحية «مجنون ليلى» قولها: «وختمت الحفلة بفصل هزليء. عالج 
بصورة فكهة. بعض مشكلات الشعب اليوميةء والتي تدور في كل مجلس 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وناد .» .ولا مراء في أن ذلك تقليد شائع في البلاد العربيةء ينحدر إليها 
منذ الكوميديا الشعبية الإيطاليةء والمسرحيات «الساتيرية» الإغريقية. ولا 
يقل ذلك من أهميتها: أو قيمتها. لأن هذا اللون يتمكن من إحكام صلته 
اترات اكترمن السات التاريخية: و الأنخلافية انا هن طبينة الارتتجال 
بجذوره الاجتماعية المتحققة من قدرة على استقطاب أجواء الهزل. والعبث 
كما ذكرنا. 

لقد انتشرت الفواصل الهزلية مع بواكير الحركة المسرحية في الخليج 
العربي؛ وأصبح لها ممثلون يشهد لهم بالمقدرة والذكاء» في تمثيل مواقف 
حادة النقدء والسخرية لبعض الأوضاع الاجتماعية؛ بيد أن من الصعب 
الخروج بصورة واضحة لهذا اللون من المسرح الهزليء لأن هذه الفواصل 
التمثيلية المرتجلةء رغم كثرتها-لم تترك أثرا يسجل صورتها الأصيلة التي 
كانت عليها عند العرض مع أن الأثرين الفني والاجتماعي. اللذين تركتهما 
في تطور المهزلةء وانتشارهاء لا يمكن تقديرهما حق قدرهما إلا مع البحث 
الدقيقء فيما تمثلته المهزلة السلوكية الشعبية: أو المكتوبة من مشاكل التغير 
الاجتماعي. 

ولا تقتصر هذه النظرة على الهرجة المرتجلة في مجتمع الخليج العربيء 
بل إنها تتسحب بوضوح على المهزلة الشعبية المرتجلة في الوطن العربي؛ ^ 
وهي-على أي حال-ظاهرة متكررة منذ الكوميديا الإيطالية الشعبيةء فعلى 
الرغم من آن مسرح الكوميديا دي لارتي» حلا يقول الأرديس نيكول «لم 
يمنحنا في الواقع تمثيلية خالدة في هذا الزمنء فقد أنشأ صورة المسرح» 
التي لم تزل باقية حتى اليوم؛ لقد خلق صورة مسرحية غير جديرة بالخلود, 
غير أنها حظيت بشغف أوروبا كلها. وشمل الإعجاب بها أعظم رجال المسرح 
في القرنين السابع عشر والثامن عشر». © 
صدى واسعا في المسرح العريي» وفي التجرية المسرحية في الخليج العربي 
بصورة خاصة»ء فقد خرج كثير من الكتاب. والمخرجين. والممثلين في هذه 
التجربة من مدرسة الارتجالء نذكر منهم محمد النشمي» وعبد الرحمن 
الضويحي؛ وحسين الصالح الحدادء وعبد الحسين عبد الرضاء وعبد الله 
خريبط» وغيرهم من الكويت» وراشد المعادة. ومحمد عواد» وعبد الرحمن 
بركات من البحرين. 


. وهذا حق لا ريب فيه:؛ نجد له 


اإاستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


ويعتبر محمد النشمي رائد المهزلة الشعبية المرتجلة. ومؤسسها في 
الكويت والخليج العربي» ليس لأنه أقدم من ارتجل التمثيل العابث. بل لأنه 
في تقديرنا أول من خرج بهذه الظاهرة من بين فصول المسرحية التاريخية, 
وجعلها تتميز بوجود مستقلء وتتألف من خلالها أهداف واضحة:؛ لم تكن 
تقتصر على مجرد التسلية العابرةء كما كان في السابقء وهذا يعني أنه 
حرر الارتجال المسرحي» مما علق به من أفكار عوقت تطوره فترة من 
الزمنء حيث لم يعد هذا الارتجالء وسيلة تتخذ للترويح من جدية التاريخ, 
ووقاره» أو من شجن المواقف وأحزانهاء وإنما أصبح مسرحا له وسائله 
الفنية. وموضوعاته المفسرة» للكثير من مظاهر الحياة الجديدة. ومن خلال 
دراسة الجهود المسرحية عند محمد النشمي يمكن لنا التعرف بوضوح على 
مظاهر الامتداد» والاستمرار التى تمثلت فى المهزلة السلوكية المكتوبة. من 
جراء خروجها عن مدرسة الارتجال المسرحي. وهو يقتضي منا في بدء 
الأمر أن نتعرف على مفهوم الارتجال عند محمد النشميء ليتسنى لنا فيما 

والحق أن فكرة محمد النشمي عن الارتجال المسرحيء لم تكن تختلف 
عن الشكل السائد للمهزلة الشعبية المرتجلةء التي عرفها رواد المسرح العربي 
المكتوب» وإنما يعتمد على اتفاق مسبق بين ممثلي العرض حول فكرة القصة 
التي يراد تمثيلهاء بعد أن يقدم واحد منهم (أو بالاتفاق بينهم جميعا) 
سيناريو قصير يحدد أدوار كل منهم» والحركة العامة التي ينبغي أن يلتزم 
بهاء ومثل هذه العملية تفترض وجود مقدرة عالية في التمثيل: لاعتمادها 

ورغم أن شكل الارتجال المسرخي قد كشا كما برى بعش البااحثين 
نتيجة تصور شعبي للمسرح موضوعا وأراء فإنه تأثر من حيث الحرفية 
بالمسرح الغربي». بل إن هناك من يتحدث عن نقاط تشابه كثيرة بين مسرح 
الارتجال؛ والكوميديا دي لارتي الإيطالية من أبرزها «اتفاق الممثلين على 
خطوط رئيسة لقصة المسرحية ثم تمثيلهم لها عن طريق الارتجال» © . 
ولعل مما يؤكد هذا التشابه تلك الصورة السائدة عن المهزلة الشعبية 
الإيطاليةء التي «لا سبيل فيها للعثور على نص مكتوب. فلم يكن بيد مدير 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الفرقة غير سيناريو فصيرء يحدد دخول الممثلين وخروجهم مع إشارة موجزة 
إلى ما يفعلونه في كل مشهد» . 

ولم يكن محمد النشمي» يختلف عن الطريقة السابقة في إقامة العرض 
المسرحي. لأنه لم يكن في معزل عن التأثير الخارجي» وفي مذكراته يبسط 
لنا جانبا من بداياته المسرحية؛ التي برز من خلالها من المدارس» عندما 
كان يشارك في التمثيل بمدرسة الأحيدية وقد ظل منن عام , ۱940 حتى 
عام ,1948 مشاركا بارزا في هذا النشاط التمثيلي» الذي بدأ يفقد دوره بعد 
سفر حمد الرجيب إلى القاهرة للدراسة. ويحدثنا النشمي عن ذلك بقوله: 

«وهنا كادت تقف الحركة الفنية تماما في الكويت» ولكني حاولت أن 
أسد هذا الفراغ, إلا أنني توجهت آنا الآخر إلى القاهرة. لحضور «كورس» 
في الكشافة والأشبال والجوالة. وبعد مرور ثلاثة شهور أخذت أتردد على 
مسرح نجيب الريحاني. واختمرت الفكرة في ذهني بأن أكون فرقة شعبية 
بالكويت.. عدت يعدها إلى الكويت. وظللت ثلاث سنوات أبحث عن 
الأشخاص الذين باستطاعتهم تكوين هذه الفرقة» ® . 

وقد وجد محمد النشمي من يعتمد عليهم في تكوين فرفته؛ من بين 
الهواة في فرقة الكشافة المدرسيةء وما أن حل عام ۱955ء حتى باشر النشمي 
في عرض أولى مسرحياته المعتمدة على أسلوب الارتجال الجماعي وهي 
باسم «مدير فاشل». 

إن هناك ضربين من الخبرة الخارجية؛ يتصل بهما محمد النشمي» قبل 
أن يبدأ تجربته الحقيقية مع المسرح المرتجلء يتمثل الأول في خبرة التمثيل 
المدرسيء بما فيها من قيودء وتوجيهات لا تتفق وميوله-دون شك-. ويتمثل 
الثاني في اهتدائه إلى مسرح نجيب الريحاني» الذي أيقظ لديه إمكانات 
المهزلة الشعبية. وقد ضمن هذا الاتصال لمحمد النشمي قدرة كبيرة على 
تطوير الظاهرة الارتجالية في المسرح» فهو لم يسرف في وسائل التسلية. 
والترويح التي جعلت من الفاصل الهزلي المرتجل في السابق نشاطا لا 
ينطوي على قيمة فنية. كما أنه لا يسرف في المواقف الجادةء وإنما تتخذ 
طريقته في مجملها وسائل المهزلة الشعبية اة أداة لمقاومة مظاهر 
القلق الاجتماعي. وفوق ذلك فإنه حين يفرد للارتجال المسرحي وجوده 
الستعل, له مله هفرضة للد اة غاا كنا خود من الباحقت لادد 


24 


اإاستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


كان يحرص على إدماج الظاهرة الارتجالية في ذلك القالب المسرحي. 
الذي يحتاج بطبيعته «المعمارية» إلى عناصر الإضاءة. وعنصر المماثلة 
لتفاصيل المكان: أو الطبيعة. خاصة مع وجود المبدأ الواقعي» الذي يلح 
الارتجال عادة على تحقيقه. 

وأيا ما كانت الطريقة الارتجالية عند النشمي» فهي لا تغترب عن التصور 
الذي فى اليه حول الشاغلية السوسيولوجية فى بداء الممزلة الشهبية 
المرتجلةء ذلك أن أساس الارتجال على المسرح هو أن يسعى إلى عنصر 
دينامي» كائن في الواقع الاجتماعي» وهو الاستجابة التلقائية لمظاهر القلق. 
المتفتحة على نحو يمكن مشاهدته.. أو حصره في الواقع. إنها استجابة 
لخلل ظاهر. لا يتداخل مع الحالات النفسية المكبوتةء أو المستعصية بحكم 
القانونء وإنما يتداخل مع الإغراز المشاهد للخللء ومن ثم فهي استجابة 
لمخاوف» يكفي من أجل تبديدهاء أن نراها مرتجلة على المسرح» ونعتقد أن 
عنصر الاستجابة التلقائية هو الذي يجعل المهزلة الشعبية المرتجلة؛ تتشكل 
فنيا في إطار عملية التمثل الاجتماعي للتغيرء وخاصة في تجربة «ارتجالية» 
تسريه محمد النشميء التي حادت مداتا في عام 5 متزامنة-تاريخيا- 
مع بداية ظهور ردود فعل التغير الاجتماعي. 

ومن أجل التتبع والرصد لأثر عنصر الاستجابة التلقائية. في تشكيل 
تجرية الارتجال المسرحي» عند محمد النشمي سنقوم بتقسيم تجربته إلى 
مرحلتين: مرحلة الارتجال الخالص التي لم يخلف فيها النشميء أو أحد 
من رفاقه أثرا مكتوبا للعروض المسرحية المرتجلة. ومرحلة الارتجال المكتوب 
التي تنبه فيها النشمي لأهمية كتابة الشكل النهائي للنصء أو العرضء إن 
شئنا الدقة. ا ا 

وتمتد المرحلة الأولى من عام ۱955 حتى مطلع عام 1958ء حيث كون 
النشمي في هذه الفترة فرقة الكشاف الوطني» التي سرعان ما تحولت إلى 
فرقة «المسرح الشعبي» في نفس الفترة؛ وكان هو المسؤول الأول عن هذه 
الفرقة. وقد ظل طوال هذه الفترة يقدم العديد من العروض المسرحية 
المرتجلة. وتحظى بنجاح جماهيري عريض. مما شجع على الاستمرار فيهاء 
ومكن نفرا من الممثلين على حذف متطلباتها الفنية في الأداءء أمثال محمد 
النشمي. وعقاب الخطيب. وصالح العجيري» وعبد الرحمن الضويحي. 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وغيرهم. ورغم أن فكرة كتابة سيناريو العرض المسرحي المرتجل كانت 
موجودة (حيث أوكلت لواحد من أعضاء الفرقةء وهو حسين الصالح الحداد) 
إلا أنه لا يتوفر من هذه المرحلة أي شيء مكتوب» يساعد الباحث على رسم 
صورة واضحة. وهذه إحدى المشاكل المتلازمة مع الظواهر المبكرة في 
الارتجال المسرخى: غير أن ذلك لا يحول دون محاولة التعرف على قسمات 
الاستجابة التلقائية في تشكيل موضوعات عروض هذه المرحلة. وبعض 
ملامحها الفنية؛ من خلال ما يتوفر لدينا من معلومات. نستحضرها أحياناء 
من مغايلة شخصية مع محمد التشمى: 

لقد عرض النشمي حوالي ثماني عشرة مسرحية» انتزع جميع 
موضوعاتهاء وأفكارها مع رفاقه من الممثلين من المشاكل الظاهرة: أو 
المصاحبة لعملية التغير الاجتماعي؛ فقد كان التغير وراء الكثير من مظاهر 
القلق للطبقة؛ التي ينتمي إليها النشمي (البرجوازية الصغيرة) إذ عولت 
هذه الطبقة على تطون الحياة الاجشاعية: والأجهزة الإداريةء والوظيفية 
في البلاد. بعد ظهور النفط. ومجيء التغيرات الاقتصادية» وطمحت في 
التخلص من مشاكل المجتمع التقليدي المتخلف بمعاييره؛ وقوانينه؛ التي 
تأتي بالحيف لأبناء البرجوازية الصغيرة غالبا. ولكن ما أن بدأت ردود فعل 
التغير تعكس ملامحهاء حتى أسفرت عن مشاكل جمة؛ تلاحق ظهورها في 
سنوات قليلة. حتى أصبحت عقبة في سبيل التطورء فالتقليد في الأسرة 
والزواج؛ ونحوه لا تزال تسيطر على الأفكار؛ كما تسيطر عليها المفاهيم 
الغيبية الباطلة: ولا تزال المعايير القبلية. والقرابة تعمل عملها السيئ؛ 
بينما تقود عشوائية الإدارة. وغفلتها إلى تخبط واضح. ومزالق خطيرة. 
وكل ذلك كان يسفر عن حقيقة ماثلة. وهي أن المجتمع في الكويت لم 
يخضع لعملية تمثل اجتماعي سوية؛ بعدما طرأ عليه من التغفيرات الاقتصادية 
العتيفة: 

واماح مثل هذه المشكلة ما كان للظاهرة الارتجالية أن تجرر ميلادها: 
إلا مع وجود عنصر اجتماعي هام وهو الاستجابة التلقائية لمشاهد هذه 
المشكلة. ومظاهرها في الحياة اليومية. خاصة مع وجود طبقة برجوازية 
تسثمد.حساسيتها المتبرمة أو المعارضة من تلك الاستجاية التلقاكية» بصورة 
خاصة. ومن ثم كان من الجائز لناء أن نرد الظاهرة الارتجالية عند النشمي 


260 


الإستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


شكلا وموضوعاء إلى درجات هذه الاستجابة ومدى توترها. 

وأبرز مظاهر وجود الظاهرة الارتجالية المنتزعة من الاستجابة التلقائية 
لقلق التغيرء نجدها في أن موضوعات الارتجال المسرحي عند النشمي» 
تستمد حيويتهاء وعفويتها من وجودها الاجتماعي المتحقق. وكأن التمثل 
الحادث بين الارتجال المسرحيء والتغير يجري على النحو التالي. وهو أنه 
كلما اكتشفت ظاهرة مخلة بالتطورء أو شخصية غير متقبلة للأوضاع 
الطبيعية الجديدة. وجدت على التو من يجسم حجمهاء ويصوغ آثارهاء 
ففي «مدير فاشل» التي عرضت في أوائل عام ١955‏ يضع النشمي أمام 
جمهوره. شخصية كويتية موجودةء يعرفها الناس الذين أقبلوا على مشاهدة 
العرضء وأعجبوا به. ‏ ويذكر لي النشمي أنه قام بزيارة هذه الشخصية 
قبل تمثيل موضوعها على المسرح» أكثر من مرة لقضاء أمور خاصة مع 
الإدارةء التي يعمل فيهاء فوجده شخصية صالحة لتجسيدها في شكل 
هزلي. وينبغي التذكير هنا أن الاستجابة التلقائية للمعنى الكامن في مثل 
هذه الشخصيةء تجري على نحو طبيعي شامل» بحيث أن الجانب الهزلي 
الذي يظهره النشمي» حول هذه الشخصية لم يكن مقحما عليهاء وإنما هو 
متحقق في مجمل العلاقات التي كونت حول هذه الشخصية طابعا هزليا. 

إن الوجود الاجتماعي المتحقق للمشكلة. أو الشخصية ينتج في حالة 
الاستجابة الارتجالية. مقاومة عنيفة لموضع المشكلة المطروحة, فالمدير 
السابق. بموقعه الهزلي المتحقق. يتحول إلى موضوع سخرية مرةء إنه 
شخصية لا تمتلك كفاءة الإدارة» ومسؤوليتها بما يتصف به من غباءء وعدم 
القدرة على التصرف. فقد وصل إلى موقع الإدارةء بحكم الاعتبارات القرابية, 
أو العائلية» التي يعاني المجتمع الكويتي منها كثيراء وهو يعتمد على موظفيهء 
لأنه لا يكاد يعرف القراءة. وهنا تصبح هذه الصورة الهزلية الجاهزة ميدانا 
لتجسيد الحس المسرحي بالارتجال. لأن النشمي جعل هذا المدير يوقع 
على ورقة دست إليه. تقضي باستقالته من وظيفته؛ دون أن يعي هذا 
التصرف الأحمق. وعلى هذا النحو فإن الاستجابة التلقائية التي يتعايش 
النشمي» ورفاقه معها في «مدير فاشل»» تحقق جانبين في العرض: التسجيل 
لحجم المشكلة والتفسير لها أيضا. وبينما ينحو التسجيل إلى التقاط الحادثة, 
أو النموذج وإدخاله على الفور في صلب العرض المسرحيء فإن التفسيرء 


27 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


بوسائله التمثيلية؛ والهزلية المرتجلةء يأتي على مقاومة المشكلة؛ ورفضهاء 
وتعرية نموذجها. 

الاستجابة التلقائية إذن. عملية قوامها الفعل (التسجيل) ورد الفعل 
(التفسير)ء ولا تبتعد الظاهرة الارتجالية في المسرح عن مثل هذه العملية. 
فإذا كانت أدوات الفعل في الارتجال المسرحي هي الحادثة؛ أو الشخصية: 
أو المشكلة المنتزعة من الواقع؛ فإن أدوات عملية «رد الفعل» هي النقد. 
والسخرية. والضحك. والهجاء ونحو ذلك مما عرفت به المهزلة الشعبية. 
وهذا ما يمكن ملاحظته بمتابعة أعمال النشمي الأخرى. ففي مسرحية 
«عجوز المشاكل» (قدمت بعد سابقتها مباشرة) نجد تجسيما لإحدى مشاكل 
الأسرةء وهي تسلط الأمهات على زوجات الأبناء. وندع النشمي نفسه يحدثنا 
عن كيفية اهتدائه إلى هذه المشكلة فهو يقول: «والذي جعلنا نفكر في 
معالجة هذه الظاهرة أن أحد الممثلين اعتذر ذات ليلة عن مواصلة التمثيل؛ 
وترك دوره لغيره» وذلك بسبب تشدد أمه على زوجته.. وخلافه المستمر 
معها»'". وقد انتقلت هذه المشكلة مباشرة إلى المسرح واتخذت لها مظهرا 
مقاوما لحجمهاء فالزوج حين واجه قلق المشكلة بين أمه وزوجتهء استجاب 
لاقتراح أصدقاته عليه؛ بأن يزوج آمهء ليتخلص من مشاكلها . ويزوجها- 
بالفعل-من إمام مسجد بعد أن زينهاء وركب لها أسنانا من «البلاستيك» ثم 
تكون هذه الأسنانء سببا في التخلص من سلطة لسان الأم. حيث اصطكت 
عليها بعد أن اقتربت من حرارة «التنور» لتصنع الخبزء وكفت بذلك عن 
الكلام. 

وتأتي مسرحية «مطر صيف» في مايو ۱957 ردا تلقائيا سريعا على أحد 
القوانين الصادرة فى تلك الفترةء وهو كادر الموظفين: وقد أطلق على 
السرحية هذا المثوان سظن ضيت على ناس ونامى» مل شنيي): كار 
عن أن الكادر لم ينصف جميع موظفي الدولةء وإنما ارتقى بمجموعة دون 
أخرى. أما مسرحية «بلاوي» فهي استجابة تلقائية لتزايد خطر الهجرة 
الأجنبية على الكويت» بسبب قلة الأيدي العاملةء (وقد سبق لحمد الرجيب 
في عام ,1949 أن تناول هذه المشكلة بصورة عارضة في مسرحية (خروف 
نيام نيام). وتعتمد مسرحية النشمي على نقد إحدى الشركات الأجنبية, 
التي عزمت على إحضار عمال من إيطاليا. كما تتميز بأن «التفسير» أو 


الإستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


«رد الفعل» في موضوعها المسرحيء ينطوي على عنصر التوقع» مما جعل 
مقاومتها تنحو إلى كشف حجاب المستقبل؛ وما ينذر به من أخطار تجلبها 
الط اللماجارة. وشت رض الهازل ال المرتملة على النشمن في 
الاعتماد على عنصر الاستجابة التلقائيةء إلى حد الدخول في وک كنات 
جريئة؛. ساخنةء كانت تحدث دويا هاثلاء تحدثت عنه الصحافة المحلية 
بإعجاب. " ولا مراء في أن مصدر إعجاب الجمهور المسرحي بمسرح 
اللي لجار هن قورت على الفا عضرا ك ا وة 
جاك من الظطاهرة الا اة خريا داق رة م مرفغاك التقين راد 
حرن رة رة ااا بالخبراء الأجاتب يقطاق فى إخدى مشرحيائة 
فى کاود او فة اة کی لکوت رهی کا مار ا 
استعانت به الكويت» ثم تورط في علاقة مع امرأة تدعي «أليس». كانت 
تعمل «قوادة»» عن طريق إحدى محلات «الكوافير». ومثل هذه الفضيحة 
جعلت النشمي يهتف رافضا بعنف اعتماد الدولة على الخبراء الذين 
يسرقونهاء بدلا من أن يعينوها على الإصلاح» والتطور. ومن ثم جعل عنوان 
المسرحية «خبير إسكت» متضمنا دعوته الصريحة للكف عن الاستعانة 
eT‏ 

لقد شكلت الاستجابة التلقائية الطابعين الفنى؛ والاجتماعى فى الظاهرة 
الاتجالية على ارج ولا يسعقنا ضياع العروض السرحية امرتجلة غلى 
معرفة الصورة الواضحة لهذا الطابع» ولكن ما نعرفه عن موضوعاتهاء 
يفصح عن مؤشرات هامة. إن أساس هذا الطابع يكمن في أن قوام المسرح 
المرتجل عند النشمي كان عبارة عن فعل يعقبه رد تلقائي سريع لهذا الفعلء 
ولا تعدو هذه العملية المتجاوبة كونها مظهرا من مظاهر التمثل الاجتماعي؛ 
لأنها تجغل الموضوعات الجديدة التي آثى بها التفير في حوار بين الرقخض, 
والقبول.. أو بين صورته المخلة (ما هو كائن). وصورته المأمولة (ما ينبغي 
ان یکر وكين راك هة الحوار) داكن تانب :جاتب الترشض.: وتاكين 
الصورة المأمولة. مما يجعل من الظاهرة الارتجاليةء إحدى أشكال المعارضة. 
التى تبشر دوما بالتغيرء أو بحدوث التمثل لمظاهره الشديدة القلق. 

ولا شات في أن الخصوصية الكنتماعية فى ظاهرة الا جال قتع 
كات القن و انكر و كنات ما عل )جاه وهو ما وو 


20 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


في تجربة الارتجال المسرحي عند النشميء لأن جميع الموضوعات التي 
يختارهاء بمساعدة أعضاء الفرقة. مشتقة من ظرف التغيرء فهى إما أفكار 
قديية واا سال حامدة »ينيف القضاء عليهاء او خالا ومظاهري كشت 
عن ضيق الجهاز الإداري في الدولةء وغياب القوانين بصورة جعلت من 
التمثل الاجتماعي أمرا مؤجلا. 

لقد سخر التشمى كثيراء.وأضحك التاس كثيرا من التقائيد المتحكمة 
في الأسرة رائ اج إن وهه خا اتزوا ادعلا وساف #الخاطية في 
مغر ا1 عرسة ام هلي الموته هالركل يصندق وح اا جمان 
فتاة من إحدى الخاطبات: فيقبل الزواج متها ولكن حين تزف إليه على 
الطريقة التقليدية ملفوفة. مستورة العيوب» تتكشف له عن عجوز بعكاز, 
و«باروكة» وعيون زجاجية»ء وآسنان مركبةء فيهرب منهاء لينام على «السيف» 
(الشاطئ). 

وضي مسرحية «أمك طراز أول» يجسد النشمي مثالا لقلق التمثل 
الاجتماعي داخل الأسرة. لقد تزوج الابنء وسافر إلى الهندء ثم رجع بأفكار 
جديدةء ففتح في بيته نافذة (من المعروف أن البيوت القديمة في الخليج 
العربي تخلو من النوافذ)ء واستحدث فيه «بلكونا». كما أحضر سريرا هندياء 
يسمى «بلنج» وستائر. ونحوها لترتيب البيت بصوره حديثة؛ غير أن الأم 
رفضت هذه المستحدثات» ووقفت ضدهاء في حين سخرت الزوجة منهاء 
وقالت لزوجها «أمك طراز أول». ويستمر النشمي في نقد ما يتخلل الأسرة 
مو سروه ای هد افا ال یھ فيشاول مفكلة تاوالت رر كي 
«على أمه نذر» و«يني وأعطبّة». وتتميز المسرحية الثانية بقلب الفكرة 
الشائعة عن تعلق المرأة بالزارء والجان. ليجعل من الرجلء أو الزوج مدعيا 
صلته بالجان؛ إنه يثون في حالة عصبية, ويطلب من الزوجة آن تحضر له 
البخورء ولكنها تسخر منه. وتقوم بضربه قاكلة له «إذا إنت يئي (جني) آنه 
عَطبّة». 

أما الموضوع الثاني» الذي سخره النشمي لملكات السخرية والإضحاك, 
فهو تخبط الإدارة وغياب القوانين المنصفةء ونحو ذلك مما يمثل قلقاء 
وإزهافا تروح التو اموجه بالتقطيظ ويسبب حساسية هذا السائب الذي 
عالجه الارتحال السريمي: يتلقاتية مقار فته قرض التشس: ورفاقة 


الإستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


من الممثلين في المسرح الشعبي لكثير من الضغوط النفسية؛ ولكنهم حصلوا 
في مقابل ذلك على رضاء جماهيري واسع» تمثل في مشاركة الجمهور 
المسرحي لهم بالارتجال في بعض الأحيان. ولعل مسرحية «مطر صيف». 
مثال صريح على ذلك. لأن النشمي انتقد فيها بشده قانون الكادر الوظيفي, 
الذي وضعه مسؤول «غير كويتي» تمت الاستعانة به لوضع هذا الكادر. 
والنشمي يكشف عن جانب الارتجال في صياغة هذا القانونء فهو لم يقدر 
ظروف الأسرة الكويتية في الخمسينات» كما أنه لم ينصف جميع الموظفين؛ 
وبسبب عرض هذه المسرحية لقي محمد النشمي إهانة. وتجريحا من 
المدير المسؤول: كما تعرض لمحاولة الإغراء المادي بالرشوة؛ من أجل أن يقلع 
عن موضوع نقد الإدارة» ولكنه لم يستجب لذلك بعد أن أقبل عليه الجمهور 
المسرحيء لمدة عشر ليالء «لدرجة أن بعض الناس تحمسوا للموضوع» 
وتطوعوا بتبليغه عن بعض أسرار الإدارة الفاسدة2'. 

لقد كانت الكويت حتى آواخر الخمسينات تعاني من مشكلة عدم توازن» 
بين حجم التغيرات المتلاحقة. وغياب القوانين» أو ارتجالهاء غالباء في 
صورة تخل بعمليات التمثل الاجتماعي» وهذا وضع يسفر عن كثير من ردود 
الفعل القلقة والمربكة للتغير. وكانت الظاهرة الارتجالية على المسرح» أكثر 
الأشكال قدرة على ملاحقة ردود الفعل السريعةء وتتبع حركتها الاجتماعية: 
بما اعتمدت عليه من ديناميات الاستجابة التلقائية. ولذا فقد جاء الارتجال 
المسرحي الساخر من عيوب الجهاز الإداري؛ والقانوني بموضوعات جديدة؛ 
نابعة من المعطيات الأولى للتغير الاقتصادي. 

إننا نجد المهزلة الشعبية المرتجلة تكشف عن موقف معارض للتخطيط 
العشوائي» الذي اتخذته الحكومة في السنوات الأولى من التغيرء لمواجهة 
التوسع الإداري؛ وتحديث البلاد . فقد أرادت الكويت منذ البداية أن تستحدث 
نظمهاء وإدارتها بتقليد الأنماط الأكثر تقدماء فاستعانت بالخبرة الأجنبية 
في الإدارةء وخدمات البناء. وأسلمت لها الكثير من الشؤون بلا رقابة. مما 
أغرى بالتلاعب.» والفساد الإداري» وهو ما أثار مقاومة أبناء الكويت للعنصر 
الأجنبي. الذي أصبح-في نظرهم-غازيا لثروتهم» أكثر منه محدثا لبلادهم. 
وقد ارتسم حجم هذه المشكلة بمظهر هزليء بالغ التشاؤم في أكثر من 
عرض مسرحي مرتجل قدمه النشميء كما في «مدير فاشل» و«مطر صيف» 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


و«خبير اسكت». و«بلاوي». 

وفي جانب آخر من اتجاه هذه المشكلة؛ لامست المهزلة الشعبية المرتجلة. 
ملامح بارزة لصورة الفوضى في توزيع الثروة. بسبب غياب القوانين المنصفة 
للمواطن: وتحكم الاعتبارات القبليةء أو الطبقية. ففي المسرحية التي عرضت 
باسم «أصبر وتشوف تاليها» يعالج النشمي حركة التثمين» وينتقد ما صحبها 
من فوضى. فهناك بيوت تخصها الحكومة بالتثمين؛ لاعتبارات «الواسطة» 
رغم عدم استحقاقها لذلك. بينما تهمل بيوت آخرى» أحق بأن ينالها التثمين. 
وفي مسرحية أخرى باسم «صاروخ شراكة» يستخدم النشمي حادثة علمية 
هي إطلاق الصاروخ الروسي في أواخر الخمسينات» فيصور نفسه. وقد 
انطلق في المركبة الفضائية؛ وحين استقر في الفضاءء راح ينتقد الأرض› 
وقوانينهاء ففي الفضاء لم يجد الحدود التي ترسمها الحكومة للأراضي,. 
ولم يجد «البراميل» المصفوفة. ويعتبر ذلك من اللمحات النقدية الجريئة, 
التي اتسمت بها سخرية النشمي في مسرحه المرتجل. 

لقد كانت السخرية والنقد في المسرح المرتجل مظهرا لاتساع حجم 
المعارضةء دون شك. ذلك أن اعتماد هذه الظاهرة المسرحية على عنصر 
الاستجابة التلقائيةء يسوغ لروح النقد. والسخرية أن تقاوم المشكلة 
الاجتماعية من خلال حالة متحققة: أو موجودة. سواء كانت هذه الحالة 
منتشرة انتشارا ذريعاء أو مقتصرة على أفراد . ولذا فإن النشمي في جميع 
عروض الارتجال المسرحي.» لا يغترب إطلاقاء عن ذلك الشيء الراهن في 
المجتمع. وهذا شأن المسرح المرتجل» الذي يأتي على الأغلب. حصرا للشيء 
الراهن؛ وحوارا مع المشكلة الواقعية المؤرقة. 

ولما كان المسرح المرتجل عند النشمي ردا تلقائيا لحالة منتشرة؛ أو 
مقصورة على فرد من الناس» فقد وقعت المعالجة الارتجالية-أحيانا-على 
مشاكلء خلقها التغير حقاء ولكنها لم تسفر عن رأس متورم حتى فترة 
الخمسينات. في حين استفحل خطرها بشدة بعد هذه الفترة. وذلك يعني» 
أن عنصر الاستجابة التلقائية في مسرح النشمي قد أتى على نوع من 
الإحساس المقبول في التوقع والاحتمالء جعله لا يخلو من إمكانية التبشير 
بالتغير. فهو في مسرحية «بلاوي» يجسد صورة متشائمة لآثار الهجرة 
الأجنبيةء والطبقة الوافدة على الكويت: مطالبا بضبطهاء وتنظيمهاء وداعيا 


اإاستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


إلى تفضيل العمال العرب على الأجانب. وقد تحولت مشكلة العمالة الأجنبية 
بعد مرور أقل من عشر سنوات على مسرحية النشمي إلى أعقد. وأخطر 
ما يواجهه مجتمع الخليج العربي من مشكلات. 

وفي عام ۱957 عرض النشمي مهزلة شعبية أكثر تشاؤماء وهي «قرعة 
وصلبوخ في باريس» استمد جوها الهزلي المتشائم من فكرة أن المجتمع لم 
يحسن استغلال الثروة الاقتصادية بعد ظهور النفطء فبدلا من أن تكون 
عاملا في تغيير أحواله الاجتماعية. والقضاء على تناقضاته» وتخلفه. 
أصبحت عاملا في انحلالهء وتعميق تناقضاته. وتشتمل المسرحية على 
فصلين: يرسم الفصل الأول صورة متعاطفة مع الماضي قبل ظهور النفط» 
لما فيه من بساطة العيش. أما الفصل الثاني فيصور الطفرة التي أخلت 
بالتوازن الاجتماعي. وينطلق النشمي في هذه المسرحية من «إشاعة أطلقت 
فى الخمسينات على أحد المنازل بمنطقة» الدسمة «بأن النفط يتدفق فى 
سالحة هذا لرل لقى خو كع الأسرة ارو الفط كن معاي 
المنزلء فانتقلت إلى عالم الثراء والبذخ» وأعادت المرأة العجوز صباها 
بالوسائل المزيفة. فهي ترتدي الملابس الضيقةء وتستحم بالحليب» وتتناول 
الغداء في باريس والعشاء في إسبانياء بينما الرجل يطعم فرسه اللوز 
المقشر. والابن يبذر الأموال في لعب القمار. ولم يكن هذا النموذج من 
الأسرة منتشرا في الكويت خلال الخمسينات» فقد كانت حركة التثمين في 
بدايتها (معروف أن التثمين عامل أساسي في تحول الوضع الاقتصادي 
للأسرة الكويتية)؛ فالأسرة التي نقلها النفط إلى الثروة. وأسلمت نفسها 
لحياة مصطنعة, لم تتبلور بعد كظاهرة اجتماعية؛ ولذا كان من السهل على 
جمهور هذه المسرحية أن يدرك الأسرة المقصودة بالنقد. والسخرية؛ مما 
جعل المسرحية تبدو وكأنها هجاء, أو لمز متعمد» تداركته رقابة الحكومة 
فأوقفت العرض بعد ليلة واحدةا؟') 

وقد يكون هذا الإيقاف نابعا من تشاؤم هذه المهزلةء الذي ينطوي على 
نبرة الإنذارء والتبشير بمستقبل مكفهر للأسرة الكويتية. ولكن مشكلة هذا 
التشاؤم-رغم وافعيته-أنه يصوغ ضربا من المعارضة: التي لم يتمثلها المجتمع 
في الكويت حتى نهاية الخمسينات» وسنرى فيما بعد. كيف أن تطور 
المعارضة. واستيعاب المجتمع لها في الستينات سوغ لكاتب آخر وهو سعد 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الفرج أن يعالج نفس المشكلة في مسرحية «الكويت سنة 2000» من غير أن 
تؤدي إلى صدام مع الرقابة. 

وبعد أن تصوغ مشاعر الاستجابة التلقائية بما فيها من قلق وتوتر 
المعتمدة على أسلوب الخطاب والتعليم, يثور سؤال هام كوعدي 
المهزلة الشعبية المرتجلة بما اهتدت إليه من أساليب» أم أنها ت تستمر بحثا 
عن استقرار شكلهاء وتأصل أدواتها 0 إن جميع الدلائل تشير نحو 
ضرورة استمرار دور المهزلة الشعبية المرتجلة حتى مطلع العقد السادس. 
فالمجتمع لا يزال يعيش سنوات الاضطرابء والتململء ولم يذق نتائج 
الاستقرارء فالتغيرات الاقتصادية تهز جوانبه هزاء بينما هولا يتمثل؛ أو 
القوانين في سنوات العقد الخامس» ولكنها فشلت في ذلك لأنها لم تزد 
عن كونها قوانين مرتجلة. ' ويستمر هذا الواقع غير المستقر حتى عام 
1 الذي طرأت فيه تغيرات هامة على النظام السياسي والاجتماعي؛ 
ومن ثم تستمر الظاهرة الارتجالية غير المستقرة. باعتبارها شكلا لعدم 
استقرار التغيرات الاجتماعيةء ووضوح معطياتها ومؤشراتها. 

ويرتبيط هذا الاستمرار بمرحلة ثانيةء مرت بها تجرية محمد النشمى 
مع المسرح وهي مرحلة «الارتجال المكتوب» التي خلفت نصوصا مكتوبة 
حقاء ولكنها مرتبطة ارتباطا شديدا بمخيلة الارتجاليء وتلقائيته. وتقترن 
هذه المرحلة بتدخل الحكومةء ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية للإاشراف 
على المسرح» من أجل تطوير الحركة المسرحية . فاستقدمت لذلك مصممي 
الديكور, والملابس» > ومشرفي الإضاءة. كما اتفقت مع زكي طليمات 5 
9ه ليتولى عملية التطوير على أسس علمية؛ غير أن كل ذلك لم يؤثر 
O‏ ا 0 
عادياء يمكن تغييره بعملية فوقيةء وإنما كان ظاهرة اجتماعيةء مرتبطة مع 
قلق التمثل الاجتماعي» بصورة قريبة من ارتباط الفعل برد الفعل. ولذا كان 
لا بد لهذه الظاهرة آن تستمر إلى أن تتخذ تجرية التمثل اتجاها آخر 
ويشير عرض النشمي لمسرحية «كل سنة عيدان والسنة العيد الثالث» عام 


354 


الإاستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


61 : إلى استمرار وجود الظاهرة الارتجالية على المسرح» حتى مطلع ذلك 
العقد. 

إن كل ما فعلته توجيهات الوزارة هو أنها نبهت محمد النشمي إلى 
ضرورة الاعتماد على النص المكتوب» وهذا توجيه لا مراء في أهميته؛ 
بالنسبة لتغيير المسرح» ولكنه ينطوي على هدف رقابي» يسعى إلى تقييد 
العنصر التلقائي في الارتجال: والحد من تجلياته المعارضةء ومن ثم» فقد 
استمر الارتجال المسرحي عند النشمي في هذه الأجواء الجديدةء متمثلا 
في مظهرين: فهو إما أن يكتب النص في صورته النهائيةء بعد أن يمر في 
فترة التدريب بالارتجال العادي مع مجموعته العاملة في المسرح الشعبي. 
وإما أن يكتب النص منفرداء ولكن بمخيلة الارتجال» ولكن بمخيلة الارتجال؛ 
وتلقائيته. بحيث يجعله قابلا لاستمرار أجواء الارتجال في الحركة؛ والحوار, 
والتمثيل. 

ومن مسرحيات المظهر الأول «شرباكة» و «ضاع الأمل» ”'. أما المظهر 
الثاني» فتمثله عدة مسرحيات منها «غرام بو طبيلة» و «فرحة العودة» اللتان 
قدمتا في عرض واحد بتاريخ ١١‏ فبراير شباط 1963 . كما أن منها مسرحيتين 
قدمهما محمد النشمي» بعد مساهمته في تأسيس فرقة «المسرح الكويتي» 
وهما «بغيناها طرب صارت نشب»؛ و«حظها يكسر الحصى» قد عرضتا 
في عام ۱964 . 

وتعبر هذه الأعمال المسرحية عن تأرجح محمد النشمي وحيرته الشديدة 
بين تكنيك الارتجال المسرحيء. والرغبة في مجاراة قواعد البناء المسرحي 
للكوميدياء ولكن الانتهاء من قراءتها أو مشاهدتها معروضةء يكشف عن 
نتيجة غاية في الأهمية؛ وهي إخلاص النشمي لتكنيك الارتجالء رغم أن 
هذه الفترة» التي كتب فيها تلك الأعمال المسرحية تشهد ظهور نصوص 
مسرحية؛ متحررة من أثر الارتجالء لكتاب سيقدر لهم فيما بعد» أن يمسكوا 
بزمام الحركة المسرحية مثل صقر الرشود» وسعد الفرج» وعبد الرحمن 
الضويحي. 

لقد أتت حيرة محمد النشمي بين الارتجال» وقواعد البناء المسرحي 
على القيمة الفنيةء التي يمكن أن ترد إلى تلك الأعمال المسرحية. ذلك 
لأنها هزت ثقة التشمى في أدزاته: ووسائله المسرحية؛ وجعلت اهتماماته 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


عرضة للانقسام» وهذا أثر منعكس عن مشكلة كبيرة. تجرعت نتائجها 
الشريحة البرجوازية المعارضة:؛ التي ينتمي إليها محمد النشمي» فقد 
انفمست هذه الشريحة في مرحلة عدم الاستقرار خلال سنوات العقد 
الخامسء وبعثت كل ما لديها من تصورات متشائمة؛ أو معارضةء وحين 
توالت إصلاحات الحكومة وتخطيطها لتغفيير بعض الأوضاع مع نهاية 
الخمسينات» نظرت الطليعة البرجوازية بعين لا تخلو من تشاؤم سنوات 
الاضطرابء وعدم الاستقرار, كما لا تخلو من التفاؤل بالتغيرات الجديدة, 
التي قادتها الحكومة. وفي حين آثر البعض-كما تقتضي المصلحة الطارئة- 
الانغفماس في مصالحة نهائية مع النظام؛ فإن نماذج كثيرة لم تجد غير 
الانقسام بين الريبةء والثقة؛ أو بين المسالمة والمعارضة. وإلى جانب ذلك 
فقد آلف الكثير من الناس أن يجدوا أنفسهم أمام تغيير يجمع بين المتنافرات 
الثقافية. والحضاريةء التي تنتج منها توترات نفسية عادة. إن هناك نية 
للتغيير على صعيد الحكومةء ولكن لا يجري تطبيقها من نمط إلى نمط 
كاملء بل إن الشك في المستقبل: (وخاصة مستقبل النظام السياسي) يجعل 
من الصعب إحداث تغيير كلي. ومن ثم تعود المواطن على مواجهة التغيرات 
الجزئية؛ التي تبعث التوترء أكثر مما تؤدي إلى الانسجام» كأن يوضع قانون 
للموظفين» ولكن من غير أن ينصف الجميع؛ أو أن يجري تخطيط الإسكان؛ 
وتثمين الأراضي على مناطق دون أخرى. ومثل هذا الوضع يدعو إلى انقسام 
المشاعر. فضلا عن توترها. 

ويجسد محمد النشمي مشكلة الانقسام على نحو صريح: لدرجة أن 
الخلاف الشديد الذي انفجر بينه وبين زكي طليمات» حين أحضرته الدولة 
خبيرا لتطوير المسرح» يجد مصدره الأساسي في مشكلة الانقساه. ١9‏ 
ذلك أنها تبعث لديه نظرة انتقاديةء متوترة» تنطوي على بذور الشكء والدفاع 
وكان غالبا ما يصم بها دوائر الحكومةء وإصلاحاتهاء منذ بدأ مسرحه 
المرتجل» وهي التشكيك في جدوى تطور البلاد على أيدي الخبراءء عربا 
كانوا آم أجانب. والنظر إليهم على أنهم منافس غير شريف لأبناء البلادء 
وقد سبقت الإشارة إلى أكثر من عرض مسرحي مرتجلء تطرق النشمي 
فيه إلى قضية الاستعانة بالخبراء؛ وما يجده المواطن فيها من حيف لإمكاناته. 
مثل «خبير إسكت ومطر صيف» و«بلاوي» وقد عاد إليها في ملاحظات 


56 


الإستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


نقدية واخزةء ولكنها عابرة في «ضاع الأمل» و «شرباكة». 

النظرة المنقسمة في مجتمع نهاية العقد الخامس تؤولء إذنء الانقسام 
الحادث في مسرح النشمي من جراء الجمع بين الارتجال؛ والقاعدة 
المسرحية؛ أو بين الرد التلقائي على خلل الأوضاع ومحاولة التعمق فيهاء 
لما کان من السول علا آله تر غل وناء سرحي مکیل في اعمال 
محمد النشمي الأخيرة بالقدر الذي يتحرر فيه من تكنيك الارتجالء ومخيلته 
التلقائية, لأن الارتجال على المسرح؛ يفترض- بحكم تلقائيته-عدم التسليم 
بالقواعد المسرحية, أو الخضوع لقيود الخشبة, والتمثيل. إن ما يسلم به 
هو مشكلة راهنةء (موضع الاستجابة التلقائية) تلخصها قصة محدودة 
المواقف» يكون الرد التلقائي عليهاء عاملا في مسرحتهاء وإطلاق الشظايا 
من حولهاء وليس ذلك بدعا في مسرح النشميء فقد كان فنان الكوميديا 
دي لارتي يعطي نفسه أقصى درجات الحرية في معاملة القصص المسرحية, 
ولذا فقد «ركب موقفا على موقف وأدخل شخصية على بيئةء ولم يحترم 
فى هذا كله إلا تجربته العملية». 19) 

ا في مسرحية «ضاع الأمل» لا تتجاوز «الحدوث» ذلك الطالب المبعوث 
للدراسة في القاهرة؛ الذي ضيع أمل والده وبلاده» بأن انصرف إلى اللعب 
والمجونء تاركا الدراسةء وقد شاءت المفاجأة أن يقع الأب على هذا التفريط, 
حيث باغت ابنه متلبسا بعربدته بين الخمر والنساءء وكان جزاؤه الحرمان 
من البعثةء والطرد من البيت. والنشمي يتوفر على جميع هذه المواقف في 
الفصل الثاني» بينما يترك الفصلين الأول والثالث صنيعين للارتجال. 
فالمشكلة المعروضة تتجسد في فصل واحد» بقدر مقبول من التأمل» حتى 
أنها تكتسب العنصر المسرحي المرسوم» الذي لا يخلو من التماسك. في 
حين أن مواقف الفصلين الآخرين:؛ ينعزلان تماما عن تلك المشكلة. لأن 
النشمي يجعلهما فسحة كافية لتكنيكه المفضل في الارتجال. ولذا فإن 
بإمكان المشاهد أن يلم بموضوعات كثيرةء متراكبة بعضهما فوق بعض» دون 
أن تكون لها أدق صلة بالمشكلةء التي يراد لها أن تكون موضع التأمل. 

يبدأ الفصل الأول؛ مستغرقا في نقد تلاعب العمال مع مراقبهم «المهندس 
اللبناني» وخلودهم للراحة؛ تاركين العمل الذي أوكلوا به. وسرعان ما ينتقل 
النشمي عن ذلك إلى موضوعات أخرىء يربطها بوجود الشخصية الرئيسة 


37 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


«بودكل».لأن المكان عبارة عن المدخل الخارجي للبيت» بحيث يصبح كل ما 
يعن في حركة الشارع موضوعا للتعليق. والسخرية كهجرة الإيرانيينء وتعالي 
الموظفين والمثقفين؛. وعدم محافظة رجال المباحث على سرية المهنةء ونحو 
ذلك. 

ثم يعود النشمي لهذه الموضوعات, وغيرها في الفصل الثالثء فيسخر 
من خدمات البلدية» وعدم تشجيرها للشوارع» وتنظيفها للبواليعء وينتقد 
استغلال المواطن؛ من قبل أصحاب «كراجات» تصليح السيارات. كما ينتقد 
استعانة الحكومة بأحد اللبنانيين ليشرف على إدارة المتحف الكويتي. ويدعو 
إلى تدريب الكوادر المحلية من العمال والإداريين. كما يدعو إلى تدريب 
خريجات المدارس على مهنة الخياطةء بدلا من الاعتماد في ذلك على 
الأجانب» وينتقد. مجددا كادر الموظفين» والروتين الإداري في استخراج 
تراخيص البناءء وإيذاء المهاجرين لأبناء الكويت: ويقترح حلولا تنظم التبرعات 
لحرب الجزائر أو تدعو لإنشاء غرفة تجارية بالكويت أو نحو ذلك مما 
يعبر عن هاجس الحاجة الشديدة إلى تنظيم الوضعين الإداريء والقانوني 
في البلاد. 

وجميع الموضوعات السابقةء تستحوذ. على ثلثي حجم المسرحيةء دون 
ضابط فني» يحكم صلتها بمشكلة الطالب» الذي فرط في آمال أسرتهء 
ووظتة؛ مما سناد على استطالة اتتلوب الخطاف والتقرورة واستطزاذ 
مواقف النقد» والسخرية البالغة؛ لأنّ النشمي مضطر لتقديم الحلول, 
والاقتراحات بصورة متوازية مع بحثه» وتنقيبه في مواضع الخلل؛ والفساد . 
وفي جميع حلوله؛ واقتراحاته ضرب من التأكيد على نزعة الانقسام لأنه 
غالبا ما يظهر تعاطفه مع مشاريع الحكومة: وخططها في تدريب العمالء 
أو إشاعة الأمن» وخدمات البناءء ونحو ذلك. ولكن هذا التعاطف مصحوب 
بالدعوة إلى اتخاذ خطوات أكثر جدية: ولذا تتكرر عبارات دالة على روح 
الانقسام» مثل «ما قصّرت الحكومة» أو «الحكومة ما هي مقصّرة» لأنها 
تأتي في صميم مآخذه وسخرياته من مواضع الخلل والتعثر. 

إن ملامح التوزع والانقسام واضحة؛ وأوضح منهاء إخلاص النشمي 
لتكنيك الارتجال الذي أفسح له مكانا في فصلين من المسرحية السابقة. 
وكذا الأمر بالنسبة لمسرحية «شرباكة» التي عرضت عام 1958, ”)فقد 


اإاستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


بدأها بفصل يعالج مشكلة واضحة متماسكة البناء؛ تدور حول التعقيد 
الروتيني» الذي لا يتلاءم مع الحركة السريعة في البناءء والأعمار. فالموقف 
المسرحي يجمع بين «بو سليمان» الرجل البخيلء وعمال البناءء الذين 
استأجرهم لبناء الحائط؛ ومأمور البلديةء واللجنة المسؤولة عن التخطيط. 
ويستوعب هذا الموقف بأسلوبه الهزلي. حجما عميقا للمشكلة؛ لما جر إليه 
بناء الحائط من مواقف تتسلسل بذكاء. وحس درامي جيد» ولكن ما أن 
ينتهي هذا الفصلء حتى يسدل الستار عن مسرحية مستقلة. بحجمهاء 
وبنائها. ففي الفصلين التاليين؛ لا يبقى النشمي من الفصل الأول سوى 
شخصية «بو سليمان». جعله مرة في «سوق الخضار» وأخرى في المستشفى, 
ليفسح بذلك «المكان» لمخيلة الارتجالء ويشبع رغبته فيهاء فبينما ينتقد في 
الفصل الثاني ما تعن به حركة السوق» وزحامه؛ ينتقد في الفصل الثالث ما 
تعن به حركة المستشفى من سوء الخدمات. 

وربما خفت حدة التوزع بين مخيلة الارتجال؛ أو التوفر على المشكلة 
الاجتماعية في واحدة من المسرحيات الأخيرة للنشمي وهي «حظها يكسر 
الحدج م كقد افر لقصل الأول مقط كيو اكان الفا لارتجال 
الحركةء وامتداد الحوارء لأن بطل المسرحية «بو حمد» صاحب دكان في 
حي شعبي» يستثير حواره موضوعات شتی . غير أن ذلك لم يكن يعني شيئًا 
بالنسبة لمادة المسرحيةء وموضوعهاء وحوارها. حيث أن مجمل الأحداث 
تشي بعدم التخطيط. والعمقء وآية ذلك أن «التثمين» الذي حظي به «بو 
حمد» في هذه المسرحية لم يخلق منه نموذجا لظاهرة اجتماعية؛ أو نفسية 
وإنما حرك فيه رغبة ماضية في الزواج من فتاة في عمر أبنائه. سرعان ما 
عدل عنهاء بتدخل ابنيه) حمد. وعزوز. (ومن ثم لم يكن تحول «بو حمد» 
من الفقر إلى الغنى مدعاة للتحليل؛ والتأمل في حركة التغيرء وإنما كان 
مظهرا يالغا لأجواء اللهزلة والاضطداء تانج بشرية ل كزال شايمة فى 
مخيلة الارتجال. 

لقد مسرح النشمي ظاهرة تقع في بواكير عمليات التمثل الاجتماعي 
لحركة التغيرء وهي الانقسام والاضطراب في أواخر العقد الخامس» فجعل 
الخشبة المسرحية استقطابا للمكان العام («الشارع» «السكة» «الدكان» 
«المستشفى» «الشاطىٌ») بما فيه من شتات التوزع؛ وتمثل الإيقاع المضطرب 


3۹ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


في الحياة العامة. وكان ذلك سببا في عدم احتفاله بالضوابط الفنية قدر 
احتفاله بخيال الفسحة المكانية: مما يعزز انغماسه في الظاهرة الارتجالية, 
بصورة جعلته لا يخرج عن مقتضياتهاء حتى مع افتراض المكان المحدد بين 
جدران المنزل؛ لآنه حينئذ يلجأ إلى افتراض الحيلة الهزلية البالفة التي 
تحرر عزلة المكان» وتعتقه من القيود. كما فعل في مسرحية «بغيناها طرب 
صارت نشب». فقد لجأ الزوج إلى حيلة تخلصه من جحيم أم زوجتهء بأن 
جعل عمته «أم صقر». وابنتها «بدرية» تمثلان «حماته» الثالثة. ثم جمع 
بينهم في مواقف هزلية فاقعة؛ تبلغ ذروتها في الفصل الأخيرء الذي أطلق 
للمكان تلقائيته في توليد المواقف, والشخصيات اقتحاماءأو عبورا .دون أن 

وحين كتب محمد النشمي مسرحيته «فرحة العودة! ”لم يستطع 
الاستجابة لمضمون الظاهرة الارتجاليةء التي اشتهر بهاء لآنه لم يقدم فيها 
سوى زخرفة لعواطفه المشدودة إلى الماضيء المتمثل في كفاح الرجال. 
ومجالدتهم لقسوة الطبيعة في البحر والغوص. ولكنه رغم ذلك استبقى 
جانبا من آثارها الشكلية؛ التي نجدها في استجابة النشميء لما يفترضه 
المكان العامء أو المفتوح» وهو «الشاطى» من شتات واستقطاب للايقاع 
الاجتماعي. هذا الإيقاع الذي ظل بمثابة الحركة في داخل السكون التسجيلي 
الواصف للماضيء بحيث بات ذلك علامة على التوزع بين تأمل الماضيء أو 
انتزاع الإيقاع التلقائي من سكونه. 

إن محمد النشمي مبدع لظاهرة لم تستتفد أغراضهاء حتى مطلع العقد 
السادس من هذا القرن. وهي ظاهرة المسرح المرتجل. ذلك أن الظرف 
الاجتماعي لم يكن قابلا للتخلي عن هذه الظاهرة؛ حتى بدء ظهور التخطيط 
الرسمي لتغيير المسرح. ونعتبر أن المناخ الصحيح لم يتوفر لنبذ الارتجال 
المسرحي الخالص ظهريا إلا مع بداية سنوات الاستقرار السياسي. وخروج 
المجتمع من مفترق طرق نهاية العقد الخامس» وخاصة مع إقرار الشكل 
الدستوري في نظام الحكم سنة ,1963ء ثم انقماس الكويت في مرحلة 
اجتماعيةء تتجه فيها حركة التحديث. والتخطيط والتنمية اتجاها أكثر 
تريثاء وعقلانية. وحين جاءت سنوات الاستقرار السياسي والاجتماعيء 
أصبحت التجربة المسرحية أكثر قدرة على التخمرء والمراجعة. خاصة بعد 


A0 


الإستجابه التلقائيه للتغير من الارتجال إلى الانقسام 


أن بسطت فيها المهزلة الشعبية المرتجلة؛ التي أبدعها النشمي آثارا عميقة, 
بحيث لم تخرج المهزلة الفنية المكتوبة عند عبد الرحمن الضويحي وحسين 
الصالح» وصالح موسى وسعد الفرج وراشد المعاورة ومحمد عواد» وغيرهم 
عن كونها امتدادا طبيعيا للمهزلة الشعبية المرتجلةء بما انتزعته من أساليبهاء 
ونحيلهاءفئ التقن» والسخردة. و الضجك» والعالحة. وحتى الميلودراها 
الا عند غير هؤّلاء من الكتاب لم تخل من تأثرها بموضوعات 
المهزلة الشعبيةء بعد أن أخذت منها اهتمامها بقضايا الأسرة المتغيرة: وما 
تعرضت له من أشكال الصراع:. 

إن ما يكفي في توغل الأثر الذي خلفته التجربة الارتجالية على المسرح 
عند مدرسة النشميء أنها خلقت الطابع المحلي لفن كتابة المهزلة. بحيث 
جعلت منه سبيكة لبنائها فيما بعد. سواء في لهجة الحوار العامي» أو قي 
البيئة الطبيعية لمصادر الضحك, بما فيها من عادات وأفكار. حتى لقد 
أصبحت اللهجة العامية؛ منذ المسرح المرتجل أساس التلقي» والمشاهدة في 
المسرحية المحليةء بعد أن أصبح من غير الممكن التنكر لخيال هذه اللهجة. 
أو لخصوصيتها المحلية الملائمة مع سيميولوجيا المسرح» وتقنياته المتحررة 
من الجمود. 


Al 


النمودج العزلي المقلوب 
جو دجا لاسکی 


ليس صدقة أن يكون عبد الرحمن الضويحي 
أسبق وأبرز من يمثل نموذجا واضحاء ومعالجة 
مشماسكة هي كناية الكرميديا المزلية هوين 
للمهزلة الشعبية المرتجلة بالتكوين المبكر لأنه خرج 
من مدرستها مع مجموعة محمد النشميء التي 
كونت فرقة «المسرح الشعبي». وقد كان واحدا ممن 
حذق مهارات هذه المدرسة؛ وفنونها في الأداء 
والتمثيل. وحين بدأ عبد الرحمن الضويحي في 
الثاليف: والإخراج للمسرح لم يكن الظرفان 
الاجتماعيء والسياسي منقسمين في الكويت: كما 
حدث مع محمد النشمي في أواخر العقد الخامس» 
وإنما بدأ كثير من مظاهر التغير في الحياتين 
الاجتمافية. والسياضية رتسو ارك وة 
والتقدم» من غير مراوحةء أو تردد . ولذا فقد تهياً 
للضويحي قدر من الوضوح المماثل في التأملء 
والمراجعة. سواء في موضوعاته» أو في طرق 
معالجتها بأساليب المهزلة الفنية. 

وإلى جانب ذلك فقد توفر للضويحي معايشة 
كاملة عا ار ار جه الل 


A3 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


المسرحي لفترة طويلة؛ ثم جرب الكتابة؛ والإخراج. '“وشارك في الأعمال 
الإدارية لفرقة «المسرح الشعبي»وكان من أجل ذلك قريبا من الخشبة 
المسرحية» بصورة يسرت له امتحان أساليبه. وموضوعاته. ومسرحتها في 
إطار يعتمد على الخبرة: أكثر من اعتماده على المعرفة النظرية:؛ أو الثقافة 
المدركة. ولا ينبغي التقليل من أهمية هذه المعايشة باعتبارها عاملا في 
وضوح تجربة الضويحي على المسرح» ذلك لأنها تصبح سمة أساسية؛ يبرز 
من خلالها الكثير من كتاب المسرحية؛ طوال العقدين السادس والسابع؛ 
مثل حسين الصالح» ومحمد النشمي» وصقر الرشود. وسعد الفرج» وعبد 
العزيز الستريع في الكويت: وراشد المعاودة ومحمد عواد في البحرين. 

إن عبد الرحمن الضويحي يرث قالب المهزلة الفنية عن مدرسة الارتجال؛ 
دون شكء ولعله أكثر من يستوعب هذا الإرث» ويستثمره عن دراية وخبرة 
ربما فاقت غيره من الكتاب» الذين خرجوا معه من مدرسة الإرتجال في 
فترة واحدة؛ أو كانوا من جيلها على الأقل؛ مثل حسين الصالح وسعد 
الفرج؛ وليس هناك ما يدعو إلى التقليل من شأن الإرث المسرحي المرتجل؛ 
وتأثيراته الجمة في تشكيل المهزلة الفنية. فهي بالنسبة لمجتمع الخليج 
العربي تعتبر التقاليد المسرحية الوحيدة في التاريخ الثقافي والاجتماعي, 
التي يمكن للضويحيء أو لغيره أن يمد بصره إليهاء فلا مراء من أن ترث 
المهزلة الفنية عند الضويحيء أو غيره من المهزلة المرتجلة بعض نماذجهاء 
أو طرقها في المعالجة, أو في انتزاع الأجواء المحلية للضحك. لأن في ذلك 
دلالة على النمو الطبيعي لهذا الفنء حيث أن تقدم الفن المسرحي في أي 
مجتمع من المجتمعات لا يحدث من فراغ: وإنما يولد النوع الجديد» أو تبرز 
التيارات الجديدة مما يسبقها عادة من تشكيلات تبلور قالب وجودها. 

ولا يعني ذلك أن تجربة عبد الرحمن الضويحي تكرار لتجرية محمد 
النشمي السابقة, أو أنها مجرد استلهام لتركة فنية. وجدت طريقها معبّداء 
وإنما هي في تقديرنا امتداد كيفي هائل للمهزلة المرتجلة؛ بحيث أنها نأت 
كثيرا عن التأثر المباشر بهاء ونعتقد أن الحد الفاصل بين التجربتين. لا 
يكمن في كتابة الضويحي لنصوصه المسرحية؛ واتخاذها منطلقا في تنفيذ 
عملية الإخراج المسرحي» فقد سبق لمحمد النشمي أن كتب بعض أعماله 
المسرحية الأخيرةء ومع ذلك فقد ظل جوهر عملية الارتجال ماثلا فيها. 


A4 


النموذج الهزلى المقلوب نموذجاً للتغير 


فالحد الفاصل-في تقديرنا-ينبغي إذن البحث عنه في ظرف الاستجابة 
الجديدة لعمليات التغير الاجتماعي. فإذا كانت تجرية الارتجال المسرحي 
ردا تلقائيا حول مشاكل التغيرء فإن المهزلة الفنية تظهر كمنظومة رديفة أو 
معادلة للتغير. ومظاهر قلق التمثل الاجتماعي الناجمة منه. فالمهزلة هي 
الشكل المسرحي الذي سيكون منذ عبد الرحمن الضويحي بوجه خاص 
بمثابة الرمز المستمر لعملية التحول الاقتصادي والاجتماعي. إنه النموذج 
المستكنٌ في الوعي الجمعيء باعتباره سياقا لما يحدث من تفير. وسنجد 
ذلك متحققا ليس عند الضويحي وحده» بل عند هذا الجيل المؤسس» 
والمؤصل لفن الكوميديا الهزلية» منذ الضويحي مرورا بحسين الصالح وسعد 
الفرج وصالح موسى. 

وما يربط مسرحيات عبد الرحمن الضويحي بمنظومات التغيّر ليس 
تعبيرها عما ينعكس عنها من مشاكل فحسب. وإنما هو رمزها المستمر 
للتحول بين نمطين» متقابلينء قد لا يعبر مباشرة عن موضوع التغير 
الاجتماعي: كما في تحول المرأة إلى رجل» والرجل إلى امرأة في مسرحية 
«اصبر وتشوف» إنما يعبر عن الذبذبات النفسية لهذا التغيرء وما يتضمنه 
ذلك من إمكانات المقابلة بين توتر الحالة الواقعية للتغير؛ والحالة الرمزية, 
أو الرديفة. 

لقد شكل الضويحي الكثير مما يتصل بمنظومة التغيرء من خلال الخط 
الفني» الذي تبنته أغلب مسرحياتهء وهو الذي يتمثل في بناء ما يمكن 
تسميته ب «النموذج المقلوب» فقد كتب منذ ۱964ء حتى 1970 ثماني 
مسرحيات» يسيطر عليها أسلوب الكوميديا الهزلية سيطرة تامة؛ ولكنها- 
جميعا-لا تكاد تفقد اتصالها بفكرة النموذج المقلوب» فهي إما صياغة لانقلاب 
وظيفي في داخل الحياة الزوجيةء تحل فيه المرأة محل الرجل؛ كما في 
«سكانه مرته» (التي ساعده في وضع فكرتها حسين الصالح)ء أو في «أصبر 
تشوف». وإما صياغة لانقلاب سلوكي بحيث يتحول الفتى الأمّي الجاهل, 
محاميا يتلاعب بقضايا الناس» كما في «الجنون فنون» أو ينقلب السارق 
البو فى استلاب الآمق إلى لهه برها الأمرج والعلام فى رة 
«حرامي آخر موديل» أو صياغة لانقلاب اقتصادي من الفقر إلى الغنى,؛ 
كما في مسرحيتي «كازينو أم عنبر»» و«رزنامة» أو صياغة لتقلبات الغريزة 


A5 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الماديةء وتفتحها المضاد للتوازنء كما في «غلط يا ناس»و«انتخبوني». 

تنطلق هذه المسرحيات-جميعها-من مركب واحدء لأحداث مقلوية: أو 
معكوسة يفترض عبد الرحمن الضويحي-غالبا-انقلابهاء أو حدوثها. بصورة 
عكسية؛ ليعبر بذلك عن خطأً فادح في المعايير المتبعةء أو اختلال جسيم 
في توازن القيم. التي يتمثلها الأفراد. نظير التحول؛ والانقلاب الحادث 
فوق سطح الواقعء ذلك أن التدخل في منظومة الحوادث الطبيعيةء بقلبهاء 
أو خلخلة موازينهاء عملية تصاحبها مشاعرء وأفكار لا يمكن تحقيق انتسابها 
إلا إلى الموقف المعارض. المغاير لما تجري عليه الحياة من قوانينء ونظم 
ألفناهاء واندمجنا مع كوابحها . فالنموذج المقلوب في مسرحيات الضويحي 
محاولة لوضع الأخطاءء المصاحبة لقلق التمثل الاجتماعي في إطار لا 
يمكن التغافل عنه» أو التقليل من أثره في الإخلال بالتوازن الداخلي للأفرادء 
ولذا يتبلور عن هذه المحاولة-غالبا-معارضة تجمع بين رفض الواقع: والدعوة 
الصريحة إلى تصحيحه. 

ولعل بإمكاننا الوقوف على مظاهر هامة في تشكيل «النموذج المقلوب» 
لعصب الحالة المخلّة بالتوازن» أو التمثل الاجتماعي من خلال متابعة ما 
يفترضه موقف الانقلاب الهزلي» بما فيه من تعقيد» أو تغيير في سلسلة 
الاتصالء فالانقلاب أو الأحداث المتحولة على نحو مفاجيٌ کا 
فيها من جبر والتواء-دلالة اجتماعية مؤلمة. وتقتضي-بغرابتهاء وبجدليتهاء 
وتوتر عالمها-تشويها بالغا للنماذج البشريةء وأخيراء تقتضي-بكونها موقوتة 
غير مستمرة-حتمية الاعتدال؛ والعودة إلى الشكل الطبيعي. 


الدلالة المؤلمة: 

الألم لا يتناقض مع أسلوب المهزلة. وخاصة مع جبرية الانقلاب والتحؤّل؛ 
بل إنه جوهر الدلالة الاجتماعية للمهزلة عامةء وحتى إذا نظرنا إلى الضحك 
باعتباره أبسط مظاهرهاء وأكثرها إغراء بالتسلية. والفردية. فسنجد له 
ارتباطا وثيقا بالقيم المنهارة في المجتمع من جهةء والقيم المقدسة التي 
تحيطها الجماعة بالإجلال: والاحترام من جهة أخرى ولذا لا تنفك 
المهزلة. عبر الضحك من التعبير عن التناقضات الاجتماعية» بموقف منحاز 
دائما إلى جانب «المعارضة» في المجتمع» والمتبلورة من أشكال الصراع 


Ab 


النموذج الهزلى المقلوب نموذجاً للتغير 


وخاصة بين الطبقات الاجتماعية. فنحن إذن نرفد من المهزلة ألماء ومرارة 
قد لا يسمح لها بأن تجيش كاملةء حتى السطح بسبب الإفراط في الضحك» 
ومع ذلك فإِن الماء الذي نشربه من المهزلةء كما يقول أريك ينتلي «فيه شيء» 
من مرارة يوحى» بأن ثمة مزيدا منها في الأسفل» . 

وعلى الرغم من ذلك: فإن عبد الرحمن الضويحي قد أجاز لرارة المهزلة 
بأن تجيش في كثير من الأحيانء ليدفع إلينا من خلالها بشعور ميلودرامي 
حاد» يعجل بإنهاء المسرحية غالباء مثلما انتهت مسرحية «سكانة مرته» 
(عرضت عام 1964 بإخراج المؤلف) بكارثة محققة. ومثلما انتهى توتر المواقف 
المقلوبةء واشتدادها في المسرحيات الأخرى بالسجن أحياناء أو بالطلاق: 
أو بخيبة الآمال؛ وضياع التدبيرء أحيانا أخرى. لقد كف الزوجان في «سكانه 
مرته» عن القيام بدورهما التربوي؛ فقد اصطنع الكاتب لهما موقفا مقلوياء 
أو متنافيا مع النظام السوئ في هيكل الأسرةء إذ سيطرت الزوجة «أم 
سعود» على زوجهاء وتحكمت فيه بصورة أصبح من جرائها عرضة لسخرية 
الجميع: وكما يفقد الزوج مقدرته على ضبط الأسرة. بسبب ضعفه» وتخاذله 
أمام سلطان الزوجة؛ تفقد هذه الزوجة نفس القدرة» بسبب سلوكها الشاذء 
ونزعتها المتسلطة, ثم لا يكون الزوج المستلب من إرادته هو الضحية في 
هذا الموقفء وإنما تكون الضحية ابنتيه «شريفة» و«سعاد». 

ويبدأ عنصر الإيلام بميلودراميته المؤثرة منذ بداية انعكاس الموقف 
المقلوب على هاتين الأختين؛ فقد استأثرت «سعاد» بدلال الأم» في حين لم 
تجد «شريفة» أدنى عطف منهاء لأنها أكثر حنوًا على أبيها «ومن ثم تصير 
علاقة الأختين كعلاقة الأم بالأب» فتتحكم الفتاة المدللة في أختها الكبرى 
المسالمة, التي لا تجد أمامها إلا استعداء أبيها واستثارة نخوته دون جدوى»!4) 
ولذا تبدأ هذه الأخت «المحرومة» في نسج خيوط الكارثة المؤلمة. منذ المشاهد 
الأولى؛ التي تبدو فيها مضطهدة والتي استغلها الضويحي استغلالا جيدا 
فجعلها منظما لأجواء الهزلء وحائلا دون تفريطهاء ومحركا لما في قاعها 
من تبرم واكفهرارء وربما دلت هذه المشاهد على أكثر الجوانب ارتقاء بهذه 
امسرحية: وخاصة حين تعكس الأختان التوازن المختل بين والديهماء بحيث 
تكون الأم سلاح الأخت القويةء ويكون الأب سلاح الأخت الضعيفة: كما 
يبدو ذلك في هذا الحوار القصير بينهماء بعد أن رفضت سعاد» أن تصطحب 


A7 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


أختها شريفة إلى الخارج» عندما طلب ذلك خطيبها «جاسم:< 

شريفة: إشكَقه تقولين ما نبّيج إتروحين ويّاًا.. . فشلتيتى جدام الريّال. 

سعاد : فيها شىء هذي ما بيج إتروحين ويآنا.. آنا وخطيبي نَنَيَارٌ شكو 
إِنّتِي.. تروحين ويّانا.. عَلّمِينيَ 5 شريفة: آنا مسا آعَرّف آردٌ عليج وآفشلج 
جذام خطيياكم: لگن حت الروال الل راف والحقوةشزوكع. الحقمة 
لبُوي.. ولا جان علمتج. 

سعاد: لا وآنا لوما الحشيمة لأمّي جان علمتج بَعَدَ: 

شريفة: الحشيمة لأمها !!! 

سعاد : لا ليوج !5(1 

وحيث تبوء محاولات «بو سعود» في إعادة التوازن للأسرة بالفشل: يظل 
الواقع المقلوب متناميا في أجواء مشبعة بالهزلء حتى لتبدو كأنها ترتب 
بدقة لحدوث الكارثةء فقد ازداد تخاذل الزوج» حتى أغمي على زوجته «بعد 
أن صرخ عليها ثائرا من تشجيعها «سعاد»على التفريط في خطيبهاء ولم 
يقدّر الجميع-باستثناء شريفة-ما يقود إليه انفلات الفتاة المدللة التي بدأت 
تستجيب دون حذر لعلاقة جديدة مع السائق اللبناني «وهيب». وأخيرا 
تطفو جميع ما رستبته الحالة المقلوبة في الأسرة من عناصر الألم. لقد 
حالت الأم دون تزويج شريفة من «سالم» الذي أحبهاء مدّعية أنها تنتظر 
الزواج من ابن عمها «خالد» ولكن حين يأآتي «خالد» يكون قد تزوج من 
خارج الكويت. وبذا تحرم شريفة من أماني الزواج. أما سعاد فقد جسدت 
الأفاقة. بصورة أكثر عنفاء إذ وجدت طريحة الفراش «حاملا» بعد علاقتها 
المخدوعة مع السائق اللبنانيء الذي هرب من البلاد ليترك الجميع في 
حالة بكاء لما آل إليه وضع الأسرة. 

لقد كان الموقف المقلوب من صنع الزوجين نفسيهماء ولذا فقد جعلهما 
الضويحي السبب في مصير ضيّع آمال الأسرة. وأخل بتوازن علاقاتهاء 
وإمكانية تمثلها لمتطلبات الحياة الجديدةء بما فيها من تحرر ومسؤولية, لا 
تخلو من ضوابط وقيود . 

ونعتقد أن مسرحية «أصبر وتشوف» (عرضت عام 1965 بإخراج المؤلف) 
امتدادا لحالة القلب في المسرحية السابقةء ولكن القلب هنا أكثر إغراباء 
وخروجا عن المألوف. لقد أحسٌ الزوج «جوهر» بمشاعر الآنوثة» وتمنى لو 


48 


النموذج الهزلى المقلوب نموذجاً للتغير 


خلقه الله آنثى» وأحست الزوجة «جوهرة» بمشاعر الذكورة؛ وتمنّت لو 
خلقها الله ذكراء بعد أن شم كلاهما نوعا من الغاز الغريب» ومن ثم يوافقان 
على إجراء عملية جراحية تقلب أدوارهما بحيث يتحول «جوهر» إلى امرأة, 
وتتحول «جوهرة» إلى رجلء ولكنهما ما أن بدآ حياتهما الجديدة. حتى دب 
الخلاف الشديد بينهماء فقد أراد الزوج الذي كان امرآةء أن يثأر لعهد 
الأنوثة والعبوديةء التي قضاها تحت سيطرة الزوج القاسي» فراح يستخدم 
الضرب والإهانة حتى انتهت حياتهما بالطلاق. 

ويجعل الكاتب من هذين الزوجين ضحيتين للتاريخ الاجتماعيء. الذي 
كرس الموقف المستلب للمرأة في نظام الأسرة. ويدل على ذلك موقف 
الانقلاب الهزلي الذي قرن سيطرة الزوج وسوء معاملته. قبل» أو بعد 
الانقلاب بشرعية الأمرء والنهيء التي يستحوذ عليها الرجل وحده. 

لفن متك خملية لقاب الفسيواوسية في حياة الأسرة عواطف الثأرء 
والانتقام. ومجاراة القانون الأبدي في تفوق الرجل؛ فكان ذلك عاملا في 
استثارة الألم والشعور بالرثاء نحو الجميع.. الزوجة المطرودة مشيّعة باللعنة 
والزوج المعزول في حالة لن يرحمه الناسء لأنهم لن ينسوا كونه امرأة. 
والطفلان المضيّعان بانفصال والدهما . ورغم أن الحوادث المؤدية إلى النهاية 
تذيقنا نفس الجرعة المرة في كارثة «سكانه مرته» إلا أنها أقل إيلاما منهاء 
بسبب غرابتها وشذوذهاء وأضعف ميلودرامية منهاء لأن العلم يقرٌ عملية 
القلب الفسيولوجية: التي اعتمدت عليها عقدة المسرحية. 

إن نموذج القلب في مسرحيات الضويحي متميز أبدا بعقلانيةء فهو لا 
يتنكر للعقل» حتى مع قلب الأدوار الفسيولوجية في المسرحية السابقة. 
وطبيعة القلب بطابعها الهزليء وقالبها الناجز تجعل منه خطابا عقلانيا. 
جح اک ا كف لام لمن انر باب الل اكيج 
تحليل «برجسون» للدلالة الاجتماعية في الضحك. ‏ ومن ثمّ فإن مظاهر 
القلق. وعدم الانسجام» التي تأتي عليها نماذج القلب في مسرحيات 
الضويحي» تنطلق غالبا من أفكار بسيطة؛ ولكنها مؤرقة. مشبعة بأجواء 
الفؤل: والنقن والسخرية: ولكتها فة المر اسف محدووة الاتقعال: كاله ةة 
عند الضويحي بعيدة بعدا كبيرا عن ضجيج الميلودراماء وتصوراتها 
الرومانسية الجامحة؛ لأنها تنتزع دروسها بمنطق واقعي مألوف. 


49 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ومهما أدخلت الحيلة الهزلية من وسائل الاصطناع.: فإن ذلك المنطق لا 
يفقد واقعيته. بسبب مضمونه العقلاني» ومن هنا فقد عملت المواقف المقلوبة 
في المسرحيتين السابقتين على ترتيب النتائج شديدة الإيلام. بصورة دقيقة: 
كما أن الصورة المثاليةء التي أسبغها الضويحي على شخصية «بو عبد الله» 
صاحب فندق «ارقد وآمن» في مسرحية «حرامي آخر موديل» (عرضت 
عام 1967 بإخراج المؤلف) رتبت بدقة نهايتها المؤلمة. ذلك أن هذا الرجلء 
الذي أشاع العطف على مستخدميه من الضعفاءء وأظهر جديته في البحث 
عن المجرم» الذي يتعمد سرقة سكان الفندق» يتكشف عن سارق يضبط 
متلبسا بجرمه؛ أمام دهشة الجميع. 

إن معظم أبطال الضويحي. الذين يتعلق مصيرهم بأسلوب القلب الهزلي 
يعرضون لنا مجتمعا تنحصر مشكلته الأساسية في حاجته إلى المضمون 
العقلاني» إنهم حصيلة لمجتمع تنقلب أحواله بسرعة شديدةء دون أن تجد 
لها ترجمة حقيقية في عقل الإنسان: وسلوكه. فالإنسان هنا بلا مضمون, 
رغم أن الأشياء من حوله تكتنز بالإغراءات الجديدة. ونعتقد أن فكرة 
الحالة المقلوبة ترتكز على هدف الاستقصاء لهذا النوع من الفراغء أو هذا 
النوع من الشخصيات المجردة من الاعتدال والتمثل. 

ويمثل هذا الفراغ المضمون العقلاني» الذي تعاني شخصيات الضويحي 
من الحاجة إليه. أنها تنتمي مباشرة إلى هذه المعاناةء كما نلاحظ ذلك من 
الإدعاء الأجوف الذي يتحول إلى ضرب من الجنون في مسرحية «الجنون 
فنون» (عرضت عام ۱965 بإخراج خالد الصقعبي)ء فالبطل «مبارك» الإبن 
الوحيد لأمهء يستسلم لعطاء مادي باذخ منهاء ولكنه يفشل في تحقيق 
أمنيتهاء سواء في الدراسة: أو في الكسب المادي؛ حين وضعت له مقهى. 
فيلجاً إلى مغامرة ينهي بها مشكلته؛ إذ يصطنع لنفسه شخصية محامي. 
ويفتح مكتب محاماة. وتتصدر شخصيته الفارغة موقعا من أحوج المواقع 
إلى عناء المسؤولية. ولكن لا يلبث الموقف أن يكشف عن الصورة الآسية 
التي يدل عليهاء ذلك أن بطل المسرحية أصبح مجنونا يخاطب عقلاء. 
ومدعيا كاذبا يدافع عن حقوق أبرياء. ومثل هذه الحالة المقلوبة تجرد 
الشخصية من مضمونها الاصطناعيء وزهوها الخادع. خاصة بعد أن تكشف 
المحكمة تلاعبه بقضايا الناس لتسلمه إلى السجن. 


النموذج الهزلى المقلوب نموذجاً للتغير 


وفي مسرحية «كازينو آم عنبر» (عرضت عام 1966 بإخراج المؤلف)ء 
نقترب من نموذج القلب السابقء بما فيه من مواجهة للأدعياءء وبما يدل 
عليه من رمز البؤس والخواء في التغيرء لقد انتحلت «أم عنبر» بائعة الباقلاء 
إسما غير اسمهاء وغنمت بذلك ثروة من إرث جدها المزعوم» فانتقلت إلى 
حياة جديدة: تنكرت فيها للماضي» واصطنعت حياة ليست حياتهاء وأصبحت 
بثروتهاء تضع مواصفات الزوج المنتظر, وتحولت بائعة «الباقلاء» إلى صاحبة 
«الكازينو» بأجوائه الغربية. ولم تعد بجذورها الشعبية تمنح قدرا من العطف 
عليهاء فهي تمرح في ثراء ليس من صنعهاء وإنما اصطنعت الحيلة في 
نواله» وكان لا بد من أن تكشف لعبتها ليزج بها في السجنء بعد أن أسفرت 
حياتها المقلوبة عن مضمون بائس. 

ويستمر الضويحي في تشكيل النماذج المقلوبة» التي تخاطب العقل؛ 
بفضل تصعيدها لعنصري الضحك. والهزل من أكثر الحالات شذوذاء وبؤساء 
لتدل على أوجاع لا يمكن مداهنتهاء أو استمراء لعبتهاء فنجد في مسرحية 
«انتخبوني»(عرضت عام ۱967 بإخراج المؤلف). صورة بازغة الدلالة للمخادع: 
الذي جاء يضمر الحيلةء فيقع في مثلها. لقد جاء «شخير» من البادية 
يحمل نزقهاء غازيا ثروة أخيه الحضري «بك أحمد» وذلك بأن اتفق مع 
«دُعْمَة» الفتاة البدوية على أن تمثل دور ابنتهء التي سيزوجها من أبن عمها 
أحمدء وبينما يزمع أحمد على إخبار والده بالزواج من «خولة» التي يحبّها. 
يفاجئه الأب بخبر قدوم عمّه من البادية ليزوجه من أبنته تحت التهديد 
بالسلاح والقتل. ويضطر الابن إلى قبول هذا الزواج» بعد أن أملى البدوي 
شروطه المادية الباهظة, والمستغلة لثروة أخيه. غير أن «أحمد» تزوج في 
نفس الوقت من «خولة». وأدخلها البيت لتعمل خادمة وهنا يقع «شخير» في 
حبائل الحيلة؛ فقد تعلّق قلبه بخولة. واعترف أمامها بما دبّر لأخيه. وسمع 
الجميع اعترافهء فكانت نهايته موجعة. 

والكاتب يقرن في هذه المسرحية نموذج «البدوي» بالغرائز المادية السهلة 
كالاستئثار بالثروة. وهو يبلور بذلك إحدى الصور البائسة في التغيرء قام 
بتجريبها في مسرحية «أصبر تشوف» حيث نجد فيها بدويا. (شخصية 
كانوية) قريب الشبه من «شخير» أراد الاستئثار بنصيب أخيه من الإرث. 
وفي كلتا المسرحيتين يقدم نموذجا صالحا للقلب وهو «البدوي» الذي 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


أصبح بعد التغير نمطا لا مضمون له في الحياة الجديدة: ما لم يندمج في 
عملية التمثل الاجتماعي. 

وفي مسرحية «رزنامة تزداد نظرة الضويحي لبؤس التغير حتمية. 
مع ارتهان التغير بالثروة. ولهاث الباء الماديء ويبدو الإنسان بتجويفه 
الأخلاقي. الذي يغترب به عن صنع التغير هو مربط القلق الدائم عند 
الضويحيء فهذه المسرحية عبارة عن سلسلة من مواقف القلب الهزلية؛ 
التي تجعل جميع شخصياتهاء تصطفق بؤسا وفراغا. لقد استلم «سبت» 
فراش الشركة خطاب الاستغناء عن خدماتهء فراح يقرؤه على زملاته من 
الموظفين. مضيفا عليه بأنه حصل على مكافأة قدرها خمسة عشر ألف 
دينار. فصدقوه وماتوا غيظا وغيرة. وراحوا يتزلفون إليه. ويضمرون خداعه؛ 
فما إن يعلن عن رغبته في الزواج من أوروبية» حتى تتنكر الموظفة «رزنامة» 
في زئ أجنبي فيقبلها زوجة له على أن يكتب لها كل ما يملك» أو يعطيها 
مبلغا باهظا كمؤخر صداق» إن لم يرغب فيهاء وحين يقرر «سبت» استمرار 
زواجه منهاء تطلب منه أن يكتب أملاكه باسمهاء فلا تجد غير ملابسه 
القذرة. وهنا يتلقن الجميع درسا قاسياء إذ لم يقتصر الأمر على رذ الخدعة 
إلى نحرهاء وإنما وصلت إليهم جميعا خطابات استغناء عن عملهم في 
الشركة بسبب تغيبهم عن العمل. 

لقد جاءت نماذج القلب في مسرحيات الضويحي مشكلة لينابيع آلامهء 
ومنصته لأشواقه نحو عقلنة المجتمعء وليس أدل على ذلك من أن الضويحي 
لم يخضع لبعض العواطف التي اتسمت بجاذبيتها عند معظم كتاب المسرحية 
تقريباء كالعودة إلى الماضي متلاء بل إنه حين يرسم مشاهد توحي بانتمائها 
إلى ما قبل النفط؛ يجعلها بالغة الرثاثة. مثيرة لعواطف الرثاء والإشفاق 
نحو الماضي» وليس الإشادة؛ أو الزهو بهء كما نجد ذلك في التفاصيل الرثة 
التي حشدها في الفصل الأول من مسرحية «الجنون فنون» وفي الصورة 
الممضة للتخلف التي يرسمها في الفصل الأول من مسرحية «كازينو أم 
عنبر» حيث نجد مظاهر الفقر والقذارة. ونقص الغذاءء والمرض الذي 
يداوى بالكي. 

وتتسرّب رؤية الضويحي العقلانية في تصويره لشخصية «البدوي» 
التي لم تتداخل فيها ذيول العواطف الرومانسيةء فقد جعل فه نموذجا 


النموذج الهزلى المقلوب نموذجاً للتغير 


سهلا للاقبال على الثروة. والإغارة عليها بشتى الحيل» وأوضح من ذلك 
كله نظرته العقلانية إلى نماذج «المرأة». فهو متعاطف معهاء بقدر تجاوبها 
مع عمليات التمثل؛ وإعادة التوازن إلى المجتمع؛ ففي حين كانت ليلى في 
«غلط يا ناس» وشريفة في «سكانه مرته» وخولة في «انتخبوني» غير 
منسجمات مع النماذج الباكسية: أو المنقلبةء لأنهن تاوا فان لحز 
في «أصبر وتشوف» و«أم سعود» في «سكانه مرته» وأم عنبر في «كازينو 
أم عنبر» يأتين مندمجات مع عملية الانقلاب البائسء المجرد من أي مضمون؛ 
لأنهن جاهلات أو غير متعلمات» ولذا تعاطف الكاتب مع النماذج الأولى؛ 
وانتصر لهاء بينما حمل على الثانية» وجعل انتهاءها مؤسياء وحتميا. 


تشو يهات ومضحكات المشهد المقلوب: 

لا يمكن تحقق الحالة المقلوبة في مشهدها الهزليء أو تأمل دلالاتها 
الاجتماعية إلا من خلال ما تبعثه من تشويهات؛ وما تكشفه من أخلاق 
منحرفة. أو أخطاء فادحة. فالأسلوب الهزلي أيّا كان قالبه. ينطلق من 
فكرة أن ظواهر الأشياءء التي تبدو لنا ببريق أخاذ. تنطوي على حقائق لا 
نجرؤ على التصريح بهاء وإنما نسترها بحجاب الخوف من تهدم الكيان 
الفردي» ولنا في كوميديا موليير الهزلية. أفضل الأمثلة على ذلك فهي 
تلجأ إلى أساليب المهزلة. وخاصة حيل القلب» وسوء التفاهم من نفس 
الفكرة السابقة. ففي «المثري النبيل» يتنكر كليونت في هيئة سيد تركي 
محترم» لينال حظوة السيد جوردن» وموافقته على الزواج من ابنته «لوسيل». 
وهي حيلة تكشف النقص العقلي لدى برجوازي» يتصنع المعرفة والذكاء. 
وفي «السيدات المتصنعات» تنكر الخادم في زئ مركيز. فكشف تصنع 
السيدات» وغرورهن: الذي يأبى ظهوراء وقس على ذلك مسرحياته الأخرى 
كالبخيل؛ «مدرسة الأزواج» «و طبيب رغم أنفه» وغيرها. 

وتعيدنا الأمثلة السابقة إلى ما صنعته مشاهد القلب والحيلة» ومواقف 
الخداع والتنكر من مواجهة: وتعرية للحقائق المختفية وراء النماذج البشرية 
التي خلقها عبد الرحمن الضويحي كما حدث في «رزنامة» التي يعتبر 
بطلها «سبت» الفراش ربيبا لخادم موليير السابق؛ فما أن ادعى حصوله 
على الثروة. حتى انفجرت حوله مشاعر الحسد» والغيرةء ومكائد التزلف» 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


والنفاق؛ ولكنها لم تنل منه شيئاء بقدر ما نالت من أصحابها . ومرة أخرى 
تكشف الحيلة الهزلية في مسرحية «انتخبوني» تلك النيّة المضمرة: التي 
بيّتها «مشخير» البدوي من أجل السيطرة على ثروة أخيه. عندما دبرت له 
«خولة» مكيدة للايقاع به على مشهد من الجميع؛ وفي مسرحية «حرامي 
آخر موديل» تكشف الحيلة بأسلوب أكثر فجائية؛ نموذجا من الإجرام 
أكثر تستراء وأقوى خطراء وذلك عندما يكون رب الدار هو المسؤول عن 
سرقتها. 

وندرك من ذلك أن التشويه الذي تظهره المهزلة عند الضويحي ذو نزعة 
روحية وحضاريةء تجسم ما هو مستورء ومخل من العادات والأفكار والقيم؛ 
التي من شأنها أن تؤجل عمليات التمثل الاجتماعي باستمرار. ولو أن المرء 
تساءل عن حدود التشوه الحضاريء الذي يستطرد الضويحي في بسط 
تفاصيله خلال المشاهد المسرحية الطويلة؛ لوجد أنه تشوه يضرب في كل 
اتجاه بسبب» أنه في الأخلاق. والعادات» والتقاليد والقوانين. واا 
بل إنه في الأجسام» والغرائز أيضا. ولا يمكن فصل النسق الواحد من هذه 
عن غيرهاء لأنها جميعا تشكل منظومة إنسان ينتمي إلى مجمل الظروف 
المعاصرة في مجتمع الخليج العربي. ولم يكن الضويحي بسبب ذلك معزولا 
عنهاء إنه في المسرحية الواحدة يحشد كل التفاصيل» التي من شأنها أن 
تظهر مجتمعا غير سويء تتلاءم آجواؤه الشاذة مع العقدة المسرحية المقلوبة 
غالباء كما رأينا. وكان الضويحي-لهذا السبب-يتعمد إخراج مسرحياته بنفسه 
من أجل ضمان الإحاطة بكافة التفاصيل» ومراعاتهاء بل إنه مع الإخراج 
يضيف تفاصيل أخرىء قد لا توجد في النص المكتوب. 

ولا يتسع المجال لعرض التفاصيل غير السوية؛ التي بعث بها الضويحي 
فوق خشبة المسرح» فهي كثيرة الإفراط. مكررة التجسيد في معظم 
الممسرحيات؛ ولكنها رغم ذلك ترسم فجوة حضارية؛ وروحية عميقة في 
مجتمع تتلاحق فيه أصداء التغير. ولعل من المفارقات البالغة الدلالة أن 
تلك التفاصيل غير السوية هى المصدر الأساس للضحك الغالب على أجواء 
الزل» فالضويحي فى نسكانه مرته» يجعلنا نضحك من تلك الأسرة: التي 
تلجاً إلى طقوس الزار بحثا عن العلاج لمشاكل ص هي من صنع الزوجين 
نفسيهماء كما يجعلنا نضحك من ظاهرة الإكراه على الزواج في مسرحية 


54 


النموذج الهزلى المقلوب نموذجاً للتغير 


والتقيرتدى ا ا ا شن ی البق البادية فى کے که لخم 
لابن عمها. وفي مسرحية «أصبر وتشوف» نضحك بمرارة شديدة من 
التسول الآنيء لركز الاسكداد فى الآعرة من جراء الول الفسيولويجهي: 
الذي طرأ على الزوجين؛ فجعل المرأة: وقد أصبحت رجلاء تنتقم من عبوديتها 
السابقة. 

وهناك نماذج بشرية شغف الضويحي بملاحقتها في مشاهد مكررة. 
مغرقة في الضحك. إلى درجة الإسرافء ولكنها تعبر عن أكثر مظاهر 
الفجوة الحضارية عمقا. فلا تكاد جميع المسرحيات التي كتبها الضويحي 
تخلو من مجنونء أو معتوه» أو أعرج. قد لا يخرج دوره عن الجملةء أو 
الجملتين. ولكنه بمظهره الجثماني المشوه يظل عنصرا هاما في تشكيل 
ااك لوحي كلد ااا ١ ٠‏ 

ومن هذه النماذج البشرية التي جعل الضويحي منها نقائض للتحضر 
والتمثل الاجتماعي «البدوي» الذي بعثه على المسرح مرتين كما سبقت 
الإشارة إلى ذلك. ورجل الدين «الملا»» الذي بعث نموذجه «المشؤه» في أربع 
مسرحيات هي «اصبر وتشوف» و«الجنون فنون».و«حرامي آخر مودیل» 
و«انتخبوني». وفي كل مرة يكون في صورة من يتخذ الدين ستارا لأطماعهء 
وميوله الخريزية: إنه يتال الحظوة والأحكراف:ولكنه أول من سيره الادة 
والرظية الحردية: فهو وجل يتحرك مع بصانسه الي يكررها رها بلجو 
إلى الدين. نجده مثلا في «اصبر وتشوف» يتفق مع البدوي على تبرير 
حرمان «جوهر» من الإرث بأنه تناول مادة مخدرة قبل إجراء العمليةء التي 
حؤلته من أنثى إلى ذكر. فهو يقول له: 

«المادة المخدرة هي البنج الذي وضع لك قبل العملية لأن البنج مخدّر 
والمخدّر ابن عم المسكّر وكل مسكر حرام» . 

لقد وجد الضويحي في هذا النموذج القابل للتشوه مرتعا خصبا 
للضحكء فجعل منه جسما لا يتحرك. أو يتكلم على المسرح إلا مصحوبا 
بغاصفة من الضحك» وإذا كانت أوضاع الجسم الإتساتي بحسب تحليل 
برجسون-وإشاراته. وحركاته تكون مضحكة على قدر ما يذكرنا هذا الجسم 
بمجرد آلة ‏ فإنا لا نجد مصداقا لذلك أفضل من «الملا وجدي» في 


مسرحية «حرامى آخر موديل»ءأو «الملا نوح» فح «المأذون» طئ مسرحية 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


«انتخبوني». ذلك أن جميع الأساليب المعتادة في المهزلة من تكرار دوري 
لكلمةء أو مشهد. أو عكس تناظري للأدوار. ونحو ذلك من الأساليب التي 
تنبع من مبداً «برجسون» السابق نجدها مستخدمة مع هذا النموذج أكثر 
من غيرها في مسرحيات الضويحي. «فالملا وجدي» لا يكاد يخرج على 
المسرح» حتى يبدأ في إثارة حوار يتسم بالآلية المضحكة؛ فهو ما أن يسمع 
كلمة «مرحبا» حتى يرد عليها : «مرحبتين». ثم يستمر هذا المظهر في التكرارء 
والاتصال في عدة مواقفء تبدو أحيانا في شكل مفاجئ» باعث للضحك 
الفاقع. بل إن الضويحي يصمّد هذه الحالة؛ فيجعله لا يكاد يسمع حروفا 
قريبة من حروف «مرحبا» حتى يرد عليها: «مرحبتين» كما نلمح ذلك في 
هذا الجزء من الحوار: 

نصيب: إِنْزِين ملا وَجَدي إِشوَجَدَك عليه تَشَرَبَ 

ملا وجدي: ملا وجدي وَجَدَةٌ على فنيّال إِقَهوَة إِيقند راسه 

نصيب: إفَهوة مرّة 

ملا وجدي: مَرَحبّتين 

نصيب: آنا آسألك مُرَّة (يسد فمه) تقُونّي مَرّحبتين 

ملا وجدي: مَرَّةَ يب مَرَة 

نصيب: (يضرب الجرس) 

بدر: نعم 

نصيب: عطنا فَهَوّة 

بدر: مُرْة 

ملا وجدي: مَرَحبّتين 

بدر: من دَاسَ على عصعصك إِنْتْ 


تمه 


نصيب: إيه يبه مرة 
ملا وجدي: مَرحبتين ٩.‏ 

ويستطرد الضويحي مع آلية الحوار السابقة في موقف لا يكاد «الملا 
وجدي» يسمع فيه كلمة «مرتاح»» حتى يرد عليها بآليّة: «مرحبتين». ونعتقد 
أن هذه الصورة البالغة الهزل لرجل الدينء رغم إسرافها المقبول» حسب 
التقاليد الفنية في المهزلة إلا أنها تظل غير مجردة من مضمونها الانتقادي. 
«فالملا وجدي» صورة أخرى من بطل المسرحية «بو عبد الله» لأنه لا يختلف 


56 


النموذج الهزلى المقلوب نموذجاً للتغير 


عنه في ازدواجيته الجامعة لعنصري الخير الظاهرء والشرٌ المبطّن. إنه 
مجرم يتستر بالدين وراء احتراف السرقة:؛ والابتزازء ولذا جاءت الآلية 
السابقة في الحوارء أو الحركات لتسبغ عليه ثوبه الحقيقي. فهو جسد 
مجرد من روحانية الدينء والضحك الذي ينتابنا من الحوار السابقء إنما 
هو ضحك من الخواء الروحي لشخصية يفترض امتلاؤها الروحي» ولا 
مراء في أن ذلك يعد ضربا من التشوه الغائر. الذي ينبثق-بالضرورة-من 
ينابيع النموذج المقلوب. 


حتمية الاعتدال والتوازن: 

المهزلة تنطلق-غالبا-من فلسفة اجتماعية متفائلة؛ ومسالمةء تتفق وظائف 
الضحك فيها مع برامج الإصلاح الاجتماعي؛ وقد وصف «فرويد د نكات 
المهزلة بأنها «كثارسية» أساسا (أي تطهيرية) إنها تحرير لا إثارة'". كما 
وصف البعض ضحك المهزلة بأنه «الثأر السلمي العادل لجماعة الضعفاء 
مما يجعله أدعى لأن يقترن بالوظيفة الاجتماعية النافعة» لا باعتباره أداة 
محافظة تضمن بقاء التقاليدء واستمرار الآداب العامة المرعية فحسب» 
وإنما باعتباره أيضا وسيلة فمّالة لتحقيق ضرب من التغيّر الاجتماعي'. 
وفي سبيل ذلك لا تهدف وسائل المهزلة إلى أكثر من المحافظة على الكيان 
لتر واا وا الأهلذتي وإعادةالأوطياع االتعرفة 
إلى شكلها الطبيعي» وتعديل مظاهر النقض والتشوّه؛ وتحقيق المصالحة 
بين الطبقات الاجتماعيةء وريما كانت المهزلة أكثر الأشكال الداعية إلى 
التقارب بين نماذج الفقر والغنى. وتنطبق هذه الوظيفة الإصلاحية مع 
النموذج الهزلي المقلوب عند الضويحيء ولكن مع تميزها بالطابع الحتمي؛ 
ذلك أن العقدة المقلوبة لا يمكن استمرارهاء أو قل بأن الوضع الاجتماعي 
المقلوب لا يحتمل فترة طويلة من الزمن: إنه ما أن يبدأ حتى تفص 
الشخصيات اختناقا بأجوائهء ولذا كان لا بد من الإسراع في تحريرهاء 
واعتدال الشىء المقلوب» بالوسائل المتبعة عادة فى المهزلةء وإلا تحوّلت هذه 
ال واا ر رها ا 

وقد نهج الضويحي في إعادة النموذج المقلوب إلى التوازن الطريقة 
«الكثارسية» التي لا تخلو من مضمون الأسىء والإشفاق؛ ولكن من غير 


57 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


إراقة لدماء, أو سقوط تام للنماذج البشرية. لقد كشفت المحكمة تلاعب 
ميارك غد ها الكل شخصية لامي فى درحية ,اون كتون» فجت 
به في السجن» وفي مسرحية «رزنامة» يعاقب جمعة وخميس ورزنامة بخيبة 
أمل من ثروة وهمية؛ وبالاستغناء عن أعمالهم في الشركة. أما المجرم» 
الذي هرع يليرس الكين: ققد ع امام الجميع راك إلى الشسن قي 
حزامي آخر وله ولم يجد وکین البدوق فى مسرا ,ابوت 
و عرو کی وااو اکا كروة احيه كل هو حلول ا 
حظاء la Ya N NE N E ELEN O‏ 
الإصلاح السريع لمظاهر الانقلاب» والإخلالء التي لا تتسم بأبديتها في 
المجتمع. 

6ار له اکر اا ا ا رات الضويحي 
نجده في مسرحيتي «سكانه مرته» و«اصبر تشوف» فقد ارتد الوضع 
الهزلي المقلوب في الأولى بكارثة جعلت «بو سعود» يبكي استسلامهء 
وخضوعه في مشهد يوحي به بالتطهر. رغم ما سبقه من ضياع وتفريط. 
أما الثانية فقد تمبّز اعتدال الموقف المقلوب فيها بتطهير ينبعث لنا من 
اللاوعي» ذلك أن انقلاب الزوجة المضطهدة إلى زوج يضطهد زوجته بعد 
أن كاتف زوجا له: كم انتا ذلك يكاركة الظلاق: لم يكن اكثررمن حلم راه 
«عبد العزيز» في منامه متأثرا بمعايشته للخلاف الدائر بين أمه وأبيه. 
روك كانه هدم التسرحية من خلال مز اا بن العلم والواف كن 
مصير النموذج المقلوب» أكثر مسرحيات الضويحي توغلا في تحرير المشاعر. 
وأبلغها في استعادة التوازن: وأقربها إلى الاحتفاء بالتنبؤ المسالم» الذي 
يدعو إلى المحافظة على الكيان الاجتماعي للأسرة. 

لقد تبلورت أفكار المهزلة عند الضويحي» ومعارضتها لتجويفات الفراغ 
الحضاري في تلك اللحظات التي تتوتر فيها العقدة المقلوبةء ولا تجد بدا 
من الاعتدالء وحين يبحث المطلع في أعمال هذا الكاتب عن أفكاره وفلسفته 
الاحتماعية لا بعدها فى فاا موك السريدية وکا هاه و ا ها 
جد فى برقت تال فيه الصورة االغلوية انفاسها الأخيرة ليد كل 
شيء إلى صوابه. ومن أجل ذلك فإن حوار الضويحي حوار مسرحي محض» 
اھا و معلريا: ا يعدم کار کی ن 


النموذج الهزلى المقلوب نموذجاً للتغير 


أنه ينتهي مع انفراج العقدة المقلوبة إلى حوار تعليمي» وخطاب تقريري 
يستبر الفكرةء ويبرزها في حجم بالغ. وبمكن ملاحظة ذلك في جميع 
مسرحياته التي تعرضنا لهاء فهو مثلا يرد الكارثة التي تعرضت لها الأسرة 
في «سكانه مرته» إلى ضعف شخصية الآب» من خلال فقرة خطابية أخيرة 
تلقيها «شريفة», وهي في حالة بكاء. وضي خاتمة «حرامي آخر موديل «يقف 
«معتوقوه» الذي اتهم بالسرقة بعد أن ضبط «بو عبد الله» متلبسا بجريمة 
السرقة: ليقول الجملة التقريرية الخطابية الوحيدة في النض وهي: 

«يا بو عبد الله تستطيع أن تخدع الثاس بعضن الوقت.. ولكن لا تستطيع 
أن تخدع الناس كل الوقت.. يا بو عبد الله الحقيقة إِنَيَّ ما أنكر معروفك... 
ها گر کات لعن وای بعكم عل اخ کے کی یر كيام بعيه فن 
العواطف حفظا لسلامة الوطن والمواطنين'. 

ورغم جفوة الأستلوب التعليمي وسةالجقه الغالية. التي شود إليها التسرع 
في الإفراج عن المواقف المقلوبة: إلا أن الضويحي يتنبه أحيانا لخطورة ذلك 
غلى الضاء ای کی رادا معن ای عد فى ابر مسرحيا قف ومني درا 
كما آته اطا هيد جریا اکى ارتي اتاد كيه الو 
المعتدلة, لنماذجه البشرية بدلالة موحية. فقد جعل أغلب هذه النماذج: 
يعشق «خولة» التي دخلت الأسرة كخادمةء بينما هي زوجة أحمد. الذي 
تحبه.. ومن ثم يختصم البدوي» «وبو أحمد». وابنه و«الملا نوح» و«المأذون» 
في الاستئثار بحب خولةء ولكنها تعرض عنهم جميعاء وتبادر إلى اختيار 
حبيبها «أحمد» حين أعطيت لها حرية الاختيار قائلة للجميع: 

«الحقيقة يا جماعة.. . لا إِنت.. ولا إِنّت.. ولا إِنّت.. . ولا إِنّت.. كلّكم ما 
تقُدرُون إتعيشون ويّاي.. ما تقدرون تقهمُوئي.. آنه آنتخب اللي يفهّمني: 
ويقهم حقوقي ويحقق إمنياتي.. ويشارکني مشاكلي.. اللي بَحياته ما كمثه 
غيري.. مُو نتو كل واحد منكم يَبَى يتّرك رُوجته على شانِيَ.. مثل ما 
تتركون زوجاتكم على شاني اليوم يمّكن تتّركُوني بَاجِرَ على شان غيري.. 
آنه آنتخب حبيبي ونور عيني.. . أحمد »4"). 

ولا شك أن خولة تكلم هتا بضمير الكويت؛ فقن جاء موقفها السابق 
يحمل أكثر من دلالة؛ فهو انتصار للارادةء واتجاه إلى ضرورتها القصوى, 
من أجل إحداث التوازن المطلوب. وهو أيضا اتجاه يؤكد على أن مستقبل 


5Q 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


التغير. مرهون بالجيل الذي خلقته التغيرات الجديدة.. . جيل «خولة» و 
«أحمد». وأن عمليات الإخلال بالتمثل الاجتماعي» والتوازن في الأفكارء 
والقيم مردود إلى الجيلء الذي لم يحقق الاندماج الكامل والتمثل الحقيقي 
للتغير» وهو جيل «شخير» البدوي» و«ملا نوح» رجل الدين » و«بو أحمد» 
الزوج التقليدي. 

ويمكن الانتهاء بعد ذلك-اعتمادا على متابعتنا السابقة-أن المهزلة الفنية 
عند عبد الرحمن الضويحي.ء تبرز نوعا من التمفصل الآلي في مشاهد 
السلوك والعادات والأخلاق؛ التي كانت تتمسرح في الحياة الاجتماعية. 
وكأن «النموذج المقلوب» الذي تميّز الضويحي باستخدامه هو الشكل الهزليء 
الذي جعل تلك المشاهد على صلة قوية بديناميات التغيرء إذ منحته إمكانات 
النموذج السابق؛ مخيّلة حرّة في تشكيل الموضوعات الأخلاقية؛ والاجتماعية 
المألوفة» التي كانت تنصت لإيقاعات التغيرء رغم ضجيج المهزلةء وأجوائها 
الزاعقة. 

وقد تحكمت الإرادة الجمالية وحدها-عبر صياغة «النموذج المقلوب»- 
في مظهر الإنصات لحركة التغيّر. بحيث بات من الواضح أن تجربة 
الضويحي مع المهزلة الفنية كانت تتآمل في ردود فعل التغفير عن قرب 
شديد منها. وبتعبير آخر فإن أشكال القلب السابقة عند الضويحي هي 
نماذج لحركة التغير ووسيلة للتحكم في درجات الاقتراب من ذبذبتهاء بصورة 
أساسية. سواء كان ذلك صادرا عن وعي الكاتب» أو عن لا وعيه. وقد دل 
ذلك على قدر معقول من التماسك الفني في التجربة السابقةء بحيث أنها 
ستلقى آثارا واضحة لدى بعض كتاب المسرحية؛ أمثال صالح موسى في 
الكويت؛ وراشد المعاودة في البحرينء كما سنرى ذلك في مواقع أخرى من 
هذه الدراسة. 


00 


التشكيل العزلي من « العوة 
التقاذيه ( 


تستقطب المهزلة الفنية أبرز مواقف »البرجوازية 
المعارضة» لتناقضات التغير الاجتماعى. ليس بسبب 
اء كا إل هذه الطيقة الاجدمافية: مباشرة 
فحسب. وإنما لأن الكثير من تلك التناقضات 
أصبحت معدة للتمسرح الهزليء منذ أن خلقت 
التغيرات الاقتصادية نماذجها الاجتماعية الجديدة 
كالابن الذي ينتمي إلى أسرة ثرية أو فقيرة: »أصيلة» 
أو »جبيسرية» والغني الذي اكتسب الثروة من غير 
حق. أو الذي هبط عليه »التثمين» دون غيره؛ أو 
الذي تحول من نمط وسيطي في التجارة إلى نمط 
آخرء اقتضته التبعية الجديدة للسوق الرأسمالية. 
ونحو ذلك من النماذج التي أتت بها الفاعليات 
الاقتصادية. مدعمة-على الأغلب-بالمعايير والتقاليد 
الاجتماعية؛ التي حفظت لها مكانتهاء فأصبحت 
بوضوحهاء ونمطيتها قابلة للتمسرح. والنموذج 
الهزلي. 

وقد كانت المعارضة منبعا ديناميا لنموذج عبد 
الرحمن الضويحي )لمقلوب» لأن مسرحياته الهزلية 
السراظة قطن من رقن الاتحراف التطرفت: الذي 


ان 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


يصل إلى درجة التعاكس مع سلاسل الاتصال اليومي» بما فيها من تقدم؛ 
ونزوع أمامي. وما يميز تلك المهزلة عند الضويحيء أن »الانقلاب» فيهاء 
يمثل مادة منتزعة من الواقع الاجتماعي المقلوب» بتناقضاته الفظة؛ كما 
كان رمزا لها في آن واحد . ولكن رغم ذلك فإن شخصیاتهء لم يكن بإمكانها 
أن تنغمس مباشرة: فيما هو جوهري من التناقضات الاجتماعية السائدة 
ذلك أن مسرحياته تبرز-أساسا-التخلخل الداخلي» الذي تتعرض له بعض 
الفئّات البرجوازيةء كما تبرز عدم توازنها النايع من اهتزاز تركيبتهاء والتشكك 
الدائم في مؤهلاتها الاجتماعية؛ والحضاريةء فليس »بو سعود». أو »مبارك». 
أو »جوهر» أو /أم عنبر»» أو »بو عبد الله» أو »شخير» إلا نماذج معدة 
أساسا للانهيار» بحكم أن أوضح سماتها: هشاشة تكوينها الاجتماعي. 
والفكري, الذي يجعلها سريعة السقوط. 

لم يكن ابتداع »النموذج المقلوب» إذن إلا مواجهة لذلك التهافت الداخليء 
لأن الضويحي مع هذا النموذج إنما يقف شاهدا على ذلك المنظر المؤلم 
الذي تكتشف فيه نماذجه الاصطناعية؛ تحول آمالها إلى أوهام. إن تكنيك 
»النموذج المقلوب» ينضوي-سوسولوجيا-مع أوهام البرجوازية وادعاءاتهاء 
التي تزداد حدتها مع سرعة التغيرء وما فكرة انتحال أبطال المهزلة عند 
الضويحي لشخصيات. أو مواقف ليست على صلة حقيقية بها إلا ضربا 
نالا ات لتزايد درجات الدافعية الفردية في التسلق.. . أو التجاوز 
للقوانين» وقواعد النظم» والأخلاق.. .. فهل يمكن لمثل هذا لتكنيك أن 
يستمر مع تطور المهزلة الفنية.. وتطور أشكال ردود فعل التغير في 
المجتمع...؟ 

لا يستمر ذلك التكنيك حين تتجه المهزلة الفنية إلى تشكيل قالبها الفني 
من بين ردود فعل التغيرء وتناقضاته الأكثر ديالكتيكية. وخاصة مع وضوح 
الصراع بين رموز النظام القديم» ورموز النظام الجديد, أو مع وضوح 
الصراع حول القيم المتغيّرة. ووضوح مظاهر المفاجأة» والسرعة في التطور 
المادي. ذلك أن المهزلة الفنية تستمد وجودها من جديدات التغير باستمرارء 
وما دام المجتمع يتفاعل كل يوم بمظهر جديد. فإن مفهوم المهزلة لا يمكن أن 
يثبت مع أحد الأساليب الجامدة. وهذه طبيعة لصيقة بالفن على وجه 
الإجمالء لأن »مفهوم الفن المنفصل عن العملية المتعاقبة العامة للتطور 


02 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


الاجتماعيء إنما هو وهم, وطالما لا يستطيع الفنان أن يتهرب من تغيير 
الحياة التي هي دائما في حالة من التقدم» فكان من الأفضل له تقويم 
موقفه» وتأدية دوره في عملية التطور» . وهذا يعني أن نشاط التجربة 
الإبداعية؛ ينبغي له أن يندمج على نحو متكامل مع تلك العمليةء بحكم 
ضرورة التعاقب والتطور الطبيعية. 

وبهذه المثابة كان من الطبيعي للمهزلة الفنية-خاصة بعد أن وضحت 
أشكال ردود فعل التغير لدى البرجوازية المعارضة:؛ التي أبدعتها-أن تشكل 
قالبها الدرامي لا من التهافت الداخلي لإحدى الفئات الاجتماعية. فحسب» 
كما صنع الضويحي في أغلب أعماله المسرحية؛ وإنما من صراع أكثر 
شمولا وديناميكية؛ يتبلور-بوجه خاص-من تصادم شرائح البرجوازية: العلياء 
والوسطىء والدنياء بمصالحها الجديدة. التي حافظت عليها بوسائل الدعم» 
والضبط الاجتماعى. وخاصة من منظور القيم والعادات. لقد جاءت المهزلة 
تداعا ية الاجتماهية الجديدة: المتصررة: وتبشيرا بانتصاراتها: نيا 
حصيلة لمعارضة البرجوازية الصغيرة؛ التي حررت أفكارها من السلطة 
الرسميةء ونفوذ القوى الاجتماعية الكبرى. 

لقد ظهر منذ منتصف الستينات» وحتى أواخر العقد السابع العديد من 
كتاب المهزلة الفنيةء الذين اتجهوا إلى خلق القالب المحلي لهذه المهزلة من 
معطيات المعارضةء ومن انغماس تساؤلاتها في حركة التغير باستمرار. 
وأبرز الكتاب الذين توليهم دراستنا دورا في خلق ذلك القالب حسين الصالح 
الحدادء وصالح موسى. فقد جعل كل منهما ينابيع المعالجة الهزلية في 
عقدتين: الأولى: عقدة الصراع حول القيم المتفيرة. والثانية: عقدة الثروة 
المفاجقة. ولا تنفضل هاتان العقدكان عن بعضهما فى إطار التحليل 
السوسيولوجي العام بحكم ما تات القروة الاقتضادزة خاد من تقيرات 
قد تدفع إلى تحديث القيم» أو تعرّضها للاهتزاز. لأن القيم الاجتماعية- 
كالتقاليد والعادات ومعايير الإرث-مهما اتسمت قواعدها بالثبات؛ والتحكم, 
إلا أنها تكون عرضة لعمليات التبدّل؛ والتكيّف الاجتماعي؛ مع ما يطرأ 
على الأسرة مثلا من تبدل في مستوى المعيشة:؛ أو اختلاف في موقع السكن, 
أو خضوع لأشكال الانتشار الثقافي» عبر تطور وسائل الاتصال» وانفتاح 
المجتمع على الأنشطة الاقتصادية الحرةء واقتنائه لأدوات التكنولوجيا. 


05 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ومن أجل ذلك فإن عقدتي القيم الاجتماعية المتغيرة والثروة المفاجئة ستكونان 
في كثير من الأعمال المسرحية الهزلية وجهين لعقدة واحدة وهي »الهوة 

إن »الهوة الثقافية» حصيلة لطبيعة التغيرين الاجتماعيء والبنائي في 
مجتمعات الخليج العربي» اللذين جاءا في كثير من مظاهرهماء نتيجة تغير 
مفاجئ في الثروة القومية. ولا شك في أن مشكلة »الهوة الثقافية» تعتبر 
إحدى مشاكل التغير في المجتمعات المعاصرة؛ وليس مجتمع الخليج العربي 
وحده. وافتراض هذه المشكلة يقوم على فكرة »عدم التناغم الواضح بين 
النمو التكنولوجي السريع: وبين التحول البطيء في النظم العائلية والسياسية 
وغيرها من النظم» وكذلك في المعتقدات التقليدية والاتجاهات.» © وتتحقق 
»الهوة الثقافية» بهذا الك في مجتمعات الخليج العربي بناء على تفاوت 
معدل التطور الاقتصادي. مع معدلات التطور الأخرىء وخاصة فيما يتصل 
بالنظم والمعتقدات» فقد لاحظ أكثر من باحث اجتماعي ما يعاني منه 
المجتمع الكويتي-مثلا-من مظاهر التخلخل الثقافيء »والصراع بين القديم 
والحديث. وتضارب أساليب التفكيرء والقيم والعادات والسلوك» وغير ذلك 
من الظواهر النفسية والاجتماعية المصاحبة للتغير الاجتماعي السريع» 
. كما لوحظ الكثير من المعدلات غير المتوازنة فى نمو القوى البشرية, 
بحيث اتخذت الزيادة الهائلة في أعداد القوى العاماة في السوق الكويتية, 
اتجاها غير متوازن بين أعداد الكويتيين» وغير الكويتيين» . وعلى وجه 
الإجمال فإن المجتمع في الكويت والخليج العربي شهد نوعا من التغير 
المتسارع في جوانب الحياة الماديةء في الوقت الذي ظلت الجوانب الثقافية 
أو غير المادية تعاني بطثا شديدا في النمو. 

هذه المشكلة بطرفيها سالفي الذكر (القيم المتغيرة-الثروة المفاجئة) لم 
تكن بمظهر خفيء وإنما كانت ظاهرة متورمة أمام فة البرجوازية المعارضة, 
(ولذا لا يرجع الفضل في تحليلها إلى الدارسين الاجتماعيين الذين كثيرا 
ما أشاروا إليها في بحوثهم مع بداية السبعينات) إذ كانت تلك الفئّة 
الاجتماعية تعايش بمرارة شديدة؛ ما بعثه التغير الاقتصادي من مشاكل 
وتناقضات جديدة. لقد وقعت هذه الفئّة على السفح من النظام الاجتماعي 
للجيل الثاني بعد ظهور النفطء ولذا قدر لها أن تكتشف-بنفسها-مشكلة 


64 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


التخلف. أو الهوة الثقافيةء لأنها الفئة التي تحملت أكثر من غيرها أعباء 
الصراع مع التقاليد. والمعتقدات الغيبية؛ والمعايير القبلية. كما تحملت عنف 
المواجهة للبرجوازية التجاريةء ونحوها من الفئات الاجتماعية؛ ذات النفوذ 
الاقتصادي الكبير في المجتمعء وليس أدل على ذلك من أنها (مشكلة الهوة 
الثقافية) أ صبحت بفضل البرجوازية المعارضة لهاء أقوى المظاهر 
الاجتماعية؛ التي شكلت القالب الدرامي للمهزلة الفنيةء والدراما المحلية 
بصورة اساي 

إن تاريخ معالجة هذه المشكلةء على المسرح يرجع إلى أول مسرحية 
يكتبها صقر الرشود وهي: »تقاليد». التي عرضت بإخراج محمد النشمي 
عام ۱965 طارحة على جمهور المسرح لأول مرة نموذجا للمثقفء الذي 
تتعارض نظرته العصرية مع تقاليد الأسرةء ونظامها القبلي. فقد تزوج 
بطل المسرحية؛ الذي ينتمي إلى أسرة ذات أصل قبلي من فتاة لا تنحدر من 
أصل قبلي» مخالفا بذلك القيمة الاجتماعية المتوارثة. ومعرضا تقاليد 
الأسرة للتخلخل؛ وكاشفا بذلك عن مضمون »الهوة الثقافية». وهو أن وثبات 
التغير الاقتصاديء لم تأت على قيمة كهذه القيمةء وإنما تركتها مع ثباتها .. 
. أو تغيرها للزمن. وإذن فإن معالجة هذه المشكلة على المسرح في فترة 
مبكرة؛ تدل على أنها ظاهرة متمكنة في المجتمع» كما تدل أيضا على مدى 
التوافق الزمني بين الدينامية الكامنة في تلك المشكلة؛ والاستجابة لمسرحتها 
في القالب الدرامي. 

ورغم ما في مشكلة »الهوة الثقافية»من طابع القسوةء وتناقض الأهواء. 
والأفكارء والمفاهيم, إلا أنها لم تتناقض مع طابع المهزلة الفنيةء بل ظلت 
التناقضات الحادة في هذه المشكلةء تمثل الروح المؤلة الشاملة للكوميديا 
الهزلية المحليةء لقد شكلت عقدتها الفنية-غالبا-من الفكرتينء اللتين سبقت 
الإشارة إليهما: »التقاليد المتغيرة» و»الثروة المفاجئّة». فبنت مسرحيات حسين 
الصالح وصالح موسى أفكارهاء وتفاصيلها المسرحية من مشاكل لا تخرج 
عن الفكرتين السابقتين. كمشكلة التناقض بين »الأصيل» الذي يتمتع 
بالانتماء القبليء و»البيسري». الذي لا يتمتع بمثل هذا الانتماء.. بحيث 
يعتبر في نظر المجتمع »لا أصل له»» وإلى جانب هذه المشكلة؛ نجد مشاكل 
ردود فمل الثراء المفاجئ, التي تبعتها المهزلة. غالبا من خلال عملية »التثمين». 


05 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


أو أي شكل من أشكال التحول السريع من الفقر إلى الغنى. 

لقد كتب حسين الصالح نحو خمس مسرحيات: قدمتها فرقة »المسرح 
الكويتي»» التي ساهم في تأسيسهاء وهي: »ناس وناس» التي أخرجها محمد 
لشفي ام 11984 و 55 الصوف ولا جديد اوتاه التي أخرجها 
المؤلف عام 1967ء »ومشروع زواج» التي أخرجها سعدون العبيدي في يوني و/ 
حزيران عام 1969ء و »شرايكم يا جماعة»» التي أخرجها المؤلف في أغسطس 
/ آب عام 1969ء و »عضني وأعضك» التي أخرجها المؤلف أيضا في فبراير/ 
شباط عام 1970 . وتعتبر تجربة حسين الصالح مع الإخراج المسرحي أكثر 
غزارةء وتنوعا فقد أخرج-دون مسرحياته-نحو تسع عشرة مسرحية مؤلفة. 
أو معدة عن نصوص عربية؛ أو عالمية. © 

ورغم أن بدايات هذا الكاتب والمخرج؛ قد ارتبطت بمدرسة الارتجال 
مع عبد الرحمن الضويحي» ومحمد النشميء إلا أنه يختلف عنهما في 
طابع المهزلة. وخاصة في مزاجها النفسيء فإذا كان الضويحي قد استمد 
من الارتجال المسرحي الجانب المسرف في الضحك؛ فإن حسين الصالح 
يستمد جانبه الأكثر رزانة من الاحتفال بالمشكلة الاجتماعيةء وقد بدا ذلك 
واضحا منذ أول عهده بالمسرحية المحلية. عندما اشترك مع عبد الرحمن 
الضويحي في كتابة مسرحية سكانه مرته». إذ بددت خاتمتها الميلودرامية 
أجواء الهزل البالغ» التي فاضت بها مشاهد المسرحيةء مظهرة بذلك كيف 
كانت أسباب الخاتمة المؤسيةء تتوغل حياة الأسرة. في صورة يغشيها الطابع 
الهزليء ويكاد يطمسها أيضاء لولا اختيار بعض اللحظات الطافحة بالشجن. 

ولقد استمر حسين الصالح في خط يكاد يخرج كثيرا عن الخط الفني» 
الذي تم التعرف عليه في مسرحيات الضويحيء ذلك أن الفكرة: أو المشكلة 
الاجتماعية بدأت تستغرق أجواء التشكيل المسرحيء وتغزو اهتماماتها مظاهر 
الهزلء لتجعل آثارها مؤجلة أحياناء أو جزئيةء أو مغشية؛ وفي كل الأحوال 
فإن حسين الصالح عكس الآية التي انتظمت من خلالها المهزلة الفنية عند 
الضويحيء فبدلا من أن يكون اللبوس الهزلي للمشكلة الاجتماعية كثيفا 
غزيراء أصبح في مسرحيات حسين الصالح ضعيفا رقيقاء ويكاد أن يكون 
قشورا تذروها آلام المشكلة الاجتماعية. 

ولعل من الضرورة التنبه إلى جانب هام في سياق تشكيل العمل المسرحي 


bb 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


عند هذا الكاتب. وهو أن عدم ثبات التوازن بين تباريح المشكلة الاجتماعية 
وأجواء القالب الهزلي لا يرجع إلى اختلاف رؤية الكاتب» وتمايز نظرته 
الاجتماعية عن الضويحيء بقدر ما يرجع إلى تذبذب تجربته المسرحية بين 
أكثر من أسلوبء لدرجة أن أعماله المسرحية لا تتسم بالتماسك المقبولء إلا 
بالقدر الذي يعي فيه لضرورة عدم المزاوجة بين أساليب لا يمكن الجمع 
بينها إلا بحذر شديد» ومعرفة دقيقة بتقاليد الكتابة المسرحية. ويمكن 
ملاحظة مظاهر انعكاس هذه المشكلة الفنية في أول أعماله المسرحية 
وهي »ناس وناس»» التي تعد-بسبب تفكك بناتها الفني-أكثر المسرحيات 
ارتدادا إلى مرحلة الارتجال المسرحي» وهي بتكنيكها المميع بين أكثر من 
طريقة فنيةء وأكثر من مشكلة؛ أو موقف إنما تدل على وشائج القربى 
بينهاء وبين مسرحيات محمد النشمي (وربما كان إخراج النشمي لهذه 
المسرحية أحد المظاهر الدالة على ذلك) . 

إن مسرحية »ناس وناس» تنطلق من معارضة قوانين مشكلة اجتماعية: 
تدور حول عقدة التقاليد المتغيرةء التي رددناها-فيما سبق-إلى فكرة الهوّة 
الثقافية. ولكن هذه المشكلة لا تكون موضع تحليل محكم» بأساليب واضحة 
البناءء بل إنها تكون عرضة للتبدد. والسطحية العابرةء إنه ما أن يطلق 
الكاتب لشخصياته عنان الحوار. حتى تبداً تخوض عددا كبيرا من المشاكل 
والمواقف. التي يصعب الجمع. أو الربط الفني بينها. قفي الفصل الأول 
نجد سلسلة من المواقف حول ضرورة اعتماد الأسرة على التعليم» وكيفية 
الأخذ من الحضارة الغريية: وضرورة التمسك بالتقاليد من غير تقصب. 
تدور جميعها في حوار تعليمي» تارة» وهزلي تارة أخرىء لتنتهي بمفاجأة 
تنقلنا إلى الفصل الثاني» وهي حادثة السيارة المسرعة؛ التي كادت تودي 
اة اضر 

وتبدأ ملامح المشكلة في الوضوح في المستشفىء ذلك أن ناصر ابن 
الأسرة الفقيرة يحب مريم ابنة الأسرة الغنيةء وبمنطق الخلاف بين الأصيل 
والبيسري يتم رفضه» ولكنه حين يعود من الخارج طبيبا يكون سببا في 
علاج والد مريم» وحينئذ يوافق على تزويجه بفضل التعليم. 

إن من الصعب التحققء. من أن المسرحية السابقة تستظهر تحليلا 
متماسكا لمشكلة التقاليد المتغيرة: وإن كان من السهل معرفة الحدود الواسعة 


07 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


في اعتمادها على العنصر الدرامي الناجز في هذه المشكلة؛ ذلك أن الكاتب 
لا يصطنع خيالا أبعد مما هو كائن؛ أو متحقق في سياق مشاكل التغير, 
التي تتعرض لها الأسر البرجوازية الصغيرةء بعد أن طرأت عليها بعض 
أشكال الحراك »التعليمي» أو »المهني». وهو يختلف في ذلك عن عبد 
الرحمن الضويحيء الذي كان ينظر إلى ذبذبات التغيرء ومرهقاته من خلال 
نماذج يصطنعها بنفسه؛ دون أن تنطلق من مبدأ صارم في تحقق وقوعهاء 
رغم أنها تحمل-على نحو هائل-إمكان حدوثهاء أو احتمالاته المعهودة. 

إن قصور الخيال في كتابه »ناس وناس» جعل منها مسرحية تخلو من 
النموذج المطلوب في بناء العقدة لمشكلة التقاليد المتغيرة. وخاصة في إطار 
النظرة الإصلاحية؛ التى انتهت المسرحية بهاء عندما عقد الكاتب صلحا 
بين ابن الأسرة al‏ الفقيرةء وبين ابنة الأسرة »الأصيلة» الغنية. فى 
سياق ينم عن فلسفة المهزلة الفنية نفسهاء التي تذعن غالبا لفكرة التغارب 
بين الطبقات الاجتماعية. لقد احتفلت الخاتمة بقدر معقول من قانون 
الاحتمال؛ حين جعلت التوافق نابعا من اعتراف الأب المتزمت بفضل التعليم» 
كما دلت على مدى إدراك الكاتب للقيمة الحراكية في التعليم» ولكن رغم 
ذلك تظل هذه الخاتمة معزولة عن أحداث المسرحية؛ فقد جاءت بمثابة 
الحل؛ وليس التحليلء وهو حل جاهزء ندرك مدى إعداد الكاتب له؛ منذ 
المشاهد الأولىء حتى أنه ليس من المبالغة القولء بأن المسرحية لا تعدو 
كونها مسرحة تعليمية لهذا لحل؛ فهو طوال الفصل الأول يحدثنا عن دور 
التعليم في معرفة الأفراد لحقوقهم. وقدرتهم على تحسين أوضاعهم 
الاجتماعية. فالآب الفقير يقول لزوجته القلقة على تعب ابنها »ناصر» مع 
الدراسة: 

أو هَلِيَ حَاطٌيني بالمدرسة ومُتعلّم جَانْ ضَلّيت هالشكل» ! ! كرف طول 
النهار وَمَعاشِيّ ما يسوي ربعٌ معاش رَيّال». 

ويظل التعليم محورا للاهتمام: الذي يدور حوله حوار جميع الشخصيات 
في المسرحية؛ بل إن الكاتب ينتزع. إحدى شخصياته؛. وهي »بو علي» من 
أجل الاستطراد فى مناقشة قضية التعليم. والثقافة العصرية؛ لقد جعله 
متنكرا لأهمية الاه هنا كرا من هذا الجيل المقبل عليه بشغفء. ناعيا 
عليه انصرافه عن احتراف الأعمالء التي كان يعتمد عليها الآباء. ولقد بلغ 


08 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


استطراد الكاتب حداء جعل المشكلة تبدوء وكأنها صراع بين جيل لم يتعلّم؛ 
»بو علي» وجيل يقبل على العلم بشراهةء (ناصر-مريم) فهو يصور تبرم 
الجيل الأول من الثانى. على هذا النحو مثلا: 

اسو ها كال نيك E a‏ 

أبو علي: حَمّقان ونص.. حمقان على زمائكم ها الّخُلو 

ناصر: شفيه زمائه ؟ 

أو عا كفيه. تاقية من ها افاج لت الله مابخة سينا ولا شتتا 
هالهوايّل. 

اضر عَلّطان يا خالي.. آقَدَرٌ آقولك إنه زماناً اخسن من زمانكم 

أبو علي: ما تَهَبُون إلا نتو .. زمانكم أحسن من زمائه 5.. شأحسن مثه 
فيه.. بالعطّالة وإلاّ بلعب الطمباخيّة.,!4) 

ورغم التناقض. الذي رسمه الكاتب بين هاتين الشخصيتين وخاصة في 
مبدأ الإيمان بدور التعليم» إلا أنه لا يحاول التوغل أبعد من ذلك» بل إنه- 
حتى نهاية الفصل الثاني-إنما يصور شخصيات واعية بإيقاع التغير. خاضعة 
لمسلّماته دون عناءء أو مواجهة؛ فالأب يزعم أنه من جيل »بو علي» الراقفض 
للعلم: إلا أنه يقول له: »يا بو علي اليوم الوقت تغيّر وأمس مو مثل اليوم 
والعلم له قيمته». كما تردد الأم أمامه أحد الأمثلة الشعبية التي خلقها ذلك 
الإحساس الشعبي العارم بالتغير» وهو: »كل وقت ما يستحي من وقته». 

إن المسرحية إذن؛ لا تضع مشكلة »الأصيل» و»البيسري» في إطار جدليء 
ولا تنظر نظرة ديناميكية لحجمها الطبيعي داخل الأسرة, بتركيبتها الطبقية, 
أو القبلية؛ وإنما تنظر إلى فكرة التعليم باعتباره مسوغا منطقياء وحضاريا 
للقضاء على تلك المشكلة؛ أو غيرها من المشاكل المضادة للتغير. ولا شك 
في أن هذه فكرة تعليميةء لا تدع مجالا لبناء الشخصية المسرحية المتناقضة, 
وإنما تدع المجال لعرضء وانتقاء ما يسفر عنه التغيّر النسبي في التقاليد 
من دلالات التطورء وبذا يكون الكاتب قد أبعد شخصياته عن جاذبية 
التناقضء رغم أن جوهر المشكلة يعتمد على الأساس المتعارض. ورغم أن 
النموذج المطلوب في عقدة الملهاة الهزلية؛ إنما هو في »تناقض الشخصيات, 
وتوازنهاء الذي يتركز فيه الاحتمالء ويتجلى منه خيال الكاتب» وقدرته على 
الابتكار© 


09 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وأيا ما كان الأمرء فإن عدم وضوح أسلوب الكاتب» ومزاوجته بين طابع 
الميلودراما والمهزلة. قد أتى على المسرحية بالتفكك؛ وذهب برؤيتها بعيدا 
عن الوضوح» وظلت أغلب ملاحظاته حول مشكلة »الهوة الثقافية» مبتسرة 
أو غير متمسرحة. وهو ما حاول التخلص منه تدريجيا في أعماله المسرحية 
اللاحقةء نجده-مثلا-في مسرحية »مشروع زواج» أكثر تمكنا في تشكيل 
العالم الهزئي. من فكرة الصراع مع تقاليد الأسرةء ونظمهاء وأفكارها 
القديمة. فهو يضع بطل المسرحية »عبد الوهاب» في تناقض واضح مع 
أسلوب الزواج التقليدي» الذي يخلق بشكل تلقائي-كما يذهب الكاتب-نوعا 
من علاقة العداءء أو الغيرة بين الأم وزوجة الابنء التي تدعي »الجنّة». 

لقد شكلت أجواء المهزلة من الأم رمزا للنظام القديم» المتحكم بأفكاره 
وتوثب مشاعره. مثلما شكلت من الابن »عبد الوهاب» رمزا للنظام الجديد. 
المتعطش للتوازن؛ والانضواء في حياة تجمع بين التفاهم» والاستقلال الفردي. 
والكاتب ينطلق دوما من الجفوةء والرغبة في ترويض الرموز المتحكمة في 
النظام القديم» مثل »بو علي» في »ناس وناس» و»بو راشد» في »عضني 
وأعضك» ومن ثم فإنه لا يتعاطف مع الأم »منيرة» في مسرحية »مشروع 
زواج» لأنه وجد فيها عنصرا متزمتاء صالحا لخيال المهزلة الفنية. 

إن عدم التعاطف مع الأم مؤشر الاتجاه إلى وضوح أسلوب المهزلة عند 
حسين الصالح» وتبلور نظرتها الاجتماعية للتقاليد المتغيرةء إذ لو كان الكاتب 
ينطلق-مثلا-من تصور ميلودرامي لما وجد في شخصية الأم (وهي نموذج 
يحاط غالبا بالمشاعر الرومانسية) ما يثير الجفاء. والسخريةء لقد وظف 
الكاتب الصورة الهزلية البالغة لسلبية مشاعر الأم» وتحكمهاء ورغبتها في 
الإبقاء على نظام ثابت لعلاقات الأسرة. فجعل جميع شخصياته الثانوية 
على صلةء بالنموذج السلبي للأم؛ من أجل تعميق الفجوة بين تفكير الأمهات, 
وتفكير الأبناء. فالموظف سالم» الذي يعمل مع »عبد الوهاب» يتحدث عما 
تختلقه أمّه من مشاكل مع زوجتهء وعبد الرحمن يتحدث عن مشاكل أمّه مع 
زوجة آخيه» والفرّاش سرور» لا يجرؤ على الزواج خوفا من أمه؛ »وأبو 
داود» يضرب عن الزواج بسبب هذه المشكلة وسارة» مع »دلال» نموذجان 
للأم المتبرمة من الابن بسبب »الجنة». 

ويسبغ الكاتب في سياق تجسيده للصورة الهزلية البالغةء نظيرا للمواقف 


70 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


السابقة على »حمامة» نفرت من أنثاها بسبب »الحمامة» الأم. إن »أم عبد 
الوهاب» نفسها تتذكر الماضي فتتحسر على ما لقيته من عذاب مع أم 
زوجها /أبو عبد الوهاب» المتوفى. وأخيرا يتمسرح التناقض بين »عبد 
الوهاب» وأمّه على نحو هزلي جيدء عندما ادعى أنه سيتزوج تلبية لرغبة 
أمّه. ولكن بشرط امتناعها عن رؤية زوجته لمدة أسبوع؛ وحين تقتنع الأم 
بذلك يضع »عبد الوهاب» في الغرفة العليا تمثالاء ولا تكاد تمضي بضعة 
أيام» حتى بدأت الأم تتصنع الشكوى من الزوجة المزعومة. مدعية أنها 
ترمي عليها »الخيار». وتبصق عليهاء وتكثر من شتمهاء وهنا يكشف عبد 
الوهاب الستار عن التمثالء الذي ظنته الأم زوجة ابنها. 

ورغم أن الكاتب ينتهي هنا بما يؤكد تحامله على الأمهات. وخاصة مع 
إسرافه في النماذج السلبية السابقة, إلا أننا نرى ذلك عاملا ضروريا في 
خلق طابع المعارضة؛ وقانون التوازن لنموذج الشخصية الهزلية النابعة من 
التقاليد المتغيرة. وقد طوّر الكاتب سمات التشكيل الهزلي السابق عندما 
كتب مسرحيتي »عضني وأعضك» و»شرايكم يا جماعة» ذلك أنه بات من 
الواضح في تجربة هذا الكاتب أن نجاح العقدة الهزلية من فكرة التقاليد 
المتغيرة» لا يمكن له أن يسلم من مظاهر الميلودراما ما لم ينحصر خيال 
الكاتب في التمرد على المنطق المألوفء أو في كيفية التحايل على قانون 
السبب اة لأن تشكيل مادة »العقدة» 1 التفاصيل الواقعية لفكرة 
التقاليد المتغيرة» إنما يستدعي ضربا من التصور »الطبيعي»» أو »الواقعي». 
ومن ثم تبدو المسلمة الأساسية التي يبني عليها حسين الصالح عقدة المهزلة 
هي أن التفاصيل المؤسية في التقاليد الاجتماعية. لا يمكن صياغتها في 
قالب هزلي» دون الاعتماد على وسائط الخيالء ولغته الخارجة عن الرّتابة 
العادية في الواقع. ولذا نجد هذا الكاتب يلجأ في مسرحية »عضني 
وأعضك» إلى استخدام نوع من الرمز الهزلي» بينما يلجأ في مسرحية 
»شرايكم يا جماعة» إلى استخدام العنصر الفانتازي. 

والرمز في »عضني وأعضك» لا يرقى إلى مفهوم الرمز الدرامي؛ الذي 
يشتبك مع الواقع» بصورة تجعله متميزا بالجدليةء والإمكانات المتعددة في 
التفسير. إنه أقرب إلى نوع من التشبيه الإيحائي: الذي لا ينصرف معه 
ذهن المتفرج العادي سوى للفكرة المجردةء التي أراد الكاتب التمعن فيها.. . 


7 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


إن الفكرة هنا تدور حول مشكلة »الأصيل» و»البيسري»» يخرجها الكاتب 
في قالب هزليء يتسم بالغرابةء فقد جعل الكلبة »سوسو» تقوم بدور ابنة 
الأسرة الأصيلة أو الغنية. وجعل الكلب »دغمان» يقوم بدور ابن الأسرة 
»البيسرية» أو الفقيرة. وبينما يتحرش الكلب المتسكع في الشوارع بالكلبة 
التي يحبهاء ويحاول التقرب منهاء يقف له الأب »بو راشد» بالمرصاد ثائراء 
مستدعيا »بو ناصر» المسؤول عن هذا الكلب. وبعد سلسلة من المواقف 
الهزلية النابعة من إيحاءات هذا التشبيهء ومفارقاته يتدخل »بو عزوز» 
للتوسط بين »بو راشد» و»بو ناصر» من أجل إقناع الأول بضرورة تزويج 
»سوسو» من »دغمان»»فيوافق بو راشد» وتنتهي المسرحية بمشهد يجمع بين 
طرفي التشبيه. فقد زفت الفتاة إلى الفتى» كما زيّنت الكلبة مع الكلب. 

ومن الواضح أن لجوء الكاتب إلى لغة التشبيه بما فيها من رمز وإيحاء 
لم يكن إل من أجل تشكيل قالب المهزلة. وتأصيل رؤيتها المتحررة من قيد 
التفاصيل الواقعية الصارمةء من غير أن يحول ذلك دون إقصاحه عن 
حقيقة المشبهء وهو الفتاة. كما فعل عندما جعل الكلبة تتحدث بصوت 
الفتاة لأخيها راشد . وهذه سمة تؤخن على الكاتب أكثر مما تحسب له»ء لأن 
وضع مشكلة »الأصيل» و »البيسري»في لبوس بهيمي» يحل الحيوان (الكلاب) 
محل الإنسان» لم يؤد إلا إلى إبعاد ذهن الكاتب عن تحليل المشكلة نفسهاء 
واستغراقه مع مواقف »اللبسة».وما فيها من إمكانات الإضحاك والتسلية, 
رغم أن ذلك اللبوس يدرك-في تقديرنا-مغزى هاما يستتبطه مما في الإنسان 
من بهيمية أو جهالة متسترة تحت هذا القناع المموّه من التقاليد الاجتماعية. 

وأيا ما كان الأمر فإن مغزى الإدراك السابق لا يخرج عن تناقضات 
»الهوّة الثقافية» التي شغلت الكاتب بصورة ملفتة للنظرء ونعتقد أن جميع 
مسرحياته لا تنفصل عن قلق هذه »الهوة» منذ أن كانت بازغة بأسلوب 
تعليمي على لسان بطل مسرحيته الأولى »ناس وناس» حين يقول: 

»حنًا ولله الحمد ماشيين في خطوات سريعة.. ولكن للأسف أن الخط 
الحضاري سبق الخط العلمي». وهذه المشكلة قد لا تعبر عنها مسرحية 
واحدة مستقلة بذاتهاء وإنما تعبر عنها جملة الملاحظات التي أن عليها هذا 
الكاتب في جميع أعماله المسرحيةء وهو ما يمكن مالاحظته من تذبذب 
أفكاره بين اتجاهين: 


12 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


الأول: رفض التقاليد المتحكمة في الإرادة الفرديةء المتفتحة مع التغيرء 
كما عبرت عن ذلك أغلب مسرحياته التى عرضنا لها من خلال مشكلة 
»الأصيل» و»البيسري» بصفة خاصة. آنا القاتي: فهو الدعوة إلى التمسك 
بالتقاليد؛ التي تحفظ للشخصية المحلية هويتها اوسا .وقد عبر 
الكاتب عن ذلك على لسان أغلب الشخصيات الرئيسة التي تبشر بسقوط 
نفس التقاليد المتحكمة في الحرية الفردية.. ا »ناس 
وناس» يدعو »مريم»» التي يحبها إلى التمسك بالعادات والتقاليد. حين 
شاهدها تقبل على تقليد اللباس الغربي. وعبد الوهاب يقول لصاحبه عبد 
الرحمن الذي يحدثه عن مغامراته مع حدق الفتيات: 

لا يا عبد الرحمن هذي مهي عاداتنا لازم تتَمَسئك بعادات أنوك وَيدك 
وها اليسائل ما مِنّها فايدة, وإذا إئك تحب وَحّدة إِخطبها من أهلها 
وو 

ولا يقف حسين الصالح عند حد التنديد بخرق العادات» بل إنه يكتب 
إحدى مسرحياته وهي »عتيج الصوف ولا جديد البريسم» معبرا فيها عن 
ضرورة الاحتفاظ بالماضي» وعدم التنكر كلية لتقاليده وعاداته. ورغم أن 
هذه المسرحية من أعماله الأولى. إلا أنه يتنبه فيها إلى فكرة هامة لصيقة 
بمشكلة الهوّة الثقافية. وهي أن سرعة التغير في المجتمع أفقدته الانتماء 
إلى الماضيء وجعلت الصلة به بعيدة إن لم تكن مقطوعة. لقد كان »جاسم» 
يعيش سعيدا راضيا مع زوجته »عايشة» رغم الفقرء وبساطة العيش» ولكنه 
عندما اغتنى فجاةء دفعته الحياة الجديدة إلى الزواج من فتاة صغيرة 
السن» ثم أوغل في مجاراة هذه الحياة بمظاهرها المادية بأن انفصل عن 
أسرته. وتخلى عن الزوجة الأولى» التي أخلصت له في عهد الكفافء ولكن 
حين يتعرض للعجز والمرض يصحو على فراغ حياته الجديدةء ذلك م ن 
الزوجة الثانية تخلت عنه بعد مرضه؛ في حين وجد الحنانء وصدق المشاعر 
في زوجته الآولى: التي عادت إليه مداوية جروحه. 

إن الهوة الثقافية »بآثارها النفسية والاجتماعية ممسرحة على نحو 
صريح في هذه المسرحيةء وبأسلوب تعليمي يزاوج بين طابع الميلودراما 
والمهزلة. فالكاتب يعبر عن تذمّره الشديد من عدم الاستجابة المتمثلة في 
التغير الاقتصاديء أو عدم التحكم في معدلات التغيّر المتسارع» التي تصيب 


73 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الحياة المادية للفثات الاجتماعية. وبطل المسرحية »جاسم» نموذج لهذه 
الحالة؛ التي يصف أحد الباحثين الاجتماعيين صدمة التغير فيها بنوع من 
»الإعنات الذي يصيب الأفراد بالتشتت والتمزق عندما يفرض عليهم الكثير 
جدا من التغير خلال الوجيز جدا من الزمن . لقد كانت »عايشة» هي 
لاني الأصميل الى امرف انهو فى اف د رجام 
البيت إذعانا للزوجة؛ أما »ماجدة» فهي الحياة المادية التي أقبل عليها 
متصلا بمظاهرها رغم افتقارها إلى المضمون الروحي. ولا يوجد في بناء 
شخصية »جاسم» ما يوحي بالتكيّفء وهي تتعايش بسرعة شديدة مع تجربتي 
الانقطاع؛ والاتصال. لقد جعل الكاتب الفاصل بين القديم والجديد متمثلا 
في انكسار أحد رموز الماضي نفسه» وهو انفجار البرمة»“" وتكسترهاء 
حين وقعت من يدي »عايشة» في خاتمة مشاهد الماضيء التي تناولها 
الفصل الأول. وكأن لحظة الانكسار هذه» بسرعتها هي معدل التحوّل في 
حياة بطل المسرحية. 

إن ما يؤكده حسين الصالح في هذه المسرحية هو أن جذور الهؤّة الثقافية, 
وتناقضاتها تبدآن مع قطيعة الماضي» وفي سبيل ذلك يبدي من التعاطف 
مع هذا الماضي حدا يصل إلى درجة الشوق الرومانسي بنظرته الشديدة 
الانحياز للماضى. بل إنه يجعل من الماضى معادلا للآصالةء والجديد معادلا 
لار ااا كما تورك للف من مقا كه بيت اة و اة على 
لسان إحدى شخصياته. حيث تقول: 

»عايشة قطعة دَهَبَ لكن مغموسة في الطينء غسئليها بشوية ماي ونظّفيها 
ترّجّع مثل ما كانت دَهَب.. . لكن إِنْتَيّ.. إِنَتَيَّ تك تلّمّعٌ واتجلّي وأصبحٌ براق 
لكن قطرة ماي.. قطرة ماي وَحَدَة تَخلّيه يزنجر ويرجع لطبيعته العادية''. 

ورغم هذه الصورة الميلودرامية المنتزعة من الدروب الوعرة: التي لا 
تسلم منها أغلب شخصيات الكاتب. إلا أن ما يحفظ له نظرة الملهاة الهزلية: 
دائما هو أن شخصياته تعود إلى مثوبتهاء وترتدع عن غي الانحراف» وتوتر 
عدم القدرة على التمثل الاجتماعي» بعد أن يروّضها الصدام مع مشكلة 
»الهوة الثقافية». وضي هذه العودة ينتصر الكاتب للتوازنء والانسجام الطبيعي 
مع التغيرء كما فعل عبد الرحمن الضويحي في أعماله المسرحية:؛ التي 
عرضنا لها من قبل. 


74 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


إن الجانب الذي أضعف القالب الدرامي في أغلب مسرحيات حسين 
الصالح هو عدم اعتماده على النظرة التحليلية, أو الجدلية للمشاكل النابعة 
من فكرة الهوة الثقافيةء فقد ظلت أساليبه تنطلق من الحجم الظاهر في 
التناقض بين الأصيل و»البيسري» والحق أنه لم يتيسر لقالب المهزلة أن 
يتجاوز-بحد مقبول-المعطى الظاهرء أو السطحي لمثل هذه المشكلة إلا في 
مسرحيات صالح موسىء ومن جاء بعده في فترة السبعينات. إننا نجد في 
الأعمال المسرحية التي قدمها هذا الكاتب امتدادا واضحا لعبد الرحمن 
الضويحي» وحسين الصالح» ونكاد نقول: بآن قالبه المسرحي يدين بتأثيرات 
قوية من مسرحيات الضويحي» خاصة وأنه لم يكتب أعماله المسرحية إلا 
بعد أن تعايش مع تلك المسرحيات» وشاهد مراحل إعدادهاء بعد أن انتظم 
عضوا في فرقة »المسرح الشعبي» منذ عام 1965. 

لقد كتب صالح موسى ثماني مسرحيات قدمها »المسرح الشعبي» وهي 
“يمهل ولا يهمل» التي أخرجها عبد الرحمن الضويحي في يناير-كانون 
الثاني ۱966ء »والعلامة هدهد» التي أخرجها إبراهيم الصلال في مايو-أيار 
0 و»مدير طرطور» التي أخرجها إبراهيم الصلال أيضا في مارس-آذار 
2 و»محكمة الفنانين» وهى مسرحية قصيرة عرضت فى إحدى المناسبات 
را اکر دا ال الى الخريجها عبد الأمور نظن 
في مارس-آذار 1974 ومسرحيتان أخرجهما عبد الأمير مطر أيضا في 
عرض واحد وهما »شرايج بو عثمان» و»مفاوضات مع الشيطان». وآخر 
مسرحياته هي »صخنا الماي وطار الديك» التي أخرجهما الضويحي عام 
5. ومن بين هذه الأعمال المسرحية. جميعها يمكن لنا أن ندرك في 
أريع؛ أو خمس منهاء كيف اكتسب قالب المهزلة عند صالح موسى تصورا 
واقعيا لمشكلة الهؤّة الثقافية: ذلك أن التقاليدء ومشكلات الثراء المفاجيٌ؛ 
لم تعد معزولة عن شبكة العلاقات الاجتماعية عند هذا الكاتبء. وإنما 
أصبحت مغموسة على نحو جدلئ في مجمل العلاقات. والتناقضات التي 
تكوّنهاء وخاصة التناقض الطبقي» الذي ورثه جيل الكاتب. 

لقد أفاق جيل صالح موسى في خضم تناقضات خلقتها القوانين 
المرتجلةء والمعايير اللاعقلانيةء التي عوّل عليها في توزيع عائدات الثروة 
النفطية على المواطنين؛ بحيث أنها ساهمت في إيجاد برجوازية تجارية 


75 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ذات جذور رثّة. وجدت في عمليات التثمين فرصة سانحة لصعودهاء بعد 
أن استغلت المبالغ المالية الطائلةء التي أعطيت لها عوضا عن بعض الأراضي. 
فوظفتها في الأعمال التجارية. وتمكنت في بضع سنوات من أن تكتسب 
الكثير من سمات البرجوازية الكمبرادورية. بشراهتهاء وتفتحها المادي 
والغريزي. ولم تعد هذه الطبقة-وخاصة من وجهة نظر صالح موسى-تخلص 
لجذورها الاجتماعية الآأولى» وانتماتها القديم» وإنما تنكرت له كليةء وانتقلت 
من نمطه إلى النمط الجديد» وحين تذرعت بالتقاليد. ومعايير الإرث لم 
يكن ذلك إخلاصا لقديمهاء وأصولها الاجتماعيةء وإنما كان وسيلة تذرعت 
بها للمحافظة على ثروتهاء ومكانتها الاقتصادية. 

وتتفق هذه النظرة ما ذهب إليه أحد الباحثين الاجتماعيين من أن 
علاقات الإنتاج أدخلت على التقاليد العربية تحويرا يناسبها »حيث صثفت 
العائلات في الخليج أنفسها بأنها ذات طبيعة خاصة؛ أطلقت على نفسها 
مصطلح »الأصيل» أو العائلات ذات الأصل حتى تسهّل التزاوج بينها . وأطلقت 
على الأسر الأخرىء» والتي لا يملك الكثير منها أي وسائل إنتاج؛ ويعمل 
معظم أفرادها كأجراء. مصطلح »البياسر» أو بني خضيرء وهم الذين 
يعتبرون أقل درجة في السلم الاجتماعي»7'". وهذا يعني أن الهؤّة الثقافية 
المحفورة بضريات التغير المتسارع؛ أصبحت تكشف عن هؤة طبقيةء ربما لم 
يتنبه لها عبد الرحمن الضويحيء ولا حسين الصالح الحداد.ء وإنما تنبه لها 
صالح موسى في أغلب مسرحياته على وجه التقريب. 

لقد كانت التفاصيل الواقعية تقود حسين الصالح إلى الميلودراما أحياناء 
في حين أنها تبلورت عن رؤية واقعية للمهزلة عند صالح موسىء ذلك أنه 
كشف لنا عن قدرة جيدة في انتزاع الشكل الهزلي من الهؤة الثقافية, 
المصاحبة للتغيرات السريعة. ومن ثم فقد أضفى هذا الكاتب جانبا حيويا 
على المهزلة الفنيةء وهو انتماؤها إلى تفاصيل الواقع: وتناقضاته المباشرة, 
مما حقق له مقدرة أوسع في تحليل المشاكل النابعة من التقاليد» أو الثراء 
المفاجي» ويمكننا تمس ذلك في أول مسرحياته؛ وهي »يمهل ولا يهمل» 
ذلك أن شخصياتها على مقربة شديدة من التفاعلات الاقتصادية 
والاجتماعية الجديدة في مجتمع الكويت. فبطلها »بو فيصل» نموذج 
للبرجوازية التجارية بأصولها الرثة. صعد السلّم الطبقي من القاع بعد 


70 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


حركة »التثمين». فأصبح غنياء يتمسك بالتقاليد. ليدعم بها مركزه 
الاجتماعي. لقد تقدم إليه أخوه «بو علي». خاطبا ابنته »نورية» لابن عمها 
»علي»» ولكنه يرفض مصاهرة أخيه. لأنه فقيرء بل إنه يسخر منهء ويهزاً 
من ابنه الذي يشتغل عاملاء ويسبغ على رفض ابن أخيه ذريعة »الأصيل» و 
»البيسري» في موقف يثري أجواء الهزل» ويرتقي بهاء إذ يقول »بو فيصل:< 

سبِمَعَيَ يا حَبّلّة آنا أميّ وأم فيصل أصيلة؛ ولكن أُخُويّ المدَهَرِي اللي ما 
يستحي ولا ينّتخيّ طَيّح أصلناء تزوج بيسريّة. فولده مُهُو أصيل كامل؛ ثلاثة 
أَرَبْعَ أصيل وربُّع مدعُوش. فما يصير آعطيه بنتي وأخرّب السئلك اللي 
ماشي عليه أبوي وجدي»'. 

وعلى هذا النحو يتوغل بنا صالح موسى في الضحكء والسخرية من 
ذلك المنطق؛ الذي بنى عليه »بو فيصل» رفضه لمصاهرة أخيهء ذاهبا في 
ذلك إلى ما هو أبعد في نضج التصور الواقعي» وهو أن محافظة »جو 
فيصل» على الأصلء ليست إلا غطاء للمحافظة على ثروته؛ وكيانه البرجوازي 
الهش خاصة حين يتناسى جذوره الرثةء التي يكشفها الكاتب على لسان 
أخيه جو علي»: 

أبو علي: الله يبّلاك فول آمين.. . نسيت أيام قَبُل.. جَانَ ناسي آبَذَكّرك 
أيّاها آلحيّن.. . نسيت إِنّك تشتغل معائًا عامل مع بِنّ بَحَوَة.. لا واللى أزْيَدَ 
من هذا أرياحي.. . يوم يا خذونك وأرّبع يخلونك. والحين إتكلّم على إولدي.. 
عامل.. .ها.. غامل لكنه أحسن منك. 29, 

لقد وضع الكاتب إذن مشكلة «الأصيل» و«البيسري» في إطارها 
الاجتماعي الصحيح من حيث كونها إحدى القوانين المتفاعلة مع قانون 
الصراع الطبقيء والتصادم النابع من مصالح الفئات البرجوازيةء التي لم 
تعد العلاقات القرابية تشفع في التنازل عن جزء منها. ولقد استغل الكاتب 
من جهة ثانية فكرة الجذور الرثة للبرجوازيةء التي خلقها «التثمين» ليجعل 
منها بذرة انهيارهاء وتساقط ذرائعها المتخلّفة. ذلك أن تلك الجذورء تقضي 
على عقلانية المكانة الاقتصادية والاجتماعية؛ التي يحتلها «بو فيصل» فهو 
يسيطر على الثروة من غير تدبيرء وبدون مؤهلات حقيقيةء وينطلق من 
مبدأء أن الثروة بإمكانها أن تحقق كل شيء؛ تماما كما يقول لأخيه «بو علي» 
(الخردة يا محفى هي الأصل.. هي السعادة.. .). وبسبب ذلك يسقط 


717 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


بسهولةء بعد أن زؤر وكيلة «بو سليمان» بالاتفاق مع السكرتيرة. جميع 
حسابات الشركة فخسر تجارته. 

وعلى الرغم من ذلك لا يستوعب »بو فيصل» ذلك الدرس القاسي 
بسرعة» بينما يستوعبه ابنه «فيصل» الذي فشل في دراسته بالخارج» وتلقى 
الكارثة التي حلت بوالده بصورة مختلفة. لقد عاد إلى البلاد ليصحح 
أخطاء والده؛ فزوج أخته «نورية» من ابن عمها «علي» وتعاون معه في 
العمل. مستقلا عن حياة والده» بينما ظل «بو فيصل» معزولا مكابراء إلى 
أن يذعن لحياة متوازنة يفرضها عليه «فيصل» و «علي». وهما نموذج 
البرجوازية المعارضة التي يبشرها الكاتب بمستقبل تصنعه بيديهاء وتخطط 
له بعقلانيةء متمثلة لأخطاء الماضيء الذي لم تشترك في صنعه أبدا . 

إن التشكيل الهزلي الذي نجده في شخصية «بو فيصل» بطل مسرحية 
«يمهل ولا يهمل» لا ينحصر في دائرة التمسك الظاهري بالتقاليد؛ كما 
رأينا في أغلب مسرحيات حسين الصالح السابقةء وإنما يجول هذا التشكيل 
في عدة دوائرء كالهوة الثقافية: والهوة الطبقيةء وهوة «الأصيل» و «البيسري». 
وهذه الدوائر تتسع وتضيقء وتتداخل في سبيل تشكيل أكثر المواقف الهزلية 
اتصالا بالواقع الاجتماعي المتغير. وقد عاد الكاتب إلى هذا التشكيل في 
مسرحيته القصيرة «شرايج بو عثمان». فالبطل كسابقه «بو فيصل» تاجر, 
ولكنه رث الجذور»حظي بالتثمين. الذي نقله إلى الثراءء بعد أن كان يعيش 
حياة فظّة. عمل فيها بثاء بست «آنات» ومع ذلك فإنه يرفض زواج ابنه 
عثمان من «بدرية» مدعيا أنها »جيسرية» وأن أمها تعمل »خراشة» في المدرسة. 
وكما وجد «بو فيصل» في المسرحية السابقة من يقول له بأن الأصل الذي 
يبحث عنه إنما هو الثروةء فإن «بو عثمان» يجد من يكشف في داخله هذه 
التزعة المكدثة للعاليد الاجتماعية ويقول له تفس العبارات السايظة فى 
“يمهل ولا يهمل»: ۰ 

«اللّي عنده فلوس أصيل في نظرك واللَّي ما عنده فلوس ما عنده 
أصل»'. ويتضح مصداق ذلك بالنسبة لبو عثمان» عندما تكشفه حيلة 
هزلية يدبرها »عثمان» مع خاله وأخيه «محسن» الذي يدرس في لندن» 
فقد بعث «محسن» إلى والده يخبره عن زواجه من فتاة إنجليزية يمتلك 
والدها مصانع للخمرء فيوافق «بو عثمان» على هذا الزواج» بسبب حبه 


78 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


للثروةء متنازلا عن فكرة «الأصل». وحينئذ يستغل الجميع هذه الموافقة بعد 
حضور «محسن». لضرب المنطق المزعوم «لبو عثمان» ودفع موقفه المعارض 
لزواج ابنه من فتاة كويتية متعلّمة. ثم تضاعف خاتمة المسرحية الأثر الهزلي 
في هذه الحيلةء بأن يطلب «محسن» من أبيه الموافقة على زواجه من ابنة 
تارمل المخازن.. وبذا يكون «بو عثمان» صهرا لابنة »الفرّاشة»». وابنة 
«الحارس» دفعة واحدة. وهذه خاتمة طلائعية دون شك. تجعل »عثمان» 
و»محسن» في مصاف «فيصل» و»علي» في المسرحية السابقة؛ وقي مصاف 
«مجرن» و «آمنة» «وشمه» في مسرحية «ضعنا بالطوشة» فهم جميعا يعبرون 
عن أمضى أسلحة الخروج من مشكلة «الهوة التقافية» لأنهم نماذج تتحرر 
من وصاية الآباء. ورموز السلطة البرجوازيةء وتتطلع بشوق إلى مجتمع 
تصنعه بتوازنهاء وتحكمها في مواجهة التغير الراهن» أو القادم على السواء. 

لقد جعل الكاتب مناط التشكيل الهزلى» نابعا من ميوعة التركيبة 
الات اة لأيطاله البوجرازيات ياصولهم الرثة وحيث اضيصة السرحية 
عنده» تحمل موقفا متشددا في مواجهة هذه الطبقة؛ ومعارضة قوانينهاء 
ونظمها الاجتماعية فالكاتب يجد فيها نماذج صالحة للتمسرح الهزلي. 
وخاصة حين يجعلها تعايش بمرارة شديدة: وثبة الماضي الرث؛ واستتبات 
الجذور الأولىء ليجعلها من ثمٌ باعثة لأوقع المشاهد الهزليةء وأكثرها حدة, 
وإثارة للتعارض وإعدادا للتوازن أيضا. 

ولعل أكثر المسرحيات التي بعثت مثل تلك المشاهد «العلامة هدهد» 
«ومدير طرطور». إن «عبد الوهاب» في المسرحية الأولىء و»عبد الله» في 
الثانية لم يصعدا السلّم الطبقي من خلال عمليات التثمينء كسابقيهماء »بو 
فيصل» و«بو عثمان» وإنما تجاوزا أسفل السلم إلى أعلاه بأرخص أساليب 
السرقة والنصب. نجد «عبد الوهاب» في مسرحية «العلامة هدهد» يعثر 
مع زوجته وابنها على صندوق من الذهبء فيستأثر به» بأن يتخلص من 
زوجته بقتلهاء ويتخلص من الابن برده إلى أخواله. ثم يصطنع حياته الجديدة 
فيتزوج من فتاة صغيرة السن» تضمر استنزاف ثروته مع عشيق لهاء بعد أن 
ادعت أنه من أقربائها. ولكن »عبد الوهاب» لا يهنا في ثروته» إذ تنتابه 
الوشاوس سن انشا ابن رت الأول طيلجا إلى «املذ» ليعالتنه باتيب 
الزار. ولكنه يقع تحت يد ابن زوجته الأولى «إبراهيم». فقد كبر هذا الابن 


7۹ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وتقمص شخصية العلامة »هدهد» مدعيا العلم والقدرة على شفائه من 
الوساوس» والخوف. فيقتنع «عبد الوهاب» بذلك ويفتح له بيته وقلبه. ويعترف 
له بجريمته» وينكشف تدبيره وتدبير زوجته على مرأى من الجميع؛ مثيرا 
بذلك عواطف قوية من السخط على التدبير الخائن فى ماضي الزوج 
وحاضره. 

وفى هذه ا المسرحية-يستخدم الكاتب طقوسء «الزار» بصورة سرقةء 
ليس من أجل نقدها فحسب. وإنما من أجل استكمال النموذج الهزلي في 
بناء شخصياته المسرحية. ومع ذلك فإن الكاتب لم يتخلّص مما تبعثه تقاليد 
الزار من أجواء الهزلء وأساليب السخرية والنقد للمشعوذين: والمبتزين 
لأموال البسطاء. وهو لا يقدم عالما جديدا في هذه الأجواءء بل إنه يكرّر 
مرته» وراشد المعاودة في »بيت طيب السمعة». ولكن رغم ذلك يبقى لصالح 
وة إلى كدرب من الكيلة ا الك امسا اهكيها يمنا ا 
ظروف الخداع والتمويه أن تضع ثروة «عبد الوهاب» موضع الريبة والتساؤل. 
وخاصة في مشهد اعترافاته التي تجري في مثل هذا الحوار الهزلي 
الخالصء المبطّن بإمكانات الكشف والتعرية: 

»العلامة: إِنْتَ منين جاتك الثروة 5 

عبن الوساب: (تمكم) من شرق جيني ا وو ب اس نه 
طافت. 

العلامة: إنت متزوج ؟ 

عبد الوهاب: ها.. . إيتّعم متزوج.. يا فظيلة العلاأمة.. . 

العلامة: زوجتك حيّة؟ 

العلامة: إحلف 

عبدالوهاب: آنا طال عمرك تزوجت ثنّتين.. وَحَدَّة ماتت وعندي وَحّدة 
غيرها.. توني متزوج. 

العلامة: ماتت مُوَّتْ ربها 5. 

عبد الوهاب: (بهمس) كشّف سرّنا الله يكشف سره.. آقول إيه.. لا.. . 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


ها ...إيه. 

العلامة: (بحدة) شفيك تبلَعَمّت ؟ إيه ولأ لا.. . ؟ 

عبد الوهاب: آخاف آقول لا.. . ويَفْقش يا فوخي بالطوفة.. إا إلي 
الله.. . آقول بس هذي أسرار يا العلامة. 

العلامة: سرك في أمان.. . وسيّدفئن في هذا المكان. 


9 


عبد الوهاب: إِيَنَعمَ ما ماتت مُوت رَيّها.. . آه.. آنا شِيَّأَيبَنِيَ اليوم هنية.. 


أسرارى شايلها خشر این فى قلبي:. :ومد قائ اضشيتها .. .إا إلى ااه 
را امد راجو 

ESN NEA N Nea‏ عن 
مصادر آلثراء البرجوازي اللمفاجئ, في ظل غياب:القواتين, والعدل قى 
توزيع الثروة. وهو يعمق مضمون هذا السؤال في مسرحية «مدير طرطور» 
الضويحي, فالبطل «عيد الله» نموذج للخادع المخدوع, لقد أراد «بدر» اين 
أخيه أن يتزوج ابنته فرفض تزويجه بتحريض من زوجته وحرمه من حقوقه. 
هد ا وکل د موو عا و يليا کیااک قلي عنمن 
وعندما ينجح في استرداد أمواله كاملة. يقف في خاتمة المسرحية كاشفا 
لعمه. كيف وقع ضحية نفس الأسلوب الذي يتبعه في استغلال الآخرين 
اا على بيرك الفكر سود رم او نو اا 
دن عن الأمزال: ال ا كه ا ا ات ال افيا 
بعمهك. 

وفي مسرحية مدير طرطور يخلق نماذج قريبة الشبه من نماذج عبد 
الرحمن الضويحى ك «أم خندريس» و«بو مشاري» اللذين لا يختلفان كثيرا 
عن »أم عنير» و »جو صبخ» في مسرحية «كازينو أم عنير». كما أن استخدام 
العا لكت الديمى وتجوهاامق العشوهات النكافية وا هدا لإخرقة 
الحوار الفكاهيء أو الانتقاديء بكثرة تضمين الأمثلة الشعبية: والشتاكم 
حادة الماع لا قدو كزنها تكريينا لأساليب المهولة القن أشاعها كل من 
محمد النشمي وعبد الرحمن الضويحي وحسين الصالح» بل إننا نعتبر »بو 
مشاري» في »مدير طرطور» صورة مكررة عن «بو عزوز» في مسرحية 
«عضلی واعضك»التی كتبها حسين الصالح عام 0. 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ورغم مظاهر التأثر السابقة فإن ما يميّز صالح موسىء هو أنه لا 
يفصل تلك الأساليب الهزلية؛ رغم ما فيها من إسراف عن معالجته الواقعية 
للنماذج البرجوازية الصريحة الانتماء إلى الجذور الاجتماعية الرثة. إنه 
ينتزع تلك الأساليب من هيكلها الاجتماعي» لأن مفتاح الدخول في عالمها 
الهزلي إنما يكمن في معرفة المصادر غير الشرعية لثرائهاء وكشف اغترابها 
المتعمد عن أصولها الاجتماعية. وفي هذا الإطار. لا تخرج مسرحية «مدير 
طرطور» عن الدلالة الاجتماعية الواقعيةء التي اكتسبتها المهزلة المحلية 
بفضل الحسّ الطبقيء الذي أشاعه صالح موسى فيهاء متسائلا من خلاله 
عن شرعية ثراء البرجوازية: أو عدمها. 

لقد أصبحت الهوّة الثقافية. التي تشكلها المهزلة عند هذا الكاتب» 
مندمجة في الهوة الطبقية نفسهاء إنها لا تحفر غورهاء في أفراد بعينهم 
وإنما هي غائرة في طبقة بأسرهاء تعرضت لأقوى. وأعنف أشكال الحراك 
الاجتماعي» في فترة وجيزة من الزمنء وبدافع من التغيرات الاقتصادية 
التي افتقرت بشدة إلى التخطيط العقلاني. 

ويمكن ملاحظة أن أبرز الصفات التي يلصقها صالح موسى بالفئة 
البرجوازية. ذات الأصول الرثةء تبرز تماماء حجم الهوّة الثقافية» التي 
تعرضت لهاء فهي مقطوعة الصلة بالماضيء لأنه يذكرها بعهد الكفاف. بل 
إنها تنظر إليه بازدراءء كما فعل «بو فيصل» في «يمهل ولا يهمل». حين 
ازدرى حياة البحر والفوص. ولقد اتخذت قطيعة الماضي عند هذه الفئة 
شكلا آخرء أكثر دلالة على توترهاء وعدم انسجامها مع التغيرء وهو أن 
أبطال المهزلة منذ مسرحية محمد النشمي «حظها يكسر الحصى» 
ومسرحية «الأسرة الضائعة لعبد العزيز السريع». ومسرحية «عتيج الصوف 
ولا جديد البريسم» لحسين الصالح» مرورا بشخصيات صابح موسى.ء التي 
عرضنا لهاء إنما يمثلون نماذج لظواهر الطلاقء والزواج القائم على المصلحة 
إنهم يقطعون صلتهم بالزوجة الأولى دائماء ليبحثوا عن زوجة جديدة, 
صغيرة السنء أو أنهم في أبسط الأحوالء يطلقون مشاعرهم الغريزية 
النافرة من الزوجة الأولىء تعطشا منهم لاستكمال المظاهر الماديةء التي 
يقبلون عليها بنهم شديد. 

لقد كان «بو فيصل» في توتر دائم مع زوجته «أم فيصل» ساخرا من 


التشكيل الهزلى من الهوة الثقافيه 


تصرهاتهاء في حين كانت مشاعره تتفتح على مجرد سماع صوت السكرتيرة 
الأجنبيةء وكان «بو عثمان» يمنح زوجته الثانية اهتماما لا يمنحه للأولى؛ 
و«عبد الوهاب» في «العلامة هدهد» يقتل زوجته الأولى؛ التي تحمّلت معه 
قسوة الحياة» وشظفهاء ليتزوج من فتاة صغيرةء تدبّر انتهاب ثروة.. كل هذه 
الأمثلة. تؤكد على أن الزوجة الأولى إنما تمثل الماضي» الذي قطعت تلك 
النماذج صلتها بهء وأسرعت إلى تلبية غرائزها المادية النقيضة للاتجاه 
المتوازن في عمليات التمثل الاجتماعي. في حين تظل الزوجة الثانيةء تمثيلا 
للواقع الجديد. الذي لا يمتلك أمثال: «بو فيصل»» أو «عبد الوهاب» أو «بو 
عثمان» مؤهلات كافية للتكيّف معه» أو الانسجام مع مطالبه الكثيرة. ومن 
ثم كانت تلك النماذج-في تقديرنا- ألصق التشكيلات الهزلية بالواقعية: لأنها 
أعمق انغماسا في رمزي «الهؤة الثقافية». وهما: الزوجة الأولىء والزوجة 
الثانية. 


التشكيل الهزلي من 
مستفيل التغبو ومخالوخه 


تظل المهزلة الفنيةء أو ملهاة الهزل؛ شكلا لا 
يمكن النظر إليه في معزل عن ديناميات التغير 
الاجتماعي في مجتمع الخليج العربي» وربما كان 
انتزاع المهزلة من هذا التغيرء أكثر توغلا فيما 
نفترضه حول الخصوصيات الجمالية التي يشتقها 
المسرح من العالم المتفيرء ذلك أن المهزلة لا تغترب 
عن الوجود الاجتماعي» مهما أسرفت في اصطناع 
وسائل الضحكء وتوظيف دلالاته المختلفة:, لآن 
الضحك أيا كانت مصادره. لا بذ من أن يكون 
انعكاسا للطابع المحلي. «ولطالما لوحظ أن بعض 
الآثار المضحكة لا يمكن ترجمتها من لغة إلى أخرى, 
فهي مرتبطة بما ألفه مجتمع خاص من عادات 
وأفكار». . كما أنها مرتبطة بتقاليده: وبالكيفية, 
التي ينظر فيها ذلك المجتمع إلى عوامل الاستمرارء 
والثبات في معتقداته. وبسبب ذلك فنحن قد 
نضحك من مظاهر معينة في شذوذ ماء أو سلوك 
ماء لا يضحك عليها مجتمع آخر. لقد كان «الزوج 
الغيور» في عهد عودة الملكية بإنجلترا كما يقول 
الأرديس نيكول-شخصا مضحكا لأن غيرة الأزواج 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


شذوذ في العرف والتقاليدء بينما لم تكن كذلك في عصر إليزابيث.* 
وهذا يؤكد القول بأن المهزلة إنما تشكل عالمهاء وبناءها الفني من مادة 
سوسيولوجية:؛ لا تنفصل عن الآيديولوجية المغايرة للشيء السائدء إنها في 
أبسط مظاهرهاء تسعى لأن تكون مضحكة والمضحك ليس مجرد تسلية: 
نتفكه بهاء أو ليس ظاهرة غريبةء مستقلة بذاتهاء بل إنه موقف مغايرء 
متناقض مع الآخرينء أو مع أنفسنا أحياناء أو مع الرتابة العادية التي 
يستسلم لها المجتمع. 

ولقد رأينا فيما سبق أن الشكل الهزلي لم ينعزل-حتى في تفاصيله 
الدقيقة-عن أفكار برجوازية معارضة: لم تستطع السلطة الرسمية أن تتصالح 
معهاء أو تستقطب إمكاناتها العقلانية في تحديث المجتمع؛ وظلت المهزلة 
بسبب ارتباطها بطبقة متبرمةء دوما من ردود فعل التغير الاجتماعي» تعبر 
عن استراتيجية المعارضة؛ وخاصة في مجتمع الكويت» كما أوضحت الملامح 
الكثيرةء التي أتينا بها في دراستنا لجهود محمد النشمي» وعبد الرحمن 
الضويحي» وحسين الصالح الحداد» وصالح موسى. 

ويمكننا أن ندرك ملمحا جديدا في معارضة الملهاة الهزليةء وانتزاعها 
لثآر البرجوازية المعارضة:)المتوسطة, أو الصغيرة (نجده في بعض الأعمال 
المسرحية؛ التي شكلت عالمها الهزلي من فكرة التعارض مع إيديولوجية 
التغيرء الذي لم يخضع لتوجيه عقلاني من النظام السائد في المجتمع» 
وإنما خضع لتحالف مزدوج بين هذا النظام: والأسر التجارية:؛ أو القبلية, 
أو بين هذه جميعهاء والعالم الرأسمالي. 

وتنطلق هذه الفكرة من نظرة ثورية تضع الواقع. والمستقبل موضع 
المناقشة والتحليل. الواقع المفروض بتغيراته؛ والمستقبل المرتقب باكفهراره؛ 
وسوداويته. وهي نظرة رغم عدم انفصالها عن «مشكلة الهوّة الثقافية». إلا 
أنها تختلف عنها فى تشكيل «الهزلى» بصورة واضحة, ذلك أن تلك المشكلة 
ارط بالتعالين وا لقم التقيرة: بحي كال يناع التعدة اللسزحية عفدا 
على التعارض بين نموذجين محددي المعالم» يتجه أحدهما لتمكين ما هو 
سائد على ضوء التقاليد المرعيةء ويتجه الآخر لخلخلة السائد على ضوء 
المفاهيم الجديدة؛ ويمكن القول بأن استبصار حساسية الهؤة الثقافية من 
خلال التعارض. إنما هو اتجاه للجمع بين الواقع» وعالم الأفكار. وأغلب 


86 


التشكيل الهزلى من مستقبل التغير ومخاوفه 


الجهود السابقة في ملهاة الهزل المحلية التي عرضنا لها حتى الآن كانت 
تؤلف من هذا الجمع حبكة مسرحيةء على قدر مقبول من التماسك» دون 
أن تعتمد على مجرد المشاهد التسجيلية الموغلة في تصوير الحياة المعاصرة. 
في حين أن الملمح الفني الذي اكتسبته ملهاة الهزل من فكرة تعارضها مع 
استراتيجية التغيرء يسعى إلى تغليب الاحتفاء بالأفكار مع إطراح احتمالات 
الواقع» ومألوفاته العادية في جانب غير بعيد. 

لقد ارتبط تشكيل تلك الفكرة بتوظيف الخيال: وإطلاق إمكاناته المتحررة 
من جمود الواقع, كما ارتبط بعدد محدود من الأعمال المسرحية؛ التي 
انطلقت من الثورة على الجوانب اللاعقلانية في التغير.-واتجاهاتها نحو 
ابجاد قف غير إقاجى للت اا اك واقتصاد اتخات زلا 
تنحصر هذه الأعمال المسرحية في كاتب معيّن» بل إنها تنضوي في امتداد 
تجربة ملهاة الهزل المحلية. وتطور وسائلها الفنيةء ودلالتها الاجتماعية 
فنحن نجد صالح موسى يكتب «مفاوضات مع الشيطان» ودضعنا في 
الطوشة». وحسين الصالح يكتب «شرايكم يا جماعة»» وسعد الفرج يكتب 
«الكويت سنة 2000».لا يمكن عزل جميع هذه الأعمال المسرحية عن التجربة 
الجماعية: التي أودعت في ملهاة الهزل أشكالا متعددة من التعارض مع 
مضامين التغيرء ورموزه» ومع ذلك آثرنا إفراد النظر إليها من أجل البحث 
في قسمات مسرحية. أكثر تمييزا في تبلوراتها الحاسمة من سياق التغير, 
رتراك الاتجتباعية ا 

ونحن نفترض أن القسمات الفنية؛ التى أضفتها الأعمال المسرحية 
الشار ايها قحتلت عما سيق امرض إليه لأنها تضاف با كارا تيتا 
أساسيا للأفكار من ناحيةء ولتشكيلها الهزلي من ناحية أخرى. فمن أفكارها 
تبرز المخاوف الشديدة من التغيرء الذي أوجد مجتمع الاستهلاك؛ كما يبرز 
الرفض لنموذجه الحضاري البائس» مع النظرة المتوترة إلى المستقبل. أما 
تشكيلها الهزلي فهو يبرز عنصر الخيال «الفانتازيا».الذي يطلق للشخصية 
المسرحية الاندماج المباشر مع هواجس التغيرء بحيث أنها لا تناقش ردود 
فعله» ونتائجه فحسب» وإنما تجابه أيديولوجيته باستبصار مغاير. 

وما ينبغي ملاحظته أن ملهاة الهزل لا تقطع أمشاجها بالواقع مع اعتماد 
عناصر التجريد» أو الفانتازياء وإنما تعمق أواصر اتصالها بهء لأنها إنما 


87 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


تكون بصدد الأفكارء التي يمكن لها أن توجه ذلك الواقع أو تغيّره. وهي من 
أجل ذلك تنطلق من رؤية للتغير. لا ينقصها الوضوح» بل إن أسس هذه 
الرؤية أصبحت من مسلمات البحث الاجتماعي في مستقبل التغيّرء وآفاق 
التنمية في مجتمعات الخليج العربي. 

إن أساس الفكرة. التي أبرزت الصورة الهزلية للمستقبلء يمكن تحديده 
في أن الكتاب المشار إليهم. إنما ينطلقون من رفض نمط اللاعقلانيةء أو 
اللاانتاجية: الذي بعث به التغير الاقتصادي. ذلك أن عائدات الثروة النفطية 
لم تخضع لأسلوب عقلاني يدمجها في عمليات التحديث والتنمية 
الاجتماعيةء وإنما خضعت لاعتبارات الإبقاء على مصالح النظام السائد. 
ومبررات وجودهء كالتحالف القبلي.. أو التجاري بينه وبين الأسر ذات الامتداد 
العشائري» أو الأسر ذات المكانة الاقتصادية. هذا التحالف خلق برجوازية 
وة فصيو الشلطة ااه اة لاقت اديك وان هن غير شعو 
باستقلالهاء أو وطنيتهاء فهي لا تصطدم بالعالم الإمبريالي» وإنما تخضع 
له وتكون تابعة للرأسمالية الأجنبيةء ومندمجة في نظامهاء ولم تكن هذه 
التبعية إلا النموذج الجديد» في الإبقاء على «الأوضاع السائدة». إن التبعية 
للنظاع الرأسمالي: مسؤولة عن المحافظة على التظامين السياسي 
والاجتماعىء اللذين أفرزهما التحالف السابق. كى يستمر ضمان تدفق 
الفط و اقام ماك الاتحساك التحديد ون شان الترحوا نة المسلينة 
التجارية أن توفي عملية إدماج المجتمع في النظام الرأسماليء حقها من 
الإثساز مشت الطرق اتمكنة. كنف الآيواب للاسهامار» والعقود القجارية: 
والمصارف» وتجارة السلع الاستهلاكية: والترويج لأفكار التحديث المحاكية. 
للنفط الغربي. هذا الوضع خلق توجها أساسيا نحو الخدمات الاستهلاكية, 
أو النشاط الاقتصادي اللاإنتاجي اللاهث وراء الريح السريع. 

وفي مقابل ذلك كلهء نجد أن أكثر من يسحقه وحش الاستهلاك. ويتعرض 
لمشاعر السخرة:؛ والاغتراب» والانضواء في حياة مفروضة؛ هم أفراد 
الطبقات الشعبية العريضة من عمال وموظفين. ومهاجرين. كما أن أكثر 
من يتبرّم بتلك الحياة» ويدرك خطورتها تلك الفئّة الاجتماعيةء التي نصفها 
دوما ب «البرجوازية المعارضة» والتي ينتمي إليها كتاب الملهاة الهزلية. 

نقد كانت هذه البرحوازية آول من أفاق على حجم المخاطر اجتمع 


التشكيل الهزلى من مستقبل التغير ومخاوفه 


الاستهلاك, والخدمات» وأبصر عتمة المستقبلء التي ينذر بها النظام 
الاستهلاكي؛ وتبشر بها عشوائية التحديث العاجز عن خلق اتجاه نحو 
الاستثمار في الصناعة. إن هذه الفئة المعارضة؛ تجد نفسها معزولة تماما 
عن الإنتاج» والعمل الخلاق؛ تستنفد طاقاتها في حياة لا عقلانية؛ رغم 
شعورها بالقدرة على صنع حياتها بنفسهاء وعقلنة المجتمع» الذي تعتز 
بالانتماء إليه. إنها فة لم يمنحها النظام الاجتماعيء والسياسي فرص 
الاختيارء أو التأثير في القرارات والقوانين المشّرعة. ولذا كانت الملهاة. 
الهزلية التي تتأمل في المستقبل» وتتمثل مخاطره» هي البديل عن تلك 
المشاركة الغائبة للفئات الاجتماعية المعارضة. 

إن بذور الاهتمام بتعرية المستقبل منثورة في الملهاة الهزلية منذ ظهور 
إحدى المسرحيات المرتجلة لمحمد النشمي وهي «قرعة وصلبوخ» (1957)ء إذ 
كانت رائحة المستقبل؛ تنفذ منها من خلال الصورة الهزلية البالغة لشخصيات 
تستنزف الثروة في سلوك لاعقلاني مثير للضحك. إنها صورة يراها النشميء 
منتزعة من الواقع دون أن يكون المستقبل هدفها الأساس. بيد أن تلك 
الصورة لا تلبث أن تعود في مسرحية «الكويت سنة 2000» لسعد الفرج في 
إطار مختلف» يسعى لتشكيل رؤية واقعية عن مستقبل تصنعه أخطاء 
الحاضر. 

ومسرحية (الكويت سنة 2000 (هي العمل المسرحي الثاني لكاتبهاء من 
بين أربعة نصوص كتبت في إطار جهود مسرحية متعددة لسعد الفرج 
جمعت بين التآليف. والاقتباسء والإعداد والتمثيل. فضلا عن اشتراكه في 
تأليف مسرحيتين مع عبد الحسين عبد الرضا بعد تأسيسهما إحدى الفرق 
المسرحية الخاصة: «المسرح الوطني» وهما «بني صامت» التي أخرجها نجم 
عبد الكريم» «وضحية بيت العز» التي أخرجها فاروق القيسي. ويعتبر سعد 
الفرج واحدا من أبرز نجوم التمثيل المسرحي في الكويت والخليج العربي. 
ويسيطر على أغلب الأدوارء التي قام بتمثيلها الطابع الهزلي أو الميلودرامي. 
وهو نفس الطابع الذي تتقاسمه معظم أعماله المسرحية تقريبا المؤلفةء أو 
المقفيسة, 

ومن بين ما كتب سعد الفرج في الملهاة الهزلية «استارثوني وآنه حي» 
وهي من فصل واحد. قام بإخراجها زكي طليمات في فترة إشرافه على 


8۹ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


فرقة المسرح العربي» حيث عرضت مع مسرحية أخرى من ذات الفصل 
الواحد» وهى «المنقذة» لمحمود تيمور فى فبراير-شبا ط 1963 . أما المسرحية 
الثانية فهي «الكويت سنة 2000»» الت خرجها حسين الصالح الحداد 
لنفس الفرقة في فبراير-شباط 1966. ولهذا الكاتب محاولتان في كتابة 
الدراما الجادة هما «عشت وشفت»» و «الوكى» ستكون لنا عودة إليهما فى 
القسم انخاض راسد دراه الأسرة وة ورغم توزع الاتجاه فى کاب 
سعد الفرج لأعماله المسرحية؛ وانقسامه بين الملهاة الهزليةء (استارثوني 
وآنه حيّ-الكويت سنة 2000) والميلودراما الواقعية (عشت وشفت-الوكيل) إلا 
أنه يكرّس في أغلب تلك الأعمال أفكاراء وملامح تبعث أوضح سماتها من 
ارتباطها الشديد بديناميات التغير. وحتميات التطور في مجتمع الكويت. 

إن «الكويت سنة 2000» عمل مسرحي يشكل الكاتب العالم الهزلي فيه 
من وثبة الزمن» أو المستقبل» ونشوب أظافره في حاضر «مديني» آيل 
للسقوط.. الكويت» هذه المدينة التي تهلكها تخمة النفط. وتستنزفها حياة 
الاستهلاك. والخدمات» وعدم الإنتاج هي الصورة الهزلية بالغة المرارة في 
هذه المسرحيةء إنها صورة يكون فيها السؤال «ماذا أعددتم للمستقبل الأسود 
5 هو الواقع. وتكون فيها الإجابة. هي الخيال.. وفي مزجهما معا تتمثل 
أقصى المواقف الدرامية المتمسرحة خوفا من المستقبل» وهجوما على الواقع. 
كما ا ن في مزجهماء يتمثل عنف الملهاة الهزليةء الذي يضع حدود الفكرة 
المفجعة,؛ باتزانها. وتشاؤمها في قالب هزلي متخيّل. 

ويبدأ الكاتب نسيج المزج السابق منذ الجمل الأولى في المسرحيةء وحتى 
نهايتها.. . لقد دخل «علأوي» بطل المسرحية ذلك الصالون في بيت عمهء 
حيث الجميع يرقص مع موسيقى صاخبة:؛ ليذكرهم في حمأة هذا الجنون 

«علاوي: يا أبناء النفط.. .. ماذا أعددتم للمستقبل الأسود اللي ينتظركم 
3%( 

بمثل هذا الحوارء يدخل الكاتب بنا في قالبه الدرامي» الذي يمتزج فيه 
الهزل» والضحك بالأفكارء والمشاعر المتبرمة.. و«علاوي» بطل المسرحية 
هو جوهر هذا المزج؛ إنه شخصية تحمل آمال «الشخص المحدث»*) فهو 
يعارض حياة الاستهلاك. التي يعيشها أفراد أسرته؛ يدعوهم إلى العمل 


۹90 


التشكيل الهزلى من مستقبل التغير ومخاوفه 


والإنتاج والتصنيع» ولكنه في نفس الوقت يبدو معزولا مطاردا من الجميع؛ 
وبينما يكون الوحيدء المؤمن بعقلنة المجتمع؛ نجده أيضا موضعا للاتهام 
بالجنون؛ فعزلته. ومطاردته؛ وجنونه أوتار يخلق الكاتب منها نبرات الهزل 
التي تتألف مع وقار ما يدعو إليه من أفكار عقلانية. إن «علاوي» لا يتناقض 
بأفكاره ونبوءاته مع فكرة تكامل العالم الهزلي» وآية ذلك أنه مهما فتشنا 
عن نظير له في الواقع فلن نجد . لأنه يظل نسيجا قنياء مستقلا من «التمثيل 
الهزلي» يبتعد عن المنطق» بقدر ما يثير الضحك. أو الهزلء ويقترب منه 
بقدر ما يكرس لعالم الأفكار. 

والكاتب أمام هذا التجاذب بين الواقع والخيال.. الهزلي والأفكار, لا 
يخضع لتجسيد غير ممكن. أو لفنتزة غير محتملةء بل إنه يكاد لا يتجافى 
عن احتمالات الواقع. وهو يستبصر احتمالات المستقبل بعد أن تعبر الكويت 
أربعة وثلاثين عاما (منذ كتابة المسرحية 1966). فقي الفصل الأول نجد 
الكويت بعد هذه الفترة مدينة لم يتطور فيها شن سوى الاتجاه الأساسي 
إلى حياة الاستهلاك. واستمرار النظام اللاعقلاني: الذي يعزل المجتمع 
عن التصنيع والإنتاج والعمل. وهو ما يصوّره هذا الفصل من خلال أسرة 
كويتية يخرج من بينها «علاوي» بطل المسرحيةء الذي يحمل باحتجاجه 
على نظام الاستهلاك في أسرته بشارة المستقبل؛ ونبوءته المحتملة. إنه 
يدعو إلى التصنيعء والإنتاج لضمان الإبقاء على الحياة بعد أن يأتي يوم 
ينضب فيه النفطء وتنتهي مداخيله المستنزفة بنظام الاستهلاك. 

بيد أن الأسرة الكويتية-رغم تلك النبوءة-تستمر في حياتها متهمة 
«علاوي» بالجنون. لقد جعلها الكاتب أسرة تبلور بأفكارها اللاعقلانية, 
النظام الاقتصادي الراهنء الذي حصرته الاحتكارات النفطية في الاستهلاك 
والخدمات. وسئوغ ذلك بدفع أسرة علاوي في موقف يتناقض بشدة مع 
فكرة ترشيد المجتمع وعقلنته. خصوصا حين جعلها تتنكر للمستقبل على 
لسان العم «بوميري» حين يقول ساخرا من «علاوي» أبن أخيه «: يعني إحنه 
نذبح أنفسناء ونحرمها من كل لذات الدنيا علشان الأجيال القادمة». 

ويستعرض الكاتب مظاهر الاستهلاك. التي تكرسها الأسرةء في الوقت 
الذي يجعل منها مصدرا لأبلغ مظاهر التشكيل الهزليء التي تتجاذبها 
احتمالات الواقع والمستقبل؛ ويتنازعها الضحك مع الأفكار. فالأسرة مغرمة 


9 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


بالأسفار السريعةء متنقلة بين روما وباريس والكويت» مسترخية لحياة لم 
تعد تصنع فيها حتى الشاي الذي تستورده معلباء كما تستورد جميع الأكلات 
الشعبية. 

ومن المظاهر العميقة الدلالة التي يجعلها الكاتب مثارا «للهزل» تلك 
العواطف الرقيقة المصطنعة, فالجميع لا يستغنون عن أجواء الرقص 
والموسيقى الأجنبيةء حتى إن الآم تتلقى إيقاف «علاوي» لإحدى الاسطوانات 
التي ترقص معها على أنه حادثة تحتاج للإقامة منها إلى الراحةء والغذاءء 
والسفر إلى الخارج. لقد وظف الكاتب الصورة اللاعقلانية للأسرة في 
نسيج العالم الهزليء في الوقت الذي لم يفصل المظاهر السابقة عن «الفكرة» 
الأساسية التي يدعو فيها إلى التخطيط العقلاني للمستقبل: ولعل أكثر ما 
يخي بذاك المجدل شخصياك الأسرة «بوميري» ودأم ميري» و «بو علاوي» 
و«أم علاوي» تتشكل كأوراق «الكارتون» وتتحرك باسترخاء ظاهرء ورقة 
مصطنعة,. حتى لتبدو هذه الرقةء وكأنها تعدهم جميعا للأحداث التالية 
في الفصلين الثاني والثالث. 

ومع أحداث هذين الفصلين؛ يستمر تجاوب الفكرة الموجعة مع توغل 
المهزلة. وتصاعد صورها المسرفةء وليس مبالغة في القول بأن سعد الفرج 
إنما يبلور عقدة هزلية محضة؛ تحقق له اشتقاقات حاسمة للضحك من 
وراء التأمل في مستقبل شخصيات ورقية؛ رغم النظرة العصرية؛ التي 
تدعيهاء والتنقيب في مدينة صحراويةء رغم «خراسانات» الأسمنت التي 
تدق أعماقها . ذلك أن النظام السابق الذي خضعت له تلك الأسرة الكويتية 
إنما يسلمها الآن لنظام أكثر ضراوة: بعد أن تحققت نبوءة «علاوي» ونضب 
النفط. وفقدت الحضارة معناهاء ومبرر وجودهاء إنها ضراوة متبدية على 
نحو هزلي» أعمق مما هي عليه في الفصل الأول. 

ولنا أن نتصور مدى التشكيل الهزلي للشخصيات السابقةء بعد أن 
مضت عنها الثروةء وعزلتها حياة الشظف الجديدة: وجعلتها تستنجد بمن 
اتهمته بالجنون. لقد رجعت الأسرة التى استوردت أكلاتها الشعبية من 
الخارج إلى الجوع» والنزاع على اللقمة: والتكالب على «الخفرة»9© . وفقدت 
الأسرة أيضا مدينتهاء فلم يجد الجميع فرص العملء والبناء سوى أن يلوذوا 
ب «علاوي» الذي افتتح مدرسة لتعليم الحرف والمهن القديمة؛ الشائعة في 


92 


التشكيل الهزلى من مستقبل التغير ومخاوفه 


مجتمع ما قبل النفط. كالغوص على اللؤْلؤ. وجلب المياه؛ والبيع على ظهور 
الحميرء وحفر «البواليع»و «الحدادة» ونحوها. 

ولم تكن خاتمة المسرحية سوى ذروة الينابيع المرّة في التشكيل الهزلي؛ 
فالأسرة الكويتية ترتدع عن غي اللاعقلانيةء في زمن لا يجدي فيه ارتداعها 
شيئا. إنها تقبل بتعلم الصناعات التقليدية؛ ولكنها لا تستطيع التلاؤم مع 
قسوتهاء فبينما تواجه مجموعة تتدرب العمل في البحر كارثة الغرق» يتقدم 
الأب إلى «علاوي» ليبلغه بلسان الجميع أنهم يفضلون الموت على تحمل 
مشاق هذه الأعمالء وهنا يخيّرهم «علاوي» بين أن يموتوا جميعاء أو أن 
يهاجرواء فيختارون الهجرة إلى إحدى البلاد المجاورة. وفي هذه الخاتمة 
لا يكف الهزل عن أن يكون صدى للفكرة, ولا تنفك النكتة عن ترجيع 
الأسى. ففي أحد مشاهدها يكون «علاوي» حزينا من تلاحق فشل العودة 
إلى المهن القديمةء ثم يدخل عليه رجل أعمى مع كلبه. ملطخين بالطين 
الأسود. فيدور هذا الحوار الذي لا يغرب عنه الجوهر الهزليء رغم البذرة 
المفجعة: 

«الأعمى: أستاذ علأوي.. . هذي الشّفّلة المربحة 5. هذي الشَكّْلة الخفيفة, 
زْلونِي بِيَانُوعة ما هقيت على الله أطلع منها 

علاوي: إا لله وإنا إليه راجعون 

الأعمى: أستاذ علأوي آنه بغيت آموت من الريحة العفن 

علاوي: حطيت بخشمك نضلةة 

الأعمى: أستاذ علأوي آنا لو آحصل إبصلة أكلتها 

علاوي: معلوم تنزلون ببواليع بدون بصل.. .. وريّعك وينهم 5 

الأعمى: رُوحوا انَطّروهم على فَتّحات المجاري اللي على البحر 

خالد : إا لله (يدخل أبو علاوي) 

الأب: علاوي.. . تكَفَة يا ولدي شوف لي غير هالشغله 

علاوي: ششوفلك 

الأب: آنا تعبت يا بوك دخّت ما آقدر آشتغل لا آنا ولا ربعي» تراهم 
وازيني 

عليك آبلغك ها الكلام. 

علاوي: وآنا شقّدر اسؤيلكم. 


۹3 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الأب: آنا على لسان الرّبع آبلغك أني آفضل الموت على هذا الشغل» ©). 

إن مشاهد الخاتمة: رغم تشاؤمها لا تنفصل عن الروح الهزلية الشاملة 
في هذه المسرحية:؛ لأنها انتزاع لغايتها «الكثارسية» وتأكيد على اقترابها 
من نطاق الروح المفجع» وهو ما لا يعتبر بدعا في القالب الدرامي للمهزلة 
لآنه ذائع منذ شكسبيرء وموليير وغيرهما . بل إن سعد الفرج» ربما لا يبتدع 
روحا جديدة للمهزلة المحلية. حين يلجا إلى خاتمة لا تثير القوى الضاحكة, 
بقدر ما تثير الأفكار؛ أو المشاعر الوقورة. كما وجدنا ذلك في سلسلة 
أشكال العقاب والجزاءء التي يتلقاها أبطال عبد الرحمن الضويحي» وحسين 
الصالح؛ ومحمد النشمي. 

ونعتقد أن سعد الفرج لو خرج بالخاتمة عما تثيره من نوازع الأسى. 
لخرج بذلك عن عنف التخيل الهزلي» وما فيه من تجاوب منظم مع احتمالات 
الواقع؛ فالمسرحية لا تفترب كثيرا عن وضوح الرؤية الفنية. كما لا تنفصل 
عن تشكيل الفكرة الواقعية حول ضرورة ارتباط التطور الاقتصادي 
بالتخطيط العقلاني للمستقبل. وليس توقف هذه المسرحية عند حد مفجع 
أو نقطة آسية في خاتمتها سوى ضرب من الاستتفاذ للعناصر المنظمة 
لطابع المهزلةء تلك التي يوظفها الكاتب من تكرار المواقف المؤلمة. في صميم 
الأجواء الهزلية. حتى ليصعب إيجاد الحد الفاصل بينهما. 

وإذا كان للكوميديا أو العناصر الهزلية وظيفة في تنظيم الطابع 
التراجيديء حين تتخلل المأساة كما يذهب «جون ديوي»// فإن العكس صحيح 
أيضاء كما يتضح من تنظيم المواقف المؤلمة للطابع الهزلي. طوال مسرحية 
«الكويت سنة 2000»» بل إن سعد الفرج يشعرنا بعنايته المقصودة لمثل هذا 
التنظيم من خلال جملة يرددها بطل المسرحيةء كلما تكررت صداماته 
المؤلمة مع نظام الاستهلاك, وهي «دفي يا ساعة دفي» التي يكرر «علاوي» 
استخدامها حوالي ست مرات لتبدو عاملا في ترتيب الأحداث؛ والتحضير 
لتبدلاتهاء وخاصة حين كثر استخدامها في الفصل الأول قبل أن ينضب 
النفطء إنها لمحة مسرحية جعلت من «علاوي» على موعد محقق مع ما هو 
آت في المواقف. إنه كمن يعلم علم اليقين بما يخبئه المستقبل من فجيعة, 
دون أن يرقى ذلك لإثارة الشعور المأساوي العميق؛ لأن جميع مظاهر إحساس 
«علاوي» بتوثب المستقبل» وخصوصا مع ترديده لعبارة «دفي يا ساعة» إنما 


9 


التشكيل الهزلى من مستقبل التغير ومخاوفه 


تلبس العنصر التنبئي ثوبا آلياء يجعله شديد الصلة بالعالم الهزلي. 

إن ما يميّز «الكويت سنة 2000» هو قيامها على جوهر الديالكتيك الهزليء 
فهي تجمع بين الخيال المباشرء والفكرة البازغةء دون أن تقع في تعليمية 
الضويحيء أو حسين الصالح السابقةء إنها تتلاعب بين الأثنين؛ وتتجاذب 
العلاقات والاحتمالات بينهماء على نحو يتمثل منه أكثر القوالب الدرامية 
تماسكا في التجربة المحلية لملهاة الهزل. إنها تخلع القناع عن النظام 
اللاعقلاني في المجتمعء وتبعث الكثير من التفاصيل التي تذكر بروائح 
المأساة. وتبقى مع ذلك محتفظة بجدلية الشكل الهزلي. وهي تتمرد على 
الواقع الراهنء فتخرج عنه نحو زمن لم يأت بعد» ومع ذلك تظل محتفظة 
للواقع الراهن بأواصر الودء فهي تنطلق من مشكلته اللاعقلانيةء كما لا 
تبتعد في استقراء المستقبل عن احتمالات حدوثه؛ وتوثب حقائقه في حياتنا 
اليوميةء بل إن الكاتب-في تقديرنا-إنما يتخذ من المواقف التي ينبي بها 
المستقبل وسيلة لبعث المفعول الهزلي بالغ العنف. بحيث تصبح المهزلة عن 
طريقه «أشبه بتطرف التطرف» على حد تعبير أريك بنتلي . 

ولم يستطع الكثير من الملاهي الهزلية أن يتجاوز التماسك الذي حققته 
مسرحية «الكويت سنة 2000»» باستثناء مسرحية «عالم غريب غريب» لطارق 
عبد اللطيف التي سيرد التوقف معها في خاتمة هذا الباب. ورغم أن 
حسين الصالح» وصالح موسىء يكتبان للمسرح من خلال أفكار تلتقي مع 
سعد الفرج في رفض اتجاهات التغيرء ونظامه المفتقر إلى التخطيط 
العقلانيء إلا أنهما لا يتجاوزان إلى «الجوهر الهزلي» في «الكويت سنة 
6ت الدى فة الحة افاس بين آكار السدرسية ا الهزليء 
لقد كتب حسين الصالح مسرحية «شرايكم يا جماعة»» ولم يستطع فيها 
سوى أن يطوّر القالب المسرحيء الذي استخدمه في مسرحية «عضني 
وآعضك» فبدلا من السطحية الظاهرة للتشبيه الهزلي الإيحائي في هتد 
المسرحية. لجأ في مسرحية «شرايكم يا جماعة» إلى وسيلة الرمزء من غير 
أن تعتمد على فلسفته المرتبطة بالحركة الرمزية في الفن والشعرء إنه 
يلبس الفكرة ثوبا محسوسا من الوقائع الخارجيةء فيكون هذا اللبوس 
بإيحاءاته النادرة. هو جوهر التشكيل الهزلي. 

والفكرة التي تجول بمخيّلة الكاتب تنحصر في أن مظاهر القلق؛ والتوتر, 


۹5 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


واللاعقلانيةء التي نجدها في مجتمع الكويت إنما هي أمراض للخطوات 
المتسارعة في التغيرء وأنه لا بد من الخطوات المتدرجة لخلق نظام عقلاني 
في تطور المجتمع؛ أو في التخطيط لتغيراته. وهذه الفكرة صحيحة من 
الوجهة السوسيولوجية.ء لأن معدل التغير في المجتمع؛ يرتبط بتركيباتنا 
الداخلية. إنه «يزعزع من توازننا الداخلي» ويعدل من نفس المنهج الذي 
نسير عليه في حياتناء فالتسارع في خارجنا يترجم إلى تسارع في داخلنا» . 
وعلى الرغم من حيوية هذه الفكرة؛ ونضجهاء إلا أن الواقع الخارجي» الذي 
يمثلها في المسرحية لا يمكن وصفه إلا بالانغلاق. بسبب جموده. وندرة 
اتام ته وصور المتشركة فى انتجاء الفكرة, 

لقد يئست الأسرة الكويتية من علاج ابنتها «عايشة» فهي معؤقة لا 
تستطيع النطقء يحيطها أبواها وزوجها بالحب» ولكنهم لا يجدون وسيلة 
لعلاجها. وصدفة. يعثرون على طبيبة تعرض عليهم طريقتين في علاجها : 
سريعةء ومتدرجة:؛ فتختار الأسرة العلاج السريع» ولكنها تفاجاً بأمر يذهلهاء 
ويمزق تماسكهاء فالفتاة ما إن نطقت حتى بدأت ترسل شتائمها على أبويها. 
وزوجهاء وتبدي جفوة في التعامل معهم»ء ورغبة في التسلط عليهم: فيحاولون 
الصبر عليهاء والتريّث معهاء ولكنها تزداد قسوة وسلاطة. فيضطر الزوج 
إلى إحضار الطبيبة مرة أخرى لإعادة الفتاة إلى إعاقتها السابقة. 

إن هذه التفاصيل الوافعية لا يمكن تقدير قيمتها إلا باعتبار الفتاة رمزا 
للكويت؛ «تلك التي صمتت طويلاء ثم فجأة نطقتء وربما كان من الخير لو 
أنها أخذت بأسلوب العلاج التدريجي لتدرك ما فاتها على مراحل» 9". 
غير أن مشكلة هذا الرمز هو انغلاق الواقع الخارجي فيه. وصعوبة إخلاثه 
المكان للواقع الداخلي (الفكرة أو الرمز)ء الذي ينبغي أن يتوازن معه في 
علاقة جدليةء محورها الإيحاءء والصورء التي من شأنها أن تلقي بظلال 
كل من الواقعين على الآخر. لقد جاءت تفاصيل المسرحية؛ وجملها الحوارية 
منتزعة من حياة يومية بليدةء ينقصها التأمل والنفاذء والمؤشر الوحيد الذي 
يحيل كل من الواقع والرمز إلى الآخر هو حديث الطبيبة عن طريقتي 
العلاج السريع.. أو البطيء للفتاة. وتلك الجملة التي يطلقها الأب في نهاية 
المسرحيةء محددا مشكلة ابنته حيث يقول: «البنت عايّشّة في حرّمان من 
مدة طويلة واحَنا لما عالجناها عالجناها شوّي شوي . 


9 


التشكيل الهزلى من مستقبل التغير ومخاوفه 


وأيا ما كان أمر الأسلوب» الذي يختطه حسين الصالح في هذه المسرحية 
فإنه يظل باعتباره تجربة-ربما لا تكون مسبوقة-. تغامر باستحداث التشكيل 
الهزلي من أجواء الرمز ولغته المجردةء ولكنها لا تغامر في استبصارها 
للفكرة المنتزعة من مخاوف المستقبل. 

وإذا كانت المسرحية السابقة قد احتفظت لكاتبها بجدية المغامرة. فإن 
مسرحية مفاوضات مع الشيطان» التي كتبها صالح موسى عام ۱974ء تعيد 
أذهاننا إلى مسرحية «الكويت سنة 2000» لأنها تعود إلى نفس صفات بطلها 
«علاوي»» الذي يخرج على المسرح باعتباره شخصية محدثة «تحقق انتماءها 
المباشر إلى اتجاه التخطيط العقلاني في تنمية المجتمع. لقد لجأ «بو 
عوج سم زه إلى القرنة لغضاء إجازة قتصيرة بعيدا حن وكا 
العاصمةء ولكنه فوجِي بأن القرية لا تختلف عن المدينة.. إن بها نفس 
العمارات والمطاعم» و«بيوت الحكومة» إلى جانب الحفريات المشوهة لجمال 
اليد بينها كان حلم كن انمق القردة وااشجا رسا ومرارهها: 

ويقرر «بو صلوح» قضاء وقته في القراءة؛ ولكنه ما إن يمسك بالكتاب, 
حت ود هيع قن كرد ضدوة: لم فيه واقاء رااان الاق جام إلية 
ليحقق أحلامه في تغيير وجه القريةء وتنظيمهاء وجعلها مورد الخضراوات. 
والفواكه للكويت كلها. وحين يفرح «بو صلوح» ويقبل بتحقيق هذه الأمنية 
العزيزة يضع الشيطان آمامه شرطاء وهو ألا يكذب أبداء بحيث إذا سئل 
عن سبب تغير القرية يقول إنه الشيطان. ويقبل «بو صلوح» هذا الشرط 
وإذا بالقرية قد أصبحت كما أرادها في بداية المسرحية؛ منظمة على ضوء 
أحدث خطط التنمية الزراعيةء بيد أنه في نهاية الأمر لا يلبث أن يفيق على 
صوت زوجته التي توقظه من نومه. 

لقد استخدمت هذه المسرحية فكرة اللجوء إلى «الفنتزة» من خلال 
الحلمء واستبطان اللاوعيء تغليبا لجانب استبصارها الواقعي» وهي فكرة 
ليست جديدة على التجرية المسرحية: أو حتى على تجرية الملهاة الهزلية12, 
إذ استخدمها عبد الرحمن الضويحي في مسرحية «اصبر وتشوف». فالشكل 
الهزلي يستمد وجوده من ذات الأسلوب التخيلي» الذي سبقت الإشارة إليه 
في دراسة أعمال الضويحي. بيد أن الجانب الذي يبعثه صالح موسى هو 
الموقف المعارض للنظام اللاعقلاني في تنمية القريةء فإذا كان «علاوي» 


۹7 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


عند سعد الفرج يتحدث عن تصنيع الكويت فَإِنْ «بو صلوح». يتحدث عن 
ضرورة تنظيم القرية؛ والحفاظ على طابعهاء والإبقاء على مواردهاء 
وتطويرها بالأدوات الحديثة. 

ولا ينقص ذلك الموقف سوى عدم قدرة الكاتب على تحديد أسباب 
التخلف في القريةء وإيثاره لجانب التعميم تارةء أو إرجاع اللوم إلى أهالي 
القرية تارة أخرى؛ فهو يتهم الأهالي بترك قريتهم؛ وهجرة مزارعهم» ولكن 
دون أن يناقش أسباب هذا الهجرء وعوامل اضمحلال الزراعة أمام اكتساح 
المدينة اللاهثة وراء الاستهلاك. وضآلة إنفاق الحكومة على الزراعة'. 
ورغم جوانب القصور في رؤية الكاتب إلا أن موقفه المعارض والمستبصر 
للمستقبل يميق بالإشراق والتقاؤل: غلى عكسن الاستبضان السايق عند 
سعد الفرجء ذلك أن الواقع المعطل عن العملء والإنتاج في القرية يتحول في 
حلم بطل المسرحية إلى واقع منظم بعقلانية الإنتاج الزراعي. 

إن مما لا شك فيه أن مستقبل التغير, لم يكن غاربا عن الجيل الذي يبتدع 
الهزلة الفنية في الخليج العربي؛ بل انه من البزوغ بحيث جعل هذا الجيل لا 
يغادر أخطر المخاوف, التي يضمرها التغير الاجتماعي ' وليس أدل على 
ذلك من أن القالب الدرامي لملهاة الهزل؛ يحقق من التماسك والتركيز المسرحي 
الترازن هن مسريهية «الكريث سقة 5000 اما لا يحفعه اتير من المسرحيات 
الهزلية التي عرضنا لهاء ونحن إنما نرد ذلك إلى حيوية السياق الاجتماعي, 
الذي حرر ميلاد مثل تلك المسرحية وهو الخوف من المستقبلء فمن شأن 
المجهول في مستقبل التغير أن يثير الطاقة الجمعية الخلاقة. ويفجر طلائع 
طبقة اجتمافية: .يبح لها الستقيل انتصيارات مؤكدة. 

لقد وجدت تلك الطاقة نموذجها المصغر للمستقبل الاجتماعى على 
خشية السري خض لكان اكير الالساقي شعنت حسيه فى مسرحية 
«الكويت سنة 2000» أو مسرحية «مفاوضات مع الشيطان» قبل أن تنكشف 
على سطح الواقع؛ ولا غرابة في ذلك ما دام «فن التمثيل» و(المسرحة) في 
مجموعه. كثيرا ما يكون استباق الحياة للحياة»!”'). وفي ذلك مصداق لما 
نذهب إليه دوماء من أن حركة القوى الاجتماعية تجد في المسرح البديل 
الحقيقي للحرية والمعارضة. حين تفتقدهما في واقعهاء الذي يضرب حولها 
العزلة وعدم المشاركة. 


98 


الماب الثاني 
دراما الأسرة المتغيرة 


«حمود: الله أكبر.. الله أكبر... قلّبِي يا الدنيا فوق حَدرٌ.. قُولي جذيه 
وقُولي جذيه.. وانتَكَلّنا وتحَرَبَطّنا وال إحنا غير.. المجنون مجنون.. والمطيور 
مطيور.. . واللي سلَّمَ سلَّم.. . واللى ضَيّعَ ولده والّلى جحد عادات أهله 
وحذانه ركرك رقم ولق بالشيطان ول إحنا شوق ولا هنا حدر 
معلقين.. . بملأله.. لا نقد رًنحدر.. . ولا نصعد.» 

سرا الان ر الرشردة 1596ء 

وليد : آنا آقابل خارج هالبيت ألف وجه ووجه كلها نفاق وكذب وزيف 
أشياء تتنافى مع كل القيم.. . آنا آعيش مضطر في كابوس.. . أحس 
بالرخص والابتذال يا حياتي.. . حرام.. . كل هذا قاعد آشوف صورة منه 
فى بيتى.. لا تدخلين هاللاشياء غرفة نومى.. . قاعد آشوف هذا بوجهك.. 
ممت د بن لنياف تاك EAE‏ وارك ضار سيق ل 
الشارع.. مالّه أي حرمة.. الناس تدش وتطلع من دون استكذان.. آنا ما 
آعرف اللي يدشون ويطلعون.. آنا صرت غريب.. غريب حتى في بيتي ومع 
زوجتي.. وين آفْرٌ.. وين آروح... 

مسرحية «الدرجة الرابعة». عبد العزيز السريّع, 972| 


تمهيد 


المسرح هو النموذج الفني للمجتمع: الذي تحركه 
ديناميات التحول من ثقافة إلى أخرى: والانتشال 
من المحافظة إلى التفتح؛ والصراع بين طبقة تجر 
أذيال هزيمتهاء وأخرى تستشرف واقعها الجديد. 
زلم تكن التجرية اللسريحية في مسججيع الخليج 
العريي إلا ترتجا هة القبيل: كالسيل 
الاجتماعية التى تمثلتها المسرحية الهزلية. كانت 
تبرز فا القائب یری باغقيارم تخطيطا دراضيا 
لاستراقيجية الثخير. ومن خم عقن قت ا ذلك 
القالب عن حجم المفارضة لاتجاهات التغير التى 
شيا الططة الاک قب نمت هق لواف 
العقلاتية التي لم كدمج في التفين دمجا كيا برهم 
ما تحدثه من اهتزازات ونذر في المجتمع. ونعتقد 
بعد بذلك أن ديناميات التغير» ومشكلات التمثل 
الاجتماعي أكثر نموذجية»ء وأوغل تجسيدا في 
گیل درامنا الأسرة المتغيرة التى ستبحتها في هذا 
الجزء من الدراسة. 

إن ظهور الأسرة المتغيرة في مجتمع الخليج 
العربي هند آواخر العقد الخامس هنو الذي يبرز 
إلى حيّز الوجود سمات الدراما المحلية في سنوات 
العقد: السادمس والسابغ من هنذا القرن سواد فى 
مظاهرها المفجعة, أو الميلودراميةء وقي معالجاتها 
الرومانسية أو الواقعية. ذلك أنه منذ المحاولات 
السرحية المبكرة لحمن الرجيب في الكمسيتات: 
وكات سرحية ا الك ها ضفر الرشود 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


عام 1960ء دخلت الدراما بين جدران الأسرة ثم لم تخرج منهاء أو خرجت 
الأسرة على المسرح ثم لم تغادره» لقد أصبحت الأسرة بتقاليدهاء ونظمهاء 
وهيكلها النموذجي هي الدراماء ليست باعتبارها مسرحا لعملية صراع 
جارية ودائمةء وإنما لكونها نموذج التركيب «السوسيودرامي» في العمل 
المسرحي فالأسرة المتغيرة هي النموذج الاجتماعي الشامل للمجتمع المتغير, 
وهي النموذج الفني الخالص للدراما المحلية الجادة. 

وفي الحالة الأولى تمثل الأسرة-كما تدلنا الدراسات السوسيولوجية- 
وحدة اجتماعية من المجتمع الكبيرء بحيث أن ما يطرأ على النظام 
الاقتصاديء أو السياسيء أو الإيديولوجي من تغيرء ينعكس-بالضرورة-على 
بناء الأسرة وهيكلها . فالتغير في الأسرة نموذج مصغر للتغير في المجتمع. 
ما دامت هذه الأسرة تكوّن الوحدة الرئيسة في البناء الاجتماعي. وهذا 
التصور لم ينفصل عن رؤيا كتاب الدراما في الحركات المسرحية؛ وقي 
مختلف العصور على وجه التقريب» فقد ظلت الأسرة عند يوربيدس» 
وشكسبير وبرناردشوء ومولييرء وبيراندللو. وتشيخوف وأبسن وسترندبیرغ» 
وشون أوكيزي وأونيل: نموذجا يتجاوز الحدود الضيقة التي قد تدل عليها 
«وخذةالأسرة, إنها الج الى ركني إليه العفل المسريحي يل نها ريما 
مثلت خلود النوازع» والتقلبات في المجتمع الإنساني بأسره. 

وبذا فإن دراما الأسرة المتغيرة في مجتمع الخليج العربي ستكون دراما 
لذات المجتمع؛ كما أن جدلية العقدة في تشكيلهاء ستكون منتزعة من 
ديناميات التغيرء التي تنعكس على الأسرة من جراء حدوثها في المجتمع 
الأكبر. وليس ذلك من قبيل التجاوزء وإنما هو معطى أساسي للسيماء 
الاجتماعية في المسرحء لأن العالم الذي يستكن في طبيعة الفن المسرحي. 
تنتفي منه الفردية الضيقة؛ ويمتد فيه النزوع الجماعي والاستجابة للعلاقات 
الإنسانية؛ والتحرر من الكيانات المنعزلةء ورغم أن عصرنا الراهن-كما 
يقول أريك بنتلي-هو عصر الفردية فإن الكاتب الدرامي في أعمق معانيه, 
«أقل اهتماما بالفرد منه بالمجتمع. وقد قال كارل ماركس إن الإنسان هو 
مجموع علاقاته بالآخرين» وبهذا تكون روح الكاتب المسرحي» أصلا ماركسية: 
وأن يتناول المجتمع على نحو العائلة؛ بدلا من الطبقةء فبدلا من أن يرسم 
المسرحي صورا شخصية سكونية كما يفعل الرسام؛ فإنه يقدم حركية 


العلاقات الإنسانية.. 7) 

أما في الحالة الثانية-وهي محور هذا الجزء من الدراسة؛ فإن الأسرة 
تكون نموذجا دراميا لما هو راهن من التغير في بناتهاء ولا هو قادم» أو 
مستشرف أيضاء ذلك أن التغير الذي أصاب الأسرة في مجتمع الخليج 
العربي» يتسم بديناميته الشديدة؛ التي تبعث بها نسبية المضمون 
الديمقراطي» باعتبارها أساسا جديدا في علاقاتها الداخليةء وقيمة جوهرية 
في تحقيق مبدأً الحرية الفردية بين أفراد الأسرة. 

إن الأسرة التي لم تخلع ثوبها الأرستقراطيء ولم تقتلعه جذورها القبليةء 
ولم تتخل تماما عن تكويناتها الممتدةء ولم تنفض عنها الترسبات الدينيةء 
هذه الأسرة تخوض ابتداء من الخمسينات» وحتى الفترة الراهنة في تجربة 
التغيرء فيقتحمها المثل الأعلى البرجوازيء ليخلخل أسسها الهيكليةء ويفشت 
بنيانها المستقرء ويهز حتمية المعاييرء وقيم الإرث؛ ويبعث في داخلها أهواء 
التحديث؛ والعقلنة. فتصبح من جراء ذلك كله النموذج الدرامي الرديف 
الذي تستقل به دراما الأسرة المتغيرة في مجتمع الخليج العربي. 

ولقد تجمعت عوامل شتى حول هذه الأسرة؛ فجعلت منها نموذجا قابلا 
للتمسرح» والتشكيل الدرامي» فهي متميزة-كما ذكرنا-بكونها وحدة صغرى, 
تعكس بصورة تلقائية ما يجري في المجتمع: باعتباره الوحدة الكبرىء التي 
ينشدها المبدع عادة. والأسرة متميزة بقابليتها الشديدة للتغير. وعلى نحو 
لا يمكن مقارنته بالوحدات الاجتماعية الأخرىء كالقبيلةء أو العشيرة: أو 
البدنةء أو الطائفةء أو الطبقة أو النخبةء ذلك أن التغير في هيكل الأسرة 
أمر محتوم» بمجرد حساب زمني بسيطء إنها مثلا«تختلف في مدى مقدرتها 
على البقاء والاستمرار عبر الأجيال المتعاقبة بمقارنتها بقدرة الجماعات 
السياسية القبلية؛ فأفراد الأسرة مثل الزوج والزوجة يصيبهم الشيب وتنتهى 
حياتهم خلال فترة متوقعة؛ والأبناء الصغار يكبرون ويكؤنون أسرا مستقلة 
جديدة» لكن الوحدة القبلية تستمر في الوجود على الرغم من اختفاء تلك 
الأسر الصغيرة التي تنقسم إليها». 

وتتميز الأسرة باستقطابها لشتى معايير الإرث والأخلاق» والدين 
(1) أريك بنتلي» الحياة في الدراماء ترجمة جبرا إبراهيم جبرا .ص ا7. 
(2) أريك بنتلي» الحياة في الدراماء ترجمة جبرا إبراهيم جبرا . ص .7١‏ 





المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


والسياسة. إنها بمثابة مخزن لثقافة المجتمع؛ وميدان لتنفيذ القوانين» وسبر 
القيم» ولذا فإنه حالما تتعرض حتمية تلك المعاييرء أو القيم للتخلخل» بتعدد 
وجهات النظر حولهاء فإن الحياة في داخل الأسرةء تكتسب عناصرها 
الدرامية؛ بما تضم في أحشائها من عوامل الانفجار. وخاصة في مقاومتها 
للميول الاستقلالية؛ والفردية ونحوهاء مما يبعث جوهر الصراع للدراما 
المعاصرة. 

وهناك سمة أخرى تميز بناء الأسرة. وهى تدرج المكانة بين أفرادهاء 
بصورة لا تختلف كثيرا عن التدرج الطبقي في المجتمع؛. وخاصة من ناحية 
تجسيدها لمبدأ عدم المساواة. الذي تستمده غالبا من غياب المساواة في 
القوانينء والمعايير الاجتماعيةء والأخلاقية السائدة في المجتمع. فالأب له 
امتيازات. وحقوق تختلف عن امتيازات الأم؛ وحقوقهاء وبالتالي فإن مركز 
كل منهما فى الأسرة يختلف اختلافا شديداء بحيث باتت الآسرة «أبوية» 
تمنح السلطة الكاملة للأب في الأسرةء كذلك تختلف امتيازات الابن عن 
امتيازات البنت» وحقوق الابن الأكبر عن حقوق الابن الأصغرء والبنت الكبرى 
عن البنت الصغرىء وكذا تختلف الحقوق القرابية الأخرى؛ تبعا لما تقرّه 
المعاييرء أو المكانة الاقتصادية من أحكام يحترمها الجميع. 

ولا شك في أن هذا المبدأ القرابي. والأخلاقي الباعث على القهرء 
وعدم المساواة لا يمكن التنبؤٌ بثباته واستمراره حين يتعرض المجتمع لتغيرات 
بنيوية عنيفة. لقد زعزعت الحرية الفردية في العصر الحديث الكثير من 
أسس هذا المبدأ. ليس في المجتمعات الأوروبية فحسب» بل في كثير من 
المجتمعات العربية» ومنها مجتمع الخليج العربيء لأن الأسرة في هذا المجتمع 
خضعت لكثير من التغيّرات التي تعرضت لها مثيلتها في الوطن العربي. 
والتى انعكست على بنية الأسرة. وشكلها. وحجمهاء «لقد أخذت سلطة 
الإ كعمو وكا الطافة الو اة را ركو ال في الآسرة 
ومن رموزها لدى الأبناء وبدآت تضعف أواصر صلاتهم بأفراد العائلة 
الآخرين كالأعمام والأخوال وغيرهم.. . كما أخذت علاقات جديدة كالمساواة 
والديمقراطية ونزعة التحاور. تحاول فرض نفسها على صيغة العلاقة بين 
مختلف أعضاء الأسرة: فاعتبرت غير مألوفة بحد ذاتهاء2: وعلى هذا 


(1) د. زهير حطب» تطور بني الأسرة العربيةء مركز الإنماء العربي بيروت» ط |, ۱976ء ص 5. 


104 





تمهيد 


النحو فإن الأسرة تمثل استقطابا لبعد آخر من أبعاد الصراع الذي تعتمد 
عليه قوانين الدراما ما دام المركز الأبوي في الأسرة لم يعد حتمياء وما دام 
لكل من الابن؛ أو البنت حقه في الاختيارء وما دام للابن حق الاستقلال عن 
التبعيةء والتطلع إلى تكوين «الأسرة النواتية» تعبيراً عن ميوله الفردية 
الجديدة. 

أن الدراما التي تتخلق من شبكة العلاقات الاجتماعية في مثل هذه 
الأسرة المتغيرة ليست تراجيديا خالصة: إنها قد تكون ميلودراما رفيعةء أو 
هابطةء وقد تكون تراجيكوميدياء أو «كوميلودراما» إنها قد تهلك أبطالهاء 
بصورة مأساويةء ولكنها تظل تستمد روح الهلاك. لا من الحتميةء والتقبل 
الجبري لدينونة البشرء وإنما تستمده من الإيمان بالإرادة: والميل الشديد 
للفردية. 

ومن ثم تظل دراما الأسرة المتغيرة في أحسن الأحوال وأكثرها تماسكا 
ضبريا من الغراما الرضدة الى حبر ترجا فيا ماش لاط فة اة 
«البرجوازية» في حين أن التراجيديا التي عرفت في العصور الكلاسيكية 
نراها النموذج الفني لطبقة النبلاء والأرستقراطية؛ ولذا فإنها لن تمت 
بصلة لدراما الأسرة المتغيرةء التى نتحدث عنهاء بل ريما كانت نقيضا لها 
على الإطلاق. لأنها لا تلائم ا الدراما التراجيدية. خاصة إذا أدركنا 
أن «العصور الكبرى للتراجيديا هي تلك التي تحدث فيها قلاقل اجتماعية. 
وتفقد فيها طبقة حاكمة سلطتهاء ونفوذها فجأة ». بينما جوهر الصراع 
لدراما المجتمع المعاصر في الخليج العربي» يستكن في وجود ضرب من 
النظام الأسري الذي يتحدى التغيّر؛ إنها-أي الدراما-تجسيد للصراع بين 
العقبة فى داخل الأسرة. والفردية المقاومة لهاء أو المتخطية لعوائقها . وعلى 
هذا التحو فان كيك درام الأسرة المتغيّرة لن يغترب في تنويعاته للعقدة 
الدراميةء وتشكيلاته للبطولة والحركة على المسرح عن مضمون الظرف 
المعاصرء الذي تمر به الأسرة في مجتمع الخليج العربي» وإنما سيندمج 
التكنيك مع الظرف الاجتماعي في حالة جدليةء تجعل كلا منهما نموذجا 
للأخر. 
(1) أرنولد هاوزرءالفن والمجتمع عبر التاريخ؛ ترجمة د . فؤاد زكرياء دار الكاتب العربي للطباعة 
والنشرء القاهرة. ۱969ء ج 2 ص 105 . 





المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وإذن فإن المفهوم الدرامي سينبثق من علاقات المجتمع الدرامي» بما 
يتسع له من ديناميات التغيرء وهذا حق لا شك فيه؛ إذ أن لكل مجتمع؛ ولكل 
عصر مفهومه المأساوي: أو الكوميدي. فالعوائق الحتمية التي أهلكت أبطال 
سوفوكليس ويوربيدس ليس من الضرورة أن تهلك «هاملت» أو «عطيل» أو 
«ماكبث» أو تهلك أبطال كورني وراسين» حتى في حالة توظيف ذات المادة 
الأسطورية التي رفدت منها الو المسرحية الأولى. فضرورات الدراماء 
واكام اترا دا يكن أن كرون طردية الإدرالكه ومسوال قات وودر 
متقولبة. لأن ذلك يقضي على الإبداع الدرامي» وينفي عنه القيمة الفنية 
المتحورة: التى تمثل منطلقا آساسا لتظوره عبر العضور: 

وقد ظلت التحولات الاجتماعية والسياسية تصبغ المفهوم الدرامي بلونهاء 
وأيديولوجيتهاء وتناقضاتها المخطنة في العمير الحديث آيضاء هالحرب 
الغالية الأول سم نيرما نه ا هار رك ا رها ا اة القاقة 
إته المسرح الذي يعلن الحرب ضد الحرب بخاصة مع ازدياذ شرو ر الراسمالية: 
وما أشاعته من استفلال؛ وما خلقته س انفجارء وضياع حتى لقد صار 
جوهر الدراما فيما يبدو صاعقا لمشاعر المتلقي؛ أو مباغتا لانفعالاته. 
وممارساته المألوقة: 

لقد خرج على المسرح أبطال دراميون يتقيئون: أو يتبؤلون أو يحملون 
الأشلاة الإنسباتية: وتم يعد هذا الحصيره: الذى يسكولد شور الحرب 
والرأسماليةء يمثل الواقع الحقيقيء أو المثالي عند كثير من كتاب الدراما 
المعاصرةء كأندريه جيد وبريخت,. والمرايس» وأونيل؛ وغيرهم. في حين أن 
الانتصار إلى الاشتراكية في روسيا أدت إلى ظهور الدراما الدعائية؛ أو 
التعليمية. فإذا كان المفهوم الدرامي يرتبط بعصره ومجتمعه على نحو تلك 
المثابةء فإننا لا يمكن أن نتوقع مفهوما لدراما الأسرة المتغيرة في مجتمع 
الخليج العربي خارجا على ظرفها التاريخي المعاصرء كما أن هذا الظرف 
لن يخرج على طبيعة المعايير الأخلاقية؛ التي تتحكم في العلاقات الاجتماعية 
داخل الأسرة. 

ومق أجل آن تحفق قدرا عقولا من الاملمقنان اتام الت والداراسة: 
کدرا صرووة التركيز كيدا ااب غاي التجارت السو الناطيحة. 
الى فا بوه خامن فى كجرب الكاترين سنقر الرشود»وفيه العرية 


106 


تمهيد 


السريع؛ مع عدم الإغفال لبعض الكتابات المسرحية الأخرىء التي لم تفتقر 
إلى أصالة التجربةء ولم تنفصل عن نسغ العنصر الدراميء النموذج في 
الأسرة المتغيرة. ونحن نعتقد أن الأعمال المسرحية لصقر الرشودء وعبد 
العزيز السريع هي أفصح الأمثلة على فكرة أن الدراما الواقعية في مجتمع 
الخليج العربي هي نموذج الأسرة المتفيرة. التي تقتحمها فردية المثل 
البرجوازي الأعلى؛ وهي أيضا أبلغ التجارب المسرحية تعميقا لارتهان التفكير 
الدرامي في مختلف قوالبه بديناميات التغير. ومضمونها الديمقراطي» 
والعقلاني» في المجتمع. وستكون الفصول القادمة اتجاها في البحث يحاول 
استبار هذا التخطيط الجدلي لسوسيولوجية التجربة المسرحية في الخليج 
العربى. 


107 


جدلية الحواجز الدرامية في 
تقاليد الاسرة 


لا يفصح المفهوم الدرامي في مجتمع الخليج 
العربي عن تبلوراته الحاسمة؛ ولا يستظهر سيماءه 
الاجتماعية, والمحلية إلا بعد أن أصبحت الأسرة 
وحدة اجتماعية متغيرة» شأنها شأن المجتمع المتغيرء 
ذلك أن الشكل الجليٌ الدرامي في هذه الأسرة 
إنما ينبثق من معدل الشك في حتمية معاييرهاء 
التي تضبط جبرية السلوك. وقدرية العقبات بين 
أفرادها. ونحن لا نتوقع خلق الرؤية الدرامية في 
المرحلة التقليدية التي مرت بها الأسرة في الخليج 
العربي قبل التغير. حيث لا وجود للمساواةء وللحرية 
الفردية بين أفرادها. وحيث الكوابت القهرية الهائلة 
للميول؛ والرغبات التلقائية. وحيث الحالة القمعية 
المستمرة للأفكار الأخلاقية المضادة. ذلك طاللما أن 
الأسرة في سكون تام» أمام الحتميةء التي تفرضها 
المعاييرء والقيم التي تكتسب حق القانون الطبيعي 
في تقدير مصائرهاء يصبح من المتعذر أن تكتسب 
الحياة فيها دينامية درامية. 

إن الأساس العقلى لدراما الأسرة المتغيرة إذن 
هو الف كى اة السابقة. وتحقق ذلك لا 


10۹9 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


يكون في معزل عن ديناميات التغير, التي تصحب معها مثل الشك والتمردء 
أو الرفض والثورة. وقد شهدت الأسرة في مجتمعات الخليج العربي تغيرا 
من هذا القبيلء بعد ظهور النتائج الاجتماعية لحياتها الاقتصادية الجديدة 
التي بعثت بها ثروة النفط. فالتعليم» والدخل المتزايد للفرد. ومشاريع التنمية 
والتخطيط الديمغرافي الجديد. واستقرار الحياة السياسية بأحد الأشكال 
الديمقراطية (مجلس الأمة)ء كل هذه المؤشرات. وغيرها تمثل ضربات 
عنيفة لحتمية المعايير. وضبطها لنظام الأسرة, لأنها بمثابة النوافذ. التي 
أشرعت أبوابها لهبوب النزعة الفرديةء ولاقتحام المثل البرجوازي الأعلى 
للنظام الأسري التقليدي المغلق. 

ونعتقد أن التقاليد هي أبرز معابير الإرث في الأسرة اصطداما بالتغير, 
لأنها أكثر القواعد السلوكية معيارية في نظام الأسرةء لقد توسل بها المجتمع 
التقليدي قبل التغيرء واتخذ منها سلاحا ماضيا لمجابهة الأشكال الدخيلة 
عليه. إنها عنصر قهري» قامع؛ يحافظ على مظاهر الاستمرار محافظة 
شديدة:؛ ولذا فإنها مؤشر على التخلف الاجتماعيء لأن الإنسان المتخلف 
كائن يخضع للتقاليد. ويتقيد بها في حركته وتفكيره» ويتوسل بها في تفسير 
الأمور. وتأمل الكون. ومن ثم كان تحكم التقاليد في مجتمع ما علامة على 
جموده» وتخلفه. وغياب الفردية فيه غيابا مطلقا. 

ولما كانت التقاليد تستمد تباتهاء وتحكمها في نظام الأسرة من الترسبات 
الموغلة. كالسحر والدين والقواعد الأخلاقية: والقيم القبليةء أو العشائرية, 
وعاداتهاء وأعرافهاء فإنها تصبح أكثر صمودا للتغيرء إذ لا يمكن التحرر 
منها بين يوم وليلة؛ لأن تغيّرها نسبيء لا يقاس بتغير أوجه الحياة المادية. 
وقد ظلت الأسرة في مجتمع الخليج العربي خاضعة لجمود التقاليد. طوال 
النصف الأول من هذا القرنء رغم تطور الحركة الوطنيةء وتزايد دعوات 
الإصلاح. ذلك لأن الأنظمة السياسية والاقتصادية ظلت محافظة على 
شكلها وبنيتهاء ولم تكن التقاليد والمعايير الاجتماعية سوى أحد الأساليب 
المدعمة للأنظمة التقليدية في الحكم» بحيث كان الإبقاء عليها إبقاء على 
طبيعة النظام الحاكم نفسه. 

ولعل ذلك يفسر لنا عدم قدرة الدعوات الإصلاحية في الأربعينات على 
المساس بحق التقاليد في ضبط السلوك. ومقاومة الفرديةء دون أن نعني 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


من ذلك إلغاء دورها في التبشير بمجتمع يمنح الفرد شرعية المقاومة 
للتقاليد» وفي أبسط الأحوالء «يكسب التقاليد مرونة تحول بينها وبين 
الوقوف فى سبيل التطور المنشود» ‏ كما يعبر عن ذلك الاتجاه الاجتماعى 
الاس اى السياكد فى ساف ال راف ا 

ويقودنا ذلك إلى القول بآن الجوهر الدرامي في التقاليد المتغيرة لم 
تتبلور ملامحه الأولى» إلا مع بدايات النصف اللا فن هذا القرن» عندما 
دفعت التغيرات الاقتصادية؛ وحركة التحديث إلى التشكيك في أحكام 
التقاليد. ورغم أن المسرح المرتجل عند محمد النشمي» وجماعة المسرح 
الشعبي قد وضع بذور هذا التشكيك. إلا أن دراما الأسرة المتغيرة لم تنطلق 
من هذا المسرح» مثلما انطلقت منه أساليب المهزلة الفنيةء إذ لا يمكن خلق 
هذه الدراما بأسلوب المسرح المرتجل عند النشمي» وبطريقته في الاستجابة 
العابرة لمشاكل التغير. 

لقد كانت بداية انتزاع المفهوم الدرامي من التشكيك في حتمية التقاليد 
عام 1960 عندما كتب صقر الرشود ” أول أعماله المسرحية وهي «تقاليد» 
مظهرا فيها الأسرة الكويتية على المسرح-لأول مرة-جاعلا منها نموذجا 
للأسرة في مجتمع الخليج العربي» بصورة عامة. وقد توالى ظهور الأسرة 
المتغيرة على المسرح بعد ذلك واستمرت نمذجتها الدرامية في الكثير من 
الأعمال المسرحية. ونعتبر صقر الرشود أكثر الكتاب وعيا بالخصائص 
الدرامية العنيفة في الحياة اليومية للأسرة المتغيرةء التي تواجه انحلال 
معاييرهاء وانهيار رموز نظامها القديم. كما نعتقد أن النموذج الدرامي 
الذي خلقه صقر الرشود للمسرحية المحلية يتخلق بدرجة عضوية من 
عصبين يجريان بدماء تلتقي حول بعث النبض المسرحي في أحشاء الأسرة 
اا المصت الأول اوت مود ات می دال 1960 وأنا والأيام 
4ه والحاجز ۱966 . أما التانی» فتمثله ثلاث مسرحيات أخرى هى: فتحنا 
1962 وات الغييةةولوالطين 5 . ا 

وستقتصر مهمة البحث في هذا الفصل على المسرحيات الأولى لأنها 
تمثل في تقديرنا نموذجا دراميا مطرداء ومتناميا لفكرة التشكيك في حتمية 
التعائيد» ول هذه قرات لكلاف الي آنا والآيات الحاجن ك 
تخرج عن سياق تصعيدها الدرامي» والموضوعي لفكرة واحدة تكون المسرحية 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الأخيرة (الحاجز) ذروتها الفنية القصوى» ومقصدها الفكري البالغ. 

لقد كتب صقر الرشود مسرحيته الأولى في فترة لم تكتمل للمسرح 
صورة واضحة, لا من الناحية النظرية التي كان زكي طليمات يحرص على 
خلقهاء عندما استقدم كتير اجر الوا كي اللكوريت سنة 1958 ولا 
من الناحية التطبيقية التي كان محمد النشمي يدشن أسسها الأولى في 
مسرحه المرتجلء تأليفاء وتنفيذا على خشبة المسرح. ولذا فإن من المفترض 
عدم قدرة الرشود في مسرحيته الأولى على تلبية حاجة دراما الأسرة 
المتغيرة للتماسك الفني. 

وكان من المألوف ألا يمحّص تجربته الأولى مع زكي طليمات باعتباره 
رمزا كلاسيكيا جامدا للخبرة المسرحية) وإنما يمحصها مع محمد النشمي؛ 
الذي تمثل الرشود في جهوده المسرحية المرتجلة نسقا متصلا مع هدف 
مسرحيته؛ وهو التعبير الصادق عن مشاكل المجتمع الكويتي. ومن ثم فقد 
تقدم الكاتب الشاب-الذي لا يزيد عمره آنذاك عن ثمانية عشر عاما-إلى 
المسرح الشعبي كي يتولّى النشمي إخراج «تقاليد» باعتبارها أول دراما 
للأسرة المتغيرةء تقدم مكتوبة خلافا للأعمال المسرحية المرتجلة التي دأب 
المسرح الشعبي على تقديمها في | لفترة. 1957- 1960. 

ورغم الدور الذي تضطلع به مسرحية «تقاليد» في الحركة المسرحية 
إلا أن هناك مشكلة تواجه الباحث والمتتبع» وهي ضياع النص» وعدم توفر 
أي جزء منهء مكتوبا كان» أو مسجلا. كما لا يتوفر حول العرض الذي قدم 
في ديسمبر كانون أول ۱960ء على مسرح مدرسة الصديقء أي تعليق صحافي؛ 
لآن جميع الصحف توقفت عن الصدورء بعد أن أعلنت الحكومة مرسومها 
بإيقاف الصحفء وإغلاق الأندية والمؤسسات. وهذا يعني أن هذه المسرحية 
عرضت في فترة صمت أدبي مطبقء وتوتر سياسي ظاهر. فما الذي خرقت 
به «تقاليد» هذا الصمت. 5. والذي صاغته حول الأسرة المتغيرة 5.. 

المؤشر الوحيد للإجابة على ذلك نجده في العرض البسيط لأحداث 
المسرحية, الذي كتبه صقر الرشود بقلمهء ويقول عنها: 

«وهي مسرحية تعالج قصة شاب «أصيل» يريد الزواج من فتاة أحبهاء 
وهي من عائلة «بيسرية» فيلاقي اعتراضا شديدا من أسرته وبخاصة 
والديه؛ ولكنه رغم اعتراضهما يقدم على الزواج منها دون رضاهماء ثم 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


يأتي الرضا من الأسرة عن طريق التسليم بالأمر الواقع. وهناك ملاحظة 
مهمة.ء فالآسرة البيسرية أسرة واضحة الثراء. عكس الأسرة الآصيلة الفقيرة 
وعلى حين نجد الأسرة الأصيلة الفقيرة تتفق في اعتراضها على زواج ابنها 
من أسرة غير أصيلة-بيسرية-وإن كانت ثريةء نجد الأسرة بيسرية تنقسم 
على نفسهاء فم الفتاة لا تهتم بالأصلء وتريد لابنتها زوجا ثريا يكافتهم في 
ثروتهم» أما والد الفتاة فإنه يعترض على الأم ويفضل الشاب الأصيل 
الفقير زوجا لابنته ). 

إن هذا الملخص المتوفر من مسرحية «تقاليد» لا يفي الباحث حق 
الاستبصار من الوجهة النقديةء ولا يجيز على الإطلاق استظهارا لمشاكلها 
الفنية. وطبيعة معالجتها المسرحية. ونحو ذلك مما لا يمكن معرفته دون 
استبار للأثر المسرحي المكتوب أو المعروض . 

وما دام العرض السابق لا يقدم» لنا سوى ملامح لموضوع المسرحية فهو 
قد يفض جانبا ما في اتجاهها لمشكلة الأسرة المتغيرة. فمن الواضح أن 
الكاتب رغم توتر الفترة وصمتها المعلن» يقتحم موضوعه بجرأة ظاهرة 
فالعلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الكويتية التقليدية تعتمد على قيم 
التساند القبلي» العشائري والتعصب لوحدتها المغلقةء وهذا نظام يرث 
صلابته وحتمية أحكامه من طبيعة النظام الاجتماعي؛ والسياسي الحاكم 
إن هذا النظام لا يخرج عن كونه جماعة مغلقة تستمد سلطتها من حصانة 
المثل الأعلى القبلي؛ لأنه يبسط نفوذهاء ويحفظ امتيازاتهاء ولذا يصبح 
الدفاع عن هذا المثل الأعلى دفاعا عن طبيعة النظام: والتحاقا بقيمه. 
وعاداته الجامدة. في حين أن الخروج عليه يمثل تمردا ظاهرا على قوانينه 
الطبيعية. ومن ثم تكون موضوعية جرأة صقر الرشود في معالجته لمشكلة 
الأصيل والبيسري تاريخياء ودراميا. 

لقد بعث ابن الأسرة «الأصيلة» الشك في حتمية التقاليدء فتزوج الفتاة 
التي أحبهاء رغم انتمائها إلى أسرة «بيسرية» لا تتحدر من أصل قبليء 
وهو ما يعتبر في معيار القبيلة تمردا على قانونها الطبيعي. ولا نجد بطلا 
من هذا النوع الذي ينتزعه صقر الرشود. لا في البواكير المسرحية؛ ولا في 
الأدب القصصي.ء الذي عالج في الأربعينات والخمسينات الكثير مما يتصل 
بتقاليد الآسرة؛ دون أن يتطرق إلى نموذج البطل المتمرد على معايير السلطة 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


القبلية. 

إن جذور النموذج الدرامي لبطل يخرج عن حتمية التقاليدء لا تقتصر 
على هذا الجانب الذاتيء إنها تمتد إلى طبيعة الفترة التاريخية لمجتمع 
الكويت» ذلك أن نهاية العقد الخامس تمثل نقطة تحول بالنسبة لحركة 
القوى الاجتماعية. لقد تخمر الكثير من ملامح الصراع الاجتماعي 
والسياسي» وقد سبقت الإشارة في موضع آخر من هذه الدراسة إلى أن 
البرجوازية المتوسطة أصبحت تجاهر بدعوتها من أجل التغيرء فكانت تطالب 
في الخمسينات بوضع الدستورء وتحرير البلاد من المعاهدة مع بريطانياء 
وتوجيه المجتمع وجهة ديمقراطيةء والخروج به من مشاكل تخبط الإدارة 
وعشوائية القوانين. 

ونعتقد أن صراع هذه الفترة من أجل مزيد من التفتح للفرديةء والعقلانية 
إنما هو خميرة الصراع الدرامي في الأسرة, إنه نموذج بين لاقتحام النزعة 
الفردية المتمثلة في بطل «تقاليد» ثم. مقاومة الأسرة التقليدية لها بكل 
قوة. ويبدو أن الكاتب قد أدرك القانون الجدلي في تسرب هذه النزعة, 
حيث جعله مسوغا بوجود الأسرة «البيسرية» و بعقلانية يكتسبها بطل 
المسرحيةء بعد دراسته في الخارج. فالأسرة «البيسرية» ‏ كانت تمثل 
أصولا برجوازية غير مكتملة قبل التغيرء لأنها الأكثر فردية واندماجا في 
التجازة الوسطية المتسمة بحركفيا: وجاحتها المستمرة للمبادرة لذا فس 
أصبحت بعد التغير أكثر استعدادا لتقبل المثل البرجوازي الأعلى: ولاستكمال 
مكوناتها الطبقية الجديدة التي تمثل القاعدة العريضة لاستقطاب العنصر 
الفردي في المجتمع. 

ويمكن لنا-بناء على ذلك-أن ندرك مغزى ملاحظة صقر الرشود في 
عرضه السابق» حين جعل الأسرة ذات الأصل القبلي فقيرةء ولكنها 
رفضها للفتاة البيسرية؛ بينما جعل الأسرة البيسرية غنيةء ولكنها تنقسم 
على نفسها في زواج ابنتها من الفتى «القبلي.» ففي هذه المقابلة بين الرفض 
القاطع ص والانقسام المتشكك. ندرك ملامح نموذجية من جدلية دراما 
الأسرة المتغيرةء تعمقها تلك النموذجية الفردية التي أسبغها الكاتب على 
البطل حين تزوج رغما عن رفض أسرته التقليديةء ومعارضتها . 

إن بذور الانقسام في الأسرة البيسرية-إن صحت صياغتها في هذه 


114 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


المسرحية المفقودة-تعبر بقوة عن وعي الكاتب بجدلية الدراما الاجتماعية, 
لآنه يجعل هذه الأسرة مضمونة لأكثر من نقيض. إنها تمثل نقيضا لحتمية 
موقف الأسرة ذات التقاليد القبليةء كما تمثل نقيضا دا خليا لمثلها البرجوازيء 
فبينما يقبل الأب تزويج أبنته من الفتى الأصيل» رغم فقره» لأنه ربما 
يستكمل به نقصا واضحا في جذوره الاجتماعية؛ نجد الأم ترفض هذا 
الزواج» محافظة على الموقع الاقتصادي للأسرة. 

ولن يعنينا افتراض القول بحاجة «تقاليد» لتلبية قواعد الدراما رغم 
شهادة المعاصرين بذلكء مادام الأثر المسرحي» غير متوفر للبحث؛ ومادام 
هو العمل المسرحي الأول للكاتب. ومادام المفهوم الدرامي بدينامياته 
الاجتماعية لم يتبلور كاملا في فترة أواخر العقد الخامس. حيث لم يحسم 
فيها الكثير من المعارك بين العشوائية. وضرورة التخطيط. بين التشتت 
والتجمع» بين القبيلة والفرديةء بين الإمارة والدولة؛ بين معارضة القوى 
الاجتماعية واستمرار النظام الحاكم. إن ما يعنينا-حقيقة-هو موضوعها 
المتبقي» المتنبئَ بحسم المعارك السابقةء ذلك أن التمرد على النظام التقليدي 
للأسرة في فترة بالغة الحساسيةء بما تضمره من تغيرات قريبة: (إلغاء 
معاهدة الحمايةء وضع دستور للبلاد) إنما هو ضرب من التبشير الذي 
يصعد التوترء ويدق على مواضع.: تؤكد انحيازه التام للموقف الآتي. 

وأيا ما كان الأمرء فإن مسرحية تقاليد هي النواة الدرامية لمسرحيتي 
«أنا والأيام» و «الحاجز». ذلك أن هاتين المسرحيتينء تمثلان توغلا رأسيا 
للموضوع الذي عالجه الرشود في مسرحيته الأولىء إنه توغل يحمل صفة 
أمامية. لأن جميع ما هو قابل للنمذجة؛ أو التمسرح في تقاليد الأسرة؛ أو 
معاييرهاء بات خاضعا للتركيز الدرامي الذي بلغ نضجه» وتماسكه في 
مسرحية الحاجز. 

ومرد ذلك أن أعمال صقر الرشود المسرحية لا ينبغي أن تخضع لترتيب 
زمني عند وضعها تحت المعالجة النقديةء وإنما ينبغي أن تخضع لترتيب 
نضج الفكرةء وتطور المفهوم الدراميء لآنها تتواصل مع بعضها بشكل عضوي» 
فكل مسرحية تندمج في الأخرى؛ وكل موقف يتسع لموقف آخرء وكل شخصية 
تخرج من ثوب شخصية سابقة عليهاء حتى أني أكاد أزعم بأن تجربة 
الرشود مع المسرح» يمكن اختزالها وتكثيف أفكارها في مسرحيتين؛ هما: 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


«الطين» و «الحاجز» فالأولى هي التخطيط النهائي لمسرحيتي «المخلب 
الكبير» المنشورة بالعربية الفصحى, و «فتحنا». والثانية هي التخطيط النهائي 
لمسرحيتي «تقاليد» و «أنا والأيام» ولعل ذلك كان يجيز للكاتب أن يراجع 
أعماله المسرحيةء ويعيد صياغة بعضها. كما فعل مع «المخلب الكبير»... . 
الأمر الذي يجعل الاحتفاء بالتسلسل الزمني لأعماله المسرحيةء عاملا لا 
يخل بتركيبها السوسيودرامي فحسب. وإنما يضلل الباحث, والناقد أيضا. 

ومسرحية «أنا والأيام» الت عرضت بإخراج الكاتب في ١2‏ / 5 / ۱964 
هي العمل المسرحي الثاني الذي يبني فيه الكاتب تكنيك دراما الأسرة 
المقيرة من فكرة الشاك في قيمها: ومعاييرها السلوكية, والأخلاقية: ولا 
شك في أن هذه المسرحية قد كتبت بعد «المخلب الكبير» التي نشرها 
الرشود بالفصحى عام 1964 . وهو نفس العام الذي عرضت فيه «أنا والأيام» 
ونعتقد أن الفترة التي تخمرت فيها تجربة «المخلب الكبير» هي عاماء 
2 , ,۱963 عندما كان زكي طليمات في أوج توجيهه لفرقة المسرح العربي؛ 
ودفعها لتقديم الأعمال المسرحية باللغة العربية الفصيحة؛ منطلقا من 
الفكرة التي يعلنها في تقاريره. ومقابلاته الصحفيةء وهي أن المسرح في 
الكويت حتى تلك الفترة لم يخرج من صلبه المسرحية المكتوبة باللسان 
العربي. كما لم يقم لها نص مكتوب. وأن المسرحية الكويتية لا تزال تختمر 
في موضوعهاء ومشاهدها. 7 

وبصرف النظر عن صحة هذه الفكرةء أو عدمها فإن هذا الاتجاه الذي 
رسمه طليمات لفرقة المسرح العربي» بعث في نفس صقر الرشود رغبة 
قوية لدفعه. ومنافستهء فكتب «المخلب الكبير» بلغة عربية بينةء ولكن طليمات 
لم يلتفت إليهاء وربما ترفع عن وضعها في خطته المسرحية بسبب حساسية 
خلافه مع الرشود نفسه. 

ومنذ عام 1964 يتدعم الاتجاه إلى تقديم الأعمال المسرحية باللهجة 
العاميةء بعد أن تخلى المسرح العربي عن خطة زكي طليمات» بدأ يخرج إلى 
الناس بأعمال مسرحية هزلية؛ أو اجتماعية؛ تعالج المشاكل المحلية التي 
يضج بها مجتمع الكويت. مثل مسرحيتي «استارثوني وآنه حئ». و«عشت 
وشفت» لسعد الفرج. وقد دفع ذلك صقر الرشود إلى أن يتخلى عن الإطار 
الكلاسيكي المقيّد في لغة «المخلب الكبير» ويكتب «أنا والآيام» لتكون أول 


16 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


أعماله المسرحية في برنامج الفرقة التي ساهم في تأسيسهاء وهي «مسرح 
الخليج العربي». وقد حرص في هذه المسرحية على أن يستكمل بعض 
ثغرات «المخلب الكبير». وخصوصا فيما يتصل بتماسك الحبكة الدرامية, 
وتسلسل مشاهدهاء وتلقائية حوارها. وسيكون في تباعد الفكرة الدرامية 
السرحية آنا والآياق عنها فن ا لخب الكبير» تم حا تجده قيها من اشير 
تستولد الفكرة الدرامية لمسرحية «الحاجز» مؤشر على أن مسرحية «أنا 
والآيام» كتبت بعد «المخلب الكبير». 

إن مسرحية «أنا والأيام» سجل لنموذج من البطل الدراميٌ المحطم الذي 
تهزمه تقاليد الأسرة وقيمها. وقوانينها ليمر لضعفه أو انقياده لهاء وإنما 
لتطلعه الشديد إلى الفردية لدرجة يصبح فيه هذا التطلع أرضا خصبة 
لجميع التقلبات الرومانسية: والميلودرامية التي يخوضها بطل هذه المسرحية. 
ولا يجد صقر الرشود بطلا أصلح من هذا النموذج الإنساني لمواجهة 
التقاليد باعتبارها حواجز درامية صلبةء وعنيدة. فقد أودع هذا الكاتب 
صفة جوهرية في بطله جعلته مؤهلا لصياغة فرديته المنغمسة في أكثر من 
اتجاه. هذه الصفة هى الشك فى كل شىء لدرجة أنه شكك فى أقرب 
ور ل الأعلى عه كالأم والآب والأغازي ب واي قلف الصفة ن وردان 
ينشأ في بيئة تقليدية ووسط اجتماعي يضج بقسوة التقاليد والمعايير؛ إنه 
وجدان «غانم» يخرجه الكاتب منذ الفصل الأول ضحية للزواج التقليدي 
الذي ربط بين والديه رغم صغر سن والدتهء ورغم الخلاف العائلي بين 
أسرتي والديهء لقد تم الطلاق بين الزوجين على مرأى من «غانم» ومن هنا 
يبدأ الكاتب في رصد تجارب الإنفصال المتعددة التي تنعكس من تجربة 
الإنفصال الأولى وهي الطلاق. 

ولا يهتم الكاتب بموضوع التغير المادي الطارئّ في رصده لسلسلة تجارب 
الإنفصال لدى «غانم» كالثروة الطارئةء أو التثمين؛ واقتناء أدوات الحضارة 
الجديدة وإنما يهتم بجدلية التغير في الجانب الثقافي للأسرة كالتقاليد, 
والقيم والعادات ونحوها. وآية ذلك أنه يجري أحداث الفصلين الأول والثاني 
قبل ظهور النفط» وأحداث الفصلين الثالث والرابع بعد الثروة والنفط» ومع 
ذلك فإنه لا يحدث تجربة الطلاق إلا منذ الفصل الأول؛ وفي وسط اجتماعي 


117 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ولا يدل ذلك-في تقديرنا-على عدم تعاطفه مع الماضي وانما يدل غلئ 
رؤيته الجدلية لطبيعة النظام التقليدي للأسرةء هذا النظام الذي يرى فيه 
الرشود قابلية شديدة للانهيار. وأرضا صالحة لبزوغ الشك الفردي. الأمر 
الذي يجعلنا ننظر إلى تجربة الطلاق في هذه المسرحية باعتبارها فعلا 
دراميا معبرا عن جنين الثقافة التقليدية المنتهية إلى الشك وحتمية الإنهيار 
للأسرة. و «غانم» هو الذي يصوع هذه الحتميةء ومن ثم لا بد من أن يكون 
ضحيتها السهلة التي تتقاذف عليها مظاهر الميلودراما الرومانسية من كل 
صوب» فهو مزيج من الخضوع والتمرد المسالم والعدوانيء الضعف والجرأة. 
الإتصال والإنفصالء. ويتضح هذا المزيج في علاقة بخمس شخصيات 
أساسية وهي الأب الذي تبرح به أشواق الإنتماء إليه في حين يتراءى له 
رمز للمضطهد المتسبب في شقاء أمه ومن ثم يرفضه حين جاء هذا الأب 
يشكو ضعفه. والأم التي استوعبت عواطفه الرومانسية الجامحة وتراءت 
مثلا أعلى لم يلبيث أن تداعى عندما تزوجت يعد طلاقها . «ويعقوب» زوج 
أمه الذي لم يستطع الإستمرار. في واقع التماهي مع سلطته عندما 
يحبها ويتمسك بها على أنها الحلم الذي يحلّق به فوق أنقاض الواقع ورغم 
ذلك فإنه يقاومها برغبة فردية مضادة طالعة من أعماق يسيطر عليها 
الشك وعدم الثقة والخوف والترقب. إنه يستمر في تجزع الأثم الدرامي 
الذي ينهض من انهيار الأسرة التقليدية والذي جعل من غانم يضمر الشك 
وكأنه يضمر التحول في واقع الأسرة نفسها لدرجة باتت المسرحية صورة 
ميلودرامية بالغة توجه أعنف مظاهر الشك حول العلاقات داخل الأسرة 
المحاطة بقواعد التقديس كالأبوة والأمومة ونحوهما. 

ويمكن القول: إن نضج فكرة هذه المسرحية وتماسكها يتمثل أكثر ما 
يتمثل في ذلك التناغم الظاهر بين مضمون الشك الذي صاغه الكاتب من 
خلال جدلية الإتصال والإنفصال في شخصية غانم وبين القالب المسرحي 
الذي اعتمد على تكنيك «الكوميلودراما» هذا التكنيك الذي استجاب لحركة 
الإتصال والإنفصال استجابة دقيقة بحيث كانت بداية الفصول الأربعة 
تشع ببدايات كوميدية تتفتح منها معاني الحياة وقيم الإتصال لكنها لا تلبث 
أن تكفهر بنهايات مفجعة يكثر فيها حطام الأسرة المنهارة وتنبعث منها قيم 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


الإنفصال. 

إن ما تنتزعه مسرحية «أنا والأيام» للتجربة المسرحية في مجتمع الخليج 
العربى يبشر بإمكانات هائلة فى خلق دراما الأسرة المتغيرة. وتأصيل سماتها 
الاجتماعية, ذلك أن كاتبها يدركسبوعي لعبة الصراع على الخشبة المسرحية, 
وأسلوب صنعتها . ويتجلّى أعمق مظاهر هذا الوعي في إدراكه لما هو جدلي 
في علاقاث الأسرة وإنحالقه إلى مواقف تكسم بديتاميتها: وضياغته في 
شخصيات متعارضة إلى حد القسوة: واستخلاصه للبطولة الفردية المتفتحة. 
ولا يضير الكاتب إخلاصه الشديد لتكنيك الميلودراماء سواء في معالجته 
للتمرد. وتصويره للضحاياء أو في اهتمامه بأسلوب السجلين النفسي. 
والاجتماعي لشخصيته المحطمةء وتحريكها فوق رفعة زمنية ممتدة مند 
الطفولة وحتى الشباب» أو في مزاوجته بين مواقف الكوميديا والميلودراما. 
لأنه رغم كل ذلك لا يمحل ملامح الجدلية الدراميةء ولا يفسد واقعيتها في 
الحياة الاجتماعية للأسرة. وفي تقديرنا أن ملامح هذه الجدلية هي التي 
استولدت أنضج مسرحيات صقر الرشود. وأكثرها إحكاماء وهي مسرحية 
«الحاجز». 

ولا ينبغي معالجة مسرحية «الحاجز» التي عرضت في نيسان /أبريل 
6 بعيدا غ والأيام» رغم أن الكاتب سد مم «المخلب 
الكبير» و «الطين» في العام الفاصل بينهما وهو عام 1965 . وما ذلك إلا لآن 
«المخلب الكبير» و«الطين» معدتان عن مسرحية «المخلب الكبير» التي نشرها 
باللغة العربية الفصحى عام 1964 كما ذكرناء مما يجعل مسرحية «الحاجز» 
هي المسرحية التي يكابد فيها الرشود تجربة جديدةء يتواصل فيها مع 
مسرحية «أنا والآيام» ويعمل فيها جانبا من تحصيل الخبرة مع المسرح. 
فتحظى بتنقيح مفهومه الدرامي» وتركيز عناصر وحداته.ويحتل هذا التركيز 
ثقله الدرامي حول ذات الفكرة التي صنعت النموذج الدرامي في مسرحيتي 
«تقاليد» و«أنا والأيام» وهي الشك في تقاليد الأسرةء ومعاييرها الجامدة. 

وفي هذه المسرحية تستمر صورة البطل» التي تفصح نموذجيته عن 
مواقف تتلون بمزيج من القيم الواقعية والرومانسية. وربما تلاشت المظاهر 
الميلودرامية المؤسية في هذه المسرحيةء ولكن سيظل تحرك المواقف في 
أك رمن اتاد ةا اقام الشامل فى كيراك |الجدمع رة راد 


11۹ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


منعكسة» رغم مظاهرها السلبية-عن رغبة في الكتابة للمسرح بواقعية 
وصدق. وستأخذ شخصيات هذه المسرحية أبرز سمات البطل الدرامي؛ 
ليس في مسرحيتي «تقاليد» و «أنا والأيام» فحسب. وإنما في طبيعة دراما 
الأسرة المتغيرة بصورة عامةء وهي الشعور بالفردية. 

إن خالدا في «تقاليد». وغانما في «أنا والأيام». وموضي مع أخيها 
فارس في «الحاجز» ينتمون إلى طبقة ليست تلك التي ينحدرون منهاء 
وأسرة ليست تلك الأسرة «الحمولة» التي يرتبطون بهاء وما ذلك إلا لأنهم 
نماذج للوعي الاجتماعي الجديد» الذي يبشر به نضال الطبقة البرجوازية 
المتوسطة من أجل مثلها الأعلى. ولعل مما ينبغي ملاحظتهء والاهتمام بهء 
هو أن فكرة التقاليد التي يلون صقر الرشود صورة المجابهة معها بالأفكار 
والمشاعرء تقوم بمجمل التفاصيل المؤدية إلى خلق النموذج الدرامي في 
مجتمع الأسرة. إنها تجسيدء وتجريد لأكثر من حاجز. تجسيد للقاعدة 
السلوكية أو المعياريةء وتجريد للحاجز الطبقي والقرابي.. . والعاطفي أيضا.. 
. ولم تكن النماذج التي قطع غانم بطل «آنا والأيام» صلته بها إلا حواجز من 
هذا القبيل. 

ولا نشك في أن ما يكسب التقاليد قابليتها فيتعدد الدلالة الدرامية. هو 
أنها تقع في الجانب الثقافي من البناء الاجتماعي» بحيث أنها تكتسب 
استمراراء وصلابة لا يمكن زحزحتهما بسهولة «وريما أدت الثورات 
الاقتصاديةء والسياسيةء والاجتماعية إلى تغيرات كبرى في العلاقات 
الاجتماعية ولكن الثقافة قد تبقى دون أن تتغير إلا قليلا» . ومع ذلك فإن 
للصراع الطبقي-في تقديرنا-دورا باعثا على التغير الثقافي يفوق الدور 
الذي يمكن أن تلعبه أشكال الصراع الأخرى. كالصراع بين الأجيال: والصراع 
بين المجتمعات. ولذا سنجد صقر الرشود لا يبعث في خالد بطل «تقاليد» 
تمرده على مشكلة الأصيل والبيسري إلا لأنه يريد التبشير بالدور الجديد 
الذي ستلعبه البرجوازية المتوسطةء وهو يستبق أيضا-ذات الدور مع غانم 
بطل «أنا والأيام» الذي تمرد على قوانين الطلاق. وقطع صلته بأعز الأمثلة 
الداعية إلى التساند الأسري من أجل تتويج الإحساس الفردي بالانتصارء 
ووكان ذالك كرق السام لاقب رميز والمار ال الي تطريحة الستريجية 
الحاجز بعد المسرحيتين السابقتين هو: هل يستمر الدور الذي يبشر به 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


النموذجان السابقان: (خالد-غانم) وهل يستمر معه إيمان صقر الرشود 
بالبرجوازية المتوسطة ؟ 

ليس افتراضا أن نقول في الإجابة على ذلك إن الرشود يقلب إيمانه 
السابق بتلك الطبقة إلى شك واضح في قدرتها على التغييرء وبعث ملامح 
المستقبل للأسرة. بل إننا سنجد جانبا يسيرا من هذا الشك منذ مسرحية 
«أنا والأيام»» وفي مقطع من أحد المشاهد التي جمعت بين «غانم» وابنة 
خاله «فوزية» إنه يطلب منها الصراحة؛ رغم أنه سيبدو أمامها غامضاء 
ضعيفا إزاء حقيقة مشاكله وهي تشكو له ضعفهاء واصطدام حريتها بالقيود 
وتسلّم تماما بعدم امتلاك إرادتها الفردية في الوقت الذي يقف غانم أمام 
إحساسها اليائس موقفا متناقضا. فمرة يؤمن بمقولة حكم الزمنء «هذا 
يتعلق بحكم الزمن»» وأخرى يؤمن بضرورة المقاومةء والنضال «لابد من أن 
يكون لكم وجود ... ولابد من أنكم تثبتونه. ” وحيث أن «غانم» في هذه 
السوحية لا يعدو كونه جنيعا اتخوورة القاومة التى تجماته بطلا رومانسيا 
متمردا في محيط العزلةء واليآس» فإن مقولة «حكم الزمن» تبقى في 
حواره السابق مظهرا للبارقة الشعورية الفضفاضة, التي لم تجد ما ينمي 
فكرتها في أحشاء بطل متمرد على الفكر التقليدي. 

وحين يكتب صقر الرشود مسرحية «الحاجز» يمسك بتلك البارقة التي 
لمعت في «أنا والآيام»» يعمق نظرته إليها . ذلك أنه يجمع بين موقفين يتسمان 
بحركة التناقض الجدليء الموقف المبني على التقليد .. والموقف المبني على 
حتمية التطور. ولا يتخطى الرشود حركة الأضداد فى هذا التناقض من 
أجل اق و فت ات كما أنه لا حرق 'الرالدل العامة اهار ااه 
لمجتمع متخلف, وإنما يلجأ إلى نوع من التوفيقء بدعوة كل من الموقفين إلى 
مسايرة الآخر. وهذا يعني ذات الفكرة الإصلاحية الداعية إلى التعايش 
بين البرجوازية التجارية والمتوسطة؛ ولذا فإن الرشود سيرضخ لنوع من 
التماهيء أو المصالحة مع الواقع» بحيث سيترك التغيير مدفوعا برياح 
الزمنء ومعلقا بفكرة التعاقب» والتطور اللذين يحدثان في معزل عن الوعي 
الاجتماعي. وفي نفس الوقت ستظل الحواجز التي يشيدها التقليد. وتحتمي 
بها الطبقة الاجتماعية المسيطرة. قائمة دون أن يزعزعها الشك. 

ويمسرح الكاتب عنفوان هذه الأفكار في أسرة «حمود العود» فيجعل 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


العلاقات الاجتماعية بين أفرادهاء تجسيدا مسرحيا للصراع الذي تخوضه 
طبقة اجتماعية-ينتمي إليها صقر الرشود-يرتبط وجودها كثيرا بوجود 
دراما الأسرة المتغيرة: وهى الطبقة البرجوازية المتوسطة. وفى هذه الأسرة 
شاور هيراع لكف الليقة مم اروا العليا بكل امتيازاتها .. وتقاليدها .. 
وقواعدها الأرستقراطية في القيم والأخلاق: فالمسرحية حالة من المجابهة 
بين الكل الأعلى فط السيظرى الى يميا وحدون الي والام واي 
العم «مساعد» مع المثل الأعلى الذي يستظهره كل من «موضى» و«فارس» 
و«عواطف». وتعتمد هذه المجابهة على حذق بأسلوب حبكة الدراما 
الاجتماعية المتماسكة التى ترتكز على الدقةء والمهارة ووحدة التفاصيل فى 
شبكة علاقات الموقف الوا ا 

إن المواجهة في أسرة «حمود العود» تنتشر مع انقسامها إلى جبهتين 
تتبنى إحداهما حتمية التقليد؛ وتتبنى الأخرى حتمية التطور. بيد أن الكاتب 
يبني هذه المواجهة على توازن مسرحي دقيق» قل أن نجد له مثالا في 
الحركة المسرحية. ولعل مما يجلّي هذه المواجهة ويركز مشاعرهاء وأفكارها 
أن الكاتب يصوغها بأسلوب يجمع بين الواقع والرمزء في نفس الوقت الذي 
يسوق لعبة التوازن بين مواقف شخصياتهء ويحركها بعناية منظمة من غير 
افتعال» ويدفعها بقصد من غير مباشرة» أو افتضاح. والكاتب يعود إلى 
ذات التقليد المرتبط بالوحدة القرابية أو القبليةء الذي كان يشكل النموذج 
الدرامي في مسرحيته الأولى «تقاليد». فهل ينقض الرشود هذا التقليد 
بنفس عناصر التتبؤٌ والاستباق.. أم يتخيّر أسلوبا آخر 95 

تبدأ مسرحية الحاجز بالتعرف على حالتين تتوغلان في قلب التقليد 
المتبع حول علاقة المرأة بالرجل. «موضى» البنت الكبرى تتلقى من الشباك 
رسائل الفتى الذي تحبه «علي الخراز» رغم أنها مخطوبة لابن عمهاء ورغم 
أن من تحبه ينتمي إلى أسرة «بيسرية» أما الأخت الصغرى «عواطف» فإنها 
تكلم حبيبها عن طريق التليفون» وتبادله الغزل والحب» فيكتشفها الأب 
«حمود العود» حين يتنصت إليها . ولكنه لا يعارض علاقتهاء لأنها تحب أحد 
أبناء الأسر المعروفة بالأصل القبلى. وهكذا تنتهى حالة «عواطف» ولكن 
تبقى حالة «موضى» أساسا لإثارة الالقييام الدرامي في الأسرةء فقد وجدت 
أن من حقها اختيار الزوج الذي تريده» وانه ليس من الإنصاف أن يفرض 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


عليها ابن عمهاء ورغم أن «موضى» تجد في أخيها «فارس» دافعا يشجع 
إرادتها الفردية؛ إلا أنها تفضل مسايرة منطق الأب في نهاية المسرحية, 
إيمانا بأن التغير قادم مع تقادم ا لزمن. 

والمشكلة في هذه المسرحية ليست بالسهولة الظاهرية التي تقررها 
الحكاية: إن لها دلالتها العميقة. وصراعها المركب. ولذا فقد حظيت المسرحية 
بالكثير من المعالجات النقديةء فالبعض يراها تجسيدا للصراع بين الأجيال.. 
جيل «حمود العود» من جهةء وجيل؛ «موضى» و«فارس» من جهة أخرى © . 
والبعض الآخر يراها تجسيدا لأكثر من مواجهة, وأكثر من حاجزء بين 
«أصيل» و«بيسري». أو بين جدد وقدماءء أو شيوخ وشبان» أو بين رجال 
ونساء "'. ورغم أن هذه التأويلات تأتي على جوانب دقيقة في بناء 
المسرحيةء ورؤيتهاء إلا أننا لن نسلّم بها تسليما كاملا. ذلك أن النسغ 
الحقيقي للصراع في هذه المسرحية ينبض بين طبقة نموذجها الواضح 
«حمود العود» وأخرى نموذجها الواضح «فارس» وأخته «موضى». والكاتب 
إنما يصور ميوعة الظرف التاريخي لهذا الصراع» وعزلة مواقفه المتداخلة 
مع تخلف الوعي الاجتماعي. فالمجتمع الكويتي يفتقر إلى وضوح الصراع 
الطبقي. ذلك أن الطبقات الاجتماعية «باعتبارها مجموعات خاصة فسيحة 
الأرجاءء تمثل عالما تقوم وحدته على خاصيتها فوق الوظيفية؛ ومقاومتها 
لنفاذ المجتمع الإجمالي فيهاء وتعارضها الأصلي فيما بينهاء ”'ء هذه 
المجموعات لا تظهر حسب تحديد «جورج جورفتش» المذكور إلا في 
المجتمعات الإجمالية المتطورة في الصناعة؛ والتي تتقدم فيها الوظائف 
الاقتصادية؛ ووسائل الإنتاج. والمجتمع في الكويت والخليج العربي لا يتضمن 
من ملامح تلك المجتمعات شيئًا. إنه مجتمع استهلاكي؛ لاعقلاني» تقوم 
أنشطته الاقتصادية على الخدمات.وتجارة السلع الاستهلاكيةء وأنماطها 
الوسيطية: ولذا فإنه مجتمع تفت الحياة المادية فيه على مصراعيها لتقبل 
المظاهر الجديدة؛ في حين ينغلق الوعي الاجتماعي (الثقافة والأفكار) إلى 
حت الجمود. 

وفي هذا المجتمع تختفي الطبقة العاملة وتزداد رقعة الشرائح البرجوازية 
لتعكس تناقضاته الجوهرية رغم قناع الثروة. ومن هنا فإن صقر الرشود 
ينتزع نموذج الصراع الاجتماعي» من طبيعة الظرف التاريخي الراهنء بحيث 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


إنه لا ينمذج الطبقة بمعناها في المجتمع الصناعي المتطورء وإنما ينمذج 
معناها في المجتمع المتخلف. فالأب «حمود» يعكس ارتهان الطبقة المسيطرة 
بنفوذها التجاريء ومكانتها القبليةء إنه صورة للنموذجية السائدة» سواء 
في نظام الحكم أو في مجمل الأشكال المتحالفة معه. أما «موضى» مع 
«فارس» و«عواطف» فإنهم يعكسون الذات المغايرة: أو الاتجاه الطبقي 
المغاير في المجتمع. 

وبما أن الكاتب لا يرصد الحالة المتبلورة في صراع الاتجاهين السابقينء 
وإنما ينصت لذبذبات التغير في حالة من التخلّق: والتكوين التي لم تنبئْ 
بعد عن واقعهاء فإن جوهر المغايرة بين الاتجاهين سيظل أقرب إلى المغايرة 
في طبيعة الوعي الاجتماعي. بحيث أن الصراع مع «حمود العود» لن يكون 
حول مركزه التجاري» ومكانته الاقتصادية: وإنما سيكون حول أفكاره وثقافته. 
وهذا الضرب من الصراع أكثر جدليةء وأوغل في صميم الشكل المسرحي. 
والسؤال الذي يمكن طرحه الآن هو: كيف يحدد الرشود ميوعة هذا الصراع 
وما هي إشكالاته في مثل هذه المسرحية ؟. 

جوهر هذه الميوعة تكشفه؛ النظرة الجدلية التي يتوجه بها صقر الرشود 
نحو هذه المشكلة, فهو سيعترف بحق كل من الجبهتين المتقاومتين في البقاء 
وسيقرٌ لهما بنوع من التوافق والمسايرة. أما وسيلته في ذلك فهي إعمال 
الصنعة المسرحية في بناء شخصيات تتوازن مع اتجاهات الصراع 
الاجتماعي. وخطوطه بدقة وإحكام. ومن أجل متابعة هذا البناء يمكن 
البدء بشخصية «حمود» الذي نراه نموذجا حقيقياء منتزعا من وجود الطبقة 
البرجوازية التجاريةء ذات الامتداد القبلى. وتمثل هذه الطبقة فى الكويت 
ا رفن الاسر ااا افا او ااه ننه فك الا روود 
في مسرحية «الحاجز» يعكس موقفها من التغيّر إنه ينحاز لحتمية التقليد. 
والمشافظة على اللغانة ال اة وهف افا للفظور: ولكنه يعبر انها 
عن حيرة شديدة من مشكلة ابنته «موضى» لا يجرؤ على المجاهرة بهاء لأن 
الجهر بها قد يطيح به. فما الذي يجعل موقفه على هذا النحو 55.. إنه 
الإيقاع المتسارع للتطورء والإحساس الغامر بالزمن؛ فهو شخصية نابضة 
بالحياة: زاخرة بالعاني المسرحية: رغم سلفيته. إنه يشعر بوطاة الحاضن: 
وتملك الماضيء ولذا تخلق جديدات الحياة المتطورة حساسية شديدة في 


124 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


نفسه» يتلقاها بهذه العبارة البليغة الدلالة. 

إل يدولها كمس هراك کیا ر اا فرظا ويا عاك كر 
التطور التي يدعو إليها ابنه «فارس.» ويقولها حين يستبد به التنكر من 
سلوك ابنهء وخاصة حين يدرك بان «فارس» يعلّم أخته الرقص. ويقولها 
حين يبدي ابنه تبرمه من التجارة:» التي فرضها عليه؛ ثم يقولها حين يرفض 
الال شتات ولا وتو ا هی ا الخيرا كن نهانة 
اللمريدية حن يراج ثزرة آنه الى لم يعد قادرا على مايه امود ف 
الأسرة. 

ومثل تلك الحساسية المناقضة للتطور ستحدث ردة فعل عنيفة فى 
موقف الآب من مشكلة «موضی» التى أحبت این الأسرة «البيسرية»» لأنها 
ستخل بأعز المثل في وعيه الاجتماعي؛ وهو الأصل القبلي» بل إنها ستهدد 
وجوده ومكانته كما يقول بنفسه: 

«حَمَلَتَهَا عودة تَبِيّنا ضيّع.. 5 بَتَسَوٌينًا مثل الحمام الدشي اللي ماله أصل». 

ولا شك أن ذعر الأب من المساس بتقليد الأصل القبلى لا يرجع إلى 
شكرة الساقصن رين الأجال راا يرجم إلى الشعور القوى بالأرستفراظية 
الطبقية؛ لأن زواج ابنته من «علي الخراز» سيفقده الجانب القوي في هذه 
المكانة. وهو يصف موقفه المحافظ على هذه الأرستقراطية حين يقول 
لابنته: 
«تَدَرِيّن اليوم اکر فلي يوم جائي هذا. . هَاللّي دازته يَخَطبك.. 
الحفيّز كلّه متروس في أجاويد وخَلّق. من تِكَلّمَ عنّك كلَّهُم قاموا يطالعوني 
دكني العَرَق.. ماكثي على وَجّه الأرض.. هاللي دَازته ما فيهم واحد ما 
يَعَرَقَةَ. . تدرين شيَشْتَفُل جده فنل. . صغَارٌ. مكرك ا . الله أكبر.. قلي 
نا الدنيا حدر فوق 3 

ولا يخفي النزوع الطبقي عن هذا المنطقء لأنه يؤكد على حتمية الإذعان 
لأرستقراطية «الأجاويد» ورفض المساس بفكرتها الراسخة. بل أن الموقف 
السايق للا يدون و السونة ولا ج مع ات ارارق ا 
«حمود العود» نفسه حين يقول: 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


«أهّل هالَوقت إِخنا ويّاهُم مَيَوّدين حبل لِينٌ شّدٌوة رَخِيئاه ولِينَ رَحُوةَ 
شديتاه. تحمّلي.. تحملي يَنُقَطّع.. حُوَهْن ينق وتِنّدَمرٌ الدنيا ناخذ وئعطي 

ومثل هذه السوية التي يتذرع بها «حمود العود» أكثر من مرة في المسرحية 
تناقض سلوكه؛ المتطرف مع ابنته «موضى» وابنه «فارس» فالأولى يحول 
بينها وبين الزواج الذي تريده» والثاني يحول بينهء وبين الحفلة التي يريد 
إقامتها لأصدقائه في وسط البيت. وعلى الرغم من هذا الموقف» فإن 
الكاتب يسرّب إلى هذه الشخصية حيرة لا يجرؤ على التصريح بها. إنه 
ينكفئ عليهاء رغم أنه يفصح عن أسرارها مع زوجته «نورة» ومصدر ذلك 
يكمن في ضرب من النزعة الإنسانية التي يعبر عنها «حمود العود» والتي 
بعثت في داخله إحساسا بعدم الجدوى من صد موجات التطور. وقد أعد 
صقر الرشود لتمثل هذه النزعة بفكرة غاية في الذكاءء وهي أنه جعل الأب 
يقر بالحركة الأمامية للزمن التي تعني بالنسبة للكاتب» أن حتمية التطور 
أو التمردء إذا كانت تمثل مظهرا ثانويا في التناقض مع حتمية التقليد أو 
الانقياد. فإن ذلك لا يعني أن هذا المظهر الثانوي لا فائدة منهء وإنما يعني 
بأن المستقبل كفيل بإحالته إلى المظهر الرئيس بحيث سيؤدي انتصاره إلى 
تغيّر كيفي هائل. وهذه هي الفكرة التي ستنمو معها شخصيات المسرحية 
جميعها في الفصل ال ونخاسة الا 

لقد كان «حمود العود» في الفصل الأول يبدي تذمره من الزمن الراهن, 
ولكنه منذ بداية الفصل الثاني يبدو أمامنا شخصية يتوحد في داخلها 
خليط من الشعور بدينامية الزمن» والإحساس بالحيرة والتخاذل أمام 
معطيات التعقل؛ ففي حوار طويل بين أفكاره» وأفكار زوجته «نورة»» يكشف 
عن جانب من التنازلات التي بدأ يقرٌ بها دون أن يعلنهاء أو يمارسها. فهو 
يرد على زوجته التي تحرّضه على التشددء وتزويج «موضى» من ابن عمها 
بالقوّة. فيقول: 

«أخ.. . القت أهُو البَلّوي.. وَكَتَهَا مب وَقَّت عْصُّب.. زَمَانَهًا غير زمانًا.. 
نَظَلِمّها يا أم فارس». 

وبذا فإن «حمود العود» يقر بأن الظرف الزمني يتخطى موقفه السابق. 
إنه ظرف يقتضي وجود الإختيار الحرٌ وليس استلابه. ولذا يعتبر من 


126 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


الظلم إكراه «موضى» على الزواج بمن لا تحب.. . ولكن إلى أين يقود هذا 
الإقرار 5. إنه يقود إلى الحيرة التي يعبر عنها بقوله: 

«لا آقدَرٌ آعطيها اللي آثيه.. ولا آقَّدَر آعطيها اللي تبية تبية 

مثل هذا الموقف الحائرء يآتي حصيلة تنازل رس من ن الأب يبديه 
للزوجة وحدهاء حين يظهر لها تعاطفه مع ابنته «موضی»» وخوفه عليهاء 
ثقته باتزانها . فالأم تتوجس الحذر من أن تهرب ابنتها مع «علي الخراز» 
5" الأب يؤكد على أنها لن تفعل ذلك لأنها ابنة «أصل». وحين ترد عليه 
بأن أصلها لم يردع جانب حبها لعلي الخراز يقول: 

«لي حَبّتّة [ِكَفَرتَ ؟النفس تِهوّى.. تعشق... ما يرِدها أحد.! » 

ولخ يعض خود المرب عن خد اما سحت اله بصورة سكين 
بموقفه السابق. الذي قال فيه: (ما آرَضاها لو علي فص إِرَقُبتي.. . الخ) 
وإنما يتعدى ذلك إلى التشكيك في قانونه القبليء الذي يتمثل لنا في كثير 
من مواقف الحوار بينه وبين زوجته. 

وتكشف هذه الشكوك التي تبزغ في أفكار «حمود العود» عن التنازل 
المؤقت. وغير المعلن. كما تدل على اختباء نزعة إنسانية أثيرة وراء أقنعة 
الطبقة المسيطرة؛ ومعاييرها الجامدة. ولكن رغم هذه النزعة فإن «حمود 
العود» يتركنا أمام مشكلة واضحة؛ نجدها في ازدواجيته. ذلك أن تبدل 
الموقف الرافض إلى موقف متنازل متشكك في ذرائع التطرف الجامد» 
عملية لا يصحبها منطق مقبول» ونكاد نقول إنه تبدل مفاج لا يتناغم مع 
الدائرة السلفية التي يكاد صقر الرشود يغلقها حول شخصية الأب طوال 
الفصل الأول. فما الذي يسؤغ تبدلا كهذا ؟ هل هو نمو الشخصية: أم 
الانجذاب نحو المفاجأة المثيرة للتأمل 5 آم غير ذلك كله.. ؟ 

نعتقد أن هذا الإشكال تنحصر ذريعته المسرحية الخالصة في الجدلية 
التي لا يدعها صقر الرشود تغادر الخشبة المسرحية. فالمثل الأعلى الجوهري 
الذي ترتكز خلاصته في شخصية «حمود العود» لا ينفي» رغم انتصارهء 
فكرة أن المستقبل غير كفيل باستمرار هذا المثل أو انتصاره. فهو يثبّت 
مواقعهء ولكنه ينبىّ بنقيضه. ومن هنا فإن موقف «حمود العود» الذي يقر 
بالشك في التقاليد؛ والمعاييرء ينطلق من مبدأ حتمية انهيار النظام القديم» 
وزوال مثله العليا. فهو إذن نذير بالموقف القادم من وسط الموقف الراهنء 


127 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الذي يعارضه تمام المعارضة. 

ومن ثم يزول الإشكال السابق لأن «حمود العود» سيدع شكوكه للمستقبل 
وحده.. . بينما سيخلص لوقفه الراهن الذي يرفض فيه زواج «موضي» من 
«علي الخراز». إنه لن يتخلى عن ابنته خوفا على ضياع مصالحه» تماما كما 
يقول لابنه الذي أراد أن يقنع أباه بتزويج «موضي» ممن تحب: «نضيع 
إحنا.. . يتبرون مثا أقاربناء يعادوئًا كلهم.. يا بوك نساير الوقت..» فهو 
غالبا ما يرد مفردات الضياع والخسران» وعدم الربح» والنزول إلى «ساير 
الناس» حسب التعبير الشعبي. 

والحق أن شخصية «حمود العود» حين تتشبث بهذا الموقف تجمد في 
مشهد الانتظار والترقب السلبي. لقد بدأت ترفض حتمية التطورء وتتمسك 
بالتقاليد القبلية. ومصالحها الاجتماعية؛ ثم استظهرت شكوكها وتنازلاتهاء 
وأخيرا لم تجد غير فكرة مسايرة الوقت التي تعؤل على الإرادة غير الواعية 
في التغير.. . وفي ذلك سر جمودهاء وافتقارها إلى عنصر التنبؤ الخالص 
الذي تتميز به أغلب شخصيات الرشود في أعماله المسرحية. فالشكوك 
الداخلية السابقة لا تقوم بوظيفة الدفع اة «حمود العود» القهرية أو 
إضعافهاء وإنما تقوم بوظيفة العنصر التنبئي» غير الواعي» الذي يرتبط 
بفكرة الحركة الأمامية للزمنء وأن التغير مسألة متحققة دون التمردء 
وقسوة الثورة. 

ونعتقد أن شخصية الأم «نورة» هي الامتداد العمودي لتزمت الأب 
ولموقفه المغلق. فقد جعلها الكاتب تشبع الجانب الذي يتطرق إليه الشك في 
سلوك الأب مع ابنته «موضي .» فبينما يسرف «حمود» في الإعلان عن حب 
ابنته. وإظهار المعاملة اللينةء والإعجاب الأبوي برزانتهاء والزهو بتعقلهاء 
تكون الأم «نورة» عكس ذلك تماماء بحيث تتخذ الموقف. الأكثر تشددا مع 
«موضي». فلا تغفر لها علاقتها البريئة مع «علي الخراز» بل تقسو عليهاء 
وتطلق المشاعر النابية من تصرفهاء وتردد قولها: «إما أن الله يتر عليك, 
وإلا إنه ياخذك» لتعبر عن نقمتها الشديدة؛ وموقفها المتعنت. 

ويظل الموقف المتعنت للأم صوتا يوقظ الجانب المتسامح في شخصية 
الأب» لدرجة أنها تقول أمام الأب مخاطبة ابنتها «موضي:< «آه يا ليتني 
أبوك مُب أمك» لتعيد بناء الموقف المتشددء وتبقي تصميم المركز الأبوي 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


على تنفين السلطة الكابحة للارادة الفردية. ورغم أن الموقف المتعنت للأم 
لا يثير المخاوف من تبديد سلطة الأآسرة؛ والإخلال بمكانتها الأرستقراطية: 
إلا أنه يعبر عنها بصورة غير مباشرة. فالآم التي يفرزها المجتمع التقليدي 
في الخليج العربي. هي التي تحمل حساسية التلاشي مع الولاء للآخرين؛ 
بحكم أن وقوعها تحت سيطرة الرجلء يجعلها متماهية بقوتهء مقرّة بتفوقه 
لأسباب دينية واجتماعية. ولذا فهي غالبا ما تحتفظ بالموقف المتعنت في 
حالة ما إذا استعادت صورة التلاشي من خلال زواج ابنتها-وليس ابنها-. 
بمن لا تقر له بالتعاطف. 

وقد استجاب صقر الرشود لتلك الخاصية السوسيولوجية في شخصية 
الأم. فصاغ منها شخصية واقعية سواء في حوارها النابض بخصوصيات 
مشاعر النساءء أو في ارتباطه بالسلوك التلقائي. وعلى هذا فإن «نورة» 
ستذكرنا بأم الفتاة في مسرحية «تقاليد» التي رفضت أن تزوج ابنتها لابن 
الأسرة الفقيرة» رغم انتمائه إلى أصل قبليء ورغم انتماء هذه الأم إلى 
الأسرة البيسرية. ذلك أنها تعبر فى موقف كهذا عن خوف من تلاشى 
المصلحة الاقتصادية للأسرة. وهو اشرق المشترك بينها وبين الأم 955 
في مسرحية «الحاجز». وكل ما هنالك أن هذه الأخيرة تتذرع بفكرة التقاليد 
القبليةء وتتقنع بها. 

وحين ننتقل إلى الذات المغايرة لاتجاه الأب والأم سنجد أمامنا «موضي» 
و«فارسا» و«دعواطف»وهي شخصيات تنبئّ بظهور طبقة جديدة؛ تتميز 
بعقلانيتها في امتلاك إرادتها الفردية. بيد أن خطواتها تتواقت بالمصير 
الذي يقرره الأب والفلسفة التى يواجه بها حركة التغيرء وهى «مسايرة 
الوقت» واتباع «سلك الديرة» ا خلط «الحابل بالنابل» الذي يعني عدم 
التزاوج بين الأصيل والبيسري. إن هذه الشخصيات تجمد مع جمود الأب 
وتترقب» وتنكفئ مع العزلة التي يفرضها. رغم أنها طوال المسرحية تصوغ 
لنا أيديولوجية مغايرة لأيديولوجية «حمود العود» و نقيضه لها تماما. 

إن حب «موضي» لابن الأسرة البيسريةء ورفضها لابن عمهاء يعني 
معارضتها للقانون القبليء والسلطة الأبوية. إنها تنطلق من إرادتها الفردية 
حقاء ولكن لا تجد ما ينضج هذه الإرادة في الظرف الاجتماعي الراهن. 
ومن ثم تختار العزلةء والإذعان إلى فكرة «مسايرة الوقت» والعزوف عن 


120 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الزواج ممن تحب بإرادتهاء أو ممن يفرض عليها. وهذا الموقف. قد لا 
يرضي جماع السلطة المتمثلة في الأب والأم؛ ولكنه لا يغضبها أيضا. لأنه لا 
يخرج عن فانونها . 

وی كان مرب ق وت عاو جر الاي جين العوفاه: 
لأنها تعارضه»ء وتسايره» وتخرج عنه ولكنها ترتد إليه أيضاء وهي علاقة 
يصورها الرشود بدقة شديدة: لآنه يجعل لها جذورا في وعي الشخصيتين. 
فالأب-مثلا-غالبا ما يتمثل صورة أمه المتوفاة في ا ری لأنه أطلق 
عليها اسمهاء ووجد فيها مثالا للتعقل والرزانة والهدوء. وهذه صفات تصدق 
فى فة ومون وز يك مكل تمردها الاح معا بالشكل 
القشري. وليس أبلغ على تواصل الوعي بين «حمود العود» وابنته من موقف 
كل خليها حول ا کی ا كلكو نس وكيز من بان التقارى ی 
بخ وحلان سرك مق هذا التقلين بها اة كار ها ون 
له: 

«مُب من طَّقّ طّبله قال آنه قبّله.. مب کل شىء نشوقه إنُسّؤية..»04 

وغلى هذا النحو قإن «موضيء لا تخلو-منذ البداية-من كوتها امتدادا 
نوصي آبيهاء وقلاشيا في علطت ونم كان متها فى تهاية السارحية 
سط مقا مع ماوكا الجدلية يدم ذلك انها تعاسبر اة كنيبية 
بعزلة الأب. وهي عزلة الانتظار والترقبء وإرجاء التغير إلى تقادم الزمنء 
وعدن الترض رن ارا وجا سد من أجل إقناقها او على سا 
اا راكوا كد هن حالة رومااسية يحكظ فيا الانتعاض بالك ازن 
الت وال ع ا ران الحرية التو والدواكل في 
توائهنا على الآخرين مع الاقتصبار على رهز روماتيبن لتقمل اللؤدي إليها: 
وو «الحياكة التى ودف كي ههلا تع ااي واسقياق الزن 
ومخضوضيا ن اتر ايا رهظ ومع وا اة بقاملة ا وراد 
الحاجز الزجاجي في صالة البيت. 

وادل شخصية قاوس تضلع أن تكو فة ابلا تاح رورت بحت آنا 
تمثلان جانبا في صنعة التوازن بين القوى المتصارعة في هذه المسرحية, 
تلك الصنعة التي يمكن ملاحظتها بين شخصيات المسرحية؛ ومواقفها. 
فكما كاه ووک با اها ساعد ااا ل وهو هيو إن 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


«فارسا» في خطواته من السطحية إلى التطرفء إلى الانكفاء والعزلة, 
مقابل لأمه. التي كانت في بداية المسرحيةء امرأة عاجزة عن السيطرة على 
ابنتيها لدرجة لا تسمع البنت الصغرى «عواطف» لها أمرا. ثم ما لبثت أن 
اتخذت الموقف المتشدد . وانتهت المسرحية أخيرا-بموقف ليس من صنعها. 

ولا تختلف الخطوات السابقة للأم عن خطوات «فارس» فهو الابن 
«الذكر» الوحيد في الأسرةء حظي باهتمام الأب من أجل احتوائه في عالم 
التجارة التي درسها في الخارج» رغم اختلاف ميوله عنها. وأمتثل للكثير 
من مظاهر التطورء بحكم تقافته الآوروبيةء ولكنه منذ بداية المسرحية يبدو 
عاجزا عن التغييرء فهو لا يستطيع إقناع والده بحتمية التطورء أو بجدوى 
تعلّم الرقص. ولكن رغم ذلك فهو يمثل مضموناء فصيحا للأيديولوجية 
الدالة على مدى تقبله لأفكار التمرد على الأرستقراطية؛ والرفض لقوا نين 
الأسرة «الحمولة» ومعاييرها. 

إن أكثر ما يتميّز به الموقف الذي تختطه شخصية «فارس» هو التلقائية, 
ونعنى بها جرأة الإفصاح» وعلانيتها الصريحة؛ وتفاصيلها المتوالدة دون 
تخطيط. ففي البداية يكشف «فارس د عن شعور واضح بعدم سويّة الواقع 
أو «سلك الديرة» لتتصاعد من ثم علانية هذا الشعور فتصبح تأكيدا على 
خطل الحياة وانحرافها. والوعي بهذا الشعور لا ينقصه الوعي بمطلب 
الاتجاه الصحيح في الواقع؛ وأدراك أزمته الجوهريةء وهو غياب الحرية 
الفردية التي تعنيها عبارات «فارس:< 

«الواحد مب خُر مع نفسه.. . إما يتَبّع هواه وينّجَحَ. وإِلاً إذا عاكس هواه 
يصيع .2 . 

إذن فإن «فارسا» يعبر عن مبدأ صريح» جازم» رسخ في الكثير من 
المجتمعات من خلال ظهور الطبقة المتوسطة التى حملت لواء الدعوة إلى 
الحرية الفردية. وفي هذا الا تتموهر رغ الاقصال عر الظيقة الشجارية 
«القبلية د التي ينتمي إليها «فارس.» وقد بلغت قدرة الكاتب على تصوير 
هذا الجوهر حدا بليغا حين أصبحت العادة السلوكية التافهة «التونون» 
مجالا للتعبير عن الصراع بين السيطرة (الأب) والفردية (فارس). أما لعبة 
«الخشيشة» أو «الصادة ما صادة»!*'' فهي الصورة التعبيرية الموحية بالمواجهة 
القائمة بين رغبتي السيطرة والفرديةء والحرب الناشبة بينهما. ولكن هل 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


المواجهة بهذا القدر من التكافؤ. والتوازن الذي تعنيه تلك اللعبة بإيحائها 
الذي يحيل طرفي المواجهة؛ أو رغبتيها إلى لعبة تدور بين الاختفاء والظهور, 
المبادرة والإجفالء التمسك والتفريط 5.. 

إننا نراها غير متكافئة على خلاف ما توحى به الصورة السابقة التى 
هنا ونها رقاو اقم المدوؤلك ات بطل عنمن الأب وا كر د 
محاصرة بالعجز. ورغم أن الأب يحاصر بعجزه أمام حتمية التطور إلا أنه 
ليس كعجز أبنه؛ لأن الأول قادر على صنع موقفه الراهن بمركزه الأبويء 
ونفوذه الطبقيء بينما يفتقد «فارس» هذه القدرة. فهو حين يدرك حاجته 
إلى الفردية المفقودة لا يقرن ذلك بآي موقف إيجابيء وإنما يقول لأبيه 
الذي يسأله عما سيفعل بعد ذلك: 

«والله فكرى خالى.. الْحين ما يشتغل.. متوقف». 

ويساتمر جمود «فارس» وتوقفه. وعدم جديته» بحيث أصبح كلامه بالنسبة 
لآبيه «خرابيط» وبالنسبة لآمة «عبو» لآنه لم يكن يسلك طريقا منطقيا 
مؤديا لإقناعهم بأفكاره الجديدة. ومع ذلك فإن الرشود يقلب هذا الموقف 
بصورة درامية. فيخطو بشخصيته نحو التمّرد بعد سلبيتها السابقة. لآنه 
حين وجد نفسه غير قادر على إقامة الحفلةء أو تحقيق أي اختيار حر في 
البيت يندفع إلى مقاومة التبعية بمفرده حين يقول: 

فارس: قلت لك هذى استعباد.. .آنا آروح می ما آبّى آروح وآمشي في 
أي وقت يُعجبنى... مدرسة فَرَصْتّهًا علىّ.. إل التجارة.. إلا التجارة.. . وما 
بيني وبينها التجارة صلة إلا أنَّ أبوي تاجر.. تستَخَدمنَى لمصلحتك '». 

لقد أقترب فارس كثيرا من نموذجه الطبقي؛ ونوال سلوكه الفردي 
المقاوم. ولعلّه هنا أكثر تنبؤ بانتصار طبقة جديدة تحقق انفصالها عن 
التبعية للنظام القديم» وتنال حقوقها الاجتماعية دون وصاية مباشرة من 
أي طبقة أخرى. ولكن هذا لا يعني أن الرشد يقدم «فارسا» على أنه 
شخصية من النمط الثوري. إنه يصوغ تمرد أفكاره؛ وتبرّم مشاعره دون أن 
يرتقي به إلى ذلك النمط. 

وكما أن موقف الأم المتشدد لم يكن صانعا لنهاية المشكلة؛ فإن موقف 
«فارس» المتشدد لم يصنع شيئا لذات المشكلة. ذلك أن عصيانه السابق 
لأبيه لم يغير جوهر المشكلةء فهو لا يستطيع إقناعه بإقامة الحفلة؛ ولا 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


يستطيع إقناعه بضرورة تزويج «موضى» ممن تحب. بل إنه لا يستطيع 
إقناع أخته-نفسها-بضرورة الوقوف معه في مواجهة الأب كي تنال اختيارها . 
ولذا يقع «فارس» في عزلة؛ وتتحول أقصى معاني التطرف لديه إلى ضرب 
من التحمز أو الترقب غير المستقرء لآنه بدأ يشعر بالاغتراب في بيتهء كما 
يقول لأخته: «ما بلاقى لى مكان.. . إنت ما إنت معأى.. .« فن ت صلابته 
تفقد حدتها حين يصرف بصره عن لحظته الراهنة إلى فكرة «المحاولة» 
وإن «بالإمكان ترك أشياء» التي تعني في جانب ما.. «مسايرة الوقت» 
وترك الأشياء الممكنة للزمن الكفيل بتغييرها. والموقف الأخير لفارس في 
نهاية المسرحية سيكون موحيا بوضوح هذا المعنىء لآنه ينزوي في غرفتهء 
ويبدأ بتشغيل الموسيقى في الوقت الذي تستلم «موضى» رسالة من حبيبهاء 
ثم تنسدل الستارة مج انتهاء هذا الحوار: 

«فارس: شْنَّهُوّها الّمكتوب ؟ 

موضى: مِنّ عَلىّ.. هاللَىٌ في حجرتك شْنْهئ ؟ 

فارس: موسيقا ..». 

ونعتقد أن فكرة التوازن» وصنعتهاء تبلغان ذروتهما في هذه النهايةء فقد 
استعاد فارس هدوءه مع صوت الموسيقى» وأصبح الموقف مليئًا بإشعاعات 
الترقب و «موضى»التي سايرت أباها لا تزال تبقى علاقتها بمن تحب» 
وتستلم منه رسائله. فهما ينتظران أو يلتقيان في محطة واحدة. وهما 
يتحفزان نحو مستقيل واحد.. . ويتطلعان إلى حركة واحدة من التغير. 
وليس «المكتوب» أو «الموسيقى» إلا رمز الخيط الدقيق في بقاء الاتجاه 
المغاير الذي تنبئ به شخصيتا «فارس» و «موضى» .ذلك الاتجاه الذي لا 
يدل على صراع الأجيال؛ بقدر ما يدل على إرهاصات ظهور الطبقة الجديدة, 
وانتصار مثلها الأساسيء وهو الحرية الفردية. 

إن العنصر الدرامي في شخصيات هذه المسرحية يكتسب قيمة مأساوية 
في جوانب من تجلياتهاء وخاصة حين ترتفع حساسية الخيال الفني إلى 
الحد الذي تبلغ فيه مرحلة الإحساس الواعي بالمشكلة المؤسية. فالابن 
«فارس» يبدو على وعي بآن مشكلته إنما تنحصر في وجود الحاجز 
الأيديولوجي بينه وبين أبيهء فيقول: 

«اللّى آفهّمه تقتبّرُه خرابيط واللّى تفّهِمّة إِنْتَ آعتبره آنا خرابيط؛ إهنية 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


العلّة. وإهنية المشكلة؛ بيّنا شَّىّ يَقَّصلنا بالنص.. زمن.. مكان.. طّوفّه.. 
مادرى.. . إِهُوَ اللّى يخلّى مفهومي يتحول في نظرك إلى خرابيط؛ وبالعكس. 

أما الأب «حمود» فيحدد وعيه بالمشكلة من خلال مداخلات الجو النفسى 
البازغ كي #خسيطة, إت مشدود إلى موقف يخلصى فيه لأرستفراطيحه, 
ومشدود أيضا لفكرة «مسايرة الوقت» ولذا فإنه يرسم ظرفه النموذجي 
الراهن بقوله: 

المجنون مجنون والمطيور مطيور واللَّى سِلَمَ واللّ ىضيع ولده جحد 
عادات أهله وجدانه وكرك رقصهم وتعلّق بالشيطان. ولا إحنا قوق ولا إحنا 
خر ماعن ا لا كو اتر وله لمعه 

والآب مو فى تسود الشغلة غلى التو السابق لأت توج قفر ان 
يتعايش مع مثلين. أو نظامين اجتماعيين: النظام التقليدي القديم» الذي 
تنتصر فيه معايير الجماعة؛ وتقاليد المكانة المتحكمة في المجتمع. والنظام 
الجديد الذي ينذر بانتصار الطبقة البرجوازية المتوسطة. وتتوزع هذه المعايشة 
ملامح الانقسام والحيرةء وعدم الثقة بانتصار أحد النظامين. حتى ليبدو 
الجميع دون استثناء في وسط بينهماء كما لا حظنا من التحليل السابق 
للشخصيات: عند ما كانت أفكار الأب تقر بجائب من أمكان «فارس» و 
«موضى»» والعكس أيضا. وهذا يعني بأن أيديولوجية المجتمع الكويتي في 
هذه المسرحية معلقة؛ لم ينفذ إليها حسم واضح في ظرفها الراهنء وهو 
الظرف الاجتماعي الذي اختصرته صورة «الملألة»” كما عبر بذلك «حمود 
العود» 

والابن «فارس» محق أيضا في تحديد المشكلة بوجود الحاجز بين 
اتجاهين متعارضين في الوعي الاجتماعي. ومنفصلين بحكم ظرفي الزمان 
والمكان» كما أفصحت عن ذلك عبارته: «بيّنا شىء يَمُصلنا بالنص.. . زمن.. 
. مكان.. . طوفة.. . ما آدرى». بيد أن هذا التحديد من الجوهرية بحيث 
بات يستقطب جماع رؤية الكاتب وينتزع أدق معاني الحسّ الطبقي. وآية 
ذلك أن صورة «الملالة» السابقة لا تتنامى في ذهن الكاتب» أو في قالبه 
الدرامي؛ بقدر النمو الذي يصاحب فكرة «الحاجز» حتى إن الكثير من 
الجمل التعبيرية الموحية في الحوارء تنتزع مباشرة من هذه الفكرةء ومن 
اشتقاقاتها النامية. 


134 


جدلته الحواجز الدراميه فى تقاليد الأسرة 


ور د كإن اكات يمل ادق وسائله السرحية من أجل يران اتاج 
على آنه الرمز الدراميء الذي يصاحب نمو الفكرة وتكائف المعاتي خولها: 
وتكنيك هذا الرمز عند «صقر الرشود »ينطوي على تأثر واضح برموز «هنريك 
أبسن» كالبطة الجريحة فى «اليطة البرية» والمسدس کی «هيدا جابلر» 
والسراج الذى تنيره «نورا «( قفَئ «بيت الدمية»» واليحر فى «حورية البحر». 
وكأن الكاتب قد استوعب بقدرة جيدة مرحلة الكاتب النرويجى: التى جمعت 
بين الواققية والرهز بار ها .هما جاه ياص لهاك مسرحية الا 
بصورة ملحوظة. ولعل قدرة الاستيعاب» والتمثل هى التى جعلت الرشود. 
يصوغ رمزه بدقة محكمةء وتلقائية أصيلةء تفوق غيره من الكتاب المعاصرين 
له في الحركة المسرحية. والذين حاولوا مثله اقتحام أسلوب الرمز الدرامي 
كحسين الصالح في مسرحية «اشرأيكم يا جماعة»»ومحمد عواد فى مسرحية 
«كرسي عتيق». 
الذي تجول فيه شخصيات المسرحية فحسب. وإنما في قدرته على تكثيف 
عالم الأفكار. وتعميقها إلى حد التركيزء والتصوير الشعريء الذي جعل 
ال اى جل ال ارا هر وو اة السرا يحت ا 
وهناك سمة أخرى في استخدام الشباك الرجاجي رمزاء وهى أنه يقوم 
بدمج مشكلتي «فارس» و «موضى»: وتوحيد هاجسهما بصورة عضوية. إن 
«موضى» تستلم رسائل حبيبها «على» من وراء هذا الشباك. ولذا تكون 
دائمة التعلق به والنظر إليه والانتظار بجانيه. أما «فارس» فلم ندرك 
أهمية الشباك بالنسبة إليه إلا حين أراد الاحتفال مع أصدقائه في البيت: 
لأنه وجد ضرورة فتح الشباك للحصول على مكان يتسع للحفلة. بحيث 
مشكلتها مع مشكلة أخيها في هذا الشباك» حين تقول: 

«الشبّاك ما انْفَتَحَ وإلاً كان ما صأر مشكل.. حامئة بأن هالشباك يكُوّن 
لنا شىء مُّهِمْ.. بى تفّتحه للحفلة وأنا بَفْتّحه للحفلة... أنا وأنت واحَدَّ 


أحد قادر...». 
وبإمكاننا أن ندرك معنى الرمز في هذا الشباك الزجاجيء فهو الحاجز 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


غير المرئي للعزلة التي يفرضها الوعي الاجتماعي الجامد.ء المتمثل في 
«حمود العود» بعد أن وقف حائلا دون قيام الحفلة» وزواج «موضى» ففي 
انفتاح هذا الشباك يتمثل خروج «فارس» و «موضى» نحو الحرية الفردية 
التي تراءت مثلا وخلاصا لهما طوال المسرحية. وفي إبقائه مغلقا إبقاء 
لهما في العزلة والعجز والسلبية. 

وليس من الغلوٌ بعد ذلك كلهء القول بارتباط تجسيدات الجمع بين 
الواقع والرمزء وتفاصيلها المحكمةء بقدرة الكاتب على انتزاع ما هو درامي 
في تقاليد الأسرة ومعاييرهاء التي تحكم طبيعة الوعي الاجتماعي بين 
أفرادها. ولعل أبلغ مظاهر موهبة الكاتب لا تكمن في إبداعه للعنصر 
الدرامي الواقعي من خلال نموذج الشك في تقاليد الأسرة المتغيرة فحسب, 
وإنما تكمن في قدرته على إحالة فكرة الشك في التقاليد إلى تجسيد 
مسرحي خالص. يشم بجلاء بالنزعة الإنسانيةء دون المشكلة المحلية 
وحدها. مما جعل التناقض الجوهري بين النظامين المختلفين للوعي 
الاجتماعي) التقليدي والفردي (صورة شاملة لظرفين اجتماعي وتاريخي 
في مجتمع الكويت والخليج العربي. وقد أغرى النموذج الدرامي الذي أتى 
عليه صقر الرشود عددا من كتاب المسرحية المحلية' ولكنهم لم يبلغوا 
ما بلغه. سواء في وضوح موقفه الفكري» أو في نضج رؤيته المسرحية بشتى 
وسائلها المجسدة للمشاعر والأفكار. 


136 


جدلية القوى الدرامية في 
انهيار النظام التقليدي 
للاسرة 


يفف اتو الدرات کی فوت بر ات 
لر ال ومى كاو راب اک 
والخلين» عن الفمواج الدراهى الان اا ما 
کی مسسريديات وق اید وراک والأياي و احاجن 
فبدلا من أن يكون قالب دراما الأسرة المتغيرة منتزعا 
من فكرة الشك فى الحتمية التى تفرضها التقاليد. 
أو لایر سيقو هذا اتیک بنك ا نطب 
الكبيرك:الطين»مشها سن الترغل هي تسن الفكرة: 
ولكن من :خلال الترسيع في انرك اللساوية الح 
فقيل اللمياة الاجكمامية رة بعيث أن 
الذاقع الناق سكف كر القاف: ر كر ساف 
أن کو یی طلى را د 
الغردية مع الفكرة الأولىء أو الرغية قى إتاء التظام 
الاي مع الفكرة الثانية, و بحمو ا 
الد اة سات الولسية وانشكه أو ااه 
والثورة. وستتمو درجة الدافعية الفردية التي تحرك 
شخصيات دراما الأسرة. بحيث که 


137 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الرغبات, والاتجاهات السيكولوجيةء وستحدق بهم القوانين. والتقاليد 
الاجتماعية. وستزج بهم النزعات الإنسانيةء والميول الطبيعية في مهالك 
محققةء وسيكون البطل خليطا من الإثم المركب الذي يعصف به في أكثر 
من اتجاه. دون أن تنجو ذاته من هذا الإثمء لأنها ريما كانت أبزغ الدوافع 
إليه. 

وأمام تعدد منابع الدافع الفردي» تتعدد القوى الدرامية الباعثة على 
سير الحدث في دراما الأسرة المتغيرةء بحيث يرتكز معول النموذج الدرامي 
في المسرحيات التي سندرسها في هذا الفصل على مدى القدرة في بعث 
هذه القوى» ونمذجتها في الشكل المسرحيء ولا نعني بهذه القوى سوى تلك 
القيم؛ والاتجاهات» والأخلاق التي تتبلور منها أفعال درامية واضحة 
التجسيد . بما تتسم به من تطورء وانحياز خالص لجذورها الكامنة في 
السلوك الإنسانى:؛ والأهواء البشرية. حيث لا تنفصل هذه القوى عن الأفعال 
الفرديةء بل إنها كان خالص لها . لأن القيم والاتجاهات السلوكية في الحياة 
الاجتماعية نتاج لتفاعل الأفراد مع هذه الحياة. وحصيلة لقدراتهم الفردية 
المستقلة في خلق إمكانات التغير. 

إن الفرد في سياق ذلك النموذج الدرامي-بما يتبناه من قيم واتجاهات- 
يلعب دورا بارزا في تقرير مصير نظام الأسرة. وحين يصبح الفرد نمطا 
لحتمية ما يتبناهء يتحول إلى إحدى القوى المقذوف بها في المنطقة الدرامية 
المؤسية. لأنه يكون حينئذ النموذج الذي يدخل في العملية الدينامية للتغيرء 
باعتباره متحديا لها بموقف سلبيء أو إيجابي. وهذا ما تقره النظرة 
السوسيولوجية. فالاتجاه السيكولوجي في التنمية الاجتماعيةء يعزي إلى 
الدافع الفردي» أو الحاجة إلى الإنجازء قدرتها في تحديد معدل التنمية 
في المجتمع. وهناك من الباحثين الاجتماعيين من لا يفصل الأفعال الإرادية 
الصادرة عن الأفراد عن العناصر المكونة للقوى الاجتماعية «بحيث يمكن 
القول إن أي فرد يمكن أن يسهم في التغير الاجتماعي» على الرغم من أن 
نتائج هذا السلوك الفردي لا يمكن أن تتضح بصورة ملموسة إلا عندما 
يبدأ عدد من الأفراد في التصرف بطريقة جديدة.»1') 

ولا شك في أن التجسيد المسرحي لأفراد الأسرة المتغيرة» بما يعتنقونه 
من مختلف أشكال التحدي الفردي» يجعل الكاتب في مواجهة كاملة مع 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


حركة المجتمعء كما حدث لصقر الرشود في أغلب أعماله المسرحية. فهو 
يست لشخصيافة أشهالا اا هن الجائب اتر للازادة الشردية: 
بوا الديمغراظي النرجوازي» الاي كرك ار الها عة 
في مجتمع الكويت. كما أنه يستمد لشخصياته-بمواقفه الطليعية-جانبا 
قير د من اللخرية وا یرل .قي الرقمة ایر راق لا 
تخلو من التطرف لدرجة تستدعي معها السلوك المتمرد غير المألوف. كأن 
يبصق الابن في وجه أبيه. أو يضربه. أو أن تقتل الأخت أخاهاء أو أن 
يتبادل الجميع حوارا مليئًا بالاشمئزاز, والاحتقار, والكراهية. بصورة تكشة 
عن معاني الاغتراب الحادة. 

ورغم أن سلوكا من هذا القبيل يعبر عن بعض المصادر التي تأثر بها 
الرشود من كرات لد سير سكي على الأ خض زوايقه الشهورة والأهرة 
كرامازوف» ذات الإيقاع التراجيدي الذي ينفجر من العلاقات الدرامية في 
الأسرة. أو من قراءته لهنريك أبسن: وسارتر وكاموء وبياندللو. إلا أن الصورة 
الحادة التي يستظهرها الرشود لأفعال شخصياتهء واتجاهاتها المتطرفة, 
إنمااهي حي تقديرتا طهر ذرامي فشاك لصاحب الإخلاض ادي للفكرة 
التي توقن بأن نظاما ماء عرضة للانهيارء والتداعي» وأن نظاما آخرء لا بد 
من أن يحل محله في وقت ما. 

اوفك ا ی و او ا للدي لوغري 
في دراما الأسرة المتخيرة: إذ تتوائد من هنذا الجوهر شتى ملامح التموذج 
الدرامي: الذي آتى عليه صقر الرشود. والسؤال الذي يتبغي أن ثوليه 
العذاية ليده هر كنف مد هة اكات ار النظان ااا 
للأسرة..؟ 

إن الأننوة الك يخرجها الرشره على الع عتمي إلى نظاء الأسرة 
المقدة آل اة يما تام من اى رها سف ته من تقالين انی 
ورغم أن الكاتب لا يكاد يستوعب الحجم الطبيعي لمثل هذه الأسرة بسبب 
قيود البناء المسرحيء إلا أن تصوير هذا النظام يرتبط عنده بتصوير 
أيديولوجيته وقواعده السلوكية. ونعتقد أن أبرز ملامح وعي الكاتب بحركة 
المجتمع نجدها في دأبه على تصوير بذور الانهيار. وتفجير عوامله من تلك 
الطبيعة الثقافية في نظام الأسرةء كما لاحظنا ذلك في الفصل السابق 


13Q 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


أيضا. فهو لا يدخل التغيرات التكنولوجية, أو الاقتصادية السريعة في 
النظام الاجتماعي للأسرة: لينتزع منها قالبه الدرامي؛ وإنما يجعل النظام 
نفسه يحمل أسباب انهياره. وسقوطه. 

ولا نشك في صحة مفهوم ذلك الانهيارء أو في عمق النظرة الجدلية 
التي سيقوم عليها. لأن الأسرة التقليدية في مجتمع الخليج العربي ليست 
مجرد نمط متصلء أو ممتد يخضع أفرادها لإشراف المركز الأبوي» وإنما 
هي تحمل بقايا ما يسمى ب «أسرة الوصاية». لأن أغلب الأسر ذات الامتداد 
القبلي مرتبطة بالتحالف مع الأسرة الحاكمة عن طريق المصاهرة: أو المصلحة 
المشتركة؛ أو الوحدة القبلية.. ومن ثم فهي تتلقى منها الصورة المتطرفة 
للابقاء على النظام التقليدي. وقد كان «حمود العود» في مسرحية الحاجز 
يستهلم موقفه من التغير من طبيعة ارتباطه. بوصاية مفروضة عليه. حين 
كان يردد عبارته: «نضيع إحنا.. . يتبرون متا أقارينا.. . يعادونا كلهم». أما 
في «المخلب الكبير» أو في «فتحنا» فإن سوء استخدام السلطة؛ والوصاية, 
وبلوغه حدا متطرفاء هو الذي سيلهم الكاتب تجسيده لعملية النزاع الدرامي. 

وأيا ما كان الأمرء فإن انهيار نظام الأسرة سيظل مرتبطا لدى الكاتب 
بطبيعته التقليدية الممعنة. وبقواعده ومعاييره الموروثة» بحيث إنه سيعكس 
التفكك فى محيط العلاقات الاجتماعية. وستشتمل عوامل هذا التفكك 
غلن ها سميه بض الباسقن الاجتماغيين بمفهوساك الصراع اة 
عن توقعات أدوار الأزواج والزوجات والآباء والأبناءء كأن يتوقع الأب من 
أبنائه الطاعة فيجد التمرد والعصيان. وكذا المفهومات الناتجة عن حالة 
تعدد الأدوارء أو تناقضاتهاء التي تخلق ظواهر عميقة من التبرم» وخاصة 
حين تقاوم المرأة استلاب الرجل لحقوقهاء أو إلقاء أكثر من دور على 
مسؤوليتها. 2 

وفوق ذلك كلهء فإن ما ينبغي ملاحظته أن مصادر انهيار نظام الأسرة 
لن تقتصر على رقعة النظام التقليدي» لأن صقر الرشود يوسع هذه الرقعة: 
بأن يجعل لها لبوسا من التناقضات أو النزعات الإنسانية الدائمة: أو أن 
يعمق مشاكل التبرم بإثارة ضرب من الأسئلة الموغلة في الحيرة. خاصة 
حين تتناول قوى ما وراء الطبيعة. 

ونعتقد أن أول الأعمال المسرحية التي تظهر انهيار الأسرة من خلال ما 


140 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


يستقطبه نظامها من النوازع والقوى المتجابهة هي مسرحية «فتحنا» التي 
عرضت بإخراج عبد الله خلف عام 1962 . وهي كسابقتها مسرحية «تقاليدا» 
لم تجد من العناية والتوثيق؛ ما يحفظها من الضياع. وربما أرجعنا الضياع 
المتكرر, لأكثر من مسرحية في فترة متقارية إلى أن العمل المسرحي في تلك 
الفترة لم يكن يصدر عن تنظيم ثابت يدرك أهمية العمل الراهن للمستقبل. 
فبقدر ما تندفع الفرقة المسرحية إلى عملها بحماسء تنقطع عنه مع مجرد 
الانتهاء من عرضه» كما ينقطع عنه الاهتمام أو التوثيق. وقد كان ذلك 
يناسب روح الفترة التي لم تنظم فيها شؤون المجتمع: ولم تتبلور مؤسساته 
الاجتماعية والثقافية: بحيت أن ما يتحقق من الجهود المجمعة أو المنظمة 
لم يكن يصدر عن قدر كاف من الاختمار. ولعل من مظاهر ذلك أن فرقة 
المسرح الوطني «ما إن تكونت مجموعتها» حتى تحولت بعد عرضها الأولء 
وهو «فتحنا» إلى فرقة «مسرح الخليج العربي». ولذا لم يكن من المستبعد 
ضياع نص مسرحية «فتحنا» في فترة يسودها روح الارتجال والتلقائية. 
وهناك عامل آخر يدفع إلى احتمالات الضياع بهدف مقصود من الكاتب. 
فبعد أن نضجت تجربته المسرحية في «المخلب الكبير» و«الطين» و «الحاجز» 
کی فا داك اکان وا شراک والتجسيدات المسرحية التي أتى 
عليها في بداية أعماله المسرحية؛ وجد في ذلك مندوحة للإغضاء عن كل 
ا و«فتحنا». وقد رأينا في ا السابق كيف عالج الرشود 
في أنضج مسرحياته وهي «الحاجز» نفس الموضوع الذي عالجه في 
المسرحية المفقودة وهي «تقاليدا». ولعله هنا لن يختلف عن ذلك السياق؛ 
لأنه يطلق في «فتحنا» نموذجا دراميا ينتهي إلى إنضاجه في مسرحيتي 
والنكلب الور و الط ا ا ا 
وما يتوفر من مسرحية «فتحنا» لا يفي حاجة البحث في بنيتها المسرحية: 
ولا يجيز الحكم على شكلها الفني 19. لأنه لا يزيد فكلك الأ امسق 
الذي سجل به صقر الرشود أحداث المسرحية. وفيه نلاحظ أن موضوع 
المسرحية أسرة مكونة من أب وأم وولدين وبنت. ويذكر المؤلف أن هدف 
المسرحية رصد عوامل تفكك الأسرة. فالأم تؤمن بالزارء وترهق الأب 
بمصاريفه. وبينما يفشل الابن الأكبر في حياته الدراسية؛ والعملية يسعى 
الابن الأصغر نحو بناء نفسه ومستقبله. أما الفتاة فتحلم بالانفتاح» دون أن 


141 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 
يتحقق لهاء بسبب تقاليد الأسرة. وفي حين يمثل الابن الأصغر ركيزة 
الوعي الجديد في الأسرة: فإن الابن الأكبر يبدو أبرز عوامل الانهيار لأنه 
يتنازع مع أبيه. فيضريه ويسرق أموال الأسرةء ويهرب إلى الخارج» في 
الوقت الذي يندفع الأب إلى الخارج» مخذولا مقهورا لتقضي عليه سيارة 
مسرعة. 

وفى الفصل الثاني نجد الابن الأكبر في جو أوروبي يعيش حياة صاخبة 
يبذر فيها الأموال اسر حتى تنفذ: فاج إلى الأستعانة باحد الطلاب 
الدارسين ليعود إلى الكويت. وفى الفصل الثالث نجد الأم عمياء بعد هروب 
الابن ووفاة الأب. وفى الوقت الذي يحاول الابن الأصغر إنقاذ الأسرة يعود 
الابن الهارب ثائبا إلى رشده؛ وحين يتم اللقاء؛ يعود إلى الأم بصرهاء ويلتئم 
شمل الأسرة © . 

وأبرز ما يمكن ملاحظته في موضوع هذه المسرحية هو أنه يضع أفراد 
الأسرة موضعا يستدعي انهيارهاء فالأب شخصية تنحل سلطتهاء والأم 
تذعن للقواعد الغيبيةء والابن الأكبر يتمرد على دوره الناقص.» ومكانته 
الضعيفة. والابن الأصغر يبشر بالركيزة الجديدة للأسرة المبنية على دعامة 
التعليم. والفتاة معزولة بالواقع عن التفتح والحلم. وليست هذه الشخصيات 
سوى النواة الأولى التي يضعها الرشود لنموذجه الدرامي» فهي تحمل بمقدار 
التناقض الموجود بينهاء ملامح انقسامها إلى مجموعة من القوى المحمولة 
على المجابهة في منطقة درامية واحدة. وقد كان صقر الرشود يعبر عن 
اتجاهه في تحقيق هذا النموذج» حين قال في ملخص أحداث المسرحية: 
واصفا الصراع بين شخصياتها: 

«وهكذا تجري أحداث المسرحية في صورة صراع بين هذه الأطراف 
المتناقضة.». 

إن الأسرة في مسرحية «فتحنا» نمط للعلاقات الاجتماعية العاجزة عن 
التكيف. أو مجابهة التغيرء دون الوقوع في مأساة التفكك الممض. وما 
النزاع الذي أظهرته بين الأب والابن الأكبر إلا دلالة على أن هذه الأسرة, 
تحمل تناقضاتها من طبيعة نظامهاء فالابن الآكبر يثأر لفشله. ويضطهد 
أباه. بصورة تكشف عن عمق الهوّة بين الآباء والأبناء في نظام الأسرة. ولا 
نشك في أن الكاتب يعبر عن حتمية انهيار هذا النظام من خلال المبالغة في 


142 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


رسم الفعل» وردود الفعلء فضرب الابن لأبيه وخذلانه للدور الطبيعي المتوقع 
منه؛ يوزع ردود الفعل بين السببية البالغة كفقدان الأم لبصرهاء أو العرضية 
البالغة كموت الأب في حادث السيارة. وبذا فإن الفعل الحاد من التبرم» 
تقابله نتائج حادة من فقدان الأسرة لتماسكها. 

وتبرز الخطوط العريضة للكثير من الخصائص الفنية لدراما الأسرة 
المتغيرة في مسرحية «المخلب الكبير». إذ تتضح فيها ملامح الحتمية الدرامية 
في انهيار النظام التقليدي للأسرة. كما تتضح ملامح البطولةء التي تنغلق 
حول شخصية واحدة, وإنما تنفتح لأفراد الأسرةء بحيث أن كلمة «البطل» 
تفقد معناها لتحل محلها الأسرة؛ بما يتمثل فيها من قوىء وتناقضات 
صريحة: وهذا ما يتفق مع قالب المسرحية الاجتماعية الحديثة التي «يتجلى 
فيها التدهور للبطل بالمعنى الأخلاقي والتكويني والجنسي. فالشخصية 
الرئيسة تختفي تماما من مسرحيات تشيخوف مثلا-لتظهر المجموعة على 
المسرح» . وحين تختفي صورة البطل المفردء الذي يستأثر بالأفعال. 
والأحداث, تتعدد دوافع الحدث المسرحي» وتتشابك علاقات الموقف الدراميء 
لآن كل شخصية تجول في هذا الموقف ستؤلف حولها مجموعة من القيم 
والأفكارء الآأمر الذي سيحيلها إلى مجموعة من القوىء التي يتحدى بعضها 
بعضاء أو يشكك كل منها في الآخر. 

ولعل صقر الرشود قد أدرك منذ «المخلب الكبير» أن دراما الأسرة 
المتغيرة إنما هي بحر من ذلك التحديء وضرب من هذا التشكيكء مما 
جعله يركز رؤياها في مجموعة من الشخصيات التي لا تلتقي بينها 
شخصيتان حول هدف واضح مشترك, بل إنها تختلف فيما بينها اختلافا 
ظاهراء أو حادا في كثير من الأحيان. وتتباين قدرتها في دفع الأحداث 
بمقدار ما يشحن الكاتب فيها من التحدي» وما يبعث في داخلها من نزعات 
التشكياك» انلكا ارات فين ودد اكا شخسيات كاري اة 
المدفوعة بحتميات متعددة. 

«والمخلب الكبير» من المسرحيات المبكرة للکاتب» فقد نشرت كما سبقت 
الإشارة إلى ذلك فى كتابه سنة 1964. وهى لا تخلو من مظاهر الاختمارء 
والإئماء لبعض ات مسرحية وتنا كالاين والأمى والابن الأكبر 
بسلوكه الشريرء والابن الأصغر بسلوكه العقلاني» والبنت المقيدة بالتقاليد. 


143 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


كما يستعيد بعض مواقفها أيضاء كحادثة السيارة التي قتلت الأب المخذول 
في «فتحنا». وقتلت أبن العم المخذول في «المخلب الكبير» وحادثة ضرب 
الابن لأبيه؛ ثم عودته تائباء وحادثة فقدان الأم لبصرها ... كل هذه تفاصيل 
يستعيدها الرشود في مسرحية «المخلب الكبير» لينضجهاء ويمنحها جهدا 
في التشكيل: وقوة في التعبير, المكتوب باللغة العربية الفصحى. 

جناكان اشک اماد غ فی ایی زا کے العامة شمو 
فصولها الأربعة إلى مسرحيتين منفصلتين» عرضتا في عام واحد» وهما 
«المخلب الكبير» و «الطين» فإننا سنحاول دراسة النص المسرحي الفصيح 
في جوانب لم تتلها يد الكاتب بالتغيير على الأغلب. لنستكمل دراسة الجوانب 
الأخرى في وقفتنا مع المسرحيتين المكتوبتين باللهجة الدارجة. ويدفعنا إلى 
ذلك أن النص الفصيح لم يعرض على المسرح بل ظل محدودا بنشره في 
كتاب. ورغم أن الرشود قد أخرج معظم الأعمال المسرحية التي كتبهاء إلا 
أنه تغاضى عن إخراج هذا النص. مما يوحي بأن إعادة صياغته هي التي 
جعلته يتخلى عنه» ولا يفسح له شيئًا من الاهتمام. 

والجوانب التي سنأتي عليها في هذه المسرحية تؤكد إخلاص الرشود 
إلى كك االو اما الروماتسية وهه التكتيك الذي يمثل اتجاها واضحا 
في تجربته منذ مسرحيته الأولى «تقاليدا» وحتى مسرحية «أنا والأيام» 
بينما بدأ يتخطى قيود هذا الاتجاه دون أن يستمرئ إغراءاته الأولىء حين 
أعاد صياغة «المخلب الكبير» وكتب مسرحية «الحاجز». ولا نشك في أن 
هذا التكنيك قد ساعد الرشود على الإمساك بكثير من ملامح انهيار 
النظام التقليدي للأسرة, أو الثورة عليه. لأنه يستدعي منه البحث عن 
ضحايا القوانين الاجتماعية؛ كما يستدعى منه أن يفلسف المثل العليا من 
المجتمع؛ وليس مما وراء الطبيعة. وأن يكشف عن نوع من الجرائم التي لا 
تسفك فيها دماء رغم ما فيها من بشاعة وقسوة. 
وأبرز ملامح هذا المثال الذي يجمع بين عقلانية الميلودراما ومبالغاتهاء 

تفتح المشاعر الرومانسية وحدتهاء أو جموحها يمكن استجلاء مفاتيحها 
من خلال مونولوج مطول يلقي به «وليد» أمام أخيه «خليفة» الذي تحالف 
مع أبيه لتزويج هيفاء من رجل مسن» ثري» متديّن. فقد اعتبر هذا الموقف 
جرما يرتكبه الأب والابن في حق «هيفاء». أهون من قتلها. وحينئذ يأتي 


144 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


حواره بمثابة البؤرة التي يستجمع فيها الرشود, المثال الفلسفي لتكنيك 
الميلودراما الرومانسية: 

«خليفة: كيف تعتبرني مجرما وأنا لم أمسسها حتى ولو بإصبعي. 

وليد + سات 

خليفة: تكلّم يا صعلوك. 

وليد: سيكون كلامي غريبا عليك.. . أنت لست المجرم الوحيد من بين 
ولك الظالمين.. . المفتصبين الذين يخفون حقيقتهم الباطنية الشريرة 
الخبيثة تحت ستار من التظاهر بالطهارة والطيبة.. . هم أشد المجرمين 
فتكاء وأشرسهم معاملةء وأكثرهم عددا.. . رصاصهم مسبوك من قول 
الباطل وتشويه حقيقة الحق.. . مسدسهم متأكسد من الطغيان والكفر 
بحق الغير في الحياة إلا زناده (كذا) فهو مصقول من الأنانية.. . إن كل 
واتحد هن مولام ا اولك الساظة عل من فا مليف أي ساط ر 
اف سلطة كانت تسخ له التجال ليتقدم تھی :له الكان جاب سدس 
الطغيان ليضغط على زناده... زناد الأنانية... حتى إذا ما ضغط عليه. 
تنطلق مطلقة نوعها تشويه حقيقة الحق. فيصيب بها قلب فريسته ثم 
يتركها تتململ جزعا من الألم.. وكم تفضل الموت على ما هي فيه من 
عذاب. أما إذا كانت ضحيته من أهل النفوس العزيزة التي لا ترضى بالذل 
منزلة.. . فإنها لن تهاب بل ستثور ثورة عارمة.. . تثأر للكرامة المطعونة.. 
. تريد أن تنتقم ولكنها لا تملك من القوة لمجابهة قوته إلا مسدسا حقيقيا.. 
. إذن عليها أن تحصل عليه؛ وعندما تشتريه بثمن بخس وبرصاصة صغيرة 
تنطلق مدؤّية إلى قلب غريمها الجامد فترديه قتيلا.. . وبصوت تلك 
الرضاضة يدوى حضوت العدل 197 

ويكاد هذا الحوار يبلور رؤية الكاتب» ويلخص أحداث المسرحية؛ ويستبق 
مواقفهاء فالمسرحية تكشف-بوسائل شديدة التأثر بوسائل كتاب الميلودراما 
الرومانسية أمثال هيجوء ودوماء وبيكسريكو كيف يخلق المجتمع الفاسد 
ضحاياه؛ ويقيم حولها جرائمه؛ دون أن يسفك منها قطرة دم واحدة. وليس 
من العسير أن نعثر على جوهر هذه الفكرة في الحوار السابقء ذلك أن 
«وليدا» يرجع الجريمة التي يرتكبها«خليفة» إلى نوع من المظالم السائدة 
في المجتمعء يخلقها أناس ظال مون يظهرون الخيرء ويضمرون الشرء ويرتكبون 


145 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


بتشويههم للحقيقة وإذعانهم للأنانية أشد الجرائم فتكا. فالجريمة تستكن 
في المجتمع بوجودهم فيهء لأنهم يستلهمون ما فيه من نوازع» واتجاهات 


شريرة. 
إن «خليفة» في هذه المسرحية هو الشرير الذي يلهمه المجتمع ارتكاب 
أكثر من جريمة: منها الجريمة التي يكشفها له أخوه «وليد» حين اضطهد 
أخته. وقمع عواطفها البريئة مع ابن عمها . والأحدات التي ستشملها فصول 
المسرحيةء تكشف عن سلسلة هذا النوع من الجرائم. وتمسرح بأجوائها 
الرومانسيةء والميلودرامية حقيقة المنطق الذي يتمسك به الكاتب على 
لسان«وليد». فالابن الأكبر سرعان ما يستبد به الموقف المتشددء الذي 
يحرم على أخته مجرد اللقاء بابن عمهاء بحيث يدفعه ذلك إلى إيذاء أخته, 
وضربهاء ومواجهتها بالسكين. ولكن لا تسيل لهيفاء دماء إلا بمغزى المثالء 
الذي استخلصه «وليد». للجريمة. فهي تنتصر لنفسها بثأر رومانسي بعد 
أن تأخذها الثورة العصبية. التي تقول فيهاء وقد انفجرت منها الدموع: 
«رياه.. . رياه أنقذنى.. . خذنى إليك.. . آنا فى عداد الموتى.. . آنا من 
دمرت حياتهم الرجعية والتقاليل به ا 
وإذن فإن «خليفة» لا يقتل «هيفاء» بسكينه؛ وإنما يقتلها بتماهيه في 
سلطة النظام التقليدي للأسرة. ولذا كان يلذ لهيفاء-وهي في قمة التفتح 
الثوري الرومانسي أن تقتل قتلا مادياء لتجعل من جنازتها-كما تقول «شعلة 
الحرية والانطلاق لأولئك الفتيات المعذبات» حبيسات العقوية المتجمدة.» 
وقد أوصل الكاتب الثورة الرومانسية لهيفاء إلى ما هو بعد وعلى نحو 
يؤكد حرصه على إنمائه لشخصيتهاء بصورة تفوق غيرها من الشخصيات 
الرئيسة الأخرىء التي انتهت بحالات شبيهة بما بدأت بها. فقد صوّرها في 
البداية مسجونة بأسوارء توحي بقضبان السجون» في الفصلين: الأول 
والرابع. وكان ذلك يلاثم حالتها النفسية والاجتماعية؛ ولكنه ما لبث أن 
أوغل في تشكيلها الميلودرامي» من خلال مواقف بالغةء أحاطتها بسياج 
أخرى. فبعد أن قتل ابن عمها في حادث السيارة؛ تنقطع صلتها بأيْ شكل 
من أشكال التفتح أو الحلم. وتصاب بحالة ذهانية من أثر الصدمة؛ وتصبح 
مجنونة في نظر الأسرة. وبذا تكون رهينة نوعين من الاستلاب أحدهما 
يسجن إرادتها.. . والآخر يسجن عقلها. 


146 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


ويمعن صقر الرشود في تجسيد الفلسفة المثالية التي صاغها على 
لسان «وليد» في حواره السابق» بحيث أنه ينتزع لها أكثر من نموذج» ويفتح 
لها زوايا متعددةء تعمق دلالتهاء وتبزغ بآثارها. ولن تكون النماذج التي 
يمسرحها سوى نماذج من ضحايا النظام التقليدي للأسرة. هذا ما نلاحظه 
من خلال جميع شخصيات المسرحية:؛ ابتداء من «هيفاء» وانتهاء «خليفة». 
فهم جميعا ضحايا نظام لا يعرف المساواة التي يبحث عنها «وليد». ولا 
الحرية التي تبحث عنها «هيفاء» ولا الجمال الذي تبحث عنه «مريم» ولا 
الثروة الشرعية التي يبحث عنها «خليفة» ولا السلف الصالح الذي يبحث 
عنه «فهد». وطا ما هؤلاء ضحايا ما يبحثون عنه؛ فإنهم علامات على سقوط 
النظام الذي أفرزهم, وغرس مشاكلهم في رقعة درامية مؤسية. 

وفوق ذلك كله فقد استطاع الكاتب أن يوظف ما هو عارضء أو ثانوي 
في تعميق الأثر الشامل لأساس الميلودراما المثاليء الذي أتى عليه حوار 
«وليد» السابق. فمقتل ابن العم الذي تحبه «هيفاء» بحادثة السيارة ليس 
مجرد مفاجأة عارضة؛ لأن عرضيتها تخف؛ وريما تكفْ من خلال ربط 
الكاتب لها بالأساس المثالي: فهو يكشف على لسان «هيفاء» و «وليد» أن ابن 
العم كان يقود السيارة في حالة مخذولة يائسةء سببها حرمانه من ابنة 
عمه؛ مما يجعله ضحية يشملها نظام الأسرة. واضطهاد السلطة الأبوية. 

أما «وفاء» فهي ضحية الخيار الجبري الآخر الذي توزعت «هيفاء» بينه 
وبين الجنون. وهو تزويجها من رجل عجوز في عمر أبيها بهدف طمع 
أسرتها في ثروته. ولذا تكون امتدادا لذات المشكلة التي صرخت «هيفاء» 
من أجلها . كما تكون انعكاسا لنفس المثال الفلسفيء الذي يوقن به الكاتب. 
وهو أنها ضحية لقواعد المجتمع التي أحلّت لأبيها جريمته بإجبارها على 
زواج لا تريده. مما يستّوغ لها أن ترسل نقمتها الحادة نحو هذا الأب 
فتصفه مرة بالقرد. وتصف تدبيره الطامع في الثروة بأنه جريمةء زجت بها 
في عذاب مستمرء كما تصف إجبارها على الزواج بأنه كبيع الجواري 
الرخيصات. 

ورغم أن «خليفة» يقوم بدور قامع؛ ومتسبب في تدهور نظام الأسرة, إلا 
أن الكاتب لا يعزله عن المثال الفلسفي للميلودراما الرومانسية بل يجعله 
بمثابة الثائر غير الشرعي للقوانين الاجتماعية؛ التي أحدقت به؛ فهو يقول 


147 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


لأخيه «وليد: 

«إن ساعدئ قد كلا من العمل بالصدق والشرف, قل لي ماذا جنيت من 
مال ؟ إنني لم أجن من الشرف إلا غضب الواقع عليٌ.. . لقد ركلني برجله 
ركلة قوية طرحتني على بساط الفقرء وجعلني موظفا بعد ما كنت تاجرا.. 
وای بعد هذه التجرية 0 ك وط الح كية ف اد 
. سأنافق ليرضى عني.. سآكذب ليعفو علئ.. . سأكون نماما ليجعلني 
صديقه الحميم» . 

إن مضمون هذا التمرد السافرء يطرح سؤالا هاما هو: إذا كانت مصالحة 
الواقع بالشرف والصدق لم تجعل «خليفة» في منجى من تنكب الواقع عليه 
وتعثر الخطوات فيه. فهل ينجو من ذلك بمحاريته والتماهي في جرائمه 
5.. . إن المسرحية تجيب بالنفي القاطعء وتصور ذلك بأبلغ ما فيها من 
وسائل الميلودراما الرومانسيةء وهو ما نلاحظه في الأحداث التي تتسم 
ناتجواء الثام.:والشديعة را اعات اتاد والشيانات اة وامقاتره 
الدموية. فقد بدأ خليفة يتعامل مع تجارة المخدرات: وتهريب الذهب فداهمته 
الشرطة وتمكن من الهرب» ولكنه يتشاجر مع أحد المحتالين؛ ويطعن بسكين 
في ظهره» فيلجاً إلى أسرته مطعوناء راغبا في وداعهم» وحين يلتقي بأبيه 
لا يودعه إنما يبصق عليه بعد أن يقول. 

«أنا شيء قوئ يهلك. آنا فرع من فروع الخطيئّة. أنت زرعتنى... لا 
تحتقرني. أنا نفس صنعها الماضي والزمن والظروف.». 

ولا نشك في أن هذا القول يحمل أكثر من دلالة بليغة فهو من ناحية 
يشير إلى أن خليفة رمز لنظام تقليدي يتهالك؛ بعد أن أسرفت فيه نوازع 
السلطة؛ وأمعنت قواعدها الحتمية تحكما. ومن ناحية أخرى يشير إلى أن 
«خليفة»» لم يخرج عن كونه ضحية لنفس النظام» الذي أفرزه. فهو حصيلة 
جريمة الواقع عليه؛ وصنيع أدباره عنه. ومن ناحية أخيرة يشير القول 
السابق إلى هزيمة فاجعة؛ يتلقاها التحدي المضاد للواقع؛ والسلوك الثأري 
الأجوف الذي يجرد التمرد من أي مضمون إيجابي. 

ورغم أن الكاتب قد أولع في هذه المسرحية بإثارة ضرب من التساؤلات 
المحيرة التي توهم برضوخ شخصياته إلى قوى فوق الطبيعة:, إلا أنها لا 
تغري بوجود فلسفة تخرج عما عرضنا له في ملاحظاتنا السابقة. ذلك أن 


148 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


تساؤلاته المحيرة لا تخلق منطقة تراجيدية تجول فيها شخصياته المسرحية: 
بسبب صدورها-غالبا-عن تأمل عارضء أو استفاضة؛ وشطط في الحوار 
ذي الطابع الرومانسي المغرق. أو رغبة في إشباع المواقف بالهيبة» وتعميق 
التطرف الميلودرامي بالغموض © . 

إن وليدا يقول: بأن في «السماء» قوة معقدة تجث في الأرض» مع أنه 
طوال المسرحية يعبر عن عقيدة واحدة هي البحث عن المساواة بين الأقوياء 
والضعفاءء بين المستلب) بكسر الميم (والمستلب) بفتح الميم. (والأب «فهد» 
يشكو الأقدار التي لم تمنحه طفلا «ذكرا» يخلد اسمه؛ رغم أن المشكلة التي 
تقف به على المسرح, لا علاقة لها بعجزه وعقمه. فهو رمز للسلطة الأبوية 
المتلاشية التي فقدت قدرتها على الوصايةء لأنه لم يستطع ردع ابنته عن 
الإسراف في حب رجل يبغضه؛ ويخطط للاستيلاء على ثروته. وأبلغ المظاهر 
المؤسية التي تننزعها هذه الشخصيةء هو تجسيدها للضعف البشري» 
وخاصة حين يواجه تحدي ابنته. وانتصارها لغريمه. 

وتردد بعض الشخصيات الأخرى كخليفة و «وفاء» فكرة أن الزمن» أو 
القدر وراء ما يحدث لها من مصائب» مع أنها في حقيقة الأمر توقن بغير 
ذلك لأنها تدرك-كما أوضحت الملاحظات السابقة-أنها نسيج لقواعد 
المجتمعء وقوانينه المحدقة بها. 

وإذن فإن شخصيات «المخلب الكبير» لا تحركها قوى فوق الواقع؛ وإنما 
تحركها قوى النظام التقليدي للأسرةء وقيم السلوك الفرديء واتجاهاته 
الأخلاقيةء ونوازعه البشريةء وما إلحاح الكاتب على إثارة الأسئلة الموحية 
بالغموضء أو المنغمسة في الرؤية الكونية, إلا تعميقا وامتدادا لتحرك 
القوى, وحتمية القيم» وتمرد النوازع» بحيث أنها ستعكس جماع الرؤية 
الميلودرامية المتطرفة للتمرد الفرديء أو للانهيار الحتمي في نظام الآسرة. 
إن تساؤلات «وليد» عن المساواة؛ والصراع بين الأقوياء والضعفاء. وجنون 
«هيفاء». وحلمها المجهض بالحرية: والتزمت الديني الممسرف للأب: ومجابهة 
«خليفة» للواقع بثأر لا عقلاني. وتحدي «مريم» لأبيها المستضعف أمام 
الحاجة إلى الجمال الظاهريء واختزان الشعور بالعبودية في نفس «وقاء» 
.. كل هذه ملامح للرؤية الميلودرامية المتطرفة. إنها رؤية «طبيعية» تستمد 
حركتها من الدينامية الشاملة التي يخضع لها تغير نظام الأسرة في مجتمع 


149 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الكويت والخليج العربي. ولذا لا نعتبر مبالغاتها خرقاءء لأنها تكتنز بالمشاعر 
الشديدة. وشدة الشعور كما يقول أريك بنتلي: «تسوغ المبالغة الشكلية في 
الفنء كما توجد شدة الشعور تلك الأشكال المبالغ فيها» © . 

ولعل الجانب الذي يصعب تسويغه في مبالغات صقر الرشود» هو لغة 
الخواو:بالغربية النصحيء التي قل إلى الشكافة والوفان وخولع بإلضاة 
الأسئلة للحصول على أجوبة بارعة يسترسل الكاتب في تفاصيلهاء وتأملاتها 
على نحو يتسم بالافتعالء والاستطراد والإنشاءء الذي يخلو من التركيز 
المسرحي» ويتجافى مع طبيعته؛ دون أن يخلو من الأخطاء اللغوية في 
التصريف والإسناد والاستعمال "". أو أنه يتسم بالطابع الفلسفيء والروح 
الخطابيةء اللذين تهبط بهما إلى درجة السرد العاديء والوصف الخارجي 
للمواقف دون تجسيدها. 

ومما يدل على عدم إمكانية تسويغ هذا المظهر اللغوي الفج في حوار 
المسرحية هو أن الكاتب ينحاز إليه على لسان جميع شخصياتهء فالترتيب 
المنطقي.. . أو الذهني.. . أو الخطابي لأفكار الأم وحوارها لا يختلف عنه 
في حوار «وليد» أو «خليفة»» أو «مريم» فصاحة:؛ وبياناء وإنشاء. مما يرضخ 
بهم جميعا-بما فيهم الابن الصغير «فيصل» لنسق بياني واحد في الحوار لا 
يمكن إرجاعه إلا إلى صقر الرشود وحده وتأثير قراءاته في بعض نماذج 
المسرح الكلاسيكي المترجم إلى العربية. 

ولقد جمع الكاتب في «المخلب الكبير» بين أسرتينء جعلهما عرضة 
للانهيارء ولكنه لم يتمكن من تركيز الأحداث المسرحية حولهماء فقد ظلت 
المواقف التي نشهدها في أسرة «بو خليفة» خلال الفصلين الأول والرابع 
معزولة تماما عن المواقف التي نشهدها في أسرة «فهد» خلال الفصلين 
الثاني والثالث. مما أوحى للكاتب بتقسيم هذه المسرحية إلى عملين 
مسرحيين منفصلين» حين أعاد صياغتها . وقد أطلق على المسرحية الأولى 
نفس الاسم «المخلب الكبير». وكتبها بلهجة عامية لا تخلو من الرصانة 
والقوةء كما ركز على رؤيتها حول ذات المثال الاجتماعي الذي يكشف عن 
الجذور الاجتماعية للجريمة؛ والسلوك غير السوي. ويبرز انهيار الأبوة 
المغلقة. ويفصح عن الأشواق المبرحة للحريةء والمساواة في ظل النظام 
الاجتماعي للأسرة. 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


ولكن ينبغي ملاحظة أن الرؤية في هذه المسرحية قد اختلفت بصورة 
واضحة عند مقارنتها برؤية النص المسرحي الفصيح» فقد تلاشى الكثير 
مو ملام ا اروها الرومافسية: رالا اط مما يدل علن سدق 
استعداد الكاتب للنضج. والتفتح المتلاحم مع دينامية المجتمع وتغيراته. 
وتمنتطيع أن تدوك:كي الصياغة الجديدة المهلب الكبير أن تع رة 
صقر الرشودء قد ارتبطت بتبلورات الحس المسرحي؛ وتنقيعات الوعي 
اعرا اة المسردية الي ها كان لها أن هرر نولا خرن ااه في 
تجربة التمثيل والإخراج. فقد جاءت صياغته الجديدة بعد أن قدم خمسة 
عروض مسرحية بإخراجه وهي: «أنا والآيام» و» بسافر وبس» و «الخطاً 
والفضيحة» و «الأسرة الضائعة» و «الجوع». ولذا فإن الخشبة المسرحية لم 
تغادر ذهنه حين أعد الصياغة العامية للمخلب الكبيرء بل لقد وضعها في 
فوت ادرا جات رسف الكثير من مشاهدها ومواهتها على نحو يشكل 
ما فيها من حركة؛ أو توقف أو من صمت,. أو تكلم. 

ركا الترجيهاك السردية التي يطهها مع الضياعة العامة أن عون 
خي كراج االمريدية فرق خفية اتر كان يفول فى حى رجيات 
ال يعلد نويا د حركة حرق اتا كم تركدي و 
ويتجه إلى مقدمة المسرح من اليسارء ويقف في منتصف المسافة بين 
الكمبوشة؛ ويسار المسرح.» وهذا يعني-في تقديرنا-أن الكاتب قد استوعب 
جانبا هاما افتقر إليه النص الفصيح للمخلب الكبير. فقد كانت استفاضة 
الجوانبالشرد الإنشاقي والجمل الخطابية والذهنية اللطولة كعطل بحركة 
اقا واا ری ها إلى الخو ولحل وا ا جد 
المسرحي معاقة من حولهاء ومؤجلة بمقدار الاستفاضة. ومحدودة بقيود 
السرد. 

ول يا اهامر ق الا اة لى جر 
ا ا الليعة اا عامل يكم هن 
صميم نضج التجسيد المسرحيء ذلك أنه حين استخدم اللغة العربية 
الفصحى في «المخلب الكبير» لم يستطع الإمساك بدينامية العنصر التلقائيء 
الذي يستدعيه الحوار على المسرح» وإنما استطاع ذلك حين استخدم اللهجة 
العامية. مما يعني بأن صقر الرشود أدرك إمكاناته المحدودة مع العربية 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الفصحى ففادرهاء وأيقظ إمكاناته الهائلة مع التجسيد المسرحي باللهجة 
العاميةء فأقبل عليها بتمكن. 

وإذن فنحن نستطيع تركيز الاختلاف بين النص الفصيح. والنص العامي 
للمخلب الكبير في أسس «الرؤية المسرحية» ونعني بالرؤية المسرحية تلك 
الكيفية الماثلة في التشكيل السوسيودرامي من خلال مفاهيم التجسيد 
المسرحيء وتبلورات الإحساس الدرامي. ويمكن رصد ملامح هذه الرؤية: 
أو الكيفية على نحو يؤكد كيف استدعى انطلاق مخيلة صقر الرشود من 
الخشبة المسرحية اختلافا رؤيويا نقل تجربته إلى مرحلة ناضجةء متخطية 
لملامح الميلودراما الرومانسية السابقة. 

لقد عني الكاتب في هذه المسرحية-كما فعل في سابقتها الفصيحة- 
بتشكيل مجموعة من أفراد الأسرة على أنها بمثابة القوى الدرامية التي 
يتحدى بعضها بعضاء بما تمثله في الحياة الاجتماعية للأسرة من قيم, 
واتجاماف سلركية: ولكن لم يذعن كذات الوسائل الفنية السايقة: بل لعد 
خرج عليها خروجا صريحا. وأكثر مظاهر التشكيل المسرحي التي تفصح 
عن ذلك بجلاء مميز أن شخصياتهء ومواقفه لم تعد منغمسة في تساؤلات 
كرضة مسترقنوك كيد الخواطر N‏ العائرى GEN AA‏ 
نمو الشخصية: أو الموقف. إن «وليدا» يتنازل عن تلك السفسطة؛ والتجريد 
الذهني» والعبارات التي يختلط فيها الغموض بالتناقضء حين يرد الظلم 
إلى المجتمع تارة» وإلى دينونة البقاء للأقوى تارة أخرى. ولا تردد جميع 
الشخصيات كلمة القدر في حوارهاء كما لا تشير إلى خضوعها لأي قوة 
أخرى فوق الواقع. لأن الكاتب يدرك مجافاة ذلك لحركة المجتمع التي 
يستمد منها شخصياته. 

والخاصية الجوهرية التي ينضجها الرشود بدلا من تلك الوسائل. هي 
تعويله على دينامية العنصر التلقائي في التجسيد المسرحي» الذي جعله 
ينحاز إلى استخدام اللهجة العاميةء ويستغنى عن الكثير من الأفكار الذهنية 
المطروحة في النص الفصيح» ويستحدث للأب «بو خليفة» حوارا يتناغم مع 
أجواء الرؤية الجديدةء فبعد أن كان حواره في النص الفصيح عبارة عن 
وتيرة واحدة من الجمل ذات المضمون الديني المتزمت» أصبح في النص 
العامي جملا تتلاءم مع الموقف المحتدم. وتشارك في إظهاره بتلقائية لا 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


تعوقها أفكاره المتزمتةء رغم أن بعض المواقف التي يتناغم حواره معها تتسم 
بالطابع الهزلي. 

والتلقائية التي أدرك صقر الرشود ضرورتها في التجسيد المسرحي» 
دفعت إليه نزعة «طبيعية» في قالبه الدرامي. وجدنا ملامح لها منذ مسرحية 
«أنا والأيام» التي كتبها بعد النص الفصيح للمخلب الكبيرء كما أشرنا إلى 
ذلك من قبل. وأساس هذه النزعة الخلود إلى أجواء تمتزج فيها الكوميديا 
بالمواقف المفجعة: إيمانا بأن الحياة الإنسانية لا تخلص لعنصر الضحك 
وحده ولا لعنصر الأسى وحده لأنها تحتويها معاء بل إن في الحياة من 
الحزن ما يضحك. ومن الفرح ما يبكي كما يقول «وليم بليك». ومن أجل 
ذلك فإن مسرحية «المخلب الكبير» تتحول بتلقائيتها الطبيعية إلى كوميديا 
اجتماعية معتمة؛ لأنها أوقفت أجواء الكوميديا إلى جانب أجواء الأسى 
والانهيار. وانتهت بعد ذلك بخاتمة مفجعةء يقتل فيها الأخ الآكبر «خليفة» 
برصاصة تطلقها عليه أخته «منيرة» التي جثت بسببه. 

وتمثل المواقف التي ينبثق فيها الضحك من المشهد الحالك السواد 
شكلا مسرحيا متناغما مع التصور النسبي للشر الذي يحدق بالأسرة. 
فبعد أن كان «خليفة» في النص الفصيح نموذجا خالصا للشر الذي لا 
يحمل نقيضا لسلوكه العدواني» حتى إنه يبصق على أبيه؛. وهو في سكرات 
الموت. ينقلب-في النص العامي-إلى نموذج إنساني منقسم. لا يخلص للشر 
وحده. إنه يقوم بمظالمه في الأسرة: فيقسو على أبويه ويؤذيهماء ويضطهد 
أخته. ويقمع عواطفها ويضربها كما يضرب أخيه؛ ويتبع سلوك المجرمين. 
ولكنه لا يلبث أن يعود للأسرة تائبا طالبا الصفح عنه. راجيا من أخيه 
«وليد» المغفرةء ومعلنا استعداده لتعليم أخيه «فيصل» ومعالجة أخته «منيرة» 
التي تعاني من حالة ذهانية شديدة. بل إنه يطلب السلوك العقلاني للأسرة 
حين يصرخ في آبيهء الذي يتوسل بالدين في معالجة ابنته» بأن يقول له: 

«يا يْبَةَ إِشَدْبَحَنَا ولَعَوَرََا غير عَقَلِكَ ها المصيّنَ.. مثيرة يَعَالّجِهَا رَبَهَا.. 
لدون لا توذيها الطبيب». 

وقد أدرك صقر الرشود كيف يحول هذه التوبة إلى عنصر درامي 
نقيضء يصعد بنمو الموقف المسرحي إلى الخاتمة المفجعة. إذ جعل توبة 
«خليفة» وحسن نواياه ا وال وعدم الثقة والسخرية.. الآمر الذي 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


أوقد الروح المتوترة في علاقته بالأسرةء وراح يصف الجميع-وخاصة «وليدا» 
بالسلبية؛ وعدم الإنسانية-. إلى أن انتهت المواجهة بمقتله. ويتمثل في ذلك 
أحد الملامح الفنية لدراما الأسرة المتغيرة عند صقر الرشودء وهو أنها لا 
تجنح إلى توجيه شخصياتها نحو الاتفاق؛ بل إنها تستطيب لفكرة تعارض 
القوى التي تمثلها. بجميع وسائل التجسيد المسرحي. ولا تكون خاتمة 
التعارض في هذه الدراما إلا نوعا من الإيغال في التعارض. كما نلاحظ 
ذلك في جميع مسرحيات هذا الكاتب لدرجة أن توبة الشريرء وتسامحه 
عملتا على تعميق الهوة بينه وبين الأسرة. إن خليفة يطلب الصفح: بينما 
يهدد الأب بقتلهء ويتعرض لسخرية «وليد». وعدم ثقته» ولثورة «منيرة» 
ونقمتها. كل هذه الأفعال المضادة؛ المتعارضة في شبكة علاقات الأسرة 
نذير لا هوادة فيه بانهيار النظام التقليدي للأسرة المتغيرة. 

ورغم السيماء الرومانسية التي لا تغادر شخصياتهء وخاصة «وليد» 
و«منيرة» «هيفاء» في النص الفصيح (إلا أن تجسيد الكاتب لها يكون مصحوبا 
بوسائل ميلودرامية مخففةء قريبة الصلة من روح المسرحية الاجتماعية 
الحديثةء التي «تكون في الأغلب مكتوبة بالأسلوب الواقعيء أو الطبيعي 
الى .فو نكس وسيلة الا كاف بالال الأهلى الور 3 ٠‏ 

لقد ظل «وليد» معزولا بموقفه السلبي طوال المسرحية. محاصرا بشعور 
من الضعف وعدم ثقة الأسرة في مستقبله. ولكنه مع ذلك يتبنى مواقف 
طبيعية مما يجري حولهء فهو يدافع عن أخته بموقف الضعيف الذي لن 
يحول دون وقوع الأسى. وهو يدعو إلى التعقل في طريقة تمرد المرأة, 
والتدرج في نوال حريتها. وعن طريق هذه الشخصية يبلور الكاتب فكرته 
الطبيعية حول الصراع الدائر في الأسرة والمجتمع. وهي أن البقاء للأقوى 
والانتهاء للأضعف. ولذا يكون الانهيار الحادث للأسرة مبنيا في جانب منه 
على ديمومة هذه الفكرة. وخاصة حين يشكلها الكاتب من خلال مفهوم 
الحراك الطبيعيء الذي يقضي بإمكانية انقلاب دور الأقوى إلى الأضعف 
كما حدث لخليفة الذي فرض قوته على الأسرةء وخلق له ضحية كبرى هي 
«منيرة» ثم ما لبث أن ضعف ودفع لتقديم الثمن. 

إن أعمق ما حرص عليه صقر الرشود في هذه المسرحيةء هو وضع 
رؤيته في تجسيد مسرحي خالص. لا يمكن تصوّر إطلاقها. إلا على خشبة 


154 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


المسرح. وقد بلغت عناية الكاتب بذلك حدا دفع به إلى الاستفادة من أكثر 
الوسائل تشييدا للعالم المسرحي. بصرف النظر عن ارتباطها بمذاهب 
رومانسية: أو طبيعيةء أو رمزيةء أو نحو ذلك. وهذا يعني أن الرشود يحرر 
عمله المسرحي من التقليد؛ فيخلق سماته الجديدة من خلال تناغم أكثر 
من وسيلةء يطلق بها جماع رؤيته المسرحية. 

ولن نجد في التجربة المسرحية لمجتمع الخليج العربي كاتبا مؤصلا 
للرؤية المسرحية في دراما الأسرة المتغيرة كصقر الرشود. ونستطيع ملاحظة 
ذلك بوضوح» من خلال التبصر في شخصية جعلها محورا لرؤيته., 
وتجسيداته المسرحية. وهي «منيرة». إنها شخصية تحشد بأكثر من وسيلة: 
تجعلها أكثر الشخصيات بقاء في ذاكرة المشاهد. ومن هذه الوسائل التي 
تبرز بها «منيرة» في غمار المسرح» التجسيد الذي يجمع بين الطبيعية, 
والتعبير به. كما نلاحظ ذلك في بداية الفصل الثاني عندما يجعلها الكاتب 
في وضع درامي يكثف فجيعتها . فهي بين اللوحة الزيتية لقط أسود. يضرب 
بمخلبه حمامة بيضاءء وبين قفص بداخله طير صغير. وبتمثلها للقط 
المرسوم» والطير المحبوس» يتجسم حولها رعب الحالة المفجعة. 

إن قوة التركيز المسرحي في مشهد منيرة مع القفص والحمامة يحتشد 
ببعث أكثر من وسيلة طبيعيةء كالتمثيل الصامت (البانتوميم)ء الذي يعتمد 
على الحركة المدفوعة باستدعاء الحالة النفسية. وكالمونولوج الداخلي المندمج 
في لحظات الشعور بالعزلة: والارتهان بحالة الاستلاب للحرية.. . ويحتشد 
التركيز المسرحي ببعث الوسائل المسرحية التعبيرية أيضاء كاستخدام 
الأصوات الوحشية أو المستغيثة. وربط الشخصية المسرحية «منيرة» بعلاقة 
نفسية من التماثل بينهاء وبين رموز المكان وأدواته الظاهرة. كالصورة الزيتية. 
التي صدر عنها الصوت الوحشي المفترس والطير المحبوس الذي صدر 
عنه صوت الاستغاثة. الأمر الذي جسم لها رعب الحالة مع آثارها العميقة. 
فكما تمثلت في صوت القط والقوة الغاشمة من أبيها وأخيها «خليفة» فقد 
تمثلت في صوت الطير صوتها المستضعف. 

وقد استمر الكاتب في حشد الخاصية «التعبيرية» بحيث أسبغها على 
معظم التفاصيل المحطمة الموحية. كما أسبغها على معظم حوار «منيرة» 
في الفصل الثاني فمنذ مونولوجها الداخلي الطويل في مشهد اللوحة 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


والقفصء إلى أن تنتهي المسرحية تكون في حالة من الذهان العصبيء الذي 
يجعله الكاتب وسيلة يسوغ بها الإمكانات الموحية في الاستعمال اللغوي 
للحوار. فمنيرة تخاطب الأشياءء والرموز الجامدة؛ كاللوحة والطيرء والمزهرية 
المكسورة من خلال الحالة النفسية؛ والاجتماعية المترسبة في شخصيتها 
لهات اللسرطلة يها درل ها كالب التسحسصياس الأخرى فة خا برها 
الاتصال بما حولهاء وباطنها الاتصال بجسامة فجيعتها. 

وقد تشمل تلك الخاصية التعبيرية بعض مقاطع الحوار التي تذعن 
«منيرة» فيها للأحلام اليقظة. فعلى الرغم من المضمون الرومانسي لهذه 
الأحلام» إلا أنها تتوغل مع ذات الإمكانات الموحية في التجسيد المسرحي 
المركز على الحوارء بحيث تتناغم مع وتيرتهاء التي تنحو نحو التحليل النفسي. 
وهناك مواقف عديدة تتخيل «منيرة» حدوثها لتستجيب معها في حوار 
يكشف عن مشاعرهاء ورغباتها المكبوتةء كأن تتداعى لها صورة ابن عمها 
الذي فقدته؛ لتخاطبه بروح تدل على مدى أشواقها الرومانسية للاندماج 
في وحدة مفقودة»ء أو استعادة حب مفقود . 

ويبتكر الرشود في هذه المسرحية مشهدا أثار الاهتمام لدى أكثر من 
ناقد. لآأنه جمع فيه بأسلوب الرمز بين الواقع الذي يحطم «منيرة» والحلم 
الذي يجسم أشواقها للتمرد والحرية ”" ونعتقد أن هذا المشهد امتداد 
لوسائل المسرحية التعبيرية» التي يوظفها صقر الرشود بتركيز وعناية. إن 
هذا المشهد عبارة عن حوار متدفق؛ يجري بين «وليد» و «منيرة» حول فتاة 
رآها «وليد» تبكي بنقمة شديدة على المجتمع: لأنها ثارت على تقاليده 
وقوانينه. وبدلا من أن يتركها الناس تنعم بحريتها عملوا على تشويههاء 
وتحطيم سمعتها بر واسبهم المتخلفة. فلم تطق هذه الفتاة تحطيمهم إياهاء 
بل طلبت العودة إلى مجتمعهاء الذي ثارت عليه. 

والحوار حول هذه الفتاة يبرز الواقع والحلم جنبا إلى جنب» حيث يتمثل 
الأول في «منيرة» التي تحاصرها قوانين الأسرة التقليدية؛ ويتمثل الثاني 
في الفتاة المتمردة على هذه القوانين: التي تعكس بتمردها حلم «منيرة» في 
نوال الحرية ولكن ينبغي ملاحظة أن الواقع والحلم (منيرة والفتاة) إنما 
هما موقفان متضادان: لأن «منيرة» تمثل الإذعان للواقع. بينما تمثل الفتاة 
التمرد عليه. وهما موقفان يلتقيان حول خلاصة مشتركةء رغم تضادهماء 


156 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


لأن الإذعان (حطم) «منيرة» وقادها إلى الجنون: والتمرد (حطّم) الفتاة 
وشوه سمعتهاء فطلبت العودة إلى مجتمعها . ومن هنا فنحن نعتقد أن عنصري 
التضاد واللقاء اللذين يشع بهما هذا المشهد. هما أساس شكله التعبيري. 
لأن كلا من الموقفين المتضادين يمثل محادثة خارجية ضاغطة؛ ومثيرة 
لانفعالات داخلية فى الحوار بين «وليد» «ومنيرة». فتمرد الفتاة يثير انفعالات 
«ووليك» ENR AS AA‏ إلى الإذعان يثير انفعالات 
«منيرة» لأنها لا تقبله. رغم معايشتها له. وبذا تصبح «الفتاة» بمثابة التخيل 
المتسلل من داخل كل منهما. ليجسد مخاوف «وليد» وأشواق «منيرة». 

ولا تقتصر الدلالة التعبيرية في هذا المشهد على صيغة التحليل النفسي 
التي يدل عليهاء وإنما تشتمل تلك الدلالة على جانب من فلسفة التعبير بين 
أيضاء الذين لا يقرون بوجود حقيقة واحدة:؛ أو رؤية موضوعية ثابتة. 
«لآنهم يرون الأشياء ويفسرون الحوادث من خلال ما ينطبع في نفوسهم من 
تجارب» وأفكار. ومصالح» . 9" ولذا تتعدد الحقائق, وتنقسم الرؤية وهذا 
ما يعكسه المشهد التعبيري بين «وليد» و «منيرة» على نحو يخل بالهدف 
الموضوعي الذي يبتغيه صقر الرشود . فالفتاة التي تثير حوارهماء تمثل 
حادكة لا تمكس حقيقة واحدة, وإنما تكسن الحقيقة, كما كبر هنها افغالات 
«وليد» والحقيقةء كما تعبر عنها انفعالات «متيرة». بل إن هذا المشهد 
ينتهي بمغزى يؤكد على روح الانقسام» إذ تطلق «منيرة» صرخة بكائية 
تستدعي بها حريتها المفقودة حين تقول: 

«آبيٌ نور مَهّما كانت قيمته.. . حتى ولو كان قاتل.. . آبيٌ نور» 

ويكون هذا النور الذي تطلبه. مثارا للانقسام المحيّر. وعاملا في تشكيل 
المشهد التعبيري أمام المتلقىء» فالأم تظنها في حاجة إلى نور «المصباح» و 
«وليد» يراه نور الشمسء الذي لم يشرق على الأسرة, بينما لم تطلب «منيرة» 
من المصباح» ولا من الشمس نورا. لأنها تستهدف نورا خاصا بذاتها. مما 
يجعلها تطمئن إلى القول بأن «في الدنيا آلاف الشموس» لتعبر عن الخلاصة 
التعبيرية في المشهد السابق؛ الذي برهن لها على انقسام الحقيقة: وعلى 
اختلاف الطرق في نوال الحرية. 

وسنعتبر استخدام صقر الرشود للرمز في هذه المسرحية صيغة أخرى, 
يستغل فيها الوسائل التعبيرية: من أجل أن يضاعف تأثير موضوعاته وأفكاره. 


157 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ولا نشك في أن استخدام الرمز شائع عند الكثير من الكتاب الذين تأثروا 
بالتعبير كبريخت وأونيل؛ وشون أوكيزي. وسترندبيرغ. كما لا نشك في 
تأثير هؤلاء على أغلب أعمال صقر الرشود. ولذا نلاحظ في «المخلب 
الكبير» أن الرمز يستولي على خيال هذا الكاتب بصورة ملحوظةء حتى في 
النص الفصيح: عندما استخدم اللوحة الزيتية للقط الذي يضرب الحمامة, 
واستخدم الساعة «المنبّه» التي دق جرسها أمام الأب «فهد» في لحظة 
اكتئابه. وضعفه الشديد» فأصبحت تتراءى له كصورة المرأة. لآنها تحدت 
صمته وهدوءه. تماما كما تحدت ابنته «مريم» سلطته الأبوية. 

والحق أن الرشود لم يستغل «اللوحة الزيتية» استغلالا جيدا في النص 
الفصيح» ولم يوقظ من خلالها إشعاعات أفكاره؛ كما فعل مع النص العامي 
للمخلب الكبير. ففي هذا النص المعدل لم تكن اللوحة مجرد إحدى أدوات 
الإكسسوار الجامدة في الغرفة. بل إنها صيغة معادلة للبناء الدرامي في 
المسرحيةء كما لا تقتصر علاقتها بوليد الذي يتمسك بالقانون الطبيعي 
حول البقاء للأقوى: على نحو ما تجسده اللوحة الزيتيةء التي يحملها معه 
أينما ذهب. وإنما تتصل علاقتها بالرقعة الدرامية التي تدور فيها سائر 
الشخصيات بحيث تتساءل كل شخصية عن هذه اللوحة» وتنشيّ معها 
علاقة ما. حسب المولع الدرامي الذي ترتكز عليه. ولعل ذلك يفسر تلك 
العلاقة المستمرة التي أوقفها الكاتب بين «منيرة» (الشخصية المحورية) 
واللوحة الزيتية. ففي كثير من المشاهد يفجر الكاتب الواقع حول هذه 
الشخصية: ويثير أفكاره حول مصيرها من خلال هذه اللوحة. 

وليس مبالغة في القول إن صراع القوى الدرامية في هذه المسرحية لم 
يخرج عن مخيلة اللوحة الزيتيةء فهناك قيم واتجاهات سلوكية بين أفراد 
الأسرة تمثل مخالب القط الأسودء وهنا قيم واتجاهات تمثل استكانة 
الحمامة البيضاء. حتى لقد تكررت جمل الحوار التي تجعل «خليفة» يلعب 
دور القط أمام «منيرة» التي تلعب دور الحمامة. أو التي تجعل «خليفة» 
يلعب دور الحمامة أمام الأب الذي يلعب دور القط. ورغم ما يدل عليه ذلك 
من بناء للرمز فى قلب المواقفء» والأفعال. إلا أن استفحال أسرار هذا 
الداع وا داك اتر اتف الإيجاء: جما الوسر يسيم 6ة هة 
والألفة. وخاصة حين استولد رموزا أخرى تعمق نزعة الإفشاء المباشر 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


آخر من تقاليد الأسرة حول «منيرة». والمزهرية التي دل انكسارها غللى 
الحب المحطم في قلب الأسرة. 

وأيا ما كان الأمرء فإن جميع الوسائل التي استغل الرشود بناءها على 
الیو كنت موت ا ع العا الى سر عا على قرة التركين 
المسرحي»› وهي رؤية-إن كانت قد زاوجت بين وسائل متعددة فما ذلك إلا 
من أجل خلق تشكيل درامي يتلاءم مع ما يثيره النظام التقليدي للأسرة 
الغيرة من خيالات روزي ولعل ذلك ما ساعد صقر الرشوه على اتر 
المسرحية؛ وقدرته على التركيز عليهاء بحيث أنه بنى عليها جميع أعماله 
اا كما الاحظه يك فى السرهية الكاتية الس اها الرشود اة 
العامة اعثمادا على الحذات التصلين الثاني والكالث من التصى الغصيع 
للمخلب الكبيرء وهي مسرحية «الطين». 

ويستمر تنقيب الكاتب في مسرحية «الطين» عن أكثر الوسائل المسرحية 
تركيزاء وإمعانا فى تشكيل المعالع الدوامية لانهيار النظام التقليدي للأسرة 
ديقم أن هذه السرحية كن اة بإقارة اقا الا لفكرة اة 
جعلها تحرك انهيار الأسرة في النص الفصيح للمخلب الكبيرء وهي أن 
الجن ك جرا دون آن تك فيا قطرة وى إلا انه استطاء ان 
يميزها بفكرة درامية مقت الكثير من مشاعرالحلق والقوزة التي دف 
بها إعادةيناء لمجم زهي الصراع حول كروة الأسرة القى جيحها الآ 
«فهد»» وشغل عمره تحصيلا ومحافظة عليها. 

والثروة فى هذه المسرحية لا تعنى جانبا مادياء تتسابق الشخصيات فى 
فة وا تار به واا تى مغاليد العقيواض الج ونظانة ااك 
في المستقبل؛ ركان المسرحية نستهدف السؤال التالى :هن هو اتجديريهذا 
التحكم, وتلك المقاليد في مجتمع الكويت والخليج العربي. ؟ ومن هو صانع 
التغير. والمستحق الطبيعى للثروة 5 هل الطيقة الاجتماعية التى يستتب 
نظاميا التغليدي الراهق بالسيظرة والشلظة 4 آم هة ابخرى متطفلة..., 


159 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


أم طبقة أخيرة مستلبة. ؟ 

تجيب مسرحية «الطين» على هذا السؤال بصياغة مركزة لنماذج لم 
تألفها خشبة المسرح في الكويت والخليج العربيء فإذا كان صقر الرشود 
قد خلق عناصر التركيز والرؤية المسرحية في «الحاجز» و «المخلب الكبير» 
من خلال شخصيات يستدعي قسماتهاء بما يتضافر حولها من الرموز 
الخارجية للمكانء فإن عناصر التركيز الدرامي» التي يستمدها لشخصيات 
«الطين» لا تكاد تغادر رقعتها الداخلية الذهنيةء والسيكولوجية. بحيث أن 
ملامح تشكيله الدراميء تبدأ وتنتهي من هذه الرقعةء دون الاستعانة برموز 
خارجية صريحة؛ بحكم أنها ستكون مغموسة في سياقها الذهنيء أو النفسي 
الرامز. الذي سيحدد حركتها الدرامية العنيفة. وجوهر الخيال الذي يحدد 
ذلك المظهر الدرامي لشخصيات «الطين» ينبثق من كونها نماذج لقوى 
اجتماعية؛ ترتبط ببعضها على أساس درامي. محمول بدافعين مدببين 
هما: المصلحة والتحدي. 

ولا يخفي. ما في العلاقة القائمة على المصلحة.. والتحدي من 
الطاب الجركة الا اة م حاتي والنزعات البشرية من جانب آخر 
فكما تدل هذه العلاقة على جدلية الواقع الذي يتحرك فوقه أغراد الأسرة 
تدل أيضا على ذلك النزوع الفردي-الأبدي-للأنا الذي يتعارض تماما مع 
التركيب الجماعي المتساند في نظام الأسرة التقليدية. فضلا عن تعارضه 
مع أي مجتمع لم تبعث فيه الديمقراطية انتصارا حاسما. إن هذا الأساس 
الجدلي-الإنساني؛ هو الذي يميز شخصيات «الطين» ويجعل التمسرح قائماء 
مما في داخلها من تمرد المشاعر والأفكار. على نحو يصير كل منها سؤالا 
فظا ناشبا في نظام المجتمع. 

والأساس السابق هو مناط التركيز حول خمس شخصيات مسرحية 
يحول الكاتب بينهاء وبين التفاصيل الواقعية الغثة في الحركة؛ والحوار. 
الأب «فهد» نموذج المركز الأبوي المغلقء يستهدف التحدي» في وقت يستهدفه 
تحدي الآخرين. ويبحث عن مصلحته التقليدية في الأسرة في الوقت الذي 
يبحث الآخرون عن مصلحتهم من خلاله. وما ذلك إلا لأنه بمثابة الوريث 
غير الشرعي للتغير الراهن: أو القادم في المجتمع؛ والابن الشرعي المخلص 
للماضي. لقد امتلك الثروة الطائلة التي ليست من صنعه وحده» وأراد أن 


160 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


يبقي حركة المجتمع في يده. وبينما تقضي مصلحته الإبقاء على نظام 
الماضيء يكون التغيّر متحديا له. مكشرا في وجهه من مختلف الجهات. لقد 
تحداه العقم» فلم يستطع أن ينجب سوى البنات» فتزوج من فتاة صغيرة 
السنّ لعلّه ينجب منها ولدا. فلا ينقطع ذكره» ورضيت «وفاء» بزواجها منهء 
رغم كبر سنه لأنها مدفوعة بمصلحة أسرتهاء الطامعة في ثروته. ولكنها لم 
تذعن كلية لتخطيط آسرتهاء إذ تمردت بمشاعرها الغريزية على هذا 
الزواج» واستطابت خيانته مع غيره. فأصبحت تتحدى معاييره الأخلاقية 
وبات يعلم بخيانتهاء ولكنه لا يستطيع ردعهاء لأنه يستهدف مصلحته في 
الإنجاب منها. 

وتمثل «مريم» ابنة «فهد» جانبا آخر من التغير الذي يتحدى قوانين 
الأب وسلطته الأخلاقية. لقد أرغمته على أن يزوجها من «خليفة» الرجل 
الشرير لأنها أحبته بجنون: كاد يفضح كبرياءه» ويشوّه سمعته الأبوية بين 
الناس. فرضي بزواجها خوفا من أي عار قد يجلله. ولكنه لم يسكت على 
تصرههاء فحين رآها حاملا طلب منها أن تقتل الجنينء أو أن تطلّق «خليفة» 
فيكون موقفها من هذا الخيار باعثا لمزيد من تحدي الواقع للأب: ومن هوّة 
التناقض بينه وبين التغيرء ذلك أنها تتحدى إرادتهء فتتمسك بزوجهاء وتبقي 
جنينهاء ليكون رمزا لإضمار التحدي» واستمراره في المستقبل. 

أما زوج ابنته «خليفة» فهو أوضح مظاهر التحدي ل «فهد» وأكثرها 
بزوغاء وإثارة لمشاعره المتبرّمة من التغير. ذلك أن «خليفة» نموذج صريح 
للشر الخالص غير المنقسم» الذي يسعى للاطاحة بأي نموذج آخرء ينقسم 
على نفسه؛ سواء كان فهدا أو مريم أو وفاء. إنه مجرم مطرود من أسرته 
التي تسبب في إيذائها.ء تسيطر عليه رغبة جارفة في الحصول السهل على 
ثروة تنقذ وضعه الشاذ. فيجد في زواجه من «مريم» وسيلة لتحقيق هذه 
الغاية. وهنا يشعر الأب «فهد» بتحدي القوة الشريرة» ومطاردتها لثروته. 
لأنه يعلم علم اليقين أن «خليفة» إنما تزوج ابنته القبيحة الشكل ليستغلها 
في أغراضه. ويعلم أنه يدبر فرصة مؤاتية للتخلص منه؛ والاستيلاء على 
ثروته. 

وقد أقام الكاتب علاقة درامية قويةء قائمة على التحدي والمصلحة بين 
«خليفة» و«فهد». فهو يربط «خليفة» مع الأسرة بعلاقة زواج مع ابنته «مريم» 


١‏ ا 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وعلاقة تآمر وخيانة مع زوجته «وفاء». الأمر الذي أوحى بقوة التحدي 
المنبعث من الواقع الجديد لأسرة «فهد» وهو زواجه الثاني من «وفاء». ومن 
الواقع التقليدي المتزعزع وهو أبوته لمريم. و«خليفة» نموذج لطبقة طفيلية 
تتسلّق الواقعين معا لتحقيق أغراضها . إنه يغري «وفاء» بحب خائن مضمونه 
المصلحة المادية التي يسعى إليهاء فيحرض تمردها على زوجها المسن؛ 
ويدفعها للتورّط في قتله . وهو يغري زوجته «مريم» بحب يدعيه أمامهاء من 
أجل أن يضمن له البقاءء والإرث الشرعي في ثروة الأسرة. 

ولا نشك في أن «خليفة» ما كان له أن يلعب دورا كهذا الدور لولا أنه 
نموذج درامي يتخطى الوضع الطبقي المتطفلء ليكون نموذجا إنسانياء في 
أي مجتمع تتوثب في أحشائه اتجاهات حضارية خطيرة» وحاسمة في 
التغيرء وقد سبق للكاتب أن طرح هذا النموذج بصورة تعليمية أخلاقية 
مباشرةء دون تجسيد مسرحي في النص الفصيح للمخلب الكبيرء ولكنه 
في «الطين» يتمسرح بقوة في قالبها الدرامي» فقد جعله الكاتب يمتلك 
مؤهلات ظاهرية براقة كالوسامة؛ والمنطق الرجولي التي تستلب مشاعر 
المرأة. وتستولي عليهاء في وقت يمتلك مؤهلات أخرى ضالعة في الإجرام. 
ولذا تكثر الضحايا من حوله. و«مريم» هي أولى هذه الضحاياء لأنها تتقاسم 
معه المصلحة الفرديةء فهو يعطيها المظهر الرجوليء والقشرة الجمالية التي 
تفتقدها في حين تعطيه الثروة. وهي راضية بذلكء لأن كلا العطاءين ثروة 
في نظرها . وهذه النظرة تفسح المكان لبلوغ التركيز المسرحي حول شخصية 
«مريم» حد التوغل الدرامي. ذلك أنه يحيل نظرتها نحو جمال الرجل على 
أنه ثروة «فلوس»؛ إلى ضرب من الشعور المأساوي المستمد من الواقع ومن 
الغريزة الطبيعيةء فهي تقول متحدية أباها: 

«.. أوهمت نفسي بالمعنى.. تجعد وجهي من إيماني بالروح.. . لقيت 
الدنيا مظهر الزخرف ياكل.. القشور لها صوت.. الإيمان بالروح خفي.. . 
الناس ما تبحث عنّه لأنها كسلانة.. مظهر.. مظهر.. حطمني وحطمك 
المظهر يايبًاء'. 

إذن فإن «مريم» تحمل تجسيدا طبيعيا لهاجس مأساوي» تستدعيه 
المشاعر الإنسانيةء ومبعث هذا الهاجس وعي «مريم» بالجدلية القائمة بين 
وحودها: ووجود «خليفة)». فالأب المريظن: الستضعف... . المستهدف 


162 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


بالتحديء يثير في نفسها الإشفاق والرثاء؛ ولكنها لا تستطيع أن تتخلى عن 
النسغ الطبيعي الذي يصلها ب «خليفة» بحيث إنها تقول لأبيها: «مؤتني ولا 
تمت مظهري»». لتظهر استعدادها الواعي في أن تكون ضحية لمن يحقق 
الوجود لغرائزها الطبيعيةء وهو «خليفة». وقد أدرك صقر الرشود كيف 
يجعل الهاجس المأساوي عند مريم متناغما مع الرؤية المسرحية لدراما 
الأسرة المتغيرة. فقد جعله يصدر كما رأينا في حوارها السابق-عن انغماس 
فيما يقره المجتمع؛ وما تقره أهداف الناس ومثلهم. وبذا تكون «مريم» هي 
جذور الحجة «الطبيعية» المسؤغة للشرء وهي ذريعته الاجتماعية التي يركبها 
المجتمع الفاسد. حين يجوز الشر إذعانا لقيوده» وأغراضه:؛ وتماهيا مع 
قوانينه وتقاليده. 

وليست «وقاء» كسابقتها-رغم أنها الضحية الثانية لخليفة-ذلك أن جانبا 
منهاء يمثل امتدادا له؛ وجانبا آخر يمثل انقساما عليه. في الجانب الأول 
نجد استمراءها لخيانة الزوج» ورغبتها في موته. لأنه واقع مفروض عليها 
دون إرادتها. وفي الجانب الآخر نجد عدم إذعانها الكليٌ لأن تكون وسيلة 
للقتل؛ فما أن يعرض عليها «خليفة» طريقته في التخلص من زوجهاء حتى 
يستيقظ شعورها الإنساني» فترفض مجاراته دون أن تخشى تهديده 

وتكتمل الضحايا حول «خليفة» بالموت الاختياري للأب «فهد» الذي 
ينتزع له الرشود جوانب دقيقة من التركيزء والتجسيد المسرحيء لآن هذا 
الاختيار رمز جدلي لحتمية انهيار النظام التقليدي للأسرةء واستباق لأفوله 
التام في المجتمع. ومبعث هذه الدلالة الدرامية البازغة في موت «فهد» 
يكشف لنا عن نفاذ الرؤية المسرحية المشغةء التي يحرص الرشود على 
حضورها في قلب المواقف والأفعال على ارح قفارت فى اتا العادية 
مصير يتسم بالضرورة والحتمية؛ ولكنه على المسرح» وبرؤية الدراما الواقعية 
في مسرحية «الطين» يتسم بالخيال» والإحساس الغامر بالميلاد. 

ويتمثل ارتباط الموت بالخيال قي تعدد ضرورات الموت. هناك المرض 
الطبيعي الذي يحاصر الأب a‏ وهناك «خليفة» الذي دخل الأسرة 
للتخلص منه»ء والاستيلاء على ثروته. وإلى جانب ذلك هناك ضرورتان 
منتزعتان من فكرتين دراميتين طالما يثيرهما الرشود في أعماله المسرحية: 


163 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الأولى هي أن الموت شاخص في الذهن بوجود القوانين القاهرة: والنزعات 
الشريرة في المجتمع؛ ولذا فإن شخصيات «الطين» التي تجابه هذه القوانين 
والنزعات تصارع شعورا بأن تحيا مع فكرة الموت الشاخصة في ذهنها . إن 
«مريم» تقول لزوجها «خليفة» الذي يبادلها الحب المزيف: «إنت فتلي 
مليون مرة». و«وفاء» تقول عن زوجها المريض المسنٌ: إنذبحت من خياسة 
«لآنها ترى في زواجها منه جريمة. و«مرزوق» خادم الأسرة المستعبد يتراءى 
له شبح الموت فيقول: «أَبُويَ أكلّوٌ فلوسه وَعْلَّوّه في البحر ياكله السمك.. 
وآنا بيكالوثي وتعركوني اا 

أما الأب «فهد» فيختلف عن تلك الشخصيات. ذلك أنه لا يستطيع 
الاستمرار في مقاومة الموت بالحياة؛ لأن الشخصيات في المسرحية لعبت 
دور المتحدي لوجوده» ابتداء من ابنته «مريم» وانتهاء بخادمه «مرزوق». 
ولذا فهو يقول: «كل يُوم آنذبح عشر مرأت واللّي يِدْبَحُونِيَ ما يَمؤتون.. . 
من يقَدَرٌ يسميها جريمة 5.. وإهيّ ما فيها شهود وأدلّة». وحين يسعى إلى 
الانتحار اليائس في غرفته العليا يكون كمن ينتحر وهو ميت. 

أما الضرورة الدرامية الثانية التى استمد منها الرشود موت الأب» فهى 
آله خف عطنادة ا فى بحين آن التغير حقيقة بازغة كالحياة. بل 
إنه الحياة ذاتها التي لا يمكن إدراكها من غير حركة التفير. ومن يرفض 
الحياة فزن غلية أن جك دد واتار وكيد عند قر ال 
فقد جعله نموذجا لسلطة أبوية مغلقة لا تذعن للتغيرء وإنما تريد من التغير 
أن يذعن لقوانينهاء ويبقي على سلطتها. ولذا يفمر فهدا شعور عارم بالانتماء 
للماضيء الذي يحن إليهء ويطلب عودته. فقد كان فيه آمنا يفوص البحر 
فلا يخاف أسماكه المفترسة. أما الآن فالخوف يطارده رغم أنه على أرض 
يابسة» وبين بشر. 

إن مصدر ذلك الخوف هو عدم الإقرار بالتغير والتنكر للحياة الجديدة 
التي يراها مضادة لرغباته. وسلطته التقليدية. فالأسرة تتغير بعنف يأتي 
على وجوده الجامد» المعزول عن حركتهاء ولا تسفر جميع محاولاته في 
إيقاف التغير إلا عن قرب انهياره» فقد غابت إرادته عن ردع الزوجة الخائنة. 
واستعادة إذعان العبد «مرزوق» كما غابت إرادته عن التخلص من «خليفة» 
أو من الجنين الذي طالب بقتلهء فكان رد ابنته عليه بهذا المغزى البليغ: 


1 4 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


شىء تئية يُوَقَفَ على كيفك.. أوقف.. لکن ما كوشى يوقف». 

ومغزى إيقاف الحياة عن الجنين يجعل من الأب رمزا لإرادة مضادة 
للحياةء ولذا فإنه حين ينتحر إنما يلبي صوت هذه الإرادة. 

وهكذا تعددت ضرورات الموت الاختياري فوق أرضية الخيال الدرامي 
لسرحية «الطين» مفتسحة المجال لبزوغ الإحساس الثائر با ميلد ولتوظثة 
استباق الحياة الجديدة: التي فق ر فما الحقوق المستلية. اين يمكن لنا أن 
نلتمس الميلاد والحياة فوق تلك الأرضية. 3 سنلتمسها في شخصية «مرزوق». 
وسنجد رائحتها في صمته. وصوته. وفي ثباته» وحركته. فهو بطل هذه 
الدراما التى لم يغادر رقعتها على الإطلاق. إنه عبد أسود يعمل خادما 
لأسو كيد وكان اميل عند ن لأس یا كان ابد فيد وهنا 
في فترة الغوص والبحر. ولذا فإن الثروة ناتج لعمل «مرزوق» وعمل أبيه 
وغيرهما من الكادحين. 

«والسؤال الذي تبعثه شخصية «مرزوق» في خضم جرأتها ومطالبتها 
بحقهاء وقيمة جهدها: هو كيف تلعب تلك الشخصية دورها في الرقعة 
الدرامية لانهيار الأسرة 5». ا 

الدور الذي يلعبه «مرزوق» هو انعكاس لحركة الفعل؛ ونموه. وقد يجوز 
لنا القول بأنه انعكاس الحياة من الموت. كما كان «فهد» و «مريم»» و«خليفة» 
و «قاء» يعكسون لنا الموت من الحياة. ويمكن ملاحظة أن «مرزوق» يرتبط 
بخاصية درامية دقيقةء تعبر عن نموه واستباقه للحياة. وهي أنه يخرج 
على المسرح صامتا قليل الحوارء ثم لا يلبث أن تستنطقه الأحداث من حوله 
حواراء يتعاظم إلى أن ينفجر صوته مجلجلا في نهاية المسرحية. 

وكما يمكن قياس حوار «مرزوق» ببنية المواقف المسرحيةء يمكن قياس 
أفعاله بذات البنيةء فهو يقوم بدور المراقب للأحداث سواء كان حاضراء أو 
خارجا عن مشاهدهاء فلا يتدخل فيها إلا حين تحدق بالخطر. ولا نرى في 
ذلك ما يدل على الموقف السلبي العاجزء بقدر ما نرى فيه من الادخار 
لخلق الموقف الثوري في ظرفه المناسب. إنه لا يتدخل إلا في موقفين 
حاسمين: لغلهما أكثر واف االسريحية توكرا+ الأول يحول فيه نين ومخليقة», 
وبين إرغام «و فاء» على تنفيذ محاولة فقتل زوجها. وفي الثاني يحول بين 


165 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


«خليفة» أيضا وبين تحقيق هدفه الأخيرء بالاستيلاء على الثروة بعد انتحار 
الأب «فهد». وفي هذا الموقف تكون ثورة «مرزوق» وامتثاله لها برغبة 
عنيفة كي الباق فا ل من موت قود قحب وإنما من موت المحيطين 
بهء الذين كانوا يرددون إحساسهم بالموت فيما مضى. وليس لدينا أبلغ في 
التعبير عن الميلادء الذي نلتمسه في «مرزوق» من صوته الثائر في نهاية 
ار ۰ ۰ 

«مرزوق: عَظّمَ الله أَجَرك بطارق.. مهو بأبوك.. . (يتجه إلى السلّم 
وينظر إلى الدور العلوي) وأنت عَظّمَ الله أجَرك لنفسك.. تَوَنِيَ عَريت بنتك 
ولا جاوبتني ساكتة.. صارت مثلّك.. ماتت وإهيّ تتحرك.. وأنت ما تسمّعني 
لأنك نايم لكن إهيّ ليش ما تسمعني... کل النيت اكه د و ا اللي 
کو ون ا غاا کو فرك وى با ا ن ا 
بضحك عثك يا طارق (يضحك ويتضح في ضحكته الألم) ضحكتي ما تفيد 
ما أځد يسمعها ما عندي وَحَدَه مثل مريم.. وَهَمّ بَكوتيّ ما تفيد .. ليش ما 
تبكي يا اللي فوق.. (يتلاشى الضوء تدريجيا) هي.. إِنْت مت وإِلاً تكذب لا 
تفشتي طول عمرك تكذب علي لكن في موتك مهي معقولة.. شوف.. 
شوف إعروق أَبُوي نابتة بالطوفة وين عروقك ؟ ليش ما إِنْبَكَت مثله بالطوفه 
5 وين عروقك.. عروق أَبُوي كاهي ما فيها دم (يسود الظلام) لا تبلعني 
بالظلام مثل ما بلعت دم أبوي.. لا تقتلني بلوني وإلاً آل لوني عليك وآخلّيه 
يقتلك.. آنتقم منك بَلُونِي قَبُلٌ تِكُلمّت وآنا ساكت أكثر مما تكلّمت ألحين 
وآنا آتكلم.. هيّ.. راعي الاسميت.. ليش تَغيّر الدنيا على كيفك لأن يوسج 
الإثّريك عنّدَك ولأنك فوق.. أنا بَرَكَبَ لك..7". 

رلا فشك بعد اتفياء هدا السو واتفنانالطلام علق السرع هى أن 
الكاتب إنما يفك الارتباط العاطفي بين «مرزوق» والأسرة. بحيث تنهار 
روابط الحماية؛ أو الوصاية. ويتضخم الشعور بالغين؛ والتبخيس الذي تدل 
عليه الخلجات المؤلمة في الصوت السابق؛ وهو الشعور الذي لا ينتهي إلى 
التقوقع: وإنما على العكسء ينتهي إلى انفجار التحديء والتخلص التام من 
الاغتراب الذي تدل عليه العبارة الموحية, المتكررة بأن عروق «مرزوق» 
وأبيه نابتة بالجدارء كما ينتهي أيضا إلى التموضع بالدور الجديد في 
الأسرة. الذي يضحك فيه.. ويتكلم.. . وينتقم ويركب. 


| 6 


جدليه القوى الدراميه فى انهيار النظام التقليدي للأسرة 


وبهذه المثابة فإن «مرزوق» رمز للثآر الحتمي غير السلمي» القادم من 
طبقة اجتماعية استغلت ببشاعة مع اقتصاد البحر التقليدي» ومع حضارة 
النفط الحديثة. غفي الماضي كل والده من العمل؛ ولم يجد ناتجا لعمله. 
وإنما ألقي به في البحرء وبعد التغير والنفط لم يجد «مرزوق» ناتج عمله 
أيضاء وإنما وجد الجميع يستغل الثروة لمصلحة فردية مزيفة. 

وكما أن «مرزوقا» ثأر الماضي والحاضرء فإنه نذير المستقبل في التغيرء 
وحليفه الحقيقي في رؤية الكاتب. لأنه تجسيد لطبقة مسترقة؛ أغفلتها 
الطبقة المسيطرة في النظام الاجتماعي» ولم تحسب لوجودها شأنا في 
حركة التغيرء وإنما عزلتها بممارسة قهريةء استلبت منها كل شيء وألقمتها 
الطين «الذل». 

والطين كلمة تعبيرية موحية يرددها «مرزوق» في أكثر من خمسة عشر 
موقعا من نص المسرحيةء دون أن يتفق مراده منها في وتيرة واحدة. ضهي 
تارة توحي بمعنى الذل» وتارة بمعنى عطاء الكفافء وتارة بمعنى العمل 
والجهد؛ وتارة أخيرة بمعنى ناتج العمل» بل ربما أراد منها الكاتب أن تدل- 
أحيانا-على معنى فائض القيمة في عملية الإنتاج. وهناك جمل عديدة من 
حوار «مرزوق» تشتبك فيها كلمة الطين بتلك المعانيء مما يدل على جوهرهاء 
وصلتها بالخيال المسرحيء المتفتح لتعدد الرؤى.. ذلك الخيال الذي لا 
تنشبظة هذ الكلمة فحسبي..واثها تستقيطه بنية الشركة الدرامية مرزوق 
بكل تفاصيلها المدروسة بتحكم وتركيز شديدين. 

وليس مبالغة في القول بعد ذلك كله إن التجربة المسرحية في الخليج 
العربي-وخاصة في الكويت والبحرين-قد اكتسبت ذاكرة قويةء تخرج فيها 
الكثير من الشخصيات المسرحية منسلة من ثوب «مرزوق» العبد. الذي 
استدعى الحياة من موتهء أو «فهد» السيد الذي استدعى الموت من حياتهء 
أو «مريم الحجة» «الطبيعية للشر» أو «منيرة» الشوق الرومانسي للحرية'. 


107 


الحدمية الدرامية في حتمية 
التغيو المادي للاسرة 


يمكن القول. إن الحتمية الدراميةء التي يكثر 
استخدامنا لهاء تعني مفهوما قريبا من قانون 
الاحتمال والضرورة عند أرسطو الذي قال في كتابه 
«الشعر» بأن. «الأشياء ممكنة إما بحسب الاحتمال؛ 
أو بحسب الضرورة» . ل'أوهما القاعدتان اللتان 
تسوقان الفعل» باعتباره غاية درامية في نظرهء إما 
بشكل تعرف (وهو انتقال من جهل إلى معرفة يژؤدي 
إلى انتقال في المشاعر)ء أو بشكل تحول (وهو 
انقلاب الفعل إلى ضده.) ونعتقد أن الفعل الدراميء 
كما يبلوره الإطار الأرسطي السابق حين يشتبك 
ع ااا ك ا لكي ديفا 
الحتمية الدرامية التى نراها خاصية واضحة فى 
دراما الأسرة الد الخليج اا 

إن التعرّف. والتحول لا يمكن تشكيلهما على 
المسرح إلا في سياق احتمالات الواقع: أو ضروراتهء 
التي لا مناص من الاستجابة لها . والفعل فوق خشبة 
المسرح لا يكون ضرورياء أو محتملا إلا إذا كان 
مرادفا لشروط التغير وعوامله. سواء كان-أي الفعل- 
يستمد ضرورته من حتمية التغيرء أو كان يستمد 


16۹ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


احتماله من نسبية التفير. ومن ثم فإن الحتمية الدرامية الثى سنبحث عنها 
فى الأعمال المسرحية لهذا الفصل لن تختلف كثيرا عن فكرة الشك فى 
حتمية التقاليد والمعايير. أو حتمية انهيار النظام الاجتماعي القديم إلا 
لبنية الفعل الدرامى» وهو أن الحتمية الدرامية فى الأعمال المسرحية التى 
سنعرض لهاء يرتبط أثرها. وتشكيلها المسرحي بتفاعل الأسرة مع مجموعة 
من الظواهر المادية فى التغير الجناتى: سواء ما اتصل منها بأشكال الحراك 
الاجتماعى كالتعليم. والعوامل الديمغرافية: والحضارية الجديدة. أو ما 
اتصل منها بقوانين توزيع الثروةء وتبدل نمط الإنتاج. 

وسيذكرنا التشكيل الدرامى لتلك الظواهر بالتشكيل الهزلى من «الهوة 
الثقافية» الذي عرضنا له في الباب الأول من هذه الدراسة. ذلك أن انتزاع 
القالب الهزلي من تناقضات التغير المتسارع: وقلق التكيف معهاء يعد ظاهرة 
مسرحية مبكرة فى التجرية المسرحيةء وجدنا آثارها الصريحة منذ مرحلة 
الأرتجال الشوحى الف صباعه منشاكل الثروة اة ودار وال 
بيد أن هذا القالب يختلف عن دراما الأسرة المتغيرة اختلافا شديدا . نظرا 
لارتباطه بفترة ازدهار الدور الإصلاحى فى الخمسينات من هذا القرن. 
ولاعتماده على فلسفة القالب الهزلي» التي تنحو نحو المصالحة مع الواقع 
فى نهاية الأمر؛ مهما أظهرت فى البداية من أشكال التناقض الحادة معه. 
تتذرع بوسائل الرؤية المسرحية للمهزلة؛ التي عرضنا لها في الباب السابق. 
وهو ما ستحاول القيام بتتبعه في أربعة أعمال مسرحية هي. «الأسرة 
الضائعة» و «فلوس ونفوس» لعبد العزيز السريع و«عشت وشفت» لسعد 
الفرج, و«هدامة» لمهدي الصايغ. وسنتخد من مالاحظات هذا العرض 
توطئّة لدراسة أعمال الكاتب المسرحى عيد العزيز الستريع بصورة خاصة» 
يسبب تنيز اسعيحابة البائ لكر من قضايا الأسرة ومشاكلها الحضتارية 
بعد التغير. 

وتشترك الأعمال المسرحية المذكورة آنفاء في أنها تنتزع قالبها الدرامي 
من حتمية التغير: بحيث آنها توقن .أن التغبر» هنو ذلك المضير الشائكك 
الذي خلق انقساما حادا في المجتمع؛ بين تقيد أبنائه بفكرة الثبات» أو 


170 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


انطلاقهم مع فكرة التغير.. . بين ارتباطهم بالماضي أو مجاراتهم للحاضر.. 
. بين الفقر أو الغنى.. . وبين غنى النفس أو فقرها الروحي. 

ويوحي الانقسام السابق بوجود صراع أيديولوجي أفرزه التفير 
الاقتصادي بعد ظهور النفط» ورسبه عاملان جوهريان: أحدهما الحراك 
والصراع بين الأجيالء وثانيهما: الحراك والصراع الطبقي. ذلك أن فترة 
الستينات التي تبلورت فيها الأعمال المسرحية المذكورة هي أكثر الفترات 
تعبيرا عن الصراع بين جيل الآباء. الذين عايشوا ظهور النفط» دون أن 
يستوعبوه بمؤهلات حضارية كافيةء وبين جيل الأبناءء الذين تفتحت أعينهم 
على ظهور النتائج الحضارية للنفط؛ ومن ثم فقط استوعبوا التغير بمؤهلات 
مختلفةء ونظرة مغايرةء وفترة الستينات هي فترة ازدهار البرجوازية 
«المعارضة» التي اتسعت رقعتها بفضل انتشار التعليم: وكثرة خريجي 
الجامعات» واتساع الأجهزة الإدارية في المجتمع» وانتشار الوعي الاجتماعي 
المتحرر من التقاليد الجامدة. وكانت أكثر المواجهات والصدامات التي خلقها 
ازدهار هذه الطبقة هو محاربتها لجمود النظام التقليدي القديم» الذي 
تحالفت حوله الأسر البرجوازية الكبرى التجارية, أو القبلية. 

إن هذا الانقسام الحاد بجذوره الاجتماعية الراسخة؛ هو أساس الانقسام 
داخل الأسرة المتفيرة في مجتمع الخليج العربي» وهو سبيكة البناء الدرامي 
في الكثير من الأعمال المسرحية الاجتماعية. والمسرحيات موضع دراسة 
هذا الفصل تتميز بأنها لا تشيد عالم الانقسام الدرامي في الأسرة بتشخيص 
الجانب الثقافي في حياتها كما فعل صقر الرشود . فهي لا تبرز الشك في 
التقاليد أو المعاييرء والقيم أساسا لقيام العالم المنقسم» وإنما تبرز الجانب 
المادي الذي يقتحم ثبات الأسرة ويحرك جمود نظامها القديم» ويبعث-من 
تم-الانقسام في عالمها الروحي. ولذا فإن هذه المسرحيات تتعرض-دون 
غيرها-لحركة تثمين الأراضي التي قامت بها حكومة الكويت منذ 
الخمسينات» من أجل توزيع عائدات النفط على المواطنين. وتتعرض لحركة 
التعليم» وللمفاهيم الجديدة المرتبطة بدخول الأسرة في مجتمع عصري» 
تقتني فيه وسائل الانتشار الحضاريء كالأدوات التكنولوجية (تليفزيون- 
راديو-سيارة-ونحو ذلك) وسيجعلنا ذلك كله أمام منظور درامي لمشكلة «الهوة 
الثقافية» التي صاغت القالب الهزلي من قبل» وهو المنظور الذي نجده 


17 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


جلياء ومباشرا منذ مسرحية «الأسرة الضائعة» التي أخرجها صقر الرشود 
لمسرح الخليج العربي في ديسمبر 1963, ( 

والقيمة التي ترتبط بها مسرحية «الأسرة الضائعة» هي رصدها المبكر 
في تاريخ الحركة المسرحية لنموذج الأسرة المتغيرة» التي يتموضع في هيكلها 
أثر التغير الاقتصادي السريع؛ مما يجعلها إحدى المسرحيات الرائدة التي 
بنت العالم الدرامي للأسرة استنادا على المنظور السوسيولوجي البازغ 
وهو أن الكثير من أوجه الصراع غير المفهوم كالصراع بين الأجيال أو بين 
الآباء والأبناءء والزوجات والأزواج. يمكن تعقب مصادرها الأساسية في 
الاستجابة المتفاوتة للإيقاع المتسارع في خطوات التغيرء كما يرى ذلك 
الكثير من الباحثين الاجتماعيين . 

ولعل الاهتمام المغالي بالرصد, ونمط الحالة؛ هو الذي يفسر اتساع 
الرقعة الزمنية في هذه المسرحية. فالفصل الأول ينقسم إلى مشهدين 
تدور أحداث الأول حول فقر الأسرة. ومعاناتها الفظة؛ قبل أن تنعكس 
عليها آثار التغير الاقتصادي. وبعد مرور فترة تأتي أحداث المشهد الثاني 
مبينة ارتفاع مستوى معيشة الأسرة. بسبب حصول الأم على إرث مادي؛ 
وتثمين جزء من بيت تمتلكه. وفي الفصل الثاني يتحول وضع الأسرة بعد أن 
نالت حظ «التثمين». وينعكس هذا التحول الاقتصاديء والديمغرافي) لأن 
الأسرة تغير موقع سكنها (على العلاقات الاجتماعية بين أفراد هذه الأسرة 
بحيث تصبح الغاية الدرامية للكاتب رصد الاستجابة المتفاوتة للتغير الطارئ 
في تلك العلاقات . 

ورغم أن وسائل التركيز المسرحي» تقصر عن إتمام غايتها الدرامية 
بسبب مغالاة التركيز حول شخصيات دون أخرى. إلا أن جدلية العقدة 
تحتفظ بدينامية الأفعال» والاتجاهات الموازية للتغيرء ونتائج حركة التثمين. 
فتستنبط خيالها من مخاطبة ردود فعل ذات طابع حتمي» تواجهه شخصيات 
المسرحية بنوع من الخلود الرومانسي إلى التبرم» المشوب بالضعف. رغم أن 
هذا الخطاب. لا يخلو من ملامح الرؤية الموضوعية للتغير النازح إلى الأسرة. 
لأنه لا يخرج عن الحتمية الطبيعية لوضوح اتجاهين جوهريين في قلب 
ردود الفعل؛ التي تخوض غمارها «الأسرة الضائعة». 

ويتمثل الاتجاه الأول في حتمية انهيار الأسرةء وتفكك علاقاتها 


172 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


الاجتماعية. على نحو يكون بمثابة المصير الميلودرامي» الذي يستمد منطقه 
من الوجود الطبيعي للأسرة في مجتمع الكويت والخليج العربي» فهي أسرة 
تعاني من مشكلتين. الفقرء والتزمت الأبوي المغلق. وهما مشكلتان تلخصان 
حجم التخلف الذي يلح عليهاء بحيث أن التغير المادي لن ينقذ وضعها 
المتخلف» بقدر ما سيجرها نحو مصير الانهيار. 

لقد صور الكاتب جميع الشخصيات في حالة صريحة من معاناة التخلف. 
فالآب «بو جاسم» تسيطر عليه عقلية جامدة يستغل فيها سلطته الآبوية, 
فيحجب التعليم عن ابنته «سارة»» ويفرض أوامره» ونواهيه الأخلاقية. وفي 
نفس الوقت يشكو من حالة الفقرء ويبدي مشاعر التبرم من بخسه حقه 
حين يرى نفسه محروما أمام حظوة غيره بالتثمين. 

إن الأب نموذج مركب من الجمود العقلي» وقسوة الفقرء والإحساس 
بالغين» والتعطش للثروة. ولن يكون بذلك قابلا للتكيف مع الثروة حين 
تهبط عليه بعد التثمين: الذي كان ينتظره. بل إنه أكثر من سيفقد السيطرة 
على توازنه مع التغيّر. لأنه يستغل مركزه الأبوي استغلالا فاحشاء فيستضعف 
زوجتهء ويتنكر لهاء رغم إخلاصها له في محنة فقرهء ورغم أنها مصدر 
ثروته. إنه يستلب كافة حقوقها الطبيعيةء مما يستدعى تفكك علاقة الزواج 
بينهماء ليس بالطلاق. وإنما بما هو أكثر فظاظة منه. وهو هجرها إلى 
زوجة ثانية. 

وبذا تصبح الزوجة ضحية سهلة في إطار ذلك المنطق الطبيعي للأسرة 
الأبويةء وقد ظلت توحي بذلك منذ بداية المسرحية. ففي مرحلة فقر الأسرة 
تتذرع بالصبر غالباء أو تجد العزاء لابنتها المعذبة «سارة» بما وجدته في 
صباها من عذاب مضاعف, لن تحتمله ابنتها لو لحق بها. وفي أحيان كثيرة 
تذود عن المنطق الأبوي في الأسرةء فلا تقف مع حاجة ابنتها للتعليم» وتلبية 
مشاعرها الإنسانية البريئة؛ وإنما ترى في تبرمها على الأب عيبا . وبسبب 
ذلك تكون عاملا في استضعاف موقف ابنتها «سارة» التي تطلق في وجهها 
هذه الصرخة الغاضبة: «بَمنَ يا يمّة.. إِنْتَيّ عَدْبّتينّي.. إِنَتَيّ حا 
. وكل ذلك يوحي بأن الأم شخصية جاهزةء تستمد ضعفها في الأرضية 
الدرامية للأسرة من ضعف موقفها الطبيعى» وضيق احتمالاته التى لا تقبل 
زک لضا کا له الات موا فا اي وهو ما متخت اب 


ينيد ضعيفة».. 


173 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


موقفهاء أو نسيانها تماما في تطور الأحداث الأخيرة. 

والمسرحية بنزعتها الطبيعيةء تجعل من جميع شخصياته تقريبا-علامات 
بازغة على التخلف الاجتماعى للأسرةء بحيث أن هذا التخلف لن يمهد 
إطلاقا لعملية التكيف مع الثروة. «سارة» تشكو من شظف الحالة الاجتماعية, 
وقيامها بدور كادح في أعمال البيت. في الوقت الذي لا تلبّي لها الأسرة 
حاجاتها الطبيعية. بحيث يحول الأب بينها وبين التعليم؛ فتكون أكثر من 
يتجرع نتائج العزلة عن التغير. 

وليست «سارة» أو الأم-وحدها-أساس البناء الرخو الذي يستقبل التغير 
الاقتصادي بالقلق الشديد. بل إن جميع الشخصيات تجسد بتفاوت التركيز 
المسرحي حولها هذه الرؤية. «بدر» الصغير ينطلق دون ضابط تربوي يهدي 
تصرفاته المؤذيةء و «سعد» يفقد قدرته على مواصلة الدراسة و«عبد الله» 
يمزقه فقر الأسرةء وفشل حياته الدراسية. وبذا يتوزع الفراغ الحضاري» 
أو العقلاني في الأسرة بين جميع أفرادهاء بعد أن رضخت للجمود. وقطعت 
صلتها بالتعليم» وعطلت الحاجة إليه. 

وإذا كانت شخصيات «أم جاسم» و «سارة» و «عبد الله» و«سعد» و 
«بدر» يمثل بعضها مواقف مقموعة؛ ويمثل بعضها الآخر رغبات» واتجاهات 
عقلانية مغمورة لم تنج من الاستكانة) آم جاسم سارة (ولا من التبرم السلبي.) 
عبد الله-سعد (؛ فإن هناك شخصية أخرى تمثل إمعانا بالغا في رخاوة بناء 
الأسرة وانتكاسا ظاهرا لآمالها في استعادة التماسك, فقن شخصية 
«جاسم». إنه أكبر الأبناء. يعمل في وظيفة عسكرية تبعث آمال الأسرة 
ويصبح-بسببها-مؤهلا لإنقاذ وضعها الاجتماعي. بل إن «سارة» وهي أكثر 
من يواجه شقاء البيت تراه مثلها الأعلى حين تقول له: «آنا آتمثى إِنْي آكون 
ِنْتَ». وترى فيه خلاصها من الشقاء حين تقول: «إِنْتَ ملي الوحيد في ها 
البيك: ماكو اكد يتهمتى إلا إقت): 

ولكن رغم الصورة الخلاصية التي يتراءى فيها «جاسم» فإنه يخيّب 
جميع الآمال» فالوظيفة العسكرية بإغراءاتهاء ومثالها العملي الناصع لا 
تصاحبها مواقف عملية: وإنما تصاحبها أحلام جوفاءء وإحساس غامر 
بالضعف البشري. إنه يحلم ببناء قصر من الفرح لأسرته» وخوض معارك 
شريفة؛ وأمجاد عظيمة. ولكنه ما أن یری خوف أمه عليه حتى يقر لها بأن 


174 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


ذلك مجرد كلام في الهواء. وما أن تظهر هذه الأم خوفها من الموت. بسبب 
مرضهاء حتى يرتد إلى حالة من الضعف» والضيق. 

إن شخصية تجابه قسوة الواقع بهذا الضعف إنما تكون عاملا في إثارة 
قلق الأسرة. ومضاعفة مخاوفهاء بعد أن كانت تنظر إليه عاملا في خلاصها . 
بل إنها تسؤغ حتمية انهيار الأسرة بضعفها البشري» وظلامها الداخلي. 
وتكون أقسى ضحاياه. لأن «جاسم» وقف عاجزا أمام إنقاذ نفسه. وليس 
إنقاذ الأسرة فحسب. فبدلا من أن يواجه الواقع المفروض عليه من أب 
متزمت» يعارض زواجه من الفتاة التي أحبّها. ويلجاً إلى عزلة يائسة مع 
ظلال الأيام وذكريات الماضيء المتبقية مع بقاء الظل» والضوء في اللوحة 
الزيتية للفتاة» التي يطيل التأمل فيها باستمرار. وليس من شك في أن 
التخطيط السابق لغياب الملامح الحضارية؛ والعقلانية عن شخصيات 
«الأسرة الضائعة» إنما هو اتجاه إلى القول: بأن حتمية الضياع» والتفكك 
الذي يحمل مصير الأسرة نحو الانهيار. بعد مجيء ثروة النفط الهائلة, 
إنما هو بسبب غياب تلك الملامح» وافتقار المجتمع الكويتي إليها افتقارا 
شديدا. 

أما الاتجاه الثاني الذي تخاطب به هذه المسرحية ردود فعل التغير فهو 
انحراف الاستجابة لمشكلة «الهوة الثقافية». فقد فاجأت الحضارة المادية 
للنفط مجتمعا جامدا لاعقلانياء أفقدته صواب الاستجابة وقدرة التكيف. 
وفي المسرحية عبارة ترد على لسان إحدى شخصيتها تقول: «وإحْنًا مَقّلوبين 
عَدَلِيّن.. واحْنَا عَدَلِيّن مقلوبين». وتعني هذه العبارة أن معدل التغير الذي 
جابهته الأسرة يضاهي انقلاب السويّة الطبيعية؛ وتبدل الأوضاع رأسا على 
عقب. وليس في هذه الصورة انحياز لتهويل النتائج البالغة الشذوذ, بقدر 
ما فيها من المغزى الدرامي الحادء المدفوع بدينامية الفترة اللامعيارية, 
التي يمر بها المجتمع الكويتي. 

وقد صاغت مسرحية الأسرة الضائعة «فكرة الاستجابة لتلك الفترة 
بأسلوب لا يبحث عن الحلول؛ بقدر ما يبحث عن نسغ المشكلة في حركة 
المجتمع. فهي تبرز مظاهر الاستجابة للهوة الثقافية في صورة الانقسام 
الحادء بين أغراد الأسرة؛ الذي عبرت عنه المسرحية على لسان الابن العابث» 
«عبد الله» بقوله لأخيه «جاسم:< 


175 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 

«آنا سالك ؟هل آنا آفهم أبوي 3 أو هَل آنا آفهم أمي أَوَ أُمْيّ تفُهمني ؟ 
هل آنا آفهم إختي أو أختي تفهمني 3 هل آنا آفهمك أو انت تفهمني ؟ لا 
بتاتا.. . ما أحدٌ فيئًا يفَّهِمَ الثاني.. . إحنا مثل الغرفة اللي لها أربّع أركان 
كل واحد متّزوي في ركن ولازم الصمت» © 

ويتجسد هذا الانقسام في المسرحية بانشغال كل عضو في الأسرة 
بمشكلته» ونأيه عن التفاهم مع مشكلة غيره. «سارة» تعاني الجهل؛ وتزمت 
الأب.قلاً يستجيب للشكلتها أحد .يل إنها تشعر يمزيد من العزلة والصتعف 
بسبب المواقف السلبية من حولها. إن «جاسما» معزول عنها بمشكلته 
الخاصة: التي يتجرع فيها ضياع أحلامه. و«عبد الله» معزول عنهاء بتمزقه 
وكثرة صدماته مع والده» الأم معزولة عنها بالتماهي في سلطة الأب. 

ولا تتمكن الثروة التي يزداد حظ الأسرة منها من حل مظاهر الانقسام: 
وعدم التفاهم» بل تتوغل بها إلى حد المواقف الميلودرامية. وفي ذلك اتجاه 
للقول: بأن التغير الاقتصادي أوقع قي نيل الأبناء (وهم يمثلون أيديولوجية 
البرجوازية الصغيرة أو المعارضة) في مجابهة لم يستطع الخروج منها 
معافى؛ لأنه يتحمل من جرائها الإرهاق والقلق» في حين يستأثر جيل الآباء 
(وغالبا ما يمثلون أيديولوجية البرجوازية التجارية أو القبلية) بقطف الثمار 
الأولى للتغير الاقتصادي. فقد سيطر الأب على ثروة الأسرةء وتحكم في 
توجيهها دون إقرار بحق الزوجة والأولاد . واستجاب ليولهء ورغباته السهلة. 
فهجر الزوجة الأولىء وقطع صلته بالماضيء وتزوج من قتاة لبنانية جميلةء 
أرغمت على الزواج منه طمعا في ثروته. بيد أن كل ذلك لا يخرج عن كونه 
إمعانا في الفرديةء واستجابة غير سوية للتغير. وليس أدل على ذلك من أن 
اكات يجعل النمط البالغ من الحياة المادية الباذخة, بمثابة التفسير الحقيقي 
لعبارته القائلة على لسان «جاسم»: «إحنا نكمّل نقصنا المعنوي بشي ماذي». 
ومغزى هذه العبارة يشير بوضوح إلى أن سلوك الأب هو الصورة البالغة 
القسوة لانحراف الاستجابةء وهو خلاصة الحكم على جيل كامل ينحدر 
منه. يقع فريسة لفراغ حضاري ممض» واكتناز مادي أجوف. 

إن مسرحية «الأسرة الضائعة» توحي بأن التغير الاقتصادي في الكويت 
دخل على الأسرة بممارسة قهرية غير مباشرة. لآنه لم ينقذ وضع الأسرة 
من تخلفها بل إنه أقض مضجعا كان آمنا قبل التغير. وليس أبلغ في التعبير 


176 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


عن المشكلة الاجتماعية التي أحدثها ذلك التغير من تلك الصورة التي 
يصف فيها الكاتب الأسرة بعد ثرائه: «إحنا مثل دروازة الجهرة.. #أحواليها 
الأشياء جميلة لكنها فى أعماقها قديمة.» وهذه الصورة امتداد للرؤية 
السابقة المحمولة بالإدانة الشديدة لحركة التحديث الاقتصادي للأسرة. 
لآنها خلقت طبقة اجتماعية لاهثة وراء وسائل الإثراء السهلةء ومتكالبة 
على قشور التطورء في إشباع ميولها الفردية والغريزيةء على حساب التفريط 
في قيم التكاتف والتساند الاجتماعي. 

ورغم ما في هذه الرؤية من ملامح المثل الواقعي الموضوعي: إلا أن 
معالجتها الدرامية لم تنج من تفاوت التركيز المسرحيء فقد تبدد الكثير من 
آثار هذا التركيز الممكن فوق المتسع الزمني العريض, بين الأحداث والمواقف. 
وفضلا عن هذا المتسع؛ هناك مصدر آخر لذلك التفاوت» وهو إعادة الصياغة 
التي فرضها المخرج صقر الرشود على النص الأصلي للمسرحية. ويمكن 
ملاحظة مظاهر كثيرة لهذا المصدرء نجدها في تفاوت لغة الحوار بين 
الجمل التصويرية الموحية التي تميزت بها مسرحيات الرشود» وبين جمل 
الحوار العادي التي تميزت بها مسرحيات عبد العزيز السريع؛ ونجدها في 
إحاطة الضحية «جاسم» بعزلة قريبة الشبه من العزلةء التي أحاطت «منيرة» 
في «المخلب الكبير». فقد توزعت ملامح هزيمته بين تأمل اللوحة الزيتية 

تاة التي أحبهاء وبين التمثال الصغير الذي كسرت قدمه. فأصبح هذا 
المشهدء نواة لذلك المشهد التعبيري» البازغ بضغوط الوسائل الخارجية, 
التي توزعت فيه مشاعر «منيرة» بين اللوحة الزيتية للقطء وبين الطير 
المحبوس في القفص. 

ومن مظاهر صياغة المخرج صقر الرشود؛ التي استدعت تفاوت التركيز 
المسرحيء إشباع حوار بعض الشخصيات ك «عبد الله» و «سارة» بمشاعر 
حادة» دون غيرهاء لأنه يفترض منها التبرم المتوقع أكثر من غيرها . وأخيرا 
فإن من مظاهر صياغة الرشود لهذه المسرحية, أنه لم يرجع انهيار الأسرة 
وضياعهاء لحركة التثمين وحدهاء وإنما أبرز إلى جانب العامل الاقتصادي 
المفاجى؛ عوامل أخرىء وجدناها في تصوير تخلّف الأسرةء وجمود تقاليدهاء 
وتحكم السلطة الأبوية فيها. وتوطئة التغير للأسرة بمثل هذه العوامل هي 
أساس الاختلاف بين الرؤية التي تستدعيها إعادة صياغة صقر الرشود 


177 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


للأسرة الضائعةء وبين إعادة صياغتها على يد كاتبها الأصلي عبد العزيز 
السريع عام 1969 تحت اسم «فلوس ونفوس». © . 

وتختلف مسرحية «فلوس ونفوس» التي عرضت في يونيو 1970 بإخراج 
صالح الحمدانء عن إعادة الصياغة التي فرضها صقر الرشود في المسرحية 
السابقةء رغم أن المسرحيتين تنطلقان من النص الأصلي للأسرة الضائعة. 
الذي قدمه عبد العزيز السريّع. كما سبقت الإشارة لذلك من قبل. وجوهر 
هذا الاختلاف يقع في صميم الرؤية الموضوعية للأسرة الفوقية والتحتية. 
نجدها في «فلوس ونفوس» أمام تغير مرهق ينبعث لها من تبدل المستوى 
الاقتصادي في معيشتها. 

وبينما كانت «الأسرة الضائعة» تواجه بذور التفكك. قبل مفاجأة الثروة 
نجدها في هذه المسرحية عكس ذلك تماما. قفي الفصل الأول تعيش 
الأسرة في أجواء تقليدية يسيطر عليها القدم» والرثاثةء والفقرء دون أن 
يخلخل ذلك من تماسكها. ويرسم عبد العزيز السريّع صورة بالغة لفقر 
الأسرة توازي الصورة البالغة لما هي عليه من تساند . فالأب «بو عبد الله» 
يعمل «فرًّاشا»» ويعول زوجته وأبناءه» ويشكو حالة شديدة من الفقرء والغين. 
فقد تجاوزته قوانين تثمين الأراضيء بينما شملت غيره بالغنى. ورغم ذلك 
فإنه يعطف على زوجته» وأولاده. ويصرٌ على ضرورة تلبية حاجاتهم. أما 
«الأم» فتعكس مثالا صافيا للزوجة الحريصة على دعم تماسك الأسرة 
والإخلاص للزوج في محنته. 

فلا تستسلم لإغراءات أخيها الثري. الذي جاء يستغل العطف عليها من 
أجل شراء بيت زوجهاء والاستئثار بالتثمين» بل إن هذه الزوجة تقف إلى 
جانب زوجها في خلافه مع أخيهاء إلى أن يأتي الطارق حاملا إلى الأسرة 
بشرى» التثمين. 

«ولكن هل حافظت الأسرة على تماسكهاء بعد خضوعها للتحديث 
الاقتصادي (تثمين الأراضي)ء وانتقالها إلى الثراء. هنا تقع المفارقة الدرامية 
الحادة التي يشتقها الكاتب من حركة المجتمع الكويتي» ومن مثل موضوعي 
اجتماعي. واضح الملامح. فالأسرة في أي مجتمع من شأنها أن تتعرض 
لقلق شديد من جراء اقتحام النمط الاقتصادي الحديث؛ بأفكاره: وأدواته 
التكنولوجية. ومن حيث الوجهة السوسيولوجية فإن النظرة الوظيفية تقر 


178 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


بأن النموذج السابق من التغير يؤدي إلى تفكك الأسرة وفقدانها لوظائفها 
الأساسية. وهو ما نجد له صدى واضحا في الأسرة المتغيرة التي تصورها 
مسرحية «فلوس ونفوس». فبعد أن كانت وحدة طبيعيةء ونفسية متكاملة 
يؤدي فيها كل عضو دوره استجابة للحاجات الاقتصاديةء نجدها بعد 
«التثمين» تفقد تلك الوحدة؛ وتتجه نحو التحلّل؛ والانهيارء والانشقاق إلى 
أكثر من اتجاه. 

إن الزوج يفقد دوره المتساند مع زوجته بعد أن بدلت الثروة أخلاقه. 
ومعاييره. لقد خلع ثوب «الفراش» وأسمال الفقرء ولبس ثياب الغنى» وقناع 
الانتهازية اللاهثة وراء الثروةء المفرطة في إشباع الميول الفردية. ومن الطبيعي 
حينئذ أن تنحل روابط الماضي وقيمه. فقد كان يؤمن بأن قيمة الإنسان بما 
يحققه من نجاح في التعليم؛ يتقي به قسوة الأيام. أما الآن فإن قيمة جميع 
الأشياء ترتبط بالمادة (الثروة). ولذا يقف معترضا على سفر ابنه «عبد 
الله» للخارج من أجل إتمام الدراسة. وهو الذي كان يحرضه عليها. 

أمّا تقتير الماضيء وحرمانه فقد تحؤل إلى انكباب» لتحقيق مطالب 
اللذة الفردية. فالزوجة التي جمّلت فقره الماضيء باتت مثارا لاشمئزازه 
وتتغلب فرديته نحوها على قيد التساند معهاء فيقرر الزواج» من فتاة لبنانية. 

وإذن فإن التغير الذي يرجع أصداءه القوية في الأسرة. يخل بالدور 
الوظيفي للزوج. والإخلال بهذا الدور المصحوب بالتغير السابق. من شأنه 
أن يوزع في أركان الأسرة أدوارا جديدة من التكيف. أو الرفضء أو التقبل. 
وتقوم الزوجة-في هذا السياق-بتمثيل مظاهر الإرهاق الشديدة لدور التكيف 
مع الواقع الجديدء الذي فرضته الثروة. فهي ترتدي الملابس الحديثة إرضاء 
لمطالب الزوج» وإخلاصا لمجاراتهء ولكنها لا تدرك بأن هذه الملابس تلغي 
ملابسها التقليدية القديمةء بل إنها تزاوج بين المظهرين على نحو يجلب لها 
سخرية الزوج. 

وحين يقرر الأب الزواج من امرأة ثانيةء لا تملك الزوجة دفعا لموقفهء 
كما لا تملك قدرة على تحقيق حياة مستقلّة بالطلاق منهء لأنها لا تزال 
مدفوعة بتحقيق دور الأم في الأسرة من أجل تلبية حاجة الأبناء. ولذا تعلّق 
آمالها على الابن الأكبر «عبد الله» الذي يعود في الفصل الثالث. منهيا 
دراسته بالخارج» مصحوبا بزوجة أجنبية؛ ولكنه بدلا من أن يخلّص أمه من 


179 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ظلم الأب» يكون المتقبّل لوضعها الجديد. 

ويمثل هذا الابن دور التقبل على أكمل وجه؛ فقد أخفى أمر زواجه عن 
أمه؛ بينما أظهره لأبيه. ويقف مناصرا الأب الذي يقرر إخراج الأم من 
البيت. كي يستفيد من بيعه. متقبلا بهذا الموقف عودة أمه لواقع غير 
محتمل مع شريكتها في زوجهاء ومتذرعا بمبدأ: «هذي طبيعة الأشيّاء» 
ورافعا شعار «إخد ما يسر وَخَلٌ ما تعَسسّرٌ بعد أن وجد أباه هو الأقوىء لأن 
الثروة معه؛ والدين معه»ء والقضاء معه في كل ما فرضه على الأسرة من 

أما الابن الأصغر «سالم» فيقوم برفض ما يحدث لأمه من إجحاف. ولم 
يكن متوقعا منه هذا الدور. لصغر سنه. ولذا كان موقفه مباغتا للجميع. 
فقد رفض الخروج من البيت مع أمه متحديا أباه وخاله؛ وقاد المسرحية إلى 
نهاية صعبة ودقيقة. ضفي الوقت الذي شكلت حتمية تغير الأسرة مضمونا 
لانتصار المنطق الأبوي-الطبقي الجديد» تظل ذات الحتمية نذيرا بمضمون 
ذي حساسية مغايرة. نجدها في المؤشر المسرحي بليغ الدلالة لخاتمة 
المسرحية. فقد وقفت الأم. واحتضنت ابنها «سالم» بقوةء بينما تركزت 
حزمة من الضوء حول رأسيهماء موحية بما في موقفها من إشعاع: في 
الوقت الذي غمر الآخرين الظلام. 

إن مثل هذه الخاتمة المفتوحة, تنبض بحركة الصراع الاجتماعي المدفوعة 
بآثار التحديث الاقتصادي للأسرةء فالطبقة البرجوازية التجاريةء التي 
خلقها هذا التحديثء وانتصر لفرديتهاء وانتهازيتهاء وتماهيها مع قيم الدين؛ 
وعادات المجتمع؛ لا تمثل الضرورة النهائيةء أو المعطى الأوحد للتفيرء لأن 
الاستجابة البشرية في أي مجتمع متغير» تتوغل في حدود كثيرةء ومعطيات 
جمّة؛ وهو ما ينطلق منه المثل الموضوعي في مسرحية «فلوس ونفوس» لأنها 
لم تسلّم بمنطق: «هذه طبيعة الأشياء» أو خذ ما اتخذ «وإنما أقرّت ملامح 
المستقبل؛ وأنبأت بمواقف تنبئ هي الأخرى بالتغير. كما نستوحي ذلك من 
مباغتة «سالم» المتحدية للجميع؛ ومن المناهضة العقلانية لحقوق الأم التي 
تبثّاها «جاسم» زوج البنت «سارة». 

والموقف الدينامي المحكم الذي تنتهي إليه هذه المسرحية: إنما هو بمثابة 
الضرورة الموضوعية لبنيتها الدرامية المحكمة. فالعقدة تعتمد على خيال 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


ينطلق من أسباب» ومسببات التغير الاقتصاديء الذي اجتاح الهيكل 
الاجتماعي للأسرة في الكويت؛ بيد أن هذا الخيال يخضع لتخطيط الدراما 
الاجتماعية الذي يجعل العقدة لبوسا للمشكلة الاجتماعية المركزة: والمواقف 
التي يمكن أن تنتزع منهاء وليست لبوسا لتفاصيل المشكلة؛ أو تفريعاتها 
المضلّلة. كما حدث في مسرحية «الأسرة الضائعة». عندما لم تحقق العقدة 
الدرامية فيها وحدة التركيز المسرحي» حول الشخصيات والمواقف المنبعثة 
من حتمية التغير. 

إن ما تحققه «فلوس ونفوس». لدراما الأسرة المتغيرة في مجتمع الخليج 
العربي هو نموذجيتها الدرامية لاستجابة المجتمع للتغير. ومسرحتها لأوجه 
المجابهة: بين الماضي. (الأم)ء والراهن (الأب). والمستقبل «سالم.» وإبقائها 
لحتمية هذه الأوجه جميعا. فهي ذات متسع دينامي يقبل الماضي ويرفضه. 
ويقبل التغير ويرفضه أيضا. وهذا اتجاه تستقل به الدراما الاجتماعية عند 
عبد العزيز السريع؛ وخاصة في مسرحيته السابقة. ويختلف فيه عن الاتجاه 
الذي رسمته مسرحية «الأسرة الضائعة» لأن هذه المسرحية انطلقت من 
رفض الماضيء والارتهان بالتغير. رغم ما يستدعيه ردود فعل مفجعة. 

وهناك مسرحيتان نرى ضرورة دراستهما في هذا السياق, لأنهما تتوغلان 
بالاتجاهين السابقين نحو خصائص نوابية تبلور النموذج الدرامي المنتزع 
من حتمية التغير. الأولى مسرحية «عشت عشت وشفت» لسعد الفرج» وهي امتداد 
لمجابهة التغير في مسرحية «الأسرة الضائعة» والثانية «هدامة» لمهدي 
الصايغ؛ وهي امتداد لمجابهة التغير في مسرحية «فلوس ونفوس .» وقد 
عرضت المسرحية الآولى بإخراج حسين الصالح الحداد في ديسمبر 1964 . 
أي بعد عام واحد من عرض «الأسرة الضائعة». 

وسنفترض منذ البداية أن تتميز مسرحية «عشت وشفت» عن سابقتها 
بجوانب كثيرة في نمذجتها الدرامية للتغيرء لآنها لم تنظر إلى حتمية تغير 
الأسرة في مجتمع مدني منقسم., وإنما نظرت إلى هذه الحتمية في مجتمع 
ريفي» يواجه انقساما حادا بين الثبات والتغير. ولنا أن نقدر حدة هذا 
الانقسام من إدراكنا لطبيعة المجتمع الزراعي في الريف» فهو مجتمع يتسم 
بالثبات الشديد»: ويقرٌ مواضعات الحياة بتقاليد راسخة؛ وقيم مترسئبة: 
تساعده على تحقق الاستجابة المتعقبة للثبات الطبيعي» الذي يتصل به مع 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الأرض المزروعة. ومسرحية «عشت وشفت» أوّل الأعمال المسرحية التي 
عالجت الانقسام الدرامي في هذا المجتمع» ورغم أنها المسرحية الثانية 
للكاتب بعد الملهاة الهزلية التي كتبها باسم «استارثوني وآنه حي» إلا أنها 
تدل على الكثير من ملامح النضج المسرحي» وسمات الرؤية الواضحة 
لحركة التعير. 

وينبغي ملاحظة أن التغير الذي تصوغه «عشت وشفت» لا يستدعي 
انحراف الاستجابة: ونزيف التمثل المرضي» كما في «الأسرة 
الضائعة»و«فلوس ونفوس» وإنما يستدعي الحتمية العقلانية للتغيرء التي 
يعني استدعاؤهاء المجابهة بينها وبين النمط التقليدي الثابت في القرية 
الزراعيةء والتخلّي عن جميع القيم» والنظم التي يفترضها هذا النمط. 
مهما كانت آثيرةء وعزيزة. بما فيها من التزام بالأشكال العرفية للتضامن 
الاقتصادي» والتماسك الاجتماعي. ومسرحية «عشت وشفت» تمسرح ذلك 
الاستدعاءء والتخلي. من أجل تشييد عالم عقلاني» يزداد فيه وعي الفرد 
بالقوانين العلمية للتطور. هذا ما نتمثله في أسرة «بو فلاح» التي كانت 
تستسلم لنمط متماسك من الحياة؛ وتمارس نشاطا اقتصاديا تقليديا بزراعة 
قطعة من الأرضء وتلتزم بقيم التساند» والتضامن. ولكن لا تلبث قواعد 
هذا النمط أن تنحل» تدريجيا بعد أن دخل التعليم القريةء وشملها التحديث 
الاقتصادي «المدني» (تثمين الأراضي). 

كان «بو فلاح» قد دفع ابنه «سالم» لتعلم القرآن تلبية للحاجة إلى 
الدين؛ ولكن بعد سنوات عرفت القرية نظام المدارس الليلية فدخلها ابنه 
الأكبر «فلاح» وتعلم أغكارا جديدة غيرت مفاهيمه نحو الزواج» وبسبب هذا 
التعليم أفاق «بو فلاح» ليجد نفسه محاطا بعزلة تامة عن ولديه وما جد في 
حياتهما من قيم وأفكار. لقد خلخل التعليم القواعد التي تعارف عليها 
الأب» وأصبح هذا التعليم مضمونا للضرورة في الفعل الدرامي التي توظف 
لمجابهة حتمية التغيرء وتؤسس ومن ثم الجوهر المستمر في دراما الأسرة 
المتغيرة وهو الانقسام الدرامي المتطرف. 

ويأتي العنصر الدرامي في الانقسام المتطرف بين رفض جمود الماضي. 
وضرورة الارتهان بعقلانية التغيرء أو التنكر كلية لهذه الضرورة: وإبقاء 
الصلة بذلك الماضي. لقد تبرّم «بو فلاح» بالأفكار الجديدة؛ التي يدخلها 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


الولدان على الآسرة؛ واعتبر قولهما بأن الأرض تدورء وأن المطر يسقط من 
بخار الماء. وأن هناك أقمارا صناعية كفرا.. . وجنونا.. ولم يرض بالعادات 
الجديدة: التي يريدها ولداه. كما وقف معارضا تثمين البيت» أو إعادة 
بنائهء لآنه أراد البقاء للماضيء والسلطة لمركزه الأبوي. ومن ثم يزداد 
التطرف داخل الأسرة فهل تبقى مثالا للأسرة «الحمولة» الأبوية التي يهيمن 
فيها «بو فلاح»بمعاييره؛ على الابن وزوجته «وضحة» وحفيدة «حسين». أم 
ينتصر أفرادها للنزعة الفردية؛ ويستقل «فلاح» بالمثال الاجتماعي الفردي, 
الذي يربطه بزوجته؛ وابنه الصغير ؟ 

إن الانقسام حول هذين المثالين أعنف ما في مسرحية «عشت وشفت» 
من مظاهر الصدام والمجابهة. فقد استجابت «وضحة» لمطالب الأب» ودخلت 
معه في عزلته اليائسة من التغيرء ولكنها تدفع ثمنا باهظا لذلك. بعد أن 
وقفت موزعة» بين ما يفرضه «بو فلاح» وما يرفضه «فلاح». فتجرعت 
الحيرةء وتلقت التهديد بالطلاق. فاضطرت من ثم مجاراة مطالب الزوج 
بذهابها للمدرسة الليلية. وجاءت تطلب موافقة «بو فلاح» فكان رده عليها 
يحمل أبلغ معاني اليأس «آناً موافق.. إن لم يطعَك الزمان فأطعه». 

وكما انعتقت الزوجة من السلطة التقليدية للآب» ينعتق منها الحفيد 
«حسين» بعودته إلى المدرسة بعد أن أخرجه «بو فلاح» منهاء ومن ثم أصبح 
هذا «الجد» الذي استنكف من التغيرء بحزم شديد» رمزا لالإذعان الحتمي 
للتفير في نهاية المسرحيةء فقد دخل عليه «حسين» يقرأ في كتاب: 

«الأرض تدور حول نفسهاء والأرض تدور حول الشمس. والمطر يتكوّن 
من بخار البحار والمحيطات». 

فيرد عليه «بو فلاح». 

«نعم تدور.. وتدور غصبا عن جدك».. 

ولن نجد في الدراما المحلية أبلغ في التعبير عن حتمية التفير ضفي 
الأسرةء كما نجدها في العبارة السابقةء فقد جاءت. لا لتقرٌ بدوران الأرض» 
وإنما لتقرٌ بكل ما اقتحم الأسرة من تغيّر. فهي اعتراف بعدم الثبات, 
وتسليم بعدم الرجوع إلى الماضيء. وإذعان لعقلانية شاملة. وتتناغم جميع 
هذه المعاني مع كون العبارة التي أطلقها «بو فلاح» خلاصة لضرورة التحول 
في البنية الدرامية. 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وترتكز ضرورة التحول في مسرحية «عشت وشفت» على مجموعة من 
الخصائص الدراميةء التي تميّزت بها في تجسيد القبول بحتمية التغير. 
ومن هذه الخصائص دقة الصورة المتضامنة في الماضيء لأن الكاتب يربط 
هذا الماضي بمجموعة من أشكال التعاون؛ والتبادل التي تقوم بوظيفة 
المحافظة على تماسك الوحدة الإقليمية. مثل نظام «المفازعة»” . 

ولقد اتسعت الصورة الواقعية للقيم في المجتمع الزراعي.. . بتوظيف 
الطابع التسجيلي الذي استدعى رصد الكاتب لمجموعة من العادات المألوفة 
في ذلك المجتمع» كالاحترام الشديد لرب الأسرة؛ والاعتماد عليه في اختيار 
القرينةء والاستشفاء بقراءة القرآن؛ واستعادة المنسيّ بشرب الماء. ونحو 
ذلك من العادات؛ والقيم التي تسجلها المسرحية للواقع الاجتماعي في 
القرية قبل التغير. ونعتقد أن دقة هذه الصورة التسجيلية عامل في تشخيص 
أجواء الانقسام» والتحول. فقد جاءت المفاهيم: والأفكار الجديدة المضادة 
لتلك الصورة لتجسم حجم الماضي من جهةء وحجم الضرورة الجديدة من 
جهة أخرى. 

ومن خصائص الحتمية الدرامية في مسرحية «عشت وشفت» عدم 
التشبث الرومانسي بالماضيء أو الإذعان لصورته الأثيرة. فالكاتب لا يسوؤغ 
البقاء للماضيء رغم ما يتميز به من قيم التضامن الاجتماعي. ويدل ذلك 
على رؤيته الواقعية للتغيرء لأنه لو أذعن لسلطة الماضيء» لما كان التحول 
الدرامي في منجى من التلبّد بالمشاعر الرومانسية؛ التي تعرقل الشك في 
الماضي. 

وقد أمكن لسعد الفرج أن يشكك في الماضي» بتوظيف خاصية أخرى, 
وهي الطابع الميلودراميء الذي يصاحب الصورة التسجيلية السابقة. فإذا 
كان ذلك الماضيء يشرق بمظاهر التضامن: فإنه يرزح على كاهل الأسرة 
بأثقال الشقاء التي تبعث رائحة الموت. لقد انتحر العبد «مبروك» فرمى 
نفسه في «قليب» المزرعة المجاورة تخلّصا من بؤس العمل المستمر في 
الحقل. وتقرّحت يدا «مطلق» من حبال «الدّلو» حتى أكلت القطة من يده 
وهو مستغرق في النوم؛ بعد عمل كادح» من أجل أبناته: وأبناء أخيه المتوضى. 
أما أسرة «بو فلاح» فإنها تواجه العمل في الحقل بشعور يائس» يستبد بها 
إلى حد تفضيل الموت» كما في العبارة التي يرددها «فلاح:< إن الموت أرحم 


184 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


بنا من هذه الحياة». وكل هذه ملامح ميلودرامية تنحاز لضرورة التغير 
وإمكانية الشك في الماضي. 

ونجد من بين خصائص التحول الدرامي في هذه المسرحيةء ذلك التركيز 
المقبول حول المفاهيم: كما يفصح عنه الحوار الآتي: 

«فلاح: اليوم يتزوج الإنسان ليأتي لنفسه بشريكة حياةء تشاركه أفراحه 
وآحزانه وتخفف عنه همومه ومشاكله. 

أبو عبد الله: وزوجتك التي كنت تكثر من مدحها وتتحدث عن فضائلها 
كل وقت5.. 

فلاح: نعم كانت زوجة مثالية.. أما الآن فقد تغير الوقت وتغيرت أنا.. 
وتغيّر كل شيء.. أما هي فما تغيرت بل بقيت كما هي..». 

ومن الواضح» أن «فلاحا» في الحوار السابق يتبنى مفهوما جديدا حول 
الزواج» يتناقض مع مفهوم ابن القريةء فلم تعد الزوجة خادمة بيت» وإنما 
شريكة حياة. وليس من شك في أن التحول في المفاهيم يقع في صميم 
قواعد الدراما الاجتماعية الحديثةء لأنه ينتزع لها عالم الأفكار. ويخطط 
فيها بنية الأفعال الدراميةء ومن ثم فإن ذلك التحولء بمثابة المضمون 
للفكرء والذريعة للفعل؛ والدافع للحركة بأسرها في دراما الأسرة المتغيرة. 
كما أفصحت عن ذلك مسرحية «عشت وشفت». 

وإذا كانت المسرحية السابقة قد أحالت ضرورة التغيرء أو حتميته التي 
بدأت بها مسرحية «الأسرة الضائعة» إلى ارتهان عقلاني بذات الضرورة: 
فإن مسرحية «هدامة» لمهدي الصايغ. تحيل الرؤية النقدية للتغير التي 
وجدنا ملامح منها في مسرحية «فلوس ونفوس» إلى نهج عقلاني لا يكتفي 
بمجرد الرفضء وإنما يتخطى ذلك إلى الثورة. 

ففي «هدامة» نجد حساسية الانقسام الدرامي بين الماضي والتغيرء 
مضمونا منفمسا في حساسية الانقسام الطبقيء وكلا الانقسامي معطى 
جوهري لقوانين التحديث الاقتصادي (تثمين الأراضي)ء فقد خلقت هذه 
القوانين هوّة طبقية سحيقة بين الأخوين «بو ناصر» و«بو صقرر» لأنها 
أتاحت فرصا غير متساوية بينهماء بحيث شملت الأول «بو ناصر» فجعلته 
يستغل ضعف أخيهء ويسرق ثروة التثمين؛ ليتركه في بيت قديم متهدم. 
وبينما جعلت الثروة «بو ناصر» نموذجا للانتهازيةء والاستغلال: والشراهة. 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


جعل الغين والبخس اللذين لحقا ب «بو صقر» منه نموذجا مستكيناء يستجير 
بالماضي» ويستمد منه صمودا مهزوما. فقد ذهب منه كل شيء.؛ ولم يبق 
سوى البيت القديم» المتداعي الذي يجمع الكاتب بداخله رموز المجتمع 
الكويتي» واتجاهاته الحضارية. إن هذا المجتمع قديم متداع كهذا البيت. 
رغم ضربات التحديث الاقتصاديء التي تجلجل بها القوانين الجديدة. فهو 
صورة قديمة آيلة للسقوطء ولكنه مستودع الثروة الهائلة. ولا أحد يستدل 
على ذلك سوى «بو ناصر» الذي اكتشف أن البيت يقع في خارطة التثمين. 
ولذا يقول: بأنه «يستوي وَزْنَة دَهَب.» ومن ثم يسعى مرة أخرى لاستغلال 
أخيه. وشراء البيت. كي يستأثر دونه بالثروة. وينتهز فرصتها القادمة. 
وبينما يرفض الأب ديق ضقرة بيد البيت لأخيهء يعرضه للبيع على الآخرين؛ 
دون أن يشتريه أحد. 

ويتمكن الكاتب من أن يجعل جميع الشخصيات مرتبطة بالبيت القديم 
في علاقة تتحكم بمصيرهاء وترسم مستقبلها. 7 . فالابن الأكبر «صقر» 
حالم بالثراء. لا يمن بالعمل والإنتاج» وإنما ينتظر هبوط الثروة. فيخلد 
إلى النوم طوال مشاهد المسرحية؛ وحين تتراءى له فرصة سهلة للحصول 
على المالء يسعى إليهاء فيتآمر مع عمه من أجل إقناع والده ببيع البيت. فهو 
نموذج لبلادة المطلب المادي اللاعقلاني. أما الابن الأصغر «سعود» فإنه 
نموذج ليفاعة المطلب الاجتماعيء الذي لم تتحدد ملامحه بعد لأنه ينساق 
مع إرادة الأب المتعلق بالماضيء فيقوم بترميم البيت المتداعيء رغم أنه 
يعرف عدم الجدوى من ذلك» وأقصى ما يفعله» أن ينتظر معه بيع البيت» 
لأن ذلك قد يعني انتهاء تبعيته. فهو يرجو من أبيه البيع» ويقول لهء متحرقا 
للعالم الخارجي: «مشتهيّ آطلَّعٌ.. آشوف الدنيا.. ويَصيّر لي رَبِعَ..2. 

أما «موضى» ابنة «بو صقر» فتروعها حالة ضعف آبيهاء وتشمئّز من 
بلادة أخيها صقرء وتستنكف استغلال عمهاء فتتطلع نحو المستقبل: الذي 
رسمه لها ابن عمها «ناصر» بعد أن ارتبطت بحبه» واشتركت معه في 
أهدافه. ولذا لا تطلب بيع البيت إلا من أجل المستقبل؛ كما تقول: «فكر فيئًا 
إنس الماضي عَلَشَانَ المستقبل..». 

وأهم ما في مسرحية «هدامة» روائح المستقبل العقلاني. التي لا تخبو 
وقدتها في مجتمع البيت المتداعي. ولا يرتهن هذا المستقبل بظهور طبقة 


186 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


اجتماعية: أو بثورتها على الاستلاب» وإنما يرتهن بقدرة التركيبة الاجتماعية 
الراهنة في المجتمع الكويتي على تخطي الانتهازية واللاعقلانيةء في هذه 
االرخلة اللا ها .هذا ما فت حصي راصن ابن الهم التق ادا 
عن ثروة آبيهء وإغراءاتها الميسورةء ولجاً إلى بيت عمه «بو صقر». ليعمل 
من أجل إنتاج علمي؛ واختراع ب يحقق به أهداف الجموع الكبيرة . فهو ينحدر 
من ذات الطبقة المستغلة التي استفادت وحدها من ثروة التثمين؛ وخلدت 
للزاخة.وهدم الإنتاج: بعد أن أصبحت التجارة العقارية وسيلتها فى كرا 
سول للا حا لد وه رقي الك ۷ ف الدبو اليس هتح الطيفة :ولا يقر 
بالانتماء ايها وإنما يقر بالانتماء كلبيت القديم المتداعي. الذى لجا إليه: 
فهو إذن رمز لدينامية التخطي والتجاوز في حركة القوى الاجتماعية. 

ولا بأس بهذا المثال الموضوعي في تحديد المستقبل العقلاني» كما تدل 
عليه الديكامية اليانية اتشخضية اصن ا ته رهي إلى وع من لاان 
للمجتمع الكويتي» المتمثل في ذلك البيت القديم. ففي نهاية المسرحية يتمكن 
العم «بو ناصر» من التآمر على أخيه «بو صقر» وشراء البيت عن طريق 
وسطاء بينه وبين أخيه. فيقع البيت الذي يساوي وزنه ذهب في قبضة «بو 
أفرم ال ادر جا السيظر: والاستغلال والانتهازية. بيد ویاو 
في البيت لا تقع في هذه القبضة:؛ أو ت تنتهي مع هذه الإرادة. حقا لقد 
تلاءمت أحلام «صقر» مع أهداف عمه. ولكن تظل حركة المجتمع حبلى 
بإيرادات جديدة تتمثل في خلاصين: الأول خلاص نكوصي» يتمثل في 
عملية الاحتماء بالماضي: والاندماج فيه إلى حد الرضا الكامل بمصير 
الانهيارء الواقع عليه. كما فعل الأب «بو صقر» الذي جلجل صوته في 
خاتمة المسرحية برفض البيع المتآمر عليه. وتشبث بصمود ناكص يشبه 
الانتحار. فقد الخد يهز اركان البيت القديم:.ويستدعي انهياره ويتقيل سقوط 
التراب وال حجان واشتداد اضوات التداهعي: إلى أن يظلم السرم علو 
مر الظالية و الج مق انيت 

ويقابل الكاكب بين ذلك الخلاص التكومكى الذى لا يشر على الرغبة 
الأنانية الهادمة؛ وبين الخلاص العقلاني الثاني الذي يضع البديل الواضح 
تاذيافة الاتديازية عند وو تاضنوة:والؤرادة ادها عنن ومو مهرب و جد 
هذا ااام ق الخلريق الذي رسمه راصن نتروا كيه من حمود الماضي: 


187 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ولاعقلانية الحاضر. إنه؛ ما إن يتم البيع المتآمر على البيت القديم حتى 
يمسك «ناصر» بخرائطه وأدواته الميكانيكية التي يعمل بها من أجل إنتاج 
علمي. ويقرر الخروج من البيت ليرتاد الطريق الطويل. 

ولا يقف «ناصر» وحده مع هذا الاختيار العقلاني» وإنما تقف «موضى» 
متشبثة بهذا الاختيارء لتخرج معه قائلة: «عقلي معاك». وقد كانت تقول له 
فيما مضى: «قلبي معاك». وحتى الإبن الأصغر «سعود» يطلب هذا الاختيارء 
فيركض نحو «ناصر» و «موضى». ممسكا بكتبه المدرسية قائلا لأبيه: 

خَلَنِيَ آطلع آشمٌ هوا جديّد .. آشوف حياة جديدة.. أبِيّ آسمَعٌ مكاين 
تشتغل» وناس ينضح مِنَهّم العَرَّق.. ناس إيديَّهُم تشتغل وقلوبهم عَامَرّة 
باالكوو ا تل اش يالا 

وإذن فإن هؤلاء الثلاثة يمثلون خلاصا عقلانياء إن لم تستقم ملامحه 
كاملة في المجتمع الكويتي الراهن:؛ فإن احتمالاته القادمة في الوعي 
الاجتماعي المتولد من ضغوط الحركة الديمقراطيةء تلهب ذلك المجتمع: 
بضرورة أن تستمد القوى الاجتماعية خلاصها العقلاني بنهج عملي يصرف 
كل الجهد في العمل والإنتاج. وهذا هو الهدف الواضح الذي يصاحب 
المعالجة الثورية لواقع الأسرة المتغيرة في مسرحية «هدامة» ويميّزها عن 
معالجة عبد العزيز السريع لذات الآسرة في «فلوس ونفوس». 

لقد انتهت «هدامة» برفض التغير المجرد من مضمون الإنتاجيةء لتحل 
مكانه البديل العقلاني. بينما انتهت «فلوس ونفوس» برفض أشكال الغبن 
التي فرضها التغير؛ دون أن ترسم بديلا واضحاء مقيمة رفضها على أساس 
الاكتفاء بتفجير المشكلة الناشبة في هيكل الأسرة. بل إن الضحية (سالم 
مع أمه) ظلت بين أنياب المشكلة في خاتمة المسرحيةء شامخة؛ أمام تبرير 
الواقع للفين. ولا يعني ذلك تجريد «فلوس ونفوس» من ثورتها 
الاجتماعية,فالثائر الاجتماعي كما يقول بروستاين: «قلما يقترح بديلا محددا 
لما يريد.. . لآن أساس ثورة الكاتب الاجتماعي أن يركز جهده على الإنسان 
ومجتمعه في صراعه مع المجتمع والحكومة والأسرة '. 

ويعني لنا ذلك أن معيار المعالجة الثورية في دراما الأسرة المتغيرة ليس 
في بدائلها المقترحة, بقدر ما هو في تجسيداتها المسرحية للمشكلة, 
وتشخيصها الدقيق للأسباب والمسببات» ورؤيتها الجدلية لقوانين الفعل 


الحتمته الدرامته فى حتمته التغتّر المادي للأسرة 


الدرامي المحتوم؛ أو المحتمل» في موازاتها لضرورات الواقع المتغير, 
واحتمالاته الهائلة. وإذا ص افتراض كل ذلكء فإن دراستنا للمسرحيات 
السابقة. كشفت عن معالجة درامية من ذلك القبيل. ولعلنا بعد ذلك كله 
نجد أبعادا جديدة لثورة الأسرة المتفيرة في مجتمع الخليج العربي» على 
الواقعء وإلهابها لجلدته بمزيد من الضربات في دراستنا لبقية جهود عبد 
العزيز السريع المسرحية في الفصل القادم. 


18۹ 


الدؤامي من الارضية العادية 
والسيكولوجية للاسرة 
المتغبرة 


لقد كان صقر الرشود هو الثائر الرومانسي 
الذي لم ينازعه أحد من الكتاب في ثورته على 
النظام التقليدي للأسرة والمجتمع. كما رأينا فيما 
مضى من هذه الدراسة. ولولا التقدم المنطقي 
لأفكار هذا الكاتب المتغيرة في القالب الدرامي؛ لما 
عرفنا للرشود خدينا واقعياء يقر في كتابته 
لمسرحيتي «الحاجز» و «الطين» فكرة الردع للنزعة 
المندفعة نحو التحرر الشاملء والمثالية الأخلافقية, 
التي كانت عليها شخصياته في أعماله المسرحية 
الأولى. ومع ذلك فإن هذا الخدين لم يستطع أن 
يخلص القالب الدرامي من ملامح الميلودراماء أو 
أن ينزع قشور الفصاحة الفلسفية من أجل عمق 
سيكولوجي» لا تضل فيه الأفكار ينفرط فيه 
الاهتمام بالأفراد. وربما كانت شخصية المخرج في 
ثوب صقر الرشود أكثر تناغما مع هذا الخدين 
الواقعي» وخاصة حين أخرج سلسلة من المسرحيات 
العربية ك «على جناح التبريزي» لألفريد فرج و 


10 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


«حفلة على خازوق» و«عريس لبنت السلطان» لمحفوظ عبد الرحمن. وهي 
مسرحيات تميزت بتشخيص الواقع العربي» مقرونا بتوظيف القالب الدرامي 
المنتزع من التراث. 

وعلى الرغم من ذلك فإن الخدين الواقعي الذي كان يطل من آخر 
مسرحيات الرشود» وهي «الحاجز» لا يتموضع في القالب المسرحي لدراما 
الأسرة المتغيرة في مجتمع الخليج العربي إلا بجهود الأيادي الأصيلة؛ التي 
أسداها عبد العزيز السريع في عدد من أنضج أعماله المسرحية. وهي 
«الجوع» و «عنده شهادة» و «لمن القرار الأخير» التي أعاد صياغتها في 
مسرحية «الدرجة الرابعة». 

وفي هذه الأعمال المسرحية يتخطى الكاتب ملامح الميلودراما الرومانسية 
التي دك صقر الرشود في أجواتها صرح النظام التقليدي للأسرة: ويبدلها 
بالشكل الواقعي الفصيح» والوسائل السيكولوجية الصريحةء رغم أن كلا 
من «السريع» و «الرشود» يلتقي حول مطلب عصري واحد» يخلخل هيكل 
الأسرة. وهو الدعوة إلى الحرية الفردية. ورغم أنهما يدعوان إلى ذلك من 
ردهة واحدة. يتحرك في أركانها نموذج واحد للأسرة في مجتمع الخليج 
العربي. وهو الذي يتمثل في النظام التقليدي لذات الأسرة؛ التي ينتميان 
إليهاء ونعني بها الأسرة «المتصلة» أو «الحمولة» ذات الأصل القبلي. إنهما 
ربيبان لظروف. وأهداف مشتركة. خرجت بها حركة القوى الاجتماعية في 
الستينات: واستطابت فيها لمذاق الدستور الذي أقر في نوفمبر/ تشرين 
الثاني 1962 . 

وقد برهن صقر الرشود وعبد العزيز السريع على أنهما ينتميان مباشرة 
إلى الحركة التقدمية في المجتمع؛ فجاءت أعمالهما المسرحية بمهمة 
مزدوجة. فهي من جهة أولى تكشف المفارقة بين ما يكفله الدستور من 
الحريات (كالحرية الشخصيةء وحرية الرأي. وحرية الاعتقاد)ء وبين ما 
يستلبه الواقع؛ بمعاييره وأعرافه من تلك الحريات» وهي من جهة ثانية 
تنضج الواقع من أجل خلق مواجهة عقلانية للتغير المضاد؛ واستتباب المضمون 
الديمقراطي في قلب المجتمع. وفي شبكة علاقاته الاجتماعيةء وفي كلتا 
الحالتين لا تستقيم المهمة التاريخيةء التي يلتزمان بهاء إلا بإقرار المثل 
الأعلى للحرية الفردية. 


192 


الدرامى من الأرضيّه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


والخط الذي تبتدعه أعمال عبد العزيز السريع المسرحية هو انتزاعها 
لأعمق المشكلات السيكولوجية؛ التي يخلفها البحث عن المثل الأعلى للحرية 
القردية من السظ:ظواهر الحياة العادية في مجع الاسر ةروت نها 
للأفكار الواقعية. والعقيدة الثورية فى أشد الأفعال المسرحية إحكاماء 
والتزاما بشروط العقدة الدرامية. فالسرهة عند هذا الكاتب تستمد 
مثالها الراقي بين الفرديء والموضوعي. بين المرتهن بالواقع» والثائر عليه. 

وتزود تلك المراوحة المتأرجحة كل واحدة من المسرحيات التي أشرنا 
إليها بسياق درامي مزدوج» تتعايش فيه وسائل الدراما السيكولوجية مع 
وسائل الدراما الواقعية أو الطبيعيةء وتتعانق فيه مسرحية الأفكار مع 
مسرحية الفعل؛ والعقدة. فكما يمد الأساس السيكولوجي والفكري الكاتب 
بالتمرد والثورةء فإن العقدة الطبيعية أو «العادية» تمده بالرؤية الموضوعية. 
وكل ذلك لا يعني تحول الأساس العقلي والسوسيولوجي في دراما الأسرة 
المتغيرة. بقدر ما يعني تأصيلهاء أو اشتقاقها لمزيد من الخصائص المسرحية 
الحديثة القادرة على التمثل العميق لحركة التغير. 

ولعل من أبلغ ما يدل على أن الخصائص الدرامية المستجدة في 
مسرحيات «الجوع» وعنده شهادة: و «الدرجة الرابعة» خلاصة البحث 
الحيادي عن مبدأ الحرية الفرديةء والتعقب المتزن لحراكها القيمي في 
اكد هو قلات ایا فیا ریا اا 
لمشكلات التكيف الوظائفي مع متطلبات التغير الاجتماعي. ومظاهر قلق 
الحراك القيميء التي اقتضت ظهور بنية جديدة للأسرة في مجتمع الكويت 
والخليج العربي. ويطلق على هذه الأسرة في البحث الاجتماعي «الأسرة 
الزوجية» أو «الأسرة النواة». "التي تعبر عن أقرب المضامين إلى المثالية 
الفردية في تغير البنية الاجتماعية للأسرة. 

وليس من الصعوية أن ندرك بأن المسرحيات الثلاث سياق درامي 
متماسك للمعطيات الواقعية؛ المتحققة مع ظهور تلك البنية الاجتماعية 
الجديدة. فالمسرحية الأولى «الجوع» تتعقب انبجاس المثل الفردي والإرادة 
المستقلة. والثانية «عنده شهادة» تتعقب التأسيس العقلاني» وتقر المنطق 
العصري الجديد في رابطة الحب, والتفاهم لقريني الزواج. والثالثة «الدرجة 
الرابعة» امتحان لا يخلو من الضراوة لمثل الآسرة النواتيةء واستبار يستفهم 


1۹3 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


عن حقيقة بنيتهاء واستلهام يردع سيكولوجيتها المنعزلة. ولا نشك في أن 
تعقب المعطيات المتحققة مع ظهور البنية الجديدة للأسرة: هو الأرضية 
الاجتماعية الجديدة في مسرحيات عبد العزيز السريع؛ ومن خلالها يحدق 
هذا الكاتب بخصائصه المسرحية؛ التي يتعايش فيها ما هو من عالم الأفكار 
مع ما هو من عالم الأفعال. 

إن أول مسرحيات التعايش بين الخصائص المسرحية السابقة هي 
مسرحية «الجوع» التي أخرجها صقر الرشود في نوفمبر/ تشرين الثاني 
4 . وهي أول الأعمال المسرحية للكاتب بعد «الأسرة الضائعة» ورغم أنها 
ف ف قل بانع لمكم ها 
المسرحية التي استقر عليها في أغلب أعماله المسرحيةء فيما بعد. قهي 
كسائر هذه الأعمال تواجه الباحث بمداخل متعددة» ومحيرة» سببها تعايش 
أكثر من خاصية مسرحية. جوهرية في بنيتها الدرامية. إنها تباغتنا بتلك 
الأرضية العاديةء التي تجعلها وثيقة طبيعية لوسط اجتماعي» غني بوجود 
اللحظة التاريخية. وتلجأ في نفس الوقت إلى وسائل الدراما السيكولوجية. 
وهي تبرز شأن الفكرة بدعاوة إن تكن غير مكشوفة؛ فهي تتوخى الإقناع 
بضرورة أن يتحرر مفهوم الزواج في الأسرة من جميع أشكال الوصايةء 
التي تفرضها الأسرة الأبوية «المتصلة». وتستخدم في نفس الوقت عقدة 
صريحة الاهتمام بالفعل المسرحيء وكثيرة الإعداد له بالنمو. والحق أن 
الحيرة التي تسببها هذه المداخلء لا تطول إذا أدركنا أن كلا منها يستمد 
وجوده من أجل غنى الآخرء وأنها بمثابة الأوجه التي تسفر عن حقيقة أكثر 
وضوحا. والمعاول التي تحفر للمشكلة العادية وجودا اجتماعيا أكثر عمقا. 
وكأن القاعدة التي تحرك خيال الكاتب وتحفز طاقته هي أن تتلازم كل 
الوسائل المسرحية من أجل وحدة التركيز الدرامي. 

الأسرة المتغيرة (وهي تعني المجتمع المتغير) في هذه المسرحية تمثل 
واقعا كاذباء يتشبث بالانتهازية والأنانية. وعدم الثقةء وأساليب التراضي» 
والتواطۇ. وإتخام الواقع بكل ذلك» تجعله المثل الأقصى من الجوع إلى القيم 
المثالية. والكاتب لا يلجأ إلى الأغراب في شرح هذه الرؤية على المسرح 
وإنما يلجأ إلى الوجود العادي لشخصيتين بينهما امتدادء وتضاد . لأنهما 
خلاصة لمشكلة واحدة. ومعطى لموقفين متنافضين. لا يوازيهما سوى التناقض 


194 


الدرامى من الأرضيّه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


بين الواقعء والمثالية العليا. والعقدة تربط هاتين الشخصيتينء وهما «عبد 
اللطيف» و«داود» بمنطق مقبول» من أجل فعل مسرحي.» يبلور الفكرة النهائية 
في المسرحية. نجد «عبد اللطيف»في الفصل الأول قد ضرب على نفسه 
عزلة مثيرة للتساؤل؛ وآلى على نفسه عدم التكلم مع أحد ولكن ما إن يرى 
«عبد اللطيف» حتى يرتمي على كتفه باكيا. مفصحا له عن أسباب صمته. 
فقد أحب فتاة فقيرة؛ بينما أراد له أبوه الزواج من ابنة عمه. بحجة الحفاظ 
على ثروة العم المتوفىء وعدم التفريط بها للغريب. 

ورغم دلالات الاحتجاج التي تظهرها لهجة «عبد اللطيف» في إدانته 
للواقع الذي لا يحقق له المثال الأعلى في الحب إلا أنه يرغب في أن يكون 
إنسانا عاديا متراضياء لا إنسانا مثاليا متمرداء لأنه لا مكان للمثالية في 
واقعه. حسب تعبيره القائل: «الأمثال أمامي كثيرة وكلّها اكد لِيّ أن الإنسان 
المثالي ما يقّدر إيعيش هنية».. . وفي نهاية الأمر لا يكون «عبد اللطيف» 
ضحية للواق اللتروض عة من الأب وإثما بكرن ية تيرك النفسية, 
ففي جوانبه يحمل جوعا للاستقلالء والحرية الفرديةء يعبر عنهما بقوله 
«: آبيُّ آتكب علشان مَصّلحة نفسي.. . آبي آنا آبحث وآصنع حياتي 
ومستقبلي.. . ما آبي أحد يفكر عني...» ورغم هذا الجوع الشديد للارادة 
الفردية إلا أنه يقع فريسة الضياع بين تحقيق مطالب هذه الإرادة. ومطالب 
الواقع المفروض عليه. 

ومشكلة «عبد اللطيفءالتي تبدو هامشية بين تفاصيل العقدة المسرحية, 
إنما هي خلاصة لمجمل التفاصيل التي يأتي عليها الفعل المسرحي بأكمله. 
إا السرحية ماعا فى إحدى د اها الكالوية. راان من ال 
لنا أن نتساءل عن مدى قيمتها المسرحية في النص. إنها ليست مجرد 
استهلال بخلاصة مصغرة للعقدة: وإنما هي مضمون لسؤالين: أحدهما 
ا ام رة ا لاهم هذه الشخسية ينه الل الأول اة 
الإجابة عليه بحساسية الثائر الاجتماعي. والسؤال هو ما الذي. يجوع 
أغراد الأسرةء ويغير مفاهيم الزواج في بنيتها .. . 5 وثانيهما مباشر تستنبطه 
شخصيه عبد اللطيف في خاتمة الفصل الأول حين يقول: «هّذي حياتي.. 
. حياة بسيطة وعادية؛ وتَصيّر مع كثير من الثاس ما آعرف ليش آنا أتألّم.. 
. هل آنا مجنون.. .. 6). 


195 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وإذا السؤال الأول مدخلا لعالم الأفكارء الذي تشيده هذه المسرحية 
فإن سؤال عبد اللطيف هو المدخل لعالمها السيكولوجي.. . فما الذي يخفيه 
باطن الأرض العادية لمشكلة شاب يرغم على الزواج من أجل تحقيق المصلحة 
الفردية للآخرين 5 سنجد الباطن السيكولوجي لمثل هذه المشكلة العادية 
في شخصية «داود». وستكون هذه الشخصية الرابط الدرامي القوي» بين 
العالم السيكولوجيء والعالم الفكري.. . وبتحديد أكثر فإنها ستكون العاطفة 
في اللبوس الفكري للمسرحية.. . والفكر في اللبوس العاطفي.. 
يعني إجابتها على تساؤلات الفصل الأول؛ التي تسيطر عليها الحيرة: والشك, 
والارتهان بالواقع. 

ورغم أن الفصل الأول؛ لا يمهد لمشكلة بطل المسرحية «داود» بالأسلوب 
التقليدي. الذي ينحو نحو التعريف بهذه الشخصية,. وتصوير وسطها 
الاجتماعيء إلا أننا نعتقد أن قصة «عبد اللطيف» السابقة بمثابة توطئة 
خارجة عن المجرى العادي لمعظم التفاصيل التي ستحيط بمشكلة «داود». 
وفضلا عن ذلك فإن الفصل الأول لا يخلو من إبراز الملامح الأولى للمثالية 
التي سيجنح بها «داود» في خاتمة المسرحية مثل دفاعه عن العامل العراقي 
المضطهد. 

إن «داود» شخصية مفتونة بالقيمء وسيتحول هذا الافتتان» عندما يخوض 
أعباء مشكلته؛ إلى مثالية ثائرة؛ لا يستنكر الكاتب أي جزء منها. لقد اتسع 
سخطه السابق على جيل «بو سالم» وبات يسقطه على الأسرةء التي يعيش 
فيهاء فهو-كسابقه عبد اللطيف-متهم بالجنون» بعد أن أعاقته مشاكله عن 
مواصلة الدراسة؛ ولكنه رغم ذلك شديد الطموح ا 

مع الواقع حوله بعلاقة متوترة. لأن معايير هذا الواقع لا تحقق له المثل 
العليا التي يرسمها لنفسه. فهو يحب فتاةء تحول بعض العقبات دون زواجه 
منهاء رغم أن الأسرة تحيطه بالكثير من الضغوط النفسية والاجتماعية, 
من أجل أن يقدم على زواج لا إرادة له في اختياره. فالأب يطالبه بالزواج» 
كي يفسح الطريق أمام زواج أخته «فاطمة» لأن التقاليد تقضي بألا تتزوج 
الأخت الصغرى قبل أخيها الأكبر. 

ومن ناحية أخرى فإن «الأب» يربط زواج ابنه بضرب من الأنانية, 
والمصلحة الخاصةء فقد تزوج من امرأة صغيرة السن بعد وفاة «أم داود» 


196 


الدرامى من الأرضيه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


ولم تنجب له سوى ولد يعاني المرض منذ طفولته. ولما كان رجلا كبير السنء 
فقد خاف على زوجته من ابنه الشابء وأراد أن يعزله عنها بتزويجه. 
وزوجة الأب «شريفة» تجد هي الأخرى مصلحتها في تزويج داودء لآنها ترى 
في ذلك حماية لحقوقهاء وحقوق ابنها المريض من ميرات الأب. ولذا تكون 
اللاهثة أكثر من غيرها وراء زواج كل من داودء وأخته فاطمة. وهكذا 
تتواطأ مصلحة الآخرين) الأب-الزوجة-الأخت (في دفع داود نحو زواج 
يرغمه على مصالحة زائفة مع الواقع. 

والحق أن «داود» البطل المثالي؛ لا يرضخ لهذه المصالحة إلا بدافع من 
المثالية التي يعتنقهاء ويزيل بها القناع عن الوجه الشاحب للقيم في مجتمعه. 
فليست ضغوط الأب» ولا ضغوط زوجتهء هي التي تدفعه إلى زواج؛ يهادن 
فيه إرادته الفردية؛ وإنما هي ضغوط الأخت «فاطمة» ومواجهتها له بما 
يؤجج في داخله جذوة المثالية. فقد تقدم «عبد اللطيف» لخطبتهاء ليسد 
بالزواج منها جوعه السابق إلى الاستقلال والفردية. ولكن الأب يرفضه. 
معلقا موافقته بزواج داود أولا. ويصبح هذا الزواج المطلوب من الجميعء 
مفتاحا لأبواب العزلة المغلقة على فاطمة. 

ويمكن اعتبار مشهد المواجهة بين فاطمة وأخيها داود؛ من أعمق المواقف 
الدرامية المحتدمةء التي تحتشد فيها دوافع الفعل المسرحي» رغم المشكلة 
العادية التي انفجرت منهاء فقد طالبت أخاها في هذا المشهد بالتضحية, 
والمثالية التي يعتنقها من أجل دفعه للزواج: 


«داود: شوقي آنا ما عندي إستعداد آضيّعَ حياتي مَرّةٌ ثانية : 
ِنْيّ فشلت بدراستي وطلَّعَتَ من المدرسة ما ّي آفشل بَرّواجي.. . آناً ما 


آقدَرٌ آضْحٌّيّ.. . حتى لوكان علشانك إِنْتَيّ.. . فهمی. 


EY‏ وعد 


5 


فاطمة: إشَفَهَمَت. شتَبِينِيَ آفهم .. . أنا نيكك. . . تبيني آفْهُمَ إِنْك ما 
عندك رجولة.. آنا ا . انا عَرّضك آنا إذا عدت ما تَرَّوّحَتْ دَمَرَتْ 


و لعينة. 
فاطمة: د ر تأشّرٌ عليك بالشارع.. . وتقول هذا أو مّلانة.. 


< دس 


داود: إتجبى تجبى ج (يصفعها) ما كنت آظن عندك الجرّأة على هالكلام يا 


19۹7 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


فاطمة: هذا عيبكُمَ تَحَسبُون خواتكم ملائكة.. إِحَنَا بَشَرّ.. . مثلكُم.. 
مكلكم بالضبط. لتا قلوب ومشاعن !2 

لقد وضعت «فاطمة» نفسها أمام أخيها في موضع يثير الإشفاق عليهاء 
والتضحية من أجلها ؛ الإشفاق على غريزتها الجائعةء وعواطفها البخسة 
وعزلتها المهددة بعنوسة أبديةء والتضحية من أجل سمو المثل الأعلى للأخوة, 
وردع الأنانيةء والتمسك بالشرف, ولكنها رغم هذا الوضع المتمخض بالقسوة, 
تدفع أخاها إلى امتحان عسير لمثاليته. فهذا البطل المفتون بالمثل العليا 
بسك اهن القيم بين انان كلا يجدها ويتحظ هكوا قي الأسرة: وبين 
علاقاتها الحميمة الصلة بهء فلا يجدها أيضا. فهو يعاني من الجوع إلى 
مثال الأمومةء لأنه فقد أمه منذ كان صغيرا . ويعاني الجوع إلى مثال الأبوة, 
بعد أن قسا عليه الأب وتزوج بأخرى ضاعفت من الاضطهادء الذي يتلقاه 
مع أخته. حتى أنه يقول لأبيه مفصحا عن الحاجة إلى ذلك المثال: «عتَّدَك 
لتا لأب اللي نَفْتقّدَة...» فهي ضحية لواقع يتناقض مع مثاليتهء في حين أن 
المجابهة الحادة بينه وبين أخته تجعل منها ضحية له. 

ولا توجد في هذه المسرحية حجة منطقية لتحول الفعل المسرحي إلى 
أبلغ من حجة الطعن الصريح في مثالية بطلهاء أو الاستنكار الجزئي؛ 
المؤقت لوجودها في ذاته. فمن المقبول للمثالي أن يكون ضحية؛ أو يكون 
متمردا ثائراء ولكنه ليس من المقبول أن يكون جزءا من الاضطهاد. والتبخيس 
الذي يلحق بغيره. إنه في هذه الحالة إما أن يسقط سقوطا ذريعاء فيكون 
عنصرا مضادا للمثاليةء وإما أن يرتفع بعقيدته المثاليةء ويتلقى-وحده- 
الضربات الموجهة لغيره. وبدهيّ أن خيار الثائر الاجتماعيء لا يستقر إلا 
م الخيار الخاتي: الى يكشك فيه بسو العقيدة: وبسالتها :زيت ال خرين 
وجبنهم. وهذا هو خيار «داود» في مسرحية «الجوع» فالبطل الذي جرد 
أباه من معنى الأبوةء يتلقى هذا الاستنكار البليغ الدلالة من أخته فاطمة: 
«وإنّث.. إِنَتْ. عرفت مَعَنَى الأخؤة. 5» وحينئذ لا يكون أمام داود إلا أن 
يرتدع أمام الاستنكار المؤقت. وينتصر لعقيدته المثالية. فيتزوج «بدرية» 
بينما تتزوج أخته «عبد اللطيف». 

ولا كانت الشكوك تحيط بزواج «داود» من «بدرية»» فإن الفعل المسرحي 
بمسبباته المنطقية السابقة» يظل مكتنزا بالاستقطاب لأبعد ما فيه من 


198 


الدرامى من الأرضيّه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


نتائج» وردود أفعال تقتضيها-دون شك-جدلية العقدة الدراميةء وشبكتها 
المعقدة, فالشكوك التي تحيط بزواج «داود» تجعل من هذا الزواج رمزا 
لمداهنة الواقع؛ وبرهنة على قبول التراضي معه. لأنه لم يقبل به في لحظة 
امتلاكه لأقرب الرغبات من مثاليي الدراما الاجتماعية؛ وهي الرغبة الفردية, 
وإنما قبل به مذعنا لضغوط التضحية؛ والإشفاق. فضلا عن أن زوجته 
«بدرية» تثير تناقضا شديدا مع عقيدته المثالية؛ لأنه يقول عنها. «مَاكُو 
تقارب بيني وبيّنهًا.. . كل شي يِرَجَعَ لاصلّة..».. . 

تداع دارد هو الل السيضي الباؤة يمتطلبات الفقية الدرامية نه 
أصبح مضمونا جوهريا لأكثر الخصائص الدرامية عمقا في هذه المسرحية. 
نجدها في كشف القناع عن إحدى التناقضات البشرية.. كما نجدها في 
إزاحة الكوابت عن الباطن السيكولوجي. أما قناع التناقض الإنساني أو 
البشريء فقد دلت عليه ثنائية الدافع إلى ذلك الزواجء بين المثالية والواقع.. 
بين الذاتي والموضوعي. لأن إذعان لمثال الأخوة, والتضحية. كما رأينا فيما 
مضىء وارتهان بضغوط الواقع؛ وتقاليده المتمثلة في ضغوط الأب» ومطالبه. 
ولنا أن نقدر ما يمكن أن يجر إليه هذا التناقض أمام بطل درامي كداود. لا 
يرضخ لانقسام شخصيته؛ وإنما يخلص لدعواها المثالية إخلاصا شديدا. 

ولعل فكرة الانقسام بين المثالية والواقع ليست جديدة على الدراما 
الاجتماعية الحديثة, لأنها حالة نموذجية من التناقض البشريء تنحدر من 
المسرح الكلاسيكي الذي بلور الصراع بين العاطفةء والواجب عند كل من 
كورني وراسين بوجه خاص. ورغم ذلك فإن الدراما الاجتماعية المعاصرة 
تختلف عن أصولها الكلاسيكية في أنها لا تبرئ بطلها الثائر؛ واقعيا كان, 
أم رومانسياء من الانقسام المؤقت. ولنا في «داود» بطل الجوع خير مثال 
على ذلك. فقد رضي بالزواج من بدرية مدة أربعين يوماء كان فيها عرضة 
للانقسام المحض. الذي أتى على عقيدته المثالية بالإرهاق. إذ كان عليه أن 
يتواطن مع سطحيتها الذهنيةء واهتمامها بالمظاهر والقشور. وكان عليه أن 
يقبل بتقاليد مفروضة عليه؛ من أب قاس «لا يعرف معنى الأبؤة». وعلى 
الرغم من ذلك فإنه لا يتحمل هذا الانقسام المؤقت. فلا يلبث أن يلفظ 
زوجته «بدرية». ويرفض سطحيتها منتصرا لمطالب إرادته الفرديةء ومعليا 
نموذجها المثالي. 


100 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وجميع ردود فعل الزواج بين «بدرية» و«داود» تتصاعد نحو دفع الاستنكار, 
أو الانقسام في مثالية بطل هذه المسرحية؛ فالإحساس القوي بأن التفاهم 
والحب مفقودان في هذا الزواج» يحرره من خداع الزوجة؛ أو الكذب عليها 
كما يقول: «ما آقدر آخدع نفسي وآخدعها أكثر من هالشكل»... وقد جعلت 
ردود الفعل رغبة التحرر من الزواج رمزا لرغبة عارمةء تحرره من جميع 
ضغوط الواقع؛ المتناقض مع دعواه المثالية. وخصوصا ضغوط الأب والأخت 
فاطمة؛ فهما يدافعان عن ذلك الزواج؛ ويصران على إبقائه بكل الوسائل. 
لأنه الواقع الذي فرضته مصالحهما. وكأنهما يتشبثان بذاتهماء ويخلصان 
لمشاعرهما الأنانية مع التشبث بهذا الزواج» وإخلاص النصح فيه. بيد أن 
كل ذلك لا يجدي أمام استعادة داود لكامل دعواه المثاليةء لقد طرد أخته., 
وقال لأبيه الذي أراد أن يقمع رغبته في الطلاق: «آبيَ آنجَبً.. 0 وآبَيّ 
آستكت.. لکن بإرادّتيّ آنا . . وَبَأْمَرِيَ آنا مُو بإرادتك ولا بأَمَرّك. »ومن الحق 
أن نقول بأن جميع ردود الفعل المسرحي (الزواج)ء قد أحكم الكاتب نموها 
صعدا في سبيل خلق ضرورة درامية عند خاتمة المسرحية؛ فإذا كان الزواج 
السابق نابعا من احتمالات الانقسام في مثالية الثائر الاجتماعي» فإن 
كيفية الطلاق؛ التي تمخضت عنها إرادة داود الفرديةء تنبع من إخلاص 
الثائر الاجتماعى لدعواه المثالية. وبمكن لنا أن نتأمل تلك الكيفية فى هذه 
الخاتمة ا ا 

«نعم طَلَّفّتها.. . ألْحيّنا< حن مما آنَطُّرَمًَا تجيب مني إعيال ويه 00 
را مجرم مرتين بدل مّرة واحدة... وإذا كان عَمَلِيَ جريمة.. مهي 
جریمتگم. e‏ .. تَفَضْلَُوًا (يرمي ورقة الطلاق) هذي وَرَقتها .. 
ما صبَرت.. ألَحيّن كتبتها.. بَعَدَ هی تازه.. إِحَدُوهَا.. هذي ا ما 
هن ا ن لك إتت دب ولك( يآ حاظية: ا 
واحائخ الجرع اى لدا لاود رار بط اا ا 

لقد أصبح الواقع في هذه الخاتمة متهماء مرفوضاء معزولا. وهذه 
ضرورة لا مناص منهاء أمام ثورة البطل في الدراما الاجتماعية: أو في 
دراما الأسرة المتغيرة على السواء. لأنها تموضع «المثال» الذي يسعى إليه 
ذلك البطل» دون أن يعتوره لبس أو استنكار» وتموضع «الواقع الذي يهدف 
إلى تغييره. ويدبر عنه دون ترددء أو انقسام». 


الدرامى من الأرضيه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


وليس أدل على ذلك من أنه يجعل ورقة الطلاق رمزا لطلاق الواقع. 
وكشفا لأقنعته الزائفة التي ضربت عليه عزلة الجوع (الأب). ووصمته 
بخيانة المثال (فاطمة). ويجعل من ذلك الطلاق استدعاء شرعيا لصورة 
المثال المتسامية بالبحث عن المعنى» والمبداً, والاستقرار. وهي صورة متآتية 
محققة. تشخص جوع الأسرة وتحقن واقعها المريض برغبة التغيرء ذلك أن 
الصورة السابقة. تكشف عن افتقار الواقع للتوازن بين الأخلاقي والاجتماعي 
وبين الروحي والمادي. كما تكشف عن انحياز تام للتفير ضد الاستمرار. 
وللفرد ضد المجتمع» وللمثالي ضد الواقع. 

إن داود في مسرحية الجوع مثالي مخلص لدعواه. وقد رأينا فيما مض 
أن دعواه المثالية هي التي دفعته إلى التحول في دعواه المثاليةء وساقته إلى 
الفعل النقيض» وهو الزواج من بدرية. كما رأينا أيضا أن دعواه المثالية هي 
التي حررته من وصمة الخيانة:؛ أو التراضي مع الواقع. وجعلته المنبئ بالتغير 
في بنية الأسرة. والتطور الذي خضعت له العقدة الدرامية بين مثالية 
ثائرة. ثم متراضية: ثم ثائرةء يدفع بنا للتساؤل عن ذرائع الكاتب ووسائله 
في التجسيد الدرامي للتحول في الفعل المسرحي 5.. وهذا التساؤل يجعلنا 
نثب إلى إحدى خصائص هذه المسرحية. وهي وضع ذلك التحول في سياق 
التحليل النفسى. 

إن الفعل المسرحي الذي جعل داود متراضيا مع الواقع. ثم ثائرا عليه 
لم يكن ليقنعناء لولا أن الكاتب توغل في عملية دقيقةء قوامها إزاحة الكوابت 
عن العالم السيكولوجي. وقد رأينا فيما مضى أن زواج داود من بدريةء فعل 
مدفوع بضغوط نفسية داخلية (مثالية داود)ء وخارجية (مصالح الآخرين. 
(وكانت تلك الضغوط كافية لتبرير الانقسام المؤقت. أما دفع الانقسام 
والعدول عنه إلى التطرف المثالي فهو ما يحتشد بإزاحة الكوابت عن اللاوعيء 
فضلا عما يصاحبها من ضغوط الواقع. وتدل الأرضية الدرامية المحتشدة 
بوسيلة التحليل النفسي على المقدرة المسرحية العالية. قبل أن تدل على 
مقدرة الكاتب في التحليل النفسي» فقد جعل انقسام مثالية داود بالزواج 
هي المتسع الطبيعي لإزاحة كوابت اللاوعي» مما يدل على تواجد العقدة 
الدرامية ؛ وترابط أواصرهاء بتوليد الفعل. وهذا ما يمكن ملاحظته في 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


استخدام مشهد الحلم عند بداية الفصل الثالث» بعد أن تزوج «داود» من 
«بدرية». 

يزيح الكاتب في مشهد الحلم الستار عن بعض القوى المنزويةء والميول 
الطفلية المؤثرة في سلوك داود» وفي توجه بغيته الشخصية نحو العقيدة 
المثالية. ويبداً الحلم بوجود داود نائما في فراشه في زاوية من المسرح» 
وبإضاءة شاحبة تميل إلى الفموضء بينما يبدو-نفسه-في زاوية أخرى طفلا 
صغيرا مع أخته الصغيرة «فاطمة» وقد وضع كلا منهما رأسه في حضن 
أمه. وأخذا يتداولان حوارا يكشف عن تعلقهما الشديد بهذه الأم المتوفاة 
وكرههما الشديد للأب القاسي.. ثم لا يلبث «داود» النائم في فراشه أن 
ينهضء. ويدخل في زاوية الحلم» ليتحول المشهد-من ثم-إلى مجابهة بين 
الوعي (داود) واللاوعي (داود الصغير مع أمه وأخته). 

ورغم أن هذه المجابهة محض حيلة مسرحية:؛ إلا أنها جعلت لمشهد 
الحلم عمقا سيكولوجيا بعيدا . ففي هذا الحلم نتعرف على الميول العدوانية 
نحو الأب منذ الطفولةء لأنه كان يقسو في معاملته لهء ومعاملته لأمه. وفي 
هذا الحلم؛ نتعرف على رغبة داود اللاواعية في موت أبيهء وأخته فاطمة. 
وثورته الداخلية على الزواج (وهي ثورة لم يصرّح بها في الوعي قبل هذا 
الحلم). وفي هذا الحلم» نتعرف على صفاء المثال الأمومى» ونقف على 
اناج واو كيه د اا ا 

ويمكن القول: إن ظهور شخصية الأم المتوفاة. مثار حيوي للمجابهة 
المسرحية بين الوعي واللاوعي. ذلك أن دخول داود في منطقة الحلم 
وحركته فيهاء وتبادله الحوار مع أمه. ومع نفسه عندما كان صغيراء جعل 
من إظهار شخصية الأم؛ فرصة للتعبير عن حالة نفسية دقيقة؛: ذات أثر 
دافعي عميق في صياغة الفعل المسرحي. فالزواج الذي رضي به «داود» زج 
به في حالة من القلق: والإحساس بالذعر والخطر. ومن ثم فإن لقاءه بأمه 
في مشهد الحلم يصبح ضريا من الاحتماء بالأم للتخلص من قلق الواقع؛ 
ولواذا بها من ضغوطه المفترسة لمثاليته. وطمأنينته. فالأم التي كانت في 
الماضي مثالا للحب تصبح رمزا للحمايةء والتصدي في خاتمة المشهد: 
«تعاليّ شُوضِيَ أبوي شلون قاسي.. إِنتيّ ليش رحتي (.. يصرخ وينهض ..) 
تَعَاليَ إنقذينيّ من العذاب من الآلم.. من الضيم»... 


الدرامى من الأرضيّه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


ونا كان الاحتكام إلى الأم» والاحتماء بعطفها البالغ طوال مشهد الحلم 
يعد من الوجهة السيكولوجية. نكوصا سلبيا-لأنه يدل على الذوبان في 
الآخرين واللجوء إليهم في التصدي للخطر المحدقء فإنه يظل-على الرغم 
من ذلك-مضمونا بدائيا لنقمة داود على الواقع»ء وإعدادا سيكولوجيا لضرورة 
التصدي له . 

وإذا كانت هذه دلالة اندماج شخصية «داود» في مثال الأمومةء فإن 
دلالة مشهد الحلم بأسره» تكشف عن الاختمار الحقيقي لضرورة التحول 
في الفعل المسرحي» من الانقسام إلى المثالية الثائرة (تطليق الواقع)ء فقد 
أظهر ذلك المشهد رغبة الموت للجميع؛ بما فيهم زوجته «بدرية» ورغبة 
الحياة للآم؛ لأنها مناط الاحتماء بالمثال. وهاتان الرغبتان تجسدتا بصورة 
بازغة في خاتمة المسرحية. 

إن أكثر ما يميز مسرحية الجوع» كما كشفت ملاحظاتنا السابقة. هو 
ذرائعها السيكولوجية. وخلاصتها المتوازنة لمثالية الثائر الاجتماعي» 
وتشخيصها لكل من الوسيلة؛ والغاية فوق أرض اجتماعية مألوفة؛ تقر 
شخصيات المسرحية بحجمها العادي» كما رأينا فيما مضى. وقد استمرت 
هذه الخصائص في مسرحيات عبد العزيز السريع تتراوح بين بلوغ الكثافة 
المسرحية المركزة. وبين اقتضابهاء وامحال جانب منها في صالح جوانب 
آخرى» على الرغم من أن مسرحية «الجوع» تعد سبيكة قوية لتلك 
الخصائص. 

ولعل مسرحية «عنده شهادة» التي أخرجها صقر الرشود في ديسمبر- 
كانون أول 1965ء هي المثال الفصيح على اقتضاب الذرائع السيكولوجية, 
ونأيها النسبي عن الإقناع. رغم أن هذه المسرحية نموذج صريح لمسرحية 
الفعل في دراما الأسرة المتغيرة. ورغم أن الفعل المنتزع فيها-وهو التحول 
في عقيدة البطل ومشاعره-هو الجوهر المسرحي المشتق من توظيف مضمون 
التغير الاجتماعي» ومعطياته الحاسمة. 

وفي هذه المسرحية يخلع البطل لبوس الثائر الاجتماعي الذي خرج به 
داود في مسرحية «الجوع» ليرتديه الكاتب نفسه؛ تاركا بطله في حالة أشبه 
ما تكون بالعري. وبينما كان «داود» في المسرحية السابقة هو الذي يعرّي 
الواقع» ويكشف أقنعته الزائفةء فإن الواقع في مسرحية «عنده شهادة» هو 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الذي يعرّي بطلها «يوسف» ويزيل عنه ستار العزلةء وهذا يعني أن بطل 
عبد العزيز الستريع في «الجوع» نموذج لعافية التغير. وبطله في «عنده 
شهادة» نموذج لمرضه ونفاجه. 

لقد تخلّى الكاتب-قليلا-عن فكرة بناء الرؤية من وجود الثائر الاجتماعي 
فوق أرضية عادية أو سيكولوجية؛. وجعل أساس هذه الرؤية مبنيا على 
تشخيص الظاهرة الاجتماعية المريضةء فوق نفس الأرضية السابقة. ولا 
نزاع في أن ذلك لا يعني إخلاء الأرضية الدرامية من الرغبة الموضوعية في 
تغيير الواقع» بل إنه يعني في تقديرنا الانشغال بتنظيم الواقع» واختراق 
سطوحه. وفضح آكاذيبهء وتعرية نماذجه العاجزة. وعند هذا كله تنهض 
المهمة الثورية؛ في القدرة على التشخيص المسرحي للظاهرة: كما سنرى. 

إن الفرد الذي دافع عنه الكاتب إزاء مطالب الواقع» ومساومته في 
مسرحية الجوع» يتلقى في مسرحية «عنده شهادة» أعنف الهجمات,. ولا 
يختل المزاج الحيادي للكاتب بين الدفاع والهجوم؛ على الرغم من أن بطل 
هذه المسرحية حالة مغرية بالتطرف.. إنه نموذج للمثقف الذي أغوته الثقافة 
الغربية؛ وضللته برجوازية المجتمع الأوروبي» لقد اتصل بهذا المجتمع؛ وتلقى 
من تلك الثقافة؛ ونال الشهادة العاليةء ولكنه حين عاد إلى مجتمعه: أراد 
منه أن يرتقي إلى المستوى الغربي» الذي لقنه. ويصطنع البرجوازية الأوروبية 
التي ملأته بالغرور والإعجاب» فوقع في خيبة أمل شديدة. كما أوقع مجتمعهء 
وأسرته. وحبيبته في حالة أشد من هذه الخيبةء لأنه أصبح نموذجا للسلبية 
العازفة عن التغييرء فالمجتمع الذي وجده متخلفاء ينتظر منه العمل. والأسرة 
التي ما برحت بتقاليدهاء تنتظر منه المشاركة في مسؤولياتهاء والخطيبة 
التي نظر إليها كثيرها من الفقيات الكريتيات الجاملات: دترم أن 
ا من العزلة. ومرارة الانتظارء ولكنه يواجه أطراف هذا الواقع 
بالسلبية. ويمكن أن نقف مع جوانب هامة من هذه المواجهة في حواره الآتي 
مع أخيه أحمد: 

اپوس وو أووويا شوق انطلاق الناسن 

أحمد: مُّهُو ضروري آرُوح أوروبا عَلَشَانٌ آكون سعيد 

يوسف: لا.. إذا رحَتَ هناك تَعَرَفَ حقيقة حياتك اللي تعيشها.. آنا 
سفت السعادة متاك.. .لکن بعد ما جيث كحوّلت إلى هباء.. ما لقيت شى: 


204 


الدرامى من الأرضيّه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


5 


أمامي.. كل شی على حط .. ماكو شئء تير حتى آمی.. لی مرضها.. 
وأبويّ على عقليته...(5. 

وفي مشاهد أخرى من المسرحية ينفر يوسف من أبيه نفورا شديداء 
ويقابل نصائحه بالفتور والملل. ويصف عقليته بالجمود. وتستمر هجمات 
يوسف المعاكسة؛ فنجده لا يفسر عدم مشاركته العملية إل بما يبرئ نفسهء 
ويلقي التهمة على الآخرين؛ كأن يعلل امتناعه عن العمل في وظيفة ماء بأن 
يصف كبار الموظفين بالجهل: وحطّة المستوى؛ فيقول ساخرا . «آصيّر مُوظّف 
تحت رئيس ما يعَرّفَ كوعه من بُوعه.. . لا يمكن.. .» ويُرجع عزلته؛ التي 
يُقّربهاء في حواره مع أخته «حصة» إلى أن المجتمع هو الذي لا يفهمه؛ ولا 

إذن فإن «يوسف» يواجه التهمة الصريحة التي يلصقها المجتمع بهء برد 
سيكولوجي قريب الصلة من عملية الإسقاط العصبية؛ التي يميل فيها 
المريض عادة إلى تحويل ما يزعجه»ء ويلقي التهمة عليه إلى الخارج. ممثلا 
في اتهام الآخرين. ولعل هذا ما دأب عليه بطل «عنده شهادة» طوال العرض 
التشخيصيء الذي أعمله الكاتب في بنيته الشخصية.. الذهنية والنفسية. 
ونستطيع أن نمسك بمبضع هذا التشخيص في إثارة مشاعر الذنب نحو 
المجتمع. والأب, والأخ والأخت. كما رأينا منذ قليل. وفي تشكيل النفس 
للتهمة الملصقة في حجم نزوى شديد التعصّب. وبالغ الخطورةء كما نلاحظ 
ذلك في عبارته التي يرددها أمام المرآة. مخاطبا نفسه: «ماكُو فَايّدَةَ يا 
يوسف.. ما أَحُدَ فاهمك في هالبَيت... ولا بِالبَلّدَ كلّهًا.. .» 

والخطورة التي تدل عليها هذه النزوة هو طابعها التبريري للعجز, 
والضعفء ودلالتها الموحية بالخصاء «الرمزي» والتضخم الذاتي في البنية 
الشخصية, فهي بمثابة لواذ اختياري بالعزلةء وإقصاء للذات عن الدخول 
في إخاده اوقا ت اجسافية بنوية ومتوازكة وقد استطاع الكاتب أن يستكمل 
تشخيصه لنزوة الإسقاط باستبار عواطفه»ء وتمحيض أقرب المساحات 
الشعورية إلى ذاته. من خلال علاقة الحب بينه وبين «فاطمة». فقد حصر 
الكاتب المأزق الذي يتلقاه «يوسف» في مشكلة هذه العلاقةء وجعلها مناط 
النمو الدرامي لشخصيته. لأنه يرتبط مع «فاطمة» بعقد زواج لم ينجز 
مراسيمه النهائية» منذ ست سنوات. ولكن اعترى علاقته بها الكثير من 


إن 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


البرودء بعد أن أصبحت «فاطمة» جانبا في التهمة التي يلصقها بالمجتمع. 

وقد أدرك الكاتب كيف يضمر مشاعر الذنب التي يكبتها يوسف نحو 
خطيبتهء في سبيل خلق تركيز مسرحي دقيق حول العقدة الدراميةء وتحقيق 
انتفاء «عنده شهادة) الانتماء الكامل لسرحية الفعل. ذلك أن يوست يداب 
على التهرب من مواجهة هذه المشكلةء رغم أنها على حافة الانفجار لأن 
مواجهتها تقتضي عودته للواقع» وإقراره بالذنب. فالآب يذكره بهاء والأخ, 
والأخت, وأخيرا عائلة «فاطمة» نفسها بدأت تلوح بشكوكها في نوايا «يوسف» 
وتثير ضرورة فسخ الخطوبةء وإعلان الطلاق» ردعا لحديث الناس» وخوفا 
على مستقبل ابنتهم. 

ورغم ما يبلغه الموقف من التوترء والجهامة في محيط الأسرة؛ وخاصة 
لدى الأب» والأخت «حصة» فإن «يوسف» يزداد تهرباء إلى أن يطرده أبوه 
من البيت» فيلجاً إلى بيت أختهء وبعد محاولات جاهدة تتمكن الأخت من 
دعوته للاعتراف بموقفه. والإقرار بمشاعره. ففي موقف عصيب مليء 
بالمواجهةء وحوار الأفكار الذي يذكر بما يدور من المناقشات العائلية في 
مسرحيات إبسن وبرناردشو. تسأل «حصة» أخاها عن ثقته في فاط 
فيرد عليها بقوله: «البِنَت الكويتية بصمّةٌ عامة ما آثق فيها.. . بنتٌ جاهلة 
قعيدة ييث. . ما آقدَرٌ آنا را لرن ادا فيك عضو الحريه» 
آنا إنسان لِيّ مُستوى» ومثل هذا الموقف الذي يصرح به «يوسف» نحو 
فاطمة وغيرهاء إنما يندمج في مشاعر الإسقاط العصبيء التي يعاني 
منهاء لأنه يصف فاطمة بالتهمة الموجهة إليه. وهي العزلةء وينفي سلبيته 
نحوهاء بالسلبية الاجتماعية التي يلصقها بها. 

والحق أن التشخيص السيكولوجي السابق؛ رغم دقتهء ومرادفته المتوازنة 
لمتطلبات الفعل المسرحي» وشروطه الفنيةء إلا أنه لا ينتهي بتحول مقنع 
ذلك أن يوسف الموصوف على لسان الجميع بالعناد؛ والمحكوم عليه بالعزلة 
المرضية البالغة. سرعان ما يذلله لسان أخته «حصة» ويقلب موقفه 
«العصبي» إلى شعور بالذنبء وإقرار بجفاء الآخرين. فالعبارات التي حدثته 
عن قراءات الفتاة الكويتية لسارترء وموباسان» وسومرست موم» وتنسي 
وليامزء وتوفيق الحكيم» والعقاد. وطه حسين تنسيه مواففه المتعنتةء وتدفعه 
للاقتناع بأنه المتهم بالعزلةء والإقرار برد الذنب إلى نفسه. كما يقول: «آنا 


200 


الدرامى من الأرضيّه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


حَاسن... خاس بأنىّ حَطّمت نفسيات واجَدَة».. 

ولا يقر لكات هنذة الصو المقتضبة للتحول سوى محاولاته المقصودة 
لفك العزلة النفسيةء والاجتماعية عن بطل المسرحيةء وردع مشاعره العصبية 
المسقطة بأسلوب العلاج النفسي» ونلاحظ ذلك من طريقة معاملة أخته 
«حصة». فقد جريّت معه أسلوبا سيكولوجيا في العلاج» عندما دبرت لقاء 
مفاجئًا بينه وبين غاطمة؛ معتقدة أن اللقاء والتفاهم بين الإثنين هو الفرصة 
الكفيلة بإزاحة جدار العزلة بينهما. وقد فشلت هذه التجربةء وتحؤّلت إلى 
ورطةء لأنها لم تكن مربوطة باختيار الطرفين؛ وقبولهما لمبدأ اللقاء. ومن 
ثم لجأت «حصة» بعد ذلك إلى أسلوب الإقناع والمناقشة العقلية. 

ونلاحظ أسلوب العلاج النفسي في معاملة الآب لابنه؛ بعد أن استنجد 
به يوسف من أجل استعادة فاطمة:؛ والتراضي مع أسرتهاء فقد طلب منه 
هذا الأب أن يعتمد حل لبر وك هدمه بيديه؛ كما يقول للام التي 
توبّخ لعدم مساعدته ابنها: «آنا سويت هالشكل إلا آبية يَحكَدُ ويرف شَلُون 
يَسَّعٌ أموره بإيدة.. .« 

وفضلا عن ذلك فقد جعل الكاتب جميع أفراد الأسرةء يقومون بدور 
العلاج-غير المباشر-لإبنها المنحرف. لأنه ينطقها في مواقف المسرحية بلسان 
العقلانية: والسويّة المعتدلة. وكأنهم-جميعا-رمز لاستقامة الواقع الذي ينبغي 
أن يقتدي يوسف به؛ ويتناغم معه في علاقة متوازنة. ووجود معافى. ولا 
مراء-حينئذ-في أن يكون «يوسف» في هذه المسرحية نموذجا للذاتي ضد 
الموضوعيء وللشذوذ ضد السوية؛ وللعدوانية ضد الحدب والحماية. وهو 
نموذج يرتبط بضرورة التراضي مع الواقعء والقبول بمعطياته الإيجابية. 
وتجري على لسان الأب عبارات بازغة الدلالة في هذا السياق» يقولها بعد 
أن استعادت الأسرة ابنهاء وقوّمته بالاعتدال: ` 

«لَّوَ يرد مَرَةٌ ثانية تلميذهة آوَديه يتَعلّمَ. واحّنا بحاجة للعلم.. 
شقْتة من يوسف ما يخَلئَّينِيَ آيأس». 

وأبزغ ما تدل عليه هذه العبارات رغم ما بها من دعاوةء هو أن الواقع لا 
يلصق التهمة بالمتعلم حين يؤدي وظيفته باعتدال» وسوية وإذا دلت-أي تلك 
العبارات-على أن يوسف بطل (سايكودرامي) مريض. فلا لبس في ذلك. 
ولا غموض. ذلك أن تطورات الفعل المسرحي» دأبت على تشخيص «الحالة» 


207 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وتحديد «العلاج.» وبينما كانت العقدة الدرامية تنمو في الفصلين الأول 
والثاني نحو أقصى التوتر الذي تبلغه «الحالة» بإقرار الذنب» كانت نفس 
العقدةء تنمو في الفصل الأخير نحو التمثل الصحيح للعلاج؛ وتحقيق 
التراضي بين يوسف وفاطمة. ولا تعني التبرئة الثابتة للواقع؛ أو تصحيح 
الحالة المرضية المؤقتة للبطلء سوى غلبة المعالجة للفرد على المعالجة للنمط 
في مسرحية «عنده شهادة». 

ورغم معالجة الفردء وافتضاب دوافع التحول في الفعل المسرحي- 
سرعة اقتناع يوسف-والثقة غير المعهودة في الواقع» فإن «عنده شهادة» 
تتميز بتحويل الأرضية الدرامية؛ العادية إلى مختبر للعلاج النفسي» وإحالة 
دوافع التحول. ومسببات الفعل إلى نوع من التراضي العقليء ورغبة 
الشخصيات في إقناع بعضها بعضا بالأفكار. وقد اعتمدت هذه الدوافع 
في مسرحيات صقر الرشود على التراضي العاطفيء» والصدامات الانفعالية. 
مما جعلها تمسرح ردود الفعل» وآثار الحدث. بينما تخلّى عبد العزيز 
السريع عن ذلك» منذ مسرحية «عنده شهادة» لأنه اهتم بمسرحة الفعل 
المقترن بمسبباته العقليةء ومن ثم اعتمد في حوارها على المناقشةء والتساؤؤل 
وطرح الأفكار التي تلامس الجانب المادي في الواقع. ويرتبط أسلوب المناقشة 
الذي يبهرنا باقترابه الشديد من الحياة العادية» بأقوى خصائص مسرحية 
الأفكار التي اكتسبتها دراما الأسرة المتغيرة في مجتمع الخليج العربي على 
يد عبد العزيز السريّع. ولعل هذا قد أدرك. إمكانية تأصيل هذا الأسلوب 
فوق خشبة المسرح في مسرحية «لمن القرار الأخير» التي أخرجها صقر 
الرشود في ديسمبر / كانون أول 1968. 

وفي هذه المسرحية يستقر أسلوب المناقشة في قلب الفعل المسرحي» أو 
أنه يندمج في ديناميته من غير تأجيلء وتميّع يستدعي رتابة ردود الفعل؛ أو 
انفلاتها دون شروط. بل إن الكاتب يستحدث في هذه المسرحية شخصية 
ذات هدف تغريبي واضح. وهي شخصية «سامي» يرمى بها إلى تعميق 
أجواء المناقشة: وتقريبها من الذهن العادي» ووضعها في سياق من المشاركة 
بين هذه الشخصية. وبين المتلقي» ومنذ بداية المسرحية. تستدعي هذه 
الشخصية هدقها المسرحي بعلانية مكشوفةء فهي تطلب التغييرء وتحث 
على التفكير بأسلوب قادر على التوصيل» واختراق الصفوف بين الناس. 


الدرامى من الأرضيّه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


فتجد ذلك في منطق المناقشة العقلانية كما يقول سامي: 

«مَنَطِقَ العقل. . . مَنَطِقّ المناقشة.. . الملَطِقٌ و . کل واحد 
لازم ب يساءل كل وائحد لازم غك شاف . يتَكَلَمَ..» 

وقد أعمل الكاتب جهدا مضنياء بارعا في توظيق الدعوة التي أطلقها 
على لسان سامي في بداية المسرحية. فجعل جوهر الفعل المسرحي متحققا 
في حوار درامي» متصل حول فكرة استغلال الأسرة الزوجية (النواتية). 
وطرح على لسان الزوجين «ثريا» و «وليد» الكثير من التساؤلات والأفكارء 
من أجل التوصل إلى كيفية متوازنةء تحقق المتطلبات الوظيفية في البنية 
الاجتماعية الجديدة للأسرة؛ وتستبر ما فيها من شكوك أيضا. فالزوجة 
تطلب الانفصال عن نموذج الأسرة التقليدية الممتدة. والخروج منها إلى 
بيت مستقل مع زوجهاء يحققان فيه مطالبهما الفرديةء ويحلان به مشاكل 
تبعيتهما للأسرة الأبوية. ولكن تعترض هذه الدعوة إلى الاستقلال بعض 
العقبات» ينحصر جانب منها في تردد الزوج» وحيرته بين الاستقلال؛ أو 
الإبقاء على التبعية. وينحصر جانب آخر في صعوبة إمكانات الاستقلال؛ 
وثمنه الباهظ الذي ينبغي أن يدفعه الزوجان من فرديتهماء في مقابل ما 
سيفتقدانه من تبعيتهما . وينحصر جانب آخر في المستوى الاقتصادي الذي 
يستلزمه الاستقرا 

وفي خضم تلك العقبات تبدأ العقدة الدرامية في هذه المسرحية محتدمة 
بسؤال بازغء وهو هل يمكن استقلال هذين الزوجين. بتركيبتهما الاجتماعية 
التي لا تخلو من الشكوك المضللة لوضوح الهدف الفردي؟ . فالزوج «وليد» 
يعادى من حوره ضا جر دروي على نحو مباشر بقوله: «آنا مشكلتي اي 
مالي موفف.. . ماني عارف شَلُونٌ آتصرّف.. أمي تَقَنِعَنِيَ بكلامها وَرُوَجِتِيَ 
تعقعني بَمَوققَهًا .. وآنا مِتَدَبِذِبَ ما آدري آوافق زرُوجَتِيَ وآستقل مَعَاها في 
بيت.. . أو آقتنع بكلام أمّيّ وآهيّن زوجتي وآعوّدهًا على الحياة مع أهلي.. 


. ما دوع ا 


وانفصامه السافر بين الفردية والتبعيةء فإن مشكلة الزوجة تستكمل الشك 
الصريح في الاستقلال: وتكوين الأسرة الزوجية. بعدم مشاركتها مع الزوج 
في الحياة العملية للأسرة. فهي لا تمارس العملء ولا تساهم في اقتصاد 


200 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الأسرة. 

وبإمكاننا القول: إن شكوك الزوجء هي التي تدمج أسلوب المناقشة في 
قلب الفعل المسرحي» وتجعل الحركة الدرامية نابعة من الأفكار المطروحة 
في حوار المسرحية. ولعلنا هنا أمام أول عمل مسرحي» تستدعي فيه 
الشخصيات المسرحية أسلوب المناقشة: بدوافع الفعل المسرحي» ومسببات 
العقدة الدراميةء دون أن يتخللها أثر تعليمي» يربك تلقائيتهاء أو يظلم 
إبهارها الواقعي. 

وقد أشاع الحوار الممسرحيء الذي يعتمد على مناقشة الأفكارء أجواء 
درامية متفتحةء تسيطر عليها الاحتمالات دون الضرورات. والمرونة دون 
الرعونةء والديمقراطية دون الفردية. فالآباء لا يفرضون سلطتهم التقليدية 
على الزوجين» وإنما يفسحون الطريق لاستقلالهما. والزوج يطلب مشاركة 
زوجته في التدبيرء والتخطيط للمستقبل. ويفتح أمامها أبواب النقاش في 
مواقف كثيرة. قائلا لها بمثل هذه العبارة: «تعالّيّ يا ثريًا حَلّينا نتَبِآصرٌ.. .» 
ولا يعني «التباصر» الذي يطلبه الزوج» سوى البحث المشتركء والمناقشة 
المعتدلة لمشكلة استقلالهما. 

والتصعيد الدرامي الحادء الذي تنتقل إليه هذه المسرحيةء بعد سؤال 
وليد: «شلؤن آقتنِعٌ بأتها كَمَوَ بيت ؟ !» يترادف مع انتقال الأفكار. وتحول 
المناقشة نحو الإجابة على سؤال آخرء اقتضته حياة الاستقلال: التي خاض 
الزوجان تجربتها بمرارةء وهو هل يمكن استقرار وليد وثريا في ظل بنائهما 
لهيكل أسري مستقل.. . ؟ 

وتتضح رؤية الكاتب مع الإجابة على هذا السؤال. بفضل قوى التعايش 
بين مسرحية الأفكار. ومسرحية الفعل في «لمن القرار الأخير». ذلك أن 
السوال مشتق هن سايق كما أن الإجاية عليه كز عة من الاجاية السايقة 
التي عملت على التشكيك الصريح في تركيبة الزوجين الاجتماعية. ومدى 
تناغمها مع إقامة البنية الأسرية الجديدة. ومن ثم يبدو الأمر وكأن جميع 
الأفكار التي دفعت إلى حيرة الزوج» وتردده بين التبعية والفرديةء وبين 
اعتناق الثقة بزوجته أو الكفر بها.. . تطرح الرؤية مع انعكاس العقبات التي 
يخوضها الزوجان من شكوك الحيرة السابقة. فالزوجة لم تستطع التكيف 
مع دورها الوظيفي الجديد. فتقدمت بمطالب, تعينها على القدرة على 


الدرامى من الأرضيه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


إقامة هذا الدور (كالخادمةء والصبي.. . ونحو ذلك) وهي مطالب» ترهق 
الزوج» ولا تتناسب مع وضعه الاقتصادي المحدود. 

إن مسرحية «لمن القرار الأخير» من أكثر الأعمال المسرحية في دراما 
الأسرة المتغيرة تحقيقا للتعايش بين عالم الأفكارء وعالم الأفعال. و 
أن قالب التعايش هذا هو الشكل التلقائي الذي يتناغم مع دينامية تغير 
الأسرة من بنيتها التقليدية الأبوية إلى بنيتها الزوجية الحديثة. لأن تشخيص 
هذه الدينامية فوق خشبة المسرح مشروط-على الأغلب-بتشخيص الأفكارء 
والأفعال والدوافع. وقد أعمل الكاتب جل وسائله المسرحية في تشخيص 
الآولين (الأفكار والأفعال) بعناية ظاهرة: ودقة مدروسة:؛ ولكنه قصر كثيرا 
في تشخيص الدوافع. فهو يحمل «وليدا» على الحيرة إزاء استقلال حياته 
الزوجية بدوافع مقتضبة؛ سوغت له في نفس الوقت أن يحمله على موافقة 
الاستقلال مع ثريا في بيت منفرد. بدوافع سطحية. ذلك أنه لا يوافق 
مقتنعاء وإنما من أجل تجريب الاختيار الذي ألحت عليه زوجته. وربما دلّت 
مراجعة الكاتب لهزه المسرحية على النقد الذاتيء الذي يستدرك به عبد 
العزيز السريّع تقصيره السابق في تشخيص الدوافع. ذلك أنه أعاد كتابتها 
في مسرحية «الدرجة الرابعة». وعرضت في يوليو/ تموز 1972 بإخراج 
صقر الرشود . والحق أن التباين الذي تعكسه مراجعة الكاتب في هذه 
المسرحية لا يمس اختلافا جوهريا بين المسرحيتينء لا من حيث الأفكار, 
ولا من حيث الفعل المسرحيء المتعايش معهاء وإنما يلامس اختلافا جوهريا 
في تعميق الدوافع التي كانت مقتضبة كما أشرنا إلى ذلك منذ قليل. 

إن تعميق الدوافع في مسرحية «الدرجة الرابعة». نابع من مقتضيات 
المراجعة التي تشاء للكاتب أن يلتقي بشخصيات هلمن القرار الأخير» بعد 
مضي أكثر من ثلاث سنوات. الأمر الذي يستدعي منه مزيدا من المشاركة 
لأهداف شخصياتهء والمعايشة لدوافعها.. قراح تقتضي-بالضرورة- 
معرفة أ وسع بالدوافعء لأنها تقرب المنشىّ من شخصياته» كما هو معروف 
في العملية الإبداعية. وقد تحققت معايشة الكاتب لدوافع شخصياته على 
نحو جعل هذه المسرحية أكثر تماسكاء وتميزا من سابقتها. 

ويوظف الكاتب في هذه المسرحية وسائل التركيز المسرحي من أجل 
تعميق درجة الداكينة: هراض على الكشير من التفاصيل الواكنية اا كفك 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الأرضية العادية. والسيكولوجية لمشكلة الزوجين. إن وليدا في «لمن القرار 
الخو يرود عبارات الحيرة الغالية من امون ااسيكرلرجي. هقدو 
بمثابة الحالة التقريرية التي لا تسعفها الدوافع؛ بينما مويك راچا 
الرابعة» لا يكاد يقول عن نفسه بأنه متردد. على الرغم من أنه يبدو أمامنا 
في أشد الحالات النفسيةء حيرةء وتمزقا . وما ذلك إلا لأن الدوافع النفسية 
المتناقضة تلهب حركته على المسرح بحساسية مغايرة:» ربما لم تألفها تجربة 
الكتابة المسرحية في الكويت والخليج العربي. فالحيرة التي تعتمل في 
شخصية «وليد» ليست طارئة: وإنما ترتبط بمكوئات شخصيته منذ الطفولة. 
وكذا العنادء والإصرار اللذان يميزان شخصية «ثريا» يرتبطان بطفولتهاء 
عندما كانت تلعب مع ابن عمها وليد وأخيها سامي. 

ويلعب هذا التباين السيكولوجيء بين وليد وثريا دورا قويا في توجيه 
معظم الدوافع التي تحركها نحو الاستقلال بحياتهما الزوجية: أو التي 
يواجهان بها الاستقرارء بعد أن انفردا مع أولادهما في بيت أنيق. فهو يحلم 
بالاستقرار في بيت يكوّن به أسرة مستقلةء ولكنه مأسور بعاطفته نحو أمه 
التي تعاني المرضء فلا يريد أن ينفصل عنها مع زوجته؛ ويتركها في وحدة: 
مع أبيه. وهو أيضاء يحب زوجته ثرياء ويحترم مشاعرهاء ورغبتها الفردية 
في آ وکین لها با السشعل: بیدا عن ااا ماما ولكنه يشكك کی 
قدرتها على تحمل مسؤولية البيت» وتحقيق مطالبه لأنه لا يثق في إمكاناتها 
كما يقول: «ما آقَدَرٌ آتصّورٌ إِنّها رَبَةَ بيت وكَمَوَ.. الثقّة مَحَدُوّدة .» كما أنه 
في بعض الأحيان: يظهر خوفا عليها من وحشة البيت» وعزلة الاستقلالء 
وتتراءى له المسؤولية الجديدة التي سيقبل عليها من الضخامة بحيث تسظزم 
حيرته وتردده؛ وتفكيره العميق» حسب قولة لها: «أَلْسَالة كبيرة يا ثُريا.. 
وهدًا مَصيّرئًا.. لازم کل شن تَفَكْرٌ فيه زِين.. نبّحث كل أمورنا.. ونعرف 
شنّْهِيّ إمكاناتنا «.. وإذا كانت هذه المسؤولية تشعره بالرهبةء والتضاؤل؛ 
فإنه في آحيان أخرى. يزيح عن نفسه هذا الشعور: مطمتنا إلى أن المتاعب 
التي سيجرها استقلاله مع زوجته متاعب عاديةء ومألوفة في حياة الكثيرين. 

إذن فإن جميع الدوافع المتناقضةء كفلت للكاتب تشخيصا بارعا لحيرة 
الزوج»"دون أن يعثّر هذا التشخيص دينامية الفعل المسرحي. إنه ينتهي 
إلى موقف بس فيه «وليد نلك الحيرة رقم لها كى نيه الفشحسية, 


الدرامى من الأرضيّه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


ولا تقل دوافع هذا الحسم تركيزا وتمكنا عن دوافع الحيرة؛ فهولا يقبل 
باختيار زوجته من أجل أن يجرب مطلبهاء كما فعل في «لمن القرار الأخير.» 
وإنما يقبل هذا الاختيار بحجج نابعة من محيطه النفسي» ومحيطه 
الخارجي. نجدها مثلا في ضعف براهينه أمام إصرار زوجته» وقوة 
شخصيتهاء وقدرتها النافذة في التأثير عليه. وقد وصف وليد هذا التأثير 
بقوله: «بسرعة تآثر علي. بعض المرات ينشل تفكيري بسببها». ومصداق 
هذا التآثير واضح في سلوكه معهاء لأنه لا يكاد يغضب عليهاء حتى يستعجل 
مرضاتها . ويقابل صراخهاء وثورتها بعدم المواجهة» والبرود . بل إنه كثيرا ما 
يواجه أفكارهاء ومحاولاتها في إقناعه بعبارته: «إِنْتِيّ وَوَفَفيّن مُحيّ». التي 
يكشف فيها عن جموده أمام حركتهاء وضعفه أمام قوتهاء وخوفه أمام 
جرأتهاء وكما يقع تحت قوة تأثيرها عليهء يقع تحت قوة حبه لهاء وشدة 
احترامه لحقوفها. وفرديتها. 

أما المحيط الخارجي الذي يدفعه نحو حسم حيرته فنجده في 
الشخصيات الثانويةء التي لا ترجح براهين الحيرةء بقدر ما ترجح براهين 
الحسم» فالأب يشجعه على الاستقلال مع زوجته. ولكن على ألا يترك 
نفسه مطيّة لزوجته. وابن عمه سامي يُبَسَط أمامه المشكلة؛ ولا يرى فيها 
ما يبعث على الحيرة المعقدةء فهو يقول: «مَسَويينَ مشكلة من عَدَمَ..» وأما 
صديقه «أحمد» فهو الذي بجا يشير عقلاتي مخلص.» فيحرضه نحو 
حسم حيرته؛ بموقف يكون في صالح اختيار زوجته؛ ويقنعه بفكرة. أن 
استقلال الفرد بحياته الزوجية أمر لا مفر منه. ولم تخرج شخصية «أحمد» 
طوال المسرحية عن هذا الدور «الدافعي» الذي يتحرك في المحيط الخارجي 
لدوافع بطل «الدرجة الرابعة.» وهو الشخصية الوحيدة التي أضافها الكاتب 
على شخصيات هلمن القرار الأخير» مدللا بإضافتها على رغبته الحارة في 
تعميق الدوافع» ومعايشة شتى تفاصيلها المقنعة. 

ويمكن ملامسة اختلاف الدوافع؛ وتباينها في هذه المسرحية عندما 
ننقل إلى ملامسة الدوافع المتلازمة مع تحول الفعل المسرحي. ففي الفصل 
الثاني استقر الزوجان في بيتهما الآنيق: الذي يدل على البذخ: والإسراف. 
ولكن تبدأ مشكلات التكيف في الظهور. ويمكن ملاحظة أن مشكلة ثريا 
في هذه المسرحية ليست في عدم قدرتها على التكيف مع الوضع الجديد 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


فحسب. كما وجدناها في «لمن القرار الأخير» وإنما مشكلتها في أنها باتت 
في موقع طبقي لا يقف على أرض صلبه. فقد خرجت من تبعيتها الماضية. 
ووجدت نفسها لا تبني أسرة مستقرة: وإنما تبحث عن التحرر من عزلتها 
الطبقية؛ المحصورة في الانتماء إلى أسرة تقليدية معزولة بوضعها الاجتماعي 
عن الواقع البرجوازي المتفتح» بأسباب التحررء وعوامل الثراءء لقد أطلقت 
لنفسها التحليق في أجواء لن تستطيع التنفس فيها لفترة طويلة: لأنها 
ليست أجواءها الطبيعيةء فتقلدت مظاهر الترفء والنعمة الكاذبةء وأقامت 
الحفلات الباذخةء وراحت ترتدي الفستان مرة واحدة» كما تفعل نساء 
الطبقة البرجوازية العلياء وأخذت تجاري تصنّع هذه الطبقةء ومجاملاتها 
ورغبتها المحمومة في «الاستعراض» التي تستبد بالطبقات الميسورة عادة 
في المجتمع المتخلف. وأصبحت مشدودة بالتنكر لوضعها كمتخلّفة. ومدفوعة 
بإحاطة نفسها بكل مظاهر الوجاهة المادية. 

إذن فإن ثريا نموذج واضح المعالم لحالة يعاني منها المجتمع في الكويت, 
وتخلف آثار شديدة في بنيته الاجتماعية؛ وهي «حالة الاستعراض» التي 
جعلت هذه البنية متمثلة في تشييد أرقى الصالونات و «الفلل» المحشودة 
بوسائل الاستهلاك الحضارية في وسط اجتماعي متخلّف. ولم تكن 
«ثريا»بهذه الملامح الاجتماعية الواضحة في «لمن القرار الأخير» لأنها حين 
طالبت زوجها بإحضار «خادمة» و«صبي» باتت تحت التهديد بالطلاق؛ إن 
لم ترض بمستواه المادي المحدود . أما في هذه المسرحية فقد أرادت لمطالبها 
جناح السرعة في التنفيذ. فأغرقت زوجها بالديون إلى حد التفريط 
اللاعقلاني. 

ويصبح «وليد» في مواجهة | لواقع الجديد. الذي قادته «ثريا» بلا 
عقلانيتها أكثر عرضة للقلقء والتمزق» فهو يرى زوجته تتهافت أمامه في 
حياة مصطنعة؛ وأهداف مضيّعة؛ ولكنه لا يمتلك القدرة على إيقافها لأنه 
لا يزال يخوض في مستنقع الحيرة: إنه يحبهاء ولكنها تستفزه» ويحترم 
فرديتهاء ولكنها تستغله. ويمنح باعتدالء ولكنها تأخذ بتطرف. ويطلب 
الاكتفاءء فتشكو الكفاف. 

ولم يعد التباين بين وليد وثريا في ظل ذلك التناقض محمولا باختلاف 
درجة الدافعية الفردية فقط؛ كما هو حادث في مسرحية «لمن القرار الأخير» 


214 


الدرامى من الأرضيّه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


وإنما أصبح محمولا بالدافع الطبقي أيضا. ذلك أن «ثريا» تنسلخ عن 
طبقتها الاجتماعية. وتصطنع واقعا باذخا من الناحية الظاهريةء وبدوافع 
لا تخلو من رد الفعل المرضي الذي تعوّض به مشاعر النقص الذاتية. سواء 
بالنسبة لهاء أو بالنسبة لطبقتها. أما وليد فإنه يحتفظ باعتدال» بموقفه 
الطبقي» فلا يتجاوز البرجوازية الصغيرة, المنمذجة في رتبته الوظيفية 
(الدرجة ا التو اا ادرا الم 

وكما يتقدم الكاتب بسلوك ثريا نحو انسلال غير معافى من الواقع 
الذي تنتمي إليهء يتقدم بمعاناة «وليد» إزاء ذلك السلوك نحو مشاعر 
الاغتراب عن الواقع. ويبدو اغتراب وليد عن الواقع الجزئي (الممثل في 
زوجته)ء امتدادا لاغترابه عن الواقع الكلي» لآن ثريا تنقل له صورة فجُة 
مما يعج به الواقع من «استعراض» كاذب. كما أشرنا إلى ذلك فيما 
مضى .ويفصح «وليد» عن هواجس دافعية في مشاعر اغترابه؛ كما تدل 
على ذلك مجابهته التالية لزوجته: 

«آنا آقابل خارج هالبيت ألفّ وَجَّه ووّجّه كلَهًا نفاق وكذْب وزيف.. أشياء 
تتنافى مع كل القيم.. آنا آعيش مِضطَرَ في كابوس.. آحسَ بالرخص 
والإبتذال في حياتي.. حرام.. كل هذا قاع آشوفَ صورة منَّة في بيتي.. لا 
تَدَخَلِينَ هالاشياء غرفة ثُومِيّ.. قاعد آشوف هذا بَوَجَهَك, بأصفيفة شَعَرك.. 
بمُساتينك.. كلامك.. لِعَنِوَ دارك صار بيتيّ مثل الشارع.. مالّة أي حرمّة.. 
الناس تدش وتطلعٌ من دون استئذان.. آنا ما آعرف اللي يدشون ويَطلَمُون.. 
آنا صرّت غريب.. . غریب حتى في بيتِي.. . ومع زوجتي.. وين آهْرٌ.. وين 
اماه 

ولعل من الواضح أن الكاتب يدفع بوليد لآن يكون نموذجا لحيرة 
البرجوازية الصغيرة في مجتمع الكويت والخليج العربي» ولاغترابها أيضا 
عن الواقع الذي ينقمع فيه صوت العقل» في وسط ضجيج «الاستعراض». 
وهذا النموذج عادة ما يكون ضحية لطرفين في اغترابه» «الواقع 
الاستعراضي» الذي لا يستطيع اللحاق بركبه؛ لأنه لا يقر به غالباء ولا 
يمتلك صفاته. والفردية الناقصة التي لم تنل حق المشاركة في التغيير. 
وبينما يدفع الطرف الأول إلى التبرم» يدفع الثاني إلى التضاؤل والانكفاء 
فيكون الاغتراب مزيجا من هذين الحاصلين. اللذين وقفنا على وجودهما 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


في الاستدلال السابق بحوار «وليد». 

وقد اعتملت دوافع الخاتمة المسرحية بتشخيص الاغتراب في بطلهاء 
من خلال طرفيه المشار إليهماء وهو ما لم ترق إليه دوافع الخاتمةء في 
مسرحية «لمن القرار الآخير». ذلك أن وليدا-مع انفجار مشاعر اغترابه 
واستفحال القلق الذي دفعته إليه زوجته-يقرر ضرورة الفصل في هذه 
القضية؛ فإما ألا يستمر التباين بينهماء كنموذجين متصارعين. وإما أن 
يهددها بالطلاق.. ويتمكن من ردعها بهذا الموقف الذي جمع المبررات 
الكافية لاستغفارهاء وقولها: «فعلا أنا سبّبت لك ضيق وإزعاج.. آنا طول 
هالوقت ضايعة.. وللحين آحس آنى ضايعة..». 

ورغم هذا الإقرار الصريح كرون ثريا مخ الأهواف كنيع و كا 
تنهي عباراتها المتعهدة بالارتداع» والالتزام بأهداف زوجهاء حتى تنكث ذلك 
باستجابتها لإحدى الحفلات التي دعيت إليهاء في حوار مع صديقتها في 
نهاية المشهد الختاميء تاركة زوجها وليدا في منتصف السلم» وقد جلس 
ينظر إليها بإعياء. ومثل هذه الخاتمة تستجيب-تماما- لما في اغتراب «وليد» 
من تبرم رغبته بحسم التباين؛ ومن تضاؤل وانكفاءء دل عليهما اليأس 
والإعياء في اللمسات النهائية لصورة «وليد» على المسرح. ولعل في جلسته 
تلك» عند منتصف السلم» إشارة بليغة إلى معاني الانقسام.. والتوزع.. 
والحيرة التي يبلغها بطل المسرحية. 

إن وليدا في الدرجة الرابعةء يتموضع في أبزغ النماذج الواقعيةء التي 
صاغتها تجربة عبد العزيز السريع على المسرح بعد أن صقلته الدوافع 
السيكولوجية؛ فهو أقل مثالية من «داود» في مسرحية «الجوع» وأكثر ثورية 
من «يوسف» في «عنده شهادة». إنه البطل الوحيد الذي ينفرد في دراما 
الأسرة المتغيرة بحوار متصلء يلهج بأفكار ديموقراطية لم تحسن زوجته 
«ثريا» استغلالهاء من أجل تدعيم استقلال البنية الاجتماعية الجديدة 
للأسرة. وهو البطل المسرحي الوحيد. الذي ينزف قلقا من الفردية التي 
منحها لزوجته؛ دون أن يتراجع عنها. 

ولعل «وليدا» هو البطل المسرحي الوحيد» أيضا الذي ظل طوال المسرحية 
في حوار متصل مع ذاته؛ واستبار مستمر مع أفكاره. إنه يناقش نفسه. 
ويتلقى من أرضيتها دوافعه السيكولوجية. ويناقش المحيطين به ويتلقى من 


216 


الدرامى من الأرضيه العاديه والسيكولوجيه للأسرة المتغيرة 


أرضيتهم دوافعه الطبيعية. ومن أجل ذلك فإنه من أبطال دراما الأسرة 
المتغيرة القلائل الذين يمثلون مضمونا صادقاء ومتميزا لحوار مسرحي. 
يتوزع بين الأسلوب العادي في إدارة الحوارء وبين المونولوج الداخلي. ويفتح 
الكاتب مشاهد المواجهة بين «وليد» و «ثريا» في بعض المواقف فوق جبهتي 
هذا الحوار. فيبدو وكأنه يسجل حواراء وصراعا بين الوعي عند كل منهما .. 
وحواراء وصراعا بين اللاوعي عند كل منهما. 

لقد أنضج عبد العزيز السريع جميع خصائصه المسرحية في مسرحية 
«الدرجة الرابعة». فاستقرت له فيها جميع الوسائل المسرحية؛ التي تفجر 
الأرضية العادية للمشكلةء وتجعل البطل المسرحى فوقها على حافة الانهيار. 
7" كما استقرت له الوسائل المسرحية التي تيح هن انطاقة کرابت الوعي. 
أو التي تكفل تعايشا سلميا بين مسرحية الأفكار. ومسرحية الفعل» أو التي 
تمزج بين فردية البطل المسرحي؛ ونمطيته. وتجعل الخط الفاصل بينهما 
من الدقة بحيث لا يمكن إدراكه بسهولة. 

ولم يخرج الكاتب في جميع الوسائل المسرحية التي يؤصلها عن الهدف 
الجوهري» وهو البحث عن الاستقرار للقالب المسرحيء. الذي يستوعب 
معطيات الأسرة المتغيرة برؤية واقعية. والحق أن تنقيبات عبد العزيز الستريع 
في الأرضية الدرامية لهذا القالب» تحفر اتجاها واقعيا بارزاء لا تزال 
التجريةالنسيحية ترف فته فى كير من الأعمال السردية"'". ولكنها له 
تنضج لدى تجارب أصحابها بعد؛ كما نضجت لدى عبد العزيز الستريع. 


217 


© خيال الإؤية المسرحيه 


الجديدة من التطور 
الاجتماعي للاسرة 


لقد استقطبت سنوات العقد السادس من هذا 
القرن أكثر الجهود المؤصلة للخصائص المسرحية 
في دراما الأسرة المتغيرة. فما إن تمض خاتمة هذا 
العقد. حتى تكون تلك الدراماء قد أسست لها الكثير 
ف اليد الو الابجماعية ر رارسا نييما 
مضى من الدراسة في هذا الباب عمق الصلة بين 
نموذج تلك التقاليد؛ ونموذج التغير البنائي في 
الأسرة. كما تدل دراستنا لمسرحيات صقر الرشود 
وعبد العزيز السريع على أن وراء تلك الصلة انشغالا 
أساسيا للقوى الخلاقة؛-سواء لدى هذين الكاتبين: 
أو لدى غيرهما-بأكبر عمليات التمثل الاجتماعي» 
التي صحبت التغيرات البنوية في هيكل الأسرة. 
ذلك أن شتى الموضوعات التى تؤليها الجهود 
االشرحية فى الات اة والعناية. فال 
الكاتب المسرحي مفتونا بمواجهة التغير. وهو إنما 
يستمد هذا الافتتان من وجود الإحساس الشعبى 
العاود بديتافية العدير. ديت لمر يعد هذا اماس 


2160 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


مقصورا على فة «محدثة» تنطلق من هموم تحديث البلاد. ولا مقصورا 
على طبقة تقف فوق أرضية الحراك الاجتماعى» لتركب موجات رمالها 
المتحركة. وإنما أصبح هذا الإحساس ممزوجا بالإيقاع الشامل في الحياة 
الاجتماعية. 

إن الإنسان العادي في أي موقع من مواقع تلك الحياة يقر بدخوله في 
دنتامية التفيز: سواء كان.متطبامتا فغها أو متألنا غليها بردي الحساسه 
بهذه الدينامية في أمثال شعبية» يتردد استخدامها في مسرحيات صقر 
الرشود. وعبد العزيز السريع بصورة ملحوظة. لأنها تكشف عن ذلك الموقف 
المنقسم للانسان العادي. إنه حين يكون متقبلا للغير يقول «: كل وَقّتَ ما 
يستتحئ من وفتة .» يقول «: الأول تحؤّل مرح كر كا عليه يقول «: 
الى مَالَة اول مَالَة تالیٰ» أو «اللى مَالَة عتيقَ ماله یدید» أو« تی عَتيجٌ الصوف 
ولا جديد ˆ البّريسم». 

ويمارس الإنسان العادي هذا الانقسام في حياته الاجتماعية؛ وفي 
طريقة تبات سير حي إن ور بوك E‏ 
لأن الشك بدأ يقتحم تقاليده بشراسة لا هوادة فيها . وليس مبالغة في 
القول بان «خالدا»فى مسرحيه ة «تقاليد». الذى بتكمل لواد الشك فى تقاليد 
الأسرة ذات الامتداد القبلى» ما كان إلا بطلا يستمد قوته. وصلابته من 
الشعبي:: حلاة القُوبَ رِفَعتّهِ مئّة وفية». داعيا لترسيخ القيم القرابية بالزواج 
من الأقارب. كما يردد أصداء المثل الشعبي: «رُوحّ بَعِيدَ وتتعال سَالمٌ». لاهجا 
بالشك. في تلك القيم نفسها. وإذن فإننا لم نكن نتوقع للمسرحية في 
جت الاچ العريى سوا دكن قا نيزتي ایی دوا تراسا 
الأسرة, أو في بنائها الدرامي لنماذج السلطة القهرية؛ إلا أن تمتطي دينامية 

ولن يتعذر غلينا بعد دراسة الجهود المسرحية في الستينات عند كل من 
صقر الرشود وعبد العزيز السريع أن نقول: بأن هذين الكاتبين توجها 
بالقالب المسرحى فى دراما الأسرة المتفيرة توجها متفتحاء لا يَقَو بالثيات 
والجمود . وكان انفتاح مفاهيمهما المسرحية وراء انفرادهما بين سائر كتاب 
اللسردية اة ركلا هر هاده كناية التصن ريعي زرا ةامر 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


فترة من الزمن. 

ولا شك في أن أعظم ما يكفله تفتح مفاهيم التجرية المسرحية عند 
الرشود والستريع هو استعدادهما للنضج» وسعيهما للتطورء والاستبار في 
تجريب الوسائل المسرحية. إن التغير في تجربتهما المسرحية هو الفعل 
المسرحيء بلحظاته التاريخية اللاهبة الحرارة: وبقواه المشدودة في جميع 
اتجاهات الزمان والمكان. وقد كشفت دراستنا فيما مضى الأبعاد المختلفة 
التي توغلت فيها أعمال كل منهماء سواء في استبرار حتمية التغير. أو في 
التعرية التدريجية لمساوكه؛ أو في التنبؤ والتخطيط لمستقبله. ومن الحق لنا 
أن نتساءل بعد الآن.. . إلى أين تتجه تجربة هذين الكاتبين مع المسرح.. ؟ 

إن دينامية التغير في أي مجتمع من المجتمعات عملية مستمرة لا 
توقف فيهاء ولا نكوص. وربما اكتسبت بعض الحقائق الاجتماعية: أو 
الميتافيزيقية صبغة الخلود, ولكنها أمام مرأى التغير لا بد من أن تكتسب 
تشكيلتهاء وخصوصيتها المرتبطة باللحظة التاريخية التي تحتشد بها دينامية 
الثغير: في زمان ما .. ٠‏ ومكان هاء.. والمسرح هو صيغة التعبير عن هذه 
اللحظة: لأنه القادر على احتواء ما فيها من إجمال وكثافة. ولأنه النموذج 
الديمقراطي في الإبداع القادر على إطلاق تلك اللحظة من عقال الجمود 
«التاريخي»» وثبات النمط «الاجتماعي». ومن ثم فإن هذا المسرح هو الذي 
يتلقى-دون غيره-ضربات التغير بالعناق. لا بالتضاد . لأنه يتغذى بمادتها 
الحيوية؛ ويتمثلها في بنيتهء تمثلا تلقائيا. ولعلنا قد أدركنا ذلك بوضوح من 
خلال ما مضى من هذه الدراسة. ذلك أن التجرية المسرحية في الكويت 
والخليج العربي أنفقت وجودها الكامل في الستينات من أجل أن تكون 
تمثيلا عالي الكثافة للتغيرات البنيوية في المجتمع: والأسرة. وهو تمثيل لم 
يسلك طريق الحيادء بل جعل أبزغ مواقفه تعتمد الانحياز المتطرف لحتمية 
التغير العقلاني؛ والشوق المستمر لامتلاك الإرادة الفردية الواعية. 

وظلت دراما الأسرة المتغيرة في جميع تقلباتهاء خروجا على قانون 
الثبات» ونضالا من أجل دينامية خلاقة, لا تتكهن بمصائر التغير في حياة 
القوى الاجتماعية فحسب» وإنما تتنباً بها على وجه اليقين. ومن ثم فقد 
تضامنت دراما الأسرة المتغيرة في الستينات مع فكرة المعارضة الشديدة 
للنظاء الاجعماعى و ياتى إن هذه اتدواها تومرع جفيع الحجج 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


والبراهين التي تبرّر استتباب السلطة-بمعناها المطلق-في يد الطبقة التجارية. 
القبليةء وتطيح بمعايير نظامها الاجتماعي من خلال إطاحتها بمعايير نظام 
الأسرة التقليدي» رغم أن الحركة الوطنية في هذه الفترة تحولت إلى مجرّد 
كظلة ار م الكنقي قر يشرضية السلطك وكفاون مها 
بسبب أقليتها-في إضفاء الطابع الديمقراطيء. لكل ما يصدر عنها من 
أحكام؛ وقوانين. وتتبع في معارضتها نهجا إصلاحيا يرمي إلى تحقيق ما 
يمكن تحقيقه من مكاسب وطنية. 

وليس من المبالغة القول إن المسرح في سنوات العقد السادس» دل على 
مضمون التفتح العقلاني» أكثر مما دلت عليه لهجة برامج عمل المعارضة 
في المجلس النيابي (منذ مجلس عام 1963). لأن هذا المسرح يلهج بتكثيف 
التجربة الحقيقية للمعارضة في حركة القوى الاجتماعية. فيستنبت وجودها 
من جذور رومانسية (منيرة في المخلب الكبير)ء أو واقعية (مرزوق في 
الطين)ء أو مثالية (داود في الجوع)ء أو فردية (وليد في الدرجة الرابعة). 
وليس هذا فحسب. بل إن التجربة المسرحية تمضي في تمثيل التغيرات 
البنيوية بمواقف طليعية؛ ورؤى عقلانيةء كما أفصحت عن ذلك مسرحيات 
صقر الرشود وعبد العزيز السريع وسعد الفرج. 

ولا تكاد تطل آفاق السبعينات حتى يتجه الكثير من مظاهر اللاعقلانية 
في التغير إلى عمق أشد ضراوة. فقد ازداد تحكم النظام الاقتصاديء 
الذي يستخدم الثروة في أغراض الاستهلاك ووجدت تلك الظواهر عمقهاء 
وتحكمها تحت مظلة التطور الاقتصادي» ففي هذه الفترة خرجت الصورة 
الواضحة ل «مجتمع الرقاهية مييق الاندفاد الاقتصادي الهائل لعدد 
قليل من السكان» وأصبحت هذه الصورة تغشى جنون اللاعقلانيةء بلمساتها 
الرقيقةء وذرائعها الديمقراطية. وتتلازم الصورة السابقة مع فراغ الساحة 
من وجود التنظيمات السياسة الرائدة. 

كما تتلازم صورة مجتمع الرفاهية مع الكثير من الظواهر السلبية, 
والمصاحبة للسلوك الفردي. فالمجتمع الذي يضج بأغراض الاستهلاك جعل 
الفرد مقيداء يستجيب لصالح الفرديةء وينفر من مصالح الجموع. أما 
الطبقات الاجتماعية؛ فقد ازدادت انفلاقا رغم ادعاء الرفاهية للجميع. 
وآية ذلك أن الطبقات ذات النفوذ الاجتماعيء لا تتنازل عن التقاليد الجامدة. 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


والمعايير المتخلفة. رغم أنها تقود خدمات التنمية. و«تستعرض أفكار 
التحديث. لأنها تحتفظ عن طريق تلك المعابيرء بوجودها الراسخ في سلطة 
النظام الاجتماعي» وتستغل-من ناحية أخرى-سيطرتها على بعض الظواهر 
السلبية ك «الواسطة» والتطبيق الجزئي للقوانين؛ بأن تجيز لنفسها ما 
يمنعه القانون» أو تمنع على غيرها ما يجيزه القانون أيضا. 

إذن فإن مؤشرات التطور الاجتماعي في السبعينات لم تخل من الضربات 
القوية الباعثة للحراك الاجتماعي. والمتوغلة بالتغيرات البنائية في الأسرة 
نحو اتجاهات أكثر عمقا. فقد ازداد تدهور الماضي أمام استعراض التطور 
المادي؛ واضمحل الجانب الإنساني في التغيرء وركب الجميع موجة الرفاهية 
المصطنعة؛ وفي أعقاب ذلك كله وجدت دراما الأسرة المتغيرة الظرف 
المناسب لإجمال مضمون «اللحظة التاريخية»» ولتكثيفها في بنية درامية 
تخضع لتطور نمطيء يأتي على الكثير من خصائصها المسرحية بحجم 
أكبرء وانفتاح أعمق» وخيال أوسع. 

وإذا كان التطور النمطي في دراما الأسرة المتغيرة محمولا بمضمون 
اللحظة التاريخية للتطور الاجتماعي في السبعينات. فإن له في سياق 
التجربة المسرحيةء عاملين أساسيين يحملان تطور الدراما الاجتماعية 
نحو تحقيق مكاسب فنية» محققة. وهما: وضوح شخصية المخرج. وقيام 
تجربة الاشتراك في التأليف المسرحي. ولكل من هذين العاملين بذوره 
المنغمسة في مؤشرات التطور الاجتماعي. أما وضوح شخصية المخرج 
فتعني بالنسبة لنا تحريرا لخشبة المسرح» وتقديما لأهمية العرض على 
أهمية النصء وإشباعا لرغبة القيادة ضد الخضوع» ولرغبة العمل ضد 
القعود. وتعني بالنسبة لنا وعيا بأن للمسرح لغة مندمجة في الحيّز المكاني 
للعرض. ودعوة لمشاركة وعي الجموع المقبلة عليهء وتشكيلا بديلا للتظاهر, 
أو لمهرجان العقلانية الغائبة. 

وقد تحددت في السبعينات الملامح الأساسية لأكثر من تجربة في 
الإخراج المسرحي» نجدها في أعمال حسين الصالح الحداد؛ وعبد الرحمن 
الضويحيء وعبد الأمير مطر وغيرهم. ولكنها لم تكن بالوضوح الذي نعنيه 
لشخصية المخرج. لأن ملامحها لم تخرج سوى من ثوب المؤلف نفسهء 
بسبب اعتمادها على فكرة التنفيذ الأمين لتفاصيل النص المسرحي» 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ولتوجيهاته المكتوبة. أما التجربة التي دلت على وضوح شخصية المخرج 
حقاء فهي تجربة صقر الرشود. لأنه خرج عن الرؤية «التنفيذية» المندمجة 
في النص إلى رؤيةء تعتمد على التفسيرء وتوقن بضرورة استيعاب الحيز 
المكاني لديناميات الخيال. وهذه رؤية كفيلة بقلب الشروط التقليدية للعرض 
السرحة وحلكلة الوجوذ السات للوسائل اللسرحية القاكمة فى الفرفة 
العائلية المغلقة. 

ونعتقد أن وضوح شخصية المخرج ضرورة قصوى لوضوح التجربة 
المسرحية في أي مجتمع من المجتمعات. لآنه ينقلها من مرحلة الافتتان 
بالإبهار الأدبي» إلى مرحلة الافتتان بالإبهار التشكيلي للحيّز المكان. بل إن 
الطاقة المسرحية لا تتحرر إلا بمقدار «ما يصبح الإخراج المسرحي فنا 
ينفصل فيه الحيز المسرحي عن العلبة المغلقةء ويفتح للانسان مجال أعمال 
متعددة, كما ينشاً فيه الزمان والمكان عن تركيب جمالي مقصود '». 

وتعنى تجربة الاشتراك في التأليف المسرحي بالنسبة للحركة المسرحية 
في الخليج العربيء ذلك اللقاء المتميز, الذي تم بين عبد العزيز السريّع 
كاتباء وصقر الرشود كاتبا ومخرجا في ثلاثة أعمال مسرحية هي: «4, 2,3, | 
بم»» «وشياطين ليلة الجمعة». «بحمدون المحطة». وستكون هذه المسرحيات 
الثلاث مع آخر المسرحيات التي كتبها عبد العزيق السريع متفردا وهي 
«ضاع الديك», موضع البحث في تطور الرؤية المسرحية لدراما الأسرة 
المتغيرة. وفي مرادفة صيغهاء وتقنياتها الدرامية مع حركة التغير في فترة 
السبعينات. 

إن ما يميّز اللقاء بين عبد العزيز السريّع وصقر الرشود في تأليف 
مسرحي مشترك يمكن الاهتداء إليه في أكثر من جانب؛ فهناك العنصر 
المسرحي المحض المتحقق من الاندماج بين وضوح شخصية الكاتب (السريّع) 
ووضوح شخصية المخرج (الرشود). وهناك الظرف المسرحي المناسب» الذي 
جعل تجربتهما المسرحية المشتركة استقطابا دقيقاء لتفتح مسرحي مشترك 
بينهماء وخلاصة جوهرية لخبرتهما الفنية مع المسرح» وتركيبا انتقائيا 
لمفاهيمهماء وأفكارهما المتحررة. وكأن تجربتهما المشتركة بمثابة اندماج 
لخبرتهما المسرحية؛ المتقردة في الستينات عند ملتقى حيؤي لا نزاع في 
أهميته بالنسبة لتطور العمل المسرحي في أي مجتمع. وهو ملتقى السيطرة 


224 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


الإرادية على إمكانات الطاقة المسرحية. 

وأخيرا فإن هناك جدلية درامية دقيقةء تحققها تجربة اشتراك الرشود 
والسريّع في التأليف المسرحي. وذلك أنها تجمع بين مزاجين متناقضين؛ 
يستولد الاحتكاك بينهما الحساسية الدرامية المغايرة. ففى شخصية صقر 
الرشود رغبة جامحة للكشف عن الجانب الإجرامي» وغبر ااي انعكست 
في شخصياته التي عرضنا لها فيما مضى من الدراسة. فقد كان من 
الصعب على شخصياته أن تخوض في الانقسام في عواطفهاء أو أن تسلك 
سلوكا عاديا مألوفا . وفي شخصية عبد العزيز السريّع رغبة حيادية للتفاعل 
القوي مع الجانب الإيجابي» والعادي. انعكست في شخصياته المسرحية 
التي عرضنا لها من قبلء فجاءت شخصياته-غالبا-بعيدة عن التطرف, 
تافافل مع خم االات الواقي وواه تاره ومو قر فاا غاليا ما 
تخوض في تجارب الانقسام» والحيرة. 

وينعكس اختلاف هذين المزاجين في بنيتهما الدرامية؛ فقد كانت حبكة 
الفعل المسرحي في أغلب مسرحيات الرشود. تعتمد على ردود الأفعال» 
بأن تكون الشخصية فى حالة وصف غالب لما حدث لهاء واستدعاء ظاهر 
البلاقة الرومانسية فى بحوازها :لها شاا ملترظلةوميغدة عن اا 
في التغييرء ومعزولة في لحظات واقعة بعد الفعل. بينما حبكة الفعل 
المسرحي في أغلب مسرحيات السريّع تعتمد على أفعال راهنة تقوم بتحديد 
حركة الشخصية» وضبط سلوكهاء واستدعاء حوارها العادي» ومشاركتها 
في التعبيرء فلا تكون ضحاياء بمقدار ما تكون مضحية: لأنها تندمج في 

وعندما ينضم المزاجان المتناقضان في تألق مسرحي مشترك تضاف 
لدراما الأسرة المتغيرة في السبعينات عد درامية, مستمدة من جدلية 
الواقع الاجتماعي المتطور في هذه الفترة. ضفي الأعمال المسرحية التي 
اشترك الرشود والسريّع في كتابتها تتضح الغلبة للخيال ضد الواقع؛ وغير 
العادي ضد العادي» والتطرف ضد الحيادء والإنساني ضد اللاإنساني. 
وهذه أهداف عزيزة على نفس صقر الرشود . وتتضح في نفس الوقت غلبة 
التفتح ضد الانغفلاق: والاعتدال ضد الجمود المتراضيء والإقناع ضد 
الإقحام؛ والمشاركة ضد الاستلاب» والفعل ضد ردود الفعل؛ وهذه أهداف 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


مويو على كفس عي اتر ابيرق 

إذن فان التميّز الذي ثافي به تجرية الاشتراك في الكاليف المسرحي. لا 
يمكن مغادركه: دون شتيب كي مؤخراته الإرادية التي كسكيق خصاكصض 
مسرحية جديدة لدراما الآسرة المتغيرة. ويستدعي هذا التنقيب. مهمة 
الوقوف عند ازجه الرؤية المسرحية هي تجرية عيد العزيز السرقع المتفردة 
بكتابته لمسرحية«ضاع الديك» في عام 1972ء أو المشتركة مع صقر الرشود 
في فسرخيات: ١,2,34‏ بم» و «شياطين ليلة الجمعة» و «بحمدون 
المحطة». وسنتمثل فى هذه الأعمال المسرحية ثلاثة أوجه»ء انفتحت عليها 
الرؤية المسرحية في السبعينات: وتمثلت في وسائلها الفنية استهلالا قوياء 
يصخغلن وجه الدقة إمكانات الور السرحي#الإزادي للتجرية السرحية 
في مجتمع الخليج العربي. 

وعد ا ات الت عر لها روت اا درانية کا بين 
المسرحيات المذكورة تدل على يقين الكاتبين في سعيهما نحو تخليص 
العمل المسرحي من الثقة التامة بالواقع المتدهور. وهي أن تفاصيل العالم 
الدرامي لا ينبغي تشييدها من التفاصيل الواقعية المباشرة وإمكاناتها 
الققصوى في التق والوقرض نها شق تشييدها فة و اق درام ممل 
بلب الكيال:قيها دوزا اساسا كا من ذلك ,فى أوجة الزقرة الشرحية 
التالية. 


أولا: الخيالى ضد التقليد ى: 

يخرج عبد العزيز السريّع في آخر المسرحيات التي كتبها منفردا وهي 
«ضاع الديك» ‏ عن خريطة الأرضية الدرامية العادية في مسرحياته 
السابقة ويختار بدلا منها وجهة أقرب إلى مستويات الخيال. والوظيفة 
الأساسية التي يبني عليها الكاتب هذه الوجهة هي أن تكون بمثابة الصدمة 
الفنيغة للمعابير المناقة قى شيعه غلاقات ارتل ها سييدو فى النقرة 
الدرامية لهذه المسرحية من خيالء إنما يوظفه الكاتب لأن يكون نقيضا 
للمجتمع التقليدي ورم أن مواجهة كيذه توحي بالفصل بين الشيال والواقع 
إلا أن الكاتب لم يشا ذلك على الإطلاق. فقد كان هدفه أن ينتزع الخيال 
من الواقع ليحوله إلى قذيفة ترتد إلى نحو الواقع المتلبد بالتقاليد المختلفة. 


220 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


وشح عضر الشياق فى مسري وشاع الديافة فى أن اكاب جا 
الأسيرة الكويتية بابخ حمل عوا سضر انيري قت اا المالوهة 
المستقرّة بما يثير في داخلها التصدع. والانهيار. وينحدر هذا الابن من 
صلب الآب فى تلك الآسرة. ففى الماضى عندما كان الآب يعمل فى البحرء 
حسافرا إلى الهثد: أضطرنة غرية السمر إلى اتزواج من ارال هشدية 
وخ إلى اكت دون ان بغرن زوجت يذ للك كو نكرو ستو إلى لهند 
فطلق ارت الوقدية فى إخنص المراته دوه اجرت هة الزوحة إلى الجر 
بعد أن أنجبت منه ولداء سمته «يوسف .» وأصبح إنجليزيا بحكم البيئة التي 
نشا فيها منه أن يعلم الآب عنه شيئًا. ثم كبر «يوسف» وأدرك بأنه من أب 
كويتيء فقون الذهاب إليه: ومن كم تفيل الأسرة الكويفة ايها الإتجليزي 
في أجواء مليئة بالحدب عليه؛ والحذر منه. 

وليس من الصعوبة أن ندرك أن الكاتب إنما ينشي عالمه الدرامي في 
هذه اللسرحية من الضبلة غير المالوقة نين «يوسف». وأسرته» فيمقدار ها 
ينوع تلك الصلة من امراق الكوعيدية التي قصل إلى درجة التطرق 
الهزليء ينتزع لها المواقف الصدامية المؤسية. ولا تنفصل هذه. عن تلك. 
لأن القسوة الصدامية التى لا هوادة فيهاء ستكون متخفية فى ذات المواقف 
الكوميدية اليا قد كان على وتران يتقبل الي هم الأسرة وا 
بيضاءء وكان على الأسرة أن تحدب عليه كسائر أبنائها. ولم يخف 
«يوسف»محاولاته في التكيف مع أسرة لا ينتمي» إطلاقاء إلى بيئتهاء لأنه 
ارتدى «الفترة» و«العقال» وتعلم العربية. والقواعد المرعية في احترام الأب. 
كما لم تخف الأسرة تقبلها الحادب للابن الإنجليزي. وخاصة الأب» الذي 
وجد فيه روائح زكية من الماضي. 

ووه مظاهي الكت والقبل فان داف الميلة غير لالوكة عدي ته 
ستارها «هوّة عميقة» لن تستطيع النوايا الطيبة؛ أو الحادبة إلا أن تقود 
إليها بالضرورة. فالكاتب لا يلبث أن يستدرج الأسرة إلى ضرب من «الهوة 
الثقاطية»» مسشتخدما كل ما يقتدر عليه من قوى التركيز الدرامي الشديد. 
إت قفرا ت الا رة تر فك الهو اسيل قبع ياجواء الكوميد يا 
دون أن تخفي نذرها المتجهمة. ولا بأس بتلك التفاصيل لأنها تعد الأسرة 
لثلاث خطوات متلاحقةء ففي البداية يرغب «يوسف »عن طعام الأسرة 


227 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


2 


ويطلب لحم خنزير أمام الأب» الذي يرد عليه غاضبا: «أَعَشُّب.. . وأحس.. 
لا يا الخسيس.. ختّزير يا خنزير... لعَنبو دارك هذا حرام.. . حرام.. . 
رَقُومٌ ياللي ما تخاف من الله..»ثم تكتشف الأم بعد ذلك أن «يوسف»يستضيف 
بعض الإنجليزيات المقيمات في منطقة «الأحمدي» فتبلغ الأب وتثور 
ثائرته. ويحاول أن ينصحه بأن هذا التصرف يطعن في تقاليد الأسرة؛ ولا 
يقتتع «يوسف»بذلك» فيدفعه الأب للخروج من البيت؛ والإقامة في منطقة 
«الأحمدي». 

وتأتي الخطوة الثالثة التي تهوى الأسرة بعدها في أعمق حالات الانهيار, 
عندما يخرج «يوسف ممع ابنة عمه «سوسو»في إحدى سهرات العبث دون 
أن يعلم بأن أخاه «سالم»يحبهاء ويعد للزواج منها قريبا. وتتجمع في هذه 
الخطوة أبلغ الضربات الموجهة للأسرة الأبويةء التي تضرب التقاليد حولها 
هوة تعزلها عن التطور. 

وتمضي آثار الصدمة في تسلسل درامي محكم» فقد بدأت بالآخت 
فاطمة التي تلقتها بدهشةء غادرتها بسرعة إلى نضال مستميت في سبيل 
احتواء آثارها بأخف الأضرار. ثم انتقلت إلى مالو كا کف كله 
وصدعتها... وأخيرا ترتطم تلك الصدمة برأسي الأب «يوسف»والعم «بو 
عبد الله» (والد سوسو).ء فتصهر مفاهيمهماء وتفترس ما يتمسكان به من 
شرفء وتقاليد للأسرة. ويحاولان ترقيع الفضيحة بتزويج «يوسف»من 
«سوسو.» فتعد الأسرة نفسها لزواج لم تحسب حسابه» ولكنها تفاجاً بما 
يعيد إليها الدوار السابق للصدمة. فقد سافر «يوسف»من حيث أتى» وترك 
لأخيه «سالم»بضع كلمات يقول فيه «: آسف آنا مضطر آسافر لأني ما 
آرغب في الزواج.. .» أما الأب والعم فقد قصم يوسف ظهريهماء وتركهما 
يدوران على خشبة المسرح» ويرسمان بحركتهما في خاتمة المسرحية دوائر 
يتجمع فيها حطام المعايير والتقاليد» ولا تكون أمامهما أي فرصة تشع 
بخروجهما منهاء كما لا تدع للمتلقي أي فرصة لانتزاع موقف يسنح 
بانفتاحها.. 

إن خيال الكاتب في هذه المسرحية لا يغادر الرؤية المسرحية المقصودة 
بوعي وإرادة. وهي أن يكون-أي الخيال-تخطيطا دراميا محكما يواجه الأسرة 
الأبوية المغلقة بطريق مسدود. رسمه مشهد الخاتمة المسرحية بعناية فائقة: 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


سواء من حيث تطرف الاستجابة للفعل (سفر يوسف) أو من حيث التحدي 
السافر لتقاليد الأسرة. وليس هناك أبلغ في التبشير بسقوط هذه التقاليد 
من تركها في مهب الريح» وجعل مصيرها مقررا بخيال محتوم» منفسح 
أمام بصيرتنا كالمدى. وهو ما بلغته خاتمة المسرحيةء حقاء عندما تركت 
مصير الأسرة في موقف زاخر بمعاني البدايةء يختصر التفاصيل إلى حد 
الاقتضاب. لأن المهمة التى اقتحمها خيال الكاتب» تستنفذ أغراضهاء وتحقق 
أقوافها القاصلة عتا فصل إلى تعسوت كى الد اة اللتخصيرة مت 
التفاضيل. 

ولا نزاع في أن إصابة الكاتب لهدفه. وهو الحكم بسقوط الأسرة الأبوية, 
محمولة بمقدرته على التحكم الإرادي في الخيال الدرامي. فالشخصيات 
لا تتلقى ردود أفعال عشوائية؛ وإنما تقع في قلب الفعل الدرامي» فتتحرك 
مع حركته بدقة شديدة: وربما كان من الصعب أن نجد في التجربة المسرحية 
تشكيلا مسرحيا للعقدة. ترتبط تفاصيله الصغيرة والكبيرة بقلب الفعل 
المسرحي» كما نجده في مسرحية «ضاع الديك» فحوار جميع الشخصيات, 
ومواقفهاء ومفاهيمها يستغرق وجوده الكامل حول علاقة الأسرة الكويتية 
بابنها الإنجليزي» سواء كانت مبنية على التقبل؛ أو الرفض. ويدل ذلك على 
أن كلا من الخيالء والإرادة الواعية يتم لهما الحضور المستمر في كافة 
التقاضيل: من آل الإمساك قى مشاه ال دة النظام اناي 
في الأسرة المتغيرة. وقد رأينا منذ قليل كيف أمسكت خاتمة المسرحية 
بمشهد من هذا القبيل؛ كما لم تمسك به أي مسرحية أخرى في تاريخ 
التجربة المسرحية. 

لقد أنشب خيال العقدة الدرامية وجوده في «ضاع الديك»منذ الماضي 
البعيد في حياة الآب» لآن «يوسف»إنما ينحدر إلى الأسرة من زواج قديم؛ 
ظل الأب يخفيه عن زوجته» وأولاده إلى أن امتثل الماضي في مرأى الأسرة 
بظهور «يوسف »ني حياتها . ورغم أن هذه التقنية تحمل وجه شبه بتقنيات 
إبسن الدراميةء وخاصة في مسرحيات ك«بيت الدمية» و «حورية البحر» و 
«هيدا جابر» و «البطة انرا إلا أن اختلافا ظاهرا يباعد عبد العزيز 
السريع عن التأثر بطريقة استخدام إبسن للماضي في الصيغة الدرامية. 
فالماضي في «ضاع الديك»لا يتخذ منه الكاتب وسيلة لإصدار الحكم» أو 


2120 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


لمطاردة الشخصيات بمصير محتوم» كما يفعل إبسن» وإنما يتخذ منه وسيلة 
فنية محضة؛ تجعل من الخيال واقعا خلوا من الفنتزة المجردة. فهو أداة 
استبرار للخيالء وحيلة تقارب بينه وبين الواقع. 

أما الحكم بضرورة سقوط الأسرة الأبوية المغلقة في هذه المسرحية فلا 
علاقة له إطلاقا بالماضى. لآنه يصدر عن مسببات إحدى مشاكل التغير 
البنائي في الأسرة وهي مشكلة الهوّة الثقافية. ذلك أن التطور السريع في 
الجانب المادي من حياة الأسرة يتناقض بحدة مع تخلف المفاهيم؛ وجمود 
المعايير في بنيتها الاجتماعية. ومن ثم فقد كان الزج بوجود شخصية 
«يوسف»في أي أسرة «ضاع الديك»وسيلة مسرحية فذة تستبر جانبا لم 
يتغير في الأسرة وهو تخلفها الثقافي الشديد. 


خاضيا: الفنتزة ضد الفنتزة: 

تزداد عدم ثقة عبد العزيز السريّع وصقر الرشود في محاكاة الواقع 
الاجتماعي وضوحا عندما يكتبان معا مسرحية «2,3,4. ١‏ بم» التي أخرجها 
صقر الرشود في يناير ,1972 . ذلك أنهما يتجردان فيها من المحاكاة المباشرة 
للتفاصيل الواقعية. وكأنهما ينظران إلى هذه الفكرة على أنها تستجلب 
الوقوع في براثن الواقع. وخداعات مجتمع الرفاهية. وكانت وسيلتهما 
المسرحية فى هذه الفكرة اللجوء إلى الفانتازياء أو الخيال اللاعقلانى. 

هذا الخيال اختلافا ظاهرا عن الخيال في «ضاع الديك» لأنه 
لا يكتسب صفة العقلانيةء كما رأينا فيما مضىء ولا يهدف إلى المقاربة بينه 
وبين الواقع. وإنما يكتسب صفة مناقضة هي صفة اللاعقلانيةء من أجل 
وظيفة مختلفة أيضاء وهي أن يكون الخيال اللاعقلاني صيغة درامية للثورة 
على الواقع اللاعقلاني. 

وقد سبقت الكوميديا الهزلية في الستينات إلى تجربة استخدام الفنتازيا 
في عدة مسرحيات عرضنا لها بالدراسة في الباب الثاني. منها مسرحية 
«أصبر وتشوف» لعبد الرحمن الضويحيء و«الكويت سنة 2000» لسعد الفرج, 
و«مفاوضة مع الشيطان» لصالح موسى. ولكن صيغة الفنتازيا في هذه 
المسرحيات لم تكن تصدر عن حتمية التغيرء بقدر ما كانت تصدر عن 
احتمالات المستقبل؛ ونذرها المجهولة الباعثة على الخوف. ومن ثم كان 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


الخيال في نماذج الكوميديا الاجتماعية الهزلية السابقة. وسيلة تنبؤ 
واستشراف. لدرجة أن الكاتب الهزلى اتخن فيها دور «المتكهن» أو «المحدث» 
غالبا. في حين أن الخيال اللأمغلاني فی دري «2,3,4, ابم» ينتظم 
من أجل كبح جماح اللاعقلانية في الواقع الراهن» وبناء رؤية عقلانية 
ترتفع فوق الأنقاضء وتمنح الكاتب جسارة القيام بدور الثائر الاجتماعيء 
الذي لا يخلو وجدانه من بقايا المثل الرومانسية. 

إن المنظومة اللاعقلانية التي تنطلق منها الفنتازيا في ٠,2,3,4«‏ بم» 
ترتبط بظاهرة المجتمع بلا جذور. أو الماضي الذي يتلاشى تماما أمام 
ضربات التطور المادي المتسارع. ذلك أن مجتمع الرفاهية قطع صلته بالماضي . 
أو قل إنه تبرأ من ذلك الماضيء رغم أنه لا يبتعد عنه كثيرا في حساب 
الزمن. وليس أدل على ذلك من أن تركة أقرب الأجيال إلى الستينات 
والسبعينات وهو جيل الآباء. تتحول إلى حقل تراثي» ينظر إليه أبناء 
السبعينات نظرتهم إلى أي نمط بالء يفقد حيويته؛ واتصاله بالواقع الراهن. 

وقد شهدت الكويت هذه الظاهرة بصورة ملحوظة بعد إعادة تخطيط» 
مدينة الكويت نفسهاء واستحداث المشاريع الديمغرافية الجديدة: التي 
سحقت آثار الماضي» وأزالت بقايا المباني القديمةء بعد أن أغرى أصحابها 
ب «تثمين» مالي باهظ. ولا شك في أن وراء الماضي المتلاشيء والمجتمع بلا 
جذور هجمة لاعقلانية للتطور. جعلت المجتمع لا يهتدي إلى عافية مستقرة 
أو يفوق على صبح مترابط بالأمس. وقد دلت عقدة الفنتازيا في مسرحية 
«2,3,4, ابم» على احتشاد الهجمة اللاعقلانية في سياق التطور الاجتماعي. 
ففي عام 1945 سقط منزل في حادثة؛ وتوفيت اا أسرة كاملة 118 
من الجد «بوشايع» والأب «شايع» وزوجتهء وابنه «سعود» الذي بلغ الثانية 
عشرة من عمره. ثم عادت هذه الأسرة إلى الحياة مرة أخرى عام 2197١‏ 
لتقوم برحلتها في تطور المجتمع الكويتي» بعد أن تم استقرارها في منزل 
حديث لولديها «سالم»و«مبارك». 

ولعل من الواضح أن اختيار عام ۱945 له دلالة ظاهرة؛ ففي هذا العام 
تم تصدير أول شحنة تجارية من النفط الكويتي؛ مما يدل على أن أسرة 
«بوشايع» لم تتصل بوجودها الاجتماعي في مويله النفطء؛ والنشاط 
الاقتصادي الحديث, ولم تلحق بأي بادرة من بوادر هجماته. فهي لم تخرج 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


من أعماق التاريخ كما خرجت شخصيات آهل الكهف لتوفيق الحكيم» ولا 
من القرن السابع عشرء كما خرج بطل حديث عيسى بن هشام لمحمد 
المويلحي. وإنما خرجت أسرة «بوشايع» من فترة قريبة العهد بذاكرة «سالم» 
و «مبارك» و «فضة.» بحيث أن ما يفصل بين هؤلاء الأحفاد الثلاثة. وبين 
ماضيها القريب: الذي امتثل أمامها فجأة بعودة الجد» والآب» والأم ينحصر 
في التغير الحضاري المصاحب لظهور النفط. وأيا ما كان الأمر فإن المغزى 
البليغ في قرب العهد بين موت أسرة «بوشايع» وحياة أبنيهما «مبارك» و 
«سالم» يتضح في تعبيره عن حجم التسارع: وفي إجماله للأحكام الحضارية 
والإنسانية حول التغير المرحلي. المسؤول عن تدهور العلاقات الاجتماعية, 
وتفاقم ظواهر الرفاهية ادام الأصالة. 

إن قرب العهد بين عامي 1945 وا197 مستهدف من الكاتبين بعناية 
دقيقة. فهو يسمح لهما بخلق عقدة درامية تتشابك فيها تركيبة الفعل 
الممسرحي مع مضمون التغير الاجتماعي» بصورة عضوية؛ تجعل من الصعب 
على أي استبصار نقدي أن يقوم بفك الاشتباك بينهما. ونعتقد أن هذه 
سمة أساسية من سمات دراما الأسرة المتغيرة. فقد مضت دراستنا في 
الفصول السابقة إلى الوقوف مع ملامح من ذلك القبيلء تشير إلى مدى 
حضور الظاهرة الاجتماعية في قلب الفعل المسرحي. حيث كانت لهذه 
الخاصية جذور فوية في مسرحيات صقر الرشود. وعبد العزيز السريع, 
وسعد الفرج. ولكنها تبلغ درجة عالية من التحقق والوضوح في مسرحية 
«2,3,4, ابم». فالفعل المسرحي لا يغادر سياقها الفانتازي: الذي يرمي إلى 
محاكاة الفعل بصيغة لاعقلانية: لأنه يقوم بتمثيل المواجهة المباشرة بين 
الماضي» والراهن. 

ومثل هذه المواجهة المفترضة من خيالي الكاتبين لا تسعى إلا إلى تحديد 
الغياب المفجع للماضي في التغير المتسارع. فقد اقتحمت أسرة «بوشايع» 
حياة «سالم» و «مبارك» عام ١97١‏ فوجدتها بلا جذور. وشهدت فيها موتا 
حقيقياء لا لوجودها الجسدي فحسب. وإنما لوجودها الحضاري. وتمضي 
المسرحية في تجسيد هذه الرؤية بدقة شديدة في ثماني لوحات مترابطة 
ومؤدية كل منها إلى الأخرى. فاللوحة الأولى تحيطنا بالذهول الذي اعترى 
استقبال «سالم» و«مبارك» و«فضة» لأسرتهما الميتة. والثانية تحيطنا بذهول 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


المجتمع؛ وتكالبه على سرقة النظر إلى هذه الأسرةء كما يتكالب زوار المتحف 
لمشاهدة قطعة أثرية حديثة الاكتشاف. ثم تمضي بقية اللوحات في تركيز 
المجابهة بين فريق الماضي الميت» المتمثل في أسرة «بوشايع»» وفريق الواقع 
المتغير. ممثلا في الأحفاد الثلاثة «سالم» مبارك: فضة». 

وتتصاعد كثافة تلك المجابهة حول تفجع كل من الفريقين بوجود الآخرء 
ذلك أن أسرة «بوشايع» تتصل بأحفادها بنفس النمطين الاجتماعي 
والحضاريء اللذين كانت تعيشهما قبل (25) عاما. فتتبع التوقيت العربي, 
وتصحو مبكرة لتلتهم إفطارها تمرا وقهوة. وحين يكتشف الجد أن سالما 
ومباركا يتبعان التوقيت الإنجليزي يقول كالمفجوع: «حتى بالوقت تبعتوهم». 
ثم يمضي الأب والجد في استعادة أجوائهما القديمة داخل المنزل الحديث 
فيطردان الخادم والسائق والمزارع الذين يستخدمهم سالم ومبارك في 
توفير الرفاهيةء بينما تستولي الأم على «دار الكيل» لتسيطر بنفسها على 
خدمة المنزل» وخلال ذلك يستمر إحساس أسرة بوشايع بالمفارقة الحضارية 
فيردد الأب: «زين اللي متنا وآنه أبوك المقبرة أحسن من حياتكم هاذي». 

وكما يفجع الواقع المتطور أسرة «بوشايع» يفجع الماضي حياة «سالم 
ومبارك». وخصوصا حين يصرٌ الجد مع الأب على هدم أجزاء من المنزل 
الحديث» وبناء غرفة من الطين؛ وحفر «جليب» (قليب) في أرض البيت» 
وهو ما جعل سالم يقول متبرما: 

«كل يُوم اكُوشَيّ عتيق... كلما لتا نقكق.. دق برجله إل غرفة هالطين. 
سارت وإذا بستكت ونخليه على كيفه پیا هذا کله بيصكر طون بهئمه: 
ويَبّنيه من عتيق.. وكلّمًَا لنا نرد ورى..4!2) 

إذن فإن هجمة الماضي تجتاح الأسرة المتغيرة. وتستبر الحجم البالغ في 
تقطع أسبابها بالجذور الأولى. وقد استطاع الخيال الدرامي عند الكاتبين 
أن يحيل تلك الهجمة إلى افتراس حقيقي لطمأنينة الواقع الرفاهي (نسبة 
إلى الرفاه). وإنذار ثأري بتفتيتهء وقهره على نكوص» يستنطق العطف 
عليه أو الرثاء له. فالجد والأب يسرفان في فرض سيطرتهماء واستعادتهما 
لمظاهر الحياة القديمة: طالما يكتشفان مزيدا من الظواهر الجديدة: التي 
تعمق اغترابهما عن مجتمع الرفاهية. وترسخ رغبتهما في التطهر منه 
بالانعزال؛ والاحتماء بالماضي. وخصوصا عندما يمدان بصرهما إلى خارج 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


البيت» ليجدا الكويت بآسرها قد خرجت عن «السور» ونفضت عنها الطين؛ 
وتلاشت الأخلاق الأصيلةء بما تقوم عليه من تساند. وتضامن. وتمزقت 
العلاقات الاجتماعية بالفردية المتطرفة. 

ولا تقف مظاهر الإحباط التي يكتشفها الجد والأب عند هذا الحد بل 
إنهما يكتشفان في المجتمع المتغير أبشع ظواهر الانحلال الاجتماعيء كظاهرة 
تعدد الزوجات» وظاهرة المزارع الحديثة التي يتخذها أبناء مجتمع الرفاهية 
وسيلة لإشباع غرائزهم من غير حدودء أو قيود إنسانية. وكل ذلك يتمثل 
في مرأى الجد والأب خطرا ساحقا يلوذان بالفرار منهء والاحتماء بالحياة 
القديمة. فيستعيدانها بإصرارء وعزم» يأتيان على حياة ابنيهما سالم ومبارك 
بنذر متجهمة. فالأول تهرب زوجته إلى بيت عائلتهاء بعد أن نفد صبرها 
على هجمة الماضي . ثم تطلب الطلاق منه. والثاني تتبرم منه خطيبته التي 
يكن لها الحب. وكل ذلك يؤكد لنا على أن خروج أسرة «بوشايع» من ماضي 
يتسم بالصلابة؛ والتناقض الشديد مع مجتمع الرفاهيةء يمثل خطرا محدقا 
بهذا المجتمع. 

وكما استطاع خيال الكاتبين أن يدفع الأسرة إلى مرحلة دقيقة» وشديدة 
الخطر. بإثارة الكثير من الدوافع لهجمة الماضيء» فقد استطاع ذلك الخيال 
أن يرد على تلك الهجمة بتخطيط معاكس يوجه محاكاة الفعل المسرحي 
للتوصلء في خاتمة المسرحيةء إلى فكرتي: الحتمية الطبيعية للتغيرء والحتمية 
اا اتی ضور الاک ف يدا مارو وا رکه 
يعملون على احتواء الجد والأب والأم والأخ الصغير«سعود» وإغراء ميولهم 
بوسائل التطور الحديثة. وحين تقف صلابة الجد أمامهم دون تحقيق 
أغراضهم يلجأون إلى حل غير محمود من الناحية الإنسانيةء إذ يتفقون 
على التخلص من مسؤولية الارتباط بهم. بأن تأوي «فضة» أمها في بيت 
زوجها. ويأخذوا «سعودا» إلى إحدى الإصلاحيات؛ ويدفعوا بالآب للعمل 
حارساء ويقصدوا بالجد إلى دار العجزة. ويتمكن«بوشايع» من الإنصات 
لهذه الخطة المبيتةء ليقوم. من ثم بدعوة ابنه شايع مع زوجتهء وابنه سعود, 
من أجل أن يعودوا جميعا إلى قبورهم أمواتاء وحينئذ ينشق لهم جدار على 
المسرح» ليخرجوا منه إلى الموت في مشهد رهيب. 

وتجتمع في هذه الخاتمة ملامح الهزيمةء والانتصار لكلا الفريقين. 


231 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


فالماضي ينسحب على مرأى التغيرء ويجر أذياله مخذولاء بعد أن لفظه 
مجتمع الرفاهية؛ ولكنه بعد أن انتزع منه معنى من معاني النصر. لأنه وجه 
إليه أعمق الضربات الموجعة. فكشف لنا عن بؤسه الأخلاقيء ودلنا على أن 
زرا لك الصو اللؤاهية التعاون هي مسجت الرقاهية صورة بقية لوحن 
كاسرء يبتلع كل ماله صلة بالماضيء ولو كان فيه ما يدل على الأصالةء 
والإنسانية العميقة. وفي هذه الصورة جوهر اللاعقلانية المذكية للخيال 
اللاعقلاني. فالمجتمع الرفاهي لا يرفض الماضي رفضا عقلانيا يستنكر ما 
فيه من جمود. وإنما يرفضه بدون أهداف واضحة؛ وفي ظرف لاهث وراء 
التطور. وقد جلى الكاتبان هذا الموقف اللاعقلاني» على لسان «بو مساعد» 
الشخصية التي أغوتها الرفاهية اللاإنسانية فهو يقول: «کل شَيّْء عتيق 
بتّتبَراً منّة. . بتفتك. .كآنه علّة على كَبُودَا. . بِنَتَطُورٌ بِنَتَمَنَ َ.. ولا تدري وين 
إحنا رايحين ولا شْنَيَي».. 0 

وتنعكس ملامح الهزيمة والانتصار في هجمة التطور أيضاء فقد كان 
اضطرار الماضي للإياب والموت دلالة على عدم إمكانية منازعته 
للتطور.خصوصا حين جثم الماضي بوجوده الكامل على الواقع؛ وأصبح عبتا 
ثقيلا عليه لآنه يقيد جدليته؛ وقوانينه الدينامية. وفي هذه الحالة يوظف 
العاضان مواقف الك ميد المشبغة لكك الصادر عن مشاه اهار ةة 
(عندما تستعيد أسرة «بوشايع» تفاصيل حياتها القديمة) من أجل استظهار 
الجانب الموجع في جمود الماضي» واستدعاء هزيمته بالضرورة. وعلى الرغم 
من ذلك فَإِنٌ تلك الخاتمة تهزم الجانب الإنساني في مجتمع الرفاهية, 
لأنها تسفر عن مغالاة «سالم» و «مبارك»و «فضة» وتفريطهم الظاهر في 
عواطفهم الإنسانيةء والقرابية نحو الأسرة. 

زرم ما فى ملام الهزيمة والاتتصا لكل من «اكاشي :هن جندلية 
تقرها النظرية العلمية فى التطورء إلا أن الكاتبين لم يخفيا عطفهما الشديد 
على الماضي» راق ااا ا لأخلاقه. وطرائقه السلوكية الأصيلة التي 
لا تفتقر إلا إلى قدر قليل من التمثل والاستيعاب لكي تصبح سلوكا حضارياء 
يتناغم مع موجات التطور. وأيا ما كانت نتائج الموازنة في رؤية «4, 2,3, ابم» 
إلى الماضيء فإن مما لاشك فيه أن العناصر الماضية في تلك الرؤية: لا 
تعدو كونها أثرا من آثار المواجهة الدرامية المتطرفة بين الخيال اللاعقلاني.. 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


. والواقع اللاعقلاني.. وأثرا من آثار الفعل المسرحي المتشابك مع مضمون 
التغير الاجتماعى. (© 

ولهذه الرؤية نظير سائد في تاريخ المسرح العربي والعالمي» نجد نماذج 
منها في مشاعر العطف مع لماضي عند نعمان عاشورء وأنطون تشيخوف 
في يعن مسريخياتهها دولا تدال هه الفاغ رى تقد يرت الى رجغية الرقية 
حين تصدر من خيال يتأمّل فتك النظام الاجتماعي الصاعد بالنظام 
الاجتماعي القديم. بقدر ما تدل على عمق الرؤيةء وانحيازها الشديد لما 


قالغا: استفتاج الرؤية من التفتح المسرحى: 

تمضي تجربة الاشتراك في التأليف المسرحي نحو الوضوح والتفتح 
عندما تتحد أهداف عبد العزيز السريّع مع أهداف صقر الرشود في 
مسعى القضاء على الشكل التقليدي» بوضعهما مسرحيتي «شياطين ليلة 
الجمعة» و«بحمدون المحطة.» ولم تستطع الجذور الكلاسيكية في ثقافة 
صقر الرشود المسرحية بوجه خاص الحيلولة دون أن يحقق هذا المسعى 
أغراضه الهامّة في توجيه التجربة المسرحية نحو رؤية مغايرة» قادرة على 
منازلة الواقع اللجضاعي المتدهون ومحاكمته يحرئة “قزل عليه العقاب» 
والثواب بصراحة غير معهودة» وقسوة لا هوادة فيها. 

والحق أن هذين الكاتبين يمتلكان مؤهلات الخوض في التجارب المحفوفة 
بالدقة والخطورة. ويدركان مستلزمات الدخول في مهمة تاريخية كمهمة 
«التغيير المسرحي». فهما منذ بدء تجريتهما على المسرح لم يتركا الفرصة 
لانغلاق مفاهيمهما الفنية. وإنما جعلاها خاضعة لذات الدينامية المتسارعة 
في مجتمعهما . ولعلهما يتبعان هذا النهج» لا من أجل تطور مسرحي محض» 
وإنما من أجل القدرة. والصلابة على الوقوف فوق أرضية اجتماعية تتحرك 
بنظام متسارع غير معهود . 

إن للقوى الخلافة حساسية دقيقة في مراقبتها لدينامية التغير. وربما 
االسيصيةه الحيياسية جانا رنسرها من يرا اتير الان دده 
المجتمع. وفي ضوء ذلكء لا نستبعد أن يفسئر لنا نظام التغير المتسارع 
ظاهرة عرفتها الحركة المسرحية في مجتمع الكويت والخليج العربي وهي 


230 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


سرعة استجابتها للوسائل المسرحية الجديدة. على الرغم من تاريخها 
القصير بالقياس إلى تجارب مسرحية أخرى في الوطن العربي. فمثل هذا 
المجتمع الذي يتفاعل مع معدلات متسارعة في التغيرء وضربات متلاحقة 
في التطورء لا بد من أن يفرز تناقصا في عمر التجارب» والخبرات التي 
يمز بها الفرد. ولا بذ له من أن يقضي على عناصر ثباتهاء وجمودها. 
ويعيننا في هذا السياق أحد الآراء العلمية الدقيقة الذي يقدمه لنا الباحث 
الاجتماعي ألفين توفلر. فهو يفترض أن الأشياء والأمكنة. والناسء 
والمؤسسات والأفكار, هي المكونات الأساسية لجميع المواقف. وهذه المكوّنات 
«هي بالذات العلاقات التي تبدأ في التقلّص والتناقص عندا يقع التسارع 
کا 

ومن ثم فإن بإمكاننا النظر للتغيرات المسرحية من خلال مؤثرات الغير 
المتسارع في المجتمع؛ فالمفاهيم: والوسائل المسرحية التي كان يقرها صقر 
الرشود وعبد العزيز السريّع وحسين الصالح وسعد الفرج وعبد الرحمن 
الضويحيء عندما بدؤوا يؤسسون للتجربة المسرحية خصوصيتها المحلية 
في بداية الستيناتء لا يمكن لها أن تستمر بذات الاهتمام والتأثير. بعد 
مضي بضع سنوات» لأن خطوات التطور الاجتماعيء التي تجري في أعقابهاء 
من السرعة؛ والعمق بحيث لا بذ من استيعابها برؤية مفتوحة على جميع 
التوقعات, والاحتمالات 7 . ولم يستوعب أحد من الكتاب المحليين شروط 
هذه الرؤيةء وقوانينها على المسرح» كما استوعبها صقر الرشود وعبد 
العزيز السريّع. 

ولعل ما يدل على تطور الرؤية المسرحية لدى هذين الكاتبينء اصطفاء 
لنزعة متأصلة:؛ ونتاج لمخيّلة متفتحة؛ هو أن أعمالهما المسرحية المنفردة لم 
تكن تخلو من جذور «التغيير المسرحي» الذي انتهيا إليه في السبعينات؛ 
فقد استخدم صقر الرشود الوسائل التعبيريةء ووسائل الرمز الدرامي, 
ولعله أبرع من استخدام مثل هذه الوسائل في «المخلب الكبير» وفي «الطين» 
و«الحاجز». أما عبد العزيز السريع فقد استخدم وسائل مسرحية تتناغم 
مع أهداف التحليل النفسي كالحلم» والمنولوجات الداخلية. ثم استخدم 
بعضا من وسائل التغريب الملحمي في «لمن القرار الأخير»» و«الدرجة الرابعة». 
ولكن استخدامهما لجميع هذه الوسائل لم يكن من الشمول» بحيث يؤسسان 


237 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


عليه قالبا مسرحيا يقضي تماما على التقليد . إن القضاء المبرم على الشكل 
التقليدي لم يرخ لهما عنان التفتح المسرحي إلا في مسرحيتي «شياطين 
ليلة الجمعة» و«بحمدون المحطة.» ففي هاتين المسرحيتين يقتحمان خشبة 
المسرح بوسائل مسرحية: إن تكن مآلوفة في التراث المسرحي العالمي؛ أو 
العربي: فإنها بالنسبة لتاريخ التجربة المسرحية في مجتمع الخليج العربي 
جديدة كل الجدة. 

وتوجه مسرحية «شياطين ليلة الجمعة» ". ضربات لاذعة وموجعة 
للتدهور الاجتماعي في مجتمع الرفاهية. إنها تواجه هذا التدهور في أكثر 
من زاوية. بأن تفشت الحدث المسرحيء وتخل بالتركيبة التقليدية للفعل 
المسرحيء الذي تحرص العقدة على محاكاته كما هو معروف في التقاليد 
الأرسطية. وقد جعلت وسيلتها للخروج عن الوحدة المألوفة لهذا الفعل؛ أن 
تنقسم إلى مواقف قصيرة: ليس من الضرورة أن تكون بينها روابط منطقية. 
وإنما من الضرورة أن تلتزم بذات الهجمة الغاضبة على المجتمع. 

نجد في اللوحة الأولى (كما تسمى في النص) نموذجا سيئا للظاهرة 
البيروقراطيةء بما تستدعيه عادة من أمراض تدل على سلطان الفردية 
المطلق في نظام الطبقة الاجتماعية الصاعدة: «كالواسطة» و تعطيل القوانين 
ونحو ذلك. كما فعل مدير الإدارة؛ الذي يعطّل جهازه البيروقراطي خدمة 
المواطن العاديء بينما تنفتح أبواب هذا الجهاز على مصراعيها من أجل 
توفير معاملة التاجر «بو حمد». وفوق ذلك يقوم المدير نفسه بتوصيل هذه 
المعاملة إلى دار ابن الطبقة التجارية الصاعدة. وفى اللوحة الثانية تطارد 
lh‏ مون تعضوو انيه N EE‏ ات 
لا يقي بمطالبهاء ومع ذلك ابتلى بشرب الخمر. والخمر من المحرمات التي 
يمنع بيعهاء ولكنها تباع رغم ذلك في الفنادق لفكات دون أخرى. وينتشي بها 
الزائرء والوافد بينما يتحرّق الكويتي عطشاء وهوسا لها. وقد لجأ عبد 
خو لأحد اا ككاد,حظرد نه قوف ا ا 
كويتي» أعانه على شراء نصف زجاجة من الخمر. وينتاب عبد المحسن من 
هذا لوقف اور اكرات ن الواقو: وا ف عليه خاصش يعد أن 
یردد على مسامعنا قوله: «يا خوك فَهَرّ.. ديرتا ما نستتانسسّ فيها ..». 

وقتختلف بقية المواقف:في اللوحات الأخرى: تجد فى واحدة منها موقا 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


انتقاديا لاذعا من اللاعقلانية الاقتصادية في مجتمع الكويت. فتجمع بين 
موظف» ومستثمرء يتضاءل الأؤّلء ويعلو صوت الثاني داعيا إلى الازدهار 
التجاري» وناعيا حياة الموظفين. وباعثا الهمّة على استغلال الوضع 
الاقتصادي النشط في البلاد. لآن هذا الوضع كالربيع العابرء كما يقول: 
«يْبَةَ ديَرتَنَا ربيع طايف كل من استفادٌ منها.» وتدل صورة كهذه على جهامة 
الرؤيةء واستفزازها التنبئي للواقع. وتحريضها على التنبه إلى وهلية الثروة 
القومية الوفيرة. ثم يرينا الكاتبان في اللّوحة الرابعة الأساليب غير المشروعة, 
لصعود الطبقة الجديدة: التي أصبح لها نفوذ ظاهر مع التطور الاجتماعي. 
فتجمع بين صديقين في مزرعة. تربيا معاء ودرسا في مراحل واحدة. ولكن 
أحدهما اغتنى فجأة بالاختلاس. والرشوة؛ وأصبح من ذوي الملكيةء بينما 
ظل الآخر في فقر مدقعء يفجر سؤالا دامغا موجعا لضمير الأول. 

وتعالج اللوحتان الأخريان موضوعين مختلفين: أحدهما يكشف استغلال 
الطبقة التجارية الصاعدة لجهاز الصحافة. ودخولها فيه بأسلوب تجاريء 
رخيص من أجل مصلحة فردية مطلقة. وثانيهما يكشف عن الأسلوب الفج, 
الذي دخلت به تلك الطبقة في انتخابات مجلس الأمة. فقد تسلّحت بأساليب 
الدس والإدعاء. ولهجت بالدعوة إلى التصحيح:؛ وتلبية مطالب الجموع. 
ولكن كل ذلك لم يصدر عن وعي سياسيء ودوافع وطنيةء وإنما صدر عن 
أبواق المصلحة الفرديةء التى تستبق الفوز فى الانتخاب بالإغراءات المادية. 
ورغم الاختلاف الظاهر في الموضوعات التي عالجتها E‏ 
فإنها تتحد في هجمة مشتركة:؛ لم تغادر الطبقة البرجوازية التجارية. 
أشهرت هذه المسرحية كل أسلحتها من أجل تعرية نماذج تلك اه 
وأرجعت أغلب ظواهر مجتمع الرفاهية إليها. وكأن الكاتبانء يوجهان إليها 
تهمة ابتداع هذا المجتمع. ذلك أنهما كشفا عن أنانيتها الشرسة في أغلب 
اللوحات الأولى من المسرحية. ثم جعلا خاتمتها بلوحة المرشحين. التي 
جمعت نماذج من تلك الطبقةء تلهج بشعار الرفاهية للجميع. من أجل ذات 
النزعة الأنانية المتمثلة في اعتلاء كرسي مجلس الأمة. 

إذن فإن تجزئة الفعل المسرحي إلى مجموعة مواقف, تبدأ بأكثر من 
بدايةء وتنتهي بأكثر من نهايةء إنما هو تخطيط درامي جديد. يهدف إلى 
احتواء الأزمة المتدهورة في المجتمع الكويتي؛ بالتصدي لها أنى أظهرت لها 


23# 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


تورماء وآلاما. ويهدف أيضا للخروج عن النمطية الضيقة. فالنماذج 
البرجوازية التجارية التي تصيدت المسرحية أخطاءهاء تتسم بعدم الثبات, 
والاستقرار. إنها قادرة على اكتساب الصفات الجديدة يوما بعد يوم» وتبديل 
جلدتهاء. حسب الظروف والملابسات المستجدة في المجتمع. ومن ثم فإن 
مواجهتها بأسلوب مسرحي يتلقى تبدلاتهاء ويتعقب صفاتها المتجددة مظهر 
من مظاهر تفتح الرؤية المسرحية في حين أن مواجهتها بأسلوب منمط 
يبني الفعل بدقة القالب المصنوع؛ وحذق الحبكة المحكمة؛ ويصوغ الشخصية 
بالتفاصيل الثابتةء إنما هو مظهر لعجز «الوسيلة المسرحية» وانفلاقها 
أمام صعود الطبقة البرجوازية التجاريةء وتلؤن مواقعها بظواهر شتى في 
السبعينات. 

ولا نزاع في أن تحول المنظومة المجزأة للفعل المسرحي إلى صيغة درامية 
ذات حساسية بالغة القدرة على استبطان التغير؛ لا يمكن التحقق من آثاره: 
وظلاله الممتدة. ما لم يصطحب معه تغيرا ظاهرا في الوسائل المسرحية. 
فمن البديهي لتلك المنظومة أن تكون المهاد الطبيعي لعملية القضاء المبرم 
على التقليد المسرحي. وإذا شئنا الدقة فسنقول بأن من المألوف لتجزئة 
الفعل المسرحي أن تضع أقدام صاحبها فوق أرضية المسرح الملحمي-غالبا- 
لأن هذا المسرح-وخصوصا عند مؤسسه (برشت) هو الذي يحول المحاكاة 
الطبيعية للفعل المسرحي إلى نقيضها. فبدلا من أن تكون المحاكاة مدعاة 
للاندماج في الواقع تكون مدعاة للانفصال عنه. بموقف يعارضها . فالفعل 
المسرحي-وإن كان من باب التفاصيل العادية-لا بد من أن يكون في ضوء 
مختلف عما هو مسلم به في الواقع. بحيث يتخذ صيغة الحكم عليه لا 
صيغة الرصد له. ومن ثم فقد كان لمسرحيات بريشت مهمة واحدة: أن 
تعلم المتفرج أن يصل إلى حكم»!©. 

ولم تكن هذه المهمة عازبة عن كاتبي مسرحية «شياطين ليلة الجمعة» 
فقد كانت المواقف التي عرضنا لها فيما سبق؛ مضمونا صريحا للحكم 
على نماذجهاء وظواهرها. ولذا ترسئمت بعض الخطوات,. أو المؤثرات 
التغريبية المعروفة في المسرح الملحمي» فاستخدمت شخصيتين رئيستين 
هما : «زيد» و «عبيد» لتقوما بدور لا يختلف عن الدور الذي يقوم به الراوي. 
فهما يمهدان لتمثيل المشاهد. ويقدمان لها هدها تغريبيا. ولكنهما لا يقفان 


210 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


خارج المشهد التمثيلي: وإثما يشاركان فيه بالدور الأكبرء بحيث يمغلان 
أغلب النماذج التي عرضت لها لوحات المسرحية. وهده المشاركة جعلتهما 
كمن يروي الحدث من قلب الفعل المسرحي» في وقت لا يفرطان فيه بمهمتهما 
الرئيسةء وهي إلغاء المسافة الفاصلة بين الممثلء والمتفرج. 

لقد تضافر الجهد الأكبر لكاتبي «شياطين ليلة الجمعة» حول تجسيد 
الوسائل المسرحية, القادرة على تحقيق المشاركة بين الممثل والمتفرج, والتقليل 
من الأسلوب السائد في الاندماج العاطفي. ومحاولة اجتياز الأسلاك 
«المغناطيسية» للإيهام. فلجأت إلى خيال العرض الملحميء الذي يدعو إلى 
الدخول فى المخيلة الدرامية. بأن يطلب منه علانية المشاركة فى استكمال 
التياصيل: القن لاياتي غا لنت ویو ف مهد اا الراب 
وساد الاختصار الشديد في الدلائل الواقعية للمحيط الخارجي» بحيث 
اقتصر على رموز بسيطة من قطع الأثاث» وأدوات الاستعمال اليومي» ذات 
الصلة المباشرة بحركة الممثل. واستخدمت بدلا من التفاصيل الواقعية لوحات 
غنائيةء تتوالد من ذات الموضوع الذي يعالجه المشهد المسرحي» وملابس 
مزركشة تهدف إلى الإيحاء» والتشكيل. وحركات إيقاعية مستمدة من التراث 
الشعبي. وأصبح المسرح-مضمونا ومعمارا-مسرحا حقيقياء يسعى بهدف 
مقصودء نحو منع الارتباط بين المتفرج والممثل. مفسحا المكان لوشائج 
الصلة بين المتفرج, والحقيقة الناصعةء التي يقوده إليها الممثل. 

إن «زيدا» و«عبيدا» لا يخقيان ملاحظاتهما المستمرة: بان ما يقفان 
عليه مسرح حقيقي» يختلف عن الواقع السائد . ومن ثم فقد جرى التمثيل 
بمنوال يهتك خطوط الوهم بإرادة واعية. فالممثلون لا يريدون أن يظهروا 
أنفسهم أمام المتفرج العادي إلا على أنهم ممثلون؛ فيذكّرونه دوماء في عدد 
من جمل الحوان» بان ها يقومون به مجرد تمثيل+ گان يقولون؛ رخا قاعدين 
تمثل» أو هو «كلة تمثيل» أو «إيه ! إشفيها تكمثيل..» ولا تهدف هذه الجمل 
إلى نفي الواقعيةء بقدر ما تهدف إلى إيقاظ المتفرج: والاقتراب منه. ويدلنا 
على ذلك أن «زيدا» و «عبيدا» لا يكتفيان بالإلحاح على أن ما يقدمانه 
تمثيل. وإنما يصحبان ذلك بتذكير المتفرج على أن ما يمثلونه حقيقة متصلة 
بوجوده الاجتماعي. ففي أحد المشاهد يقوم «زيد» بالتمهيد لهاء قائلا: «لو 
حْتَىَ إلى بَعَرّضها عليكم ألحيّن أحَدْتَها من إحدى هالدواوين الحكومية.. 


24 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


يَمكنّ بعضكم يشوف فيها دايرة يَمَرِفَها.. لكم حبطو بالكُمَ.. ترى هذا 
فشي الدواكو .+ زواللى على راه اة تح ها 

وسواء كان صقر الرشود وعبد العزيز السريّع يقيمان وسائل الصلة بين 
الخشبة وصالة الجمهور اختلاسا من تأثيرات بريشت» أو يقيمانها من 
تأثيرات بيراندئلوء أو نحوه ممن عرف بالتمرد على التقليد الأرسطي في 
الح كان هما ١‏ ك فيه اخ اهاه إلى الات بالضيع اا 
الجديدة لم يصدر عن تنقيب عشوائي في التراث المسرحي» ولا عن رغبة 
محضة في التجديد الشكليء ولا عن نزعة خالصة في الترف الذهني. 
وإنما يصدر ذلك التأثير عن وعي إراديء يهدف إلى التخطيط في مواجهة 
الواقع. ويصدر عن حساسية درامية متفتحة؛ تتجدد مع تجدد الواقع» 
وتتوتر مع توتره» وتتسارع خطواتها نحو التجريب من أجل اللحاق بنفس 
الخطوات المتسارعة في الواقع. وأبلغ ما يدل على ذلك كله هو التلازم 
الواضح. الذي صحب تجربة الكاتبين في «شياطين ليلة الجمعة» و«بحمدون 
المحطة» بين انتقائهما الإرادي للوسائل المسرحية المتفتحة؛ وبين اتجاههما 
الواقعي لمعالجة القضية الاجتماعيةء برؤية أكثر طليعية:؛ واعتقاد أكثر 
تقدمية. وقد رأينا فيما مضىء أن مواقف «شياطين ليلة الجمعة» لم تعتمد 
صيغة الحياد على الإطلاق؛ وإنما اعتمدت على أحكام يدرك كل من «زيد» 
و«عبيد» حتمية الانتهاء إليهاء لأنهما لا يريدان أكثر من يقظة المتفرج لما 
تؤسسه أحكامهما من الإدانة الشاملة للنظام الاجتماعي؛ والسياسيء 
والاقتصادي. 

إن تأسيس الإدانة الشاملة جعل الأسرة المتغيرة لا تستقل بوجودها 
الاجتماعي الضيق في هذه المسرحية؛ وإنما تكون جزءا من الكل الشاملء 
فمشكلة «عبد المحسن» الموظف البسيط الذي يعول أسرته الفقيرة في 
اللوحة الثانية لا تنفصل عن إدانة القوانين القائمة لأنها تلهج باجا 
سافر على قانون تحريم الخمورء الذي أقر في مجلس الأمة الكويتي. وقد 
ظلت جميع نماذج البرجوازية التجارية في مواقف المسرحية تعكس روائح 
تستفز بمشاعر المتفرج نحو النظام السائد قبل أن تستفز بمشاعره نحو 
أي نظام آخر. 

وتعكس أجواء الوسائل المسرحية الخارجة على الشكل التقليديء إمكانات 


242 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


أخرى لتفتح الرؤية في مسرحية «بحمدون المحطة» التي أخرجها صقر 
الرشود في ديسمبر 1974. فهي تعالج مشكلة اجتماعية ذات آثار مدوية, 
وجذور متأصلةء لا تختلف عن آثار وجذور مشكلة الأصيل والبيسريء إن 
لم تكن صورة أخرى منها . وهي موقف الأسرة الأبوية «الحمولة» ذات الأصل 
القبلي من زواج ابنتها من أجنبي. وإذا كانت هذه المشكلة امتدادا واضحا 
لمشكلة الأصيل والبيسريء فلا بأس من التذكير بأنها عولجت من قبل في 
مسرحيات صقر الرشود. فنظر إليها برؤية متطرفة في مسرحية «تقاليد» 
ثم نظر إليها باهتمام لا يخلو من ميوعة الرؤية في «الحاجز» لأنه لم يهدم 
الحاجز القائم في هذه المشكلةء وإنما تركه للزمن كفيلا بهدمه. 

وقد تعدد اختلاس النظر إلى هذه المشكلة في مسرحيات أخرى 
كمسرحية «صورة» لعبد الأمير التركي» التي لم تعد كونها صيغة ميلودرامية 
فجة لهذه المشكلة. ومسرحية «التالي ما يلحق» لمهدي الصايغ: التي تبعثرت 
فيها الرؤية فوق أرضية الصراع بين الأجيال. ومسرحية «نورة»لجاسم الزايد 
التي اكتفت باحتجاج رومانسي معزول عن دينامية هذه المشكلة في المجتمع. 
وتختلف رؤية «بحمدون المحطة» عن وجهات الرؤية السابقة. فلا تنظر إلى 
الزواج من الأجنبي في زوايا العزلة والانغلاقء المترسبة بالتقاليد القبلية, 
ولا تستمد نظرتها من إخفاق المثل الرومانسية في المجتمع؛ وإنما تنظر إلى 
ذلك الزواج برؤية متقدمة. تستمدها من يقين عارم بتفتح المستقبل. وأكثر 
ما يدفع إلى تقدمية الرؤيةء وتفتحها في هذه المسرحية هو بناؤها في عالم 
مسرحي. يصطفي الوسائل المسرحية الجديدة اصطفاء إراديا واعيا. 

وتصور مسرحية «بحمدون المحطة» موسم هجرة الأسر الكويتية 
للاصطياف في لبنان. فقد سافرت أسرة «بو توفيق» والتقت «نسيمة» 
بای اللبفائق سان اتلاى ات مقة أيام الدراسة في الجامعة اللبنانية. 
واتفقا على الزواج» فتقدم «غسان» إلى والدها «بو توفيق» خاطبا ابنتهء 
فرفضه» وثار غضبه على ابنتهء لأنها تريد به الخروج عن تقاليد الجماعة 
والأسرة, و«الأصل القبلي». 

ولا ترضخ نسيمة لهذا المنطق الأبوي المغلق. وإنما ترضخ لفرديتهاء 
فتهرب مع غسانء لتتزوجه بصفة شرعية. وتقع الأسرة في ورطة شديدة 
ويشرف الأب على الانهيار. خصوصا بعد أن لحقت به ضربة ثانيةء وجهها 


215 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


«فهد» ابنه الذي يدرس في أمريكاء بأن تزوج من فتاة أمريكية قبيحة, 
وسلك تقاليد ليست من حياته. ولكن لا تلبث كربة الأسرة أن تنفرج بزواج 
ابنها الأكبر «توفيق» من «خزنة» الفتاة الكويتية التي أحبها حبا جارفا. وفي 
نفس الوقت بدأت أسرة «بو توفيق» تعثر على منطق عقلاني يبرر الزواج 
المتمرد لابنتها «نسيمة» بعد أن استبصرت هذه الأسرة واقعا جديدا يوحي 
لها بأن عراقة الأصل قضية إنسانية: لا تقتصر على الأسرة الكويتية وحدهاء 
كما أنها لا ترتبط بمجرد الأصل القبلي. ومن هنا يتمثل «توفيق» في «خزنة» 
(وهي اسم شعبي بمعنى مستودع الأشياء الثميئة) ا لمثال ينطلق من 
المبدأ السابق . فهو يصفها بقوله: «شايف فيك كل اللي آبيه.. . إنسانة 
مُهدبة مترتِيّة: متَعلّمّة: وكويتية. ومن عائلة طيبة. كل هالصفات فيك شلُون 
ما آحبك..» ولا يتطرق هذا المثال إلى معيار الأصل القبلي: وإنما يؤكد على 
الصفات الإنسانية . ١‏ 

أما زواج نسيمة من غسان فينسحب عليه الرضا بالمبداً الإنساني السابق. 
وقد أودع الكاتبان آراءهما حول هذا الزواج على لسان شخصية «بو عزوز» 
صديق الأسرة. وصهرها بعد أن تزوجت ابنته «خزنة» من توفيق «فهو 
يدافع عن هذا الزواج بدعوى أن الشرف والاسم مبدأ عام لا يقتصر على 
أحد دون أحد. 

وتستمر سيطرة الاهتمام بالمبدأ الإنساني» والمساواة في الدفاع عن 
هذا الزواج على لسان «بو عزور». وخصوصا حين يحرص على إقناع أسرة 
«بو توفيق» بجذور ذلك المبدأ في المجتمع الكويتي» فيقول لتوفيق: «يابُوك 
ما مازلا الخيّر رَجِلَّها و س مَعَرؤفين.. آهل دين وطاعة؛ 
نِمتَبَتَهُمَ شرف ما يتَبَعَي تَسَوُون كدّبه.. . طول عمّرنا في 0 
I1‏ 


2 


go € 


تَحَشْمٌ الناس وَتَعرّف أقدارهُم؛ ما يجيثا غريب إل نُعدّه من أهلنا». 

وحين يتسلل المبدأ الإنساني في أسرة «بو توفيق»» وخصوصا بعد 
مصاهرتها لشخصية «بو غزون» الى تهج بالدهوة الصريحة إلى ذلك 
المبدأء تتكسر حدة التعصب. وترضخ نزوة الأب الغاضب لرغبة جديدة في 
التقبل؛ والتراضي . فيغفر لابنتهء ويستقبلها مع زوجها غسانء بحدب ورعاية. 
بل إنه يطلب المغفرة منهماء فتارة يقول لابنته: «سَامّحينًا يابُوك» وتارة 
يقول لغسان: «سَامّحنًا يابُوك. وفوق ذلك فإنه يقر-نادما-بما في موقفه 


211 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


السابق من ظلم. ويشخ المبدأ الإنساني في هذا التراضي» والحدب على 
الزوجين» بعد أن كانا مرفوضين. ويلتقي إشعاع هذا الموقف مع إشعاع 
المثال الصافيء الذي خلقه «توفيق» في الأسرة بعد زواجه من «خزنة» ما تم 
في ضوء الإشعاع السابق؛: رفض الأسرة لزواج «فهد» من الفتاة الأمريكية 
القبيحة, لأنه يمثل موقفها الإنساني من الوجه القبيح لأمريكاء الذي أغوى 
ابنها «فهدا» في صعلكة «الهيبز» وضياعها. 

إن الرؤية اتا المتفتحة. لأكثر المشكلات الاجتماعية استعصاء. 
وانغمار المسرح بخاتمة متفائلة يسيطر عليها التراضي» والمساواة بين الجميع 
بعد أن كانت الجهامة القاتمة تنذر حياة الآسرة بالانهيار. وعودة الآسرة 
الكويتية إلى بلادها مصحوبة بأجواء غنائية تعزف على أوتار الحس الوطني» 
نشوة بانتصارها على العزلة والإقليمية.. . أقول: إن كل ذلك إنما يقترن في 
و اتون اا نابت ذاه دالوباة ل السرحية الجديية: 
التي سبق للكاتبين أن اصطفيا منها الصيغة الدرامية لمسرحية «شياطين 
ليلة الجمعة» فالمؤثرات التغريبية في «بحمدون المحطة» كالراوي» والغناء 
والأقنعة. وأساليب التجريد المسرحي» تحتضن العلاج العقلاني المتفتح 
للمشكلة الاجتماعية المستعصية. فتستدعي إليها حكما يفك مغلقاتها. 
وتفسح المكان لبروز آراء الكاتبين. وخصوصا على لسان الشخصيات التي 
قامت بمهمة الراوي. وهي: «الشاعرء والطفل» والراوي» لأنها تدخل في 
حوار تعليمي» ينتزع الحكم» ويستطلع الأسباب المباشرة للمشكلة. قفي أحد 
المشاهد الغنائية يشترك الشاعر في حوار مع مجموعتين؛ تنقسمان في 
الحكم على هروب نسيمة:؛ وزواجها من الفتى اللبناني» فترجع الأولى السبب 
إلى الآب» الذي غفل عن تربيتها . وترجع الثانية السبب إلى الأم التي 
احتضنتها. بينما يبرز لهما الشاعرء ليرد تمردها إلى المجتمعء وغياب 
الحريةء وعدم الإنصاف والمساواة في الحقوق المعطاة للرجل والمرأة. 

وتمضي المؤثرات التغريبية في «بحمدون المحطة» في تحقيق جوانب 
فنية أكثر دقة مما كانت عليه في مسرحية «شياطين ليلة الجمعة» ذلك أن 
حوار الشخصيات التي تقوم بدور الراوي أكثر تعليمية. وقدرة على انتزاع 
الأحكام المباشرة وفوق ذلك يتنبه الكاتبان إلى جانب آخر في وظيفة الراوي 
على المسرح» وهو الربط بين الأحداث والمواقف. واختصار ما بها من تفاصيل 


245 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


غثةء لا يستدعيها الوجود الدرامي بالضرورة. مما ساعد على التشبث 
بسياق الفعل المسرحيء والإبقاء على روح الحبكة. أما أدق ما يتنبهان إليه 
کے قهم مو الراوى فهو العام ال هرج يان ها يعرف علي ابرع إلا 
يقع على علم مسبق من الشخصيات التي تقوم بدور الراوي. فبينما يفاجاً 
الجميع بهروب «نسيمة» مع «غسان»» يقول الطفل» مؤكدا معرفته بما حدث: 

«كل شي عارفه وَوَاصَلنِيَ مِنَ زمان» '. 

وليس من المتعذر علينا الآنء أن نقول: إن التحكم الإرادي في اصطفاء 
الؤسائل اللسرحية الجديدة قد استدعى انقحاج الرؤية المشرحية غلى أكثر 
الجهات التي تحررت فيها دراما الأسرة المتغيرة من الخليط العجيب بين 
الواقعية والرومانسية: والميلودراما والكوميدياء الذي ظل سائدا في الكثير 
من الأعمال المسرحية في سنوات العقد السادس» سواء لدى عبد العزيز 
السريّع» أو صقر الرشود. أو لدى غيرهما من كتاب المسرحية المحلية. ذلك 
أن «شياطين ليلة الجمعة» و«بحمدون المحطة» انتصرتا للواقعية ضد ذلك 
الخليط العجيب: كما انتصيرتا أيضيا للمشرح ضد الواقع: ماصبحت دراما 
الأسرة المتغيرة من خلالهما أكثر واقعيةء وأقوى صلة بالمسرح. 

وما كان لهذه الدراما أن تواجه هذا «التغير المسرحي» في السبعينات 
زولا عنلتها الجديدة انال إن هذا الخيال هو الذي رسف ك مسرحية 
«ضاع الديك» أعنف الصدمات الموجهة للنظام التقليدي في الأسرة؛ دون 
إراقة لملامح الميلودراماء أو إشاعة لأجواء الرومانسية. وهو الذي ينتزع 
للتطور الاجتماعي في الأسرة أقسى الأحكام» وأكثرها رغبة في تغيير 
نظمهء فيصدر في مسرحية «!, 2, 3, 4» بم» حكما أبديا يقضي عليه 
تاذ |قسائية الآنه كحم ای ضع جور واه ولا ق بچ وف سرد 
فياظو اة اجه كين اليشماك قط فة البرجوازية اة الضاهدة 
لأنها المتهمة الأولىء بتكريس قواعد المجتمع الرفاهي. ثم يتصدر حكما 
هات الحرية فى ا واو ا ر انها عار ا 
التممومة اطي واخ فان كيال الحوض الح فى يقياظين نيلة 
الجمعة» و «بحمدون المحطة»» هو الذي أوجد الصلة المباشرة بين النظام 
السياسيء والنظام الاجتماعي للأسرة. وجعل لما يدور بين جدران الأسرة 
أسبابا تتصل بما يصدر في اللباد من قوانين سياسية. 


210 


خيال الرؤيه المسرحيه الجديدة 


ونعتقد أن الثقة في خيال العرض المسرحيء أيا كانت الصيغ الدرامية 
الجديدة: الثى ستكرهاء يمكنها أن تمد عى الخطوات الثانتة قى مستفيل 
دراما الأسرة المتغيرة. طالما استمدت تلك الال ا من ا 
التغير. فالخيالء مهما بلغت ثورته. لن يغترب عن الواقع. بل إن العلاقة 
الجدلية بينهماء تمنح الخيال عمقا أكثر. لأن ديناميات التغير مع الخيال لا 
تكون مقيدة بشروط الواقع؛ بقدر ما تكون مقيدة بشروط العمل الفني, 
الذي ينتظم فيه. ومن ثم كانت رؤية الخيال مفتوحة؛ لا يمكن إغلاقها أمام 
أي بصيرة نقدية. وانفتاحها بهذا المعنى؛ يجعلها الصيغة القادرة أكثر من 
غيرها على الإمساك بدينامية التفيرء والتوغل في لحظاتها التاريخية 
الدقيقةء والتنبؤ بما وراء حدودها الراهنة. 


247 


الاب الثالث 
شوخ تماد السلطة انقو ية 


«سعيد (الأب): أحد يتكلم وأنا هنيه ؟ أحد يرفع لسانه وأنا موجود .. ما 
أحد له كلمة فى هالبيت غير كلمتى...» 

مسرحية «ملان وانكسر» راك اللعاودة 2| ص0! 

اخم القواض كان امل مع كان حراش سا يرهم انه الجن 
اا وا 

مسرحية «تنزيلات» مهدي الصايغ ا198 ص 8| 


تمهيد يعكس الاهتمام بالنماذج أو الشخصيات 

النموذجية في الحركة المسرحية جانبين لهما 
أهميتهما البالغة في هذه الدراسة-الأول: هو 
الإفضاء بالعمل المسرحي نحو الواقعية. والثاني: 
هو تكثيف الدلالة السوسيولوجية للعمل المسرحي» 
وإحالتها إلى رمزء أو بديل حقيقي للحرية الغائبة 
في مجتمعات الخليج العربي. 

وليس من العسير علينا أن نستدل على ثلاثة 
نماذج عليا ذات وجود جوهري في حبكة الفعل 
المسرحي للكثير من الأعمال المسرحية: 

الأمي هاف هات قار ا 
الأبوية. وأساسا دراميا للمسرحية الاجتماعية. 

- النوخذة "-(ربان السفينة) نموذجا منتزعا 
من التقسيم الطبقي في المرحلة الاقتصادية 
العليدية الت سيقت ظهور الفط وانياسا دراميا 
لمان اناهن 

- السلطان» نموذجا منتزعا من واقع النظام 
السياسىء وملتحما بالأفعال والأفكار والعواطف› 
وأتباتا ذرانيا للسبيعة السياسبية الباقمرة عل 
المسرح. 

وتكتسب هذه النماذج الثلاثة حالة نمطية 
محددة جعلت الأعمال المسرحية التي عالجتهاء 
)١(‏ «النوخذة» مفردة مستمدة من اللغة الفارسية؛ وتعني ذلك 


الرجل الذي تؤهله معرفته بشؤون البحرء ومكانته بين الناس لأن 
يقود رحلة الغوص على اللؤلؤ. 





المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وبسطت تجسيدها على المسرح لا تحفل بالأفراد والنوازع الذاتية للشخصية 
المسرحية؛ قدر احتفالها بما هو نمطي. فهي تسعى إلى تشكيل ما هو 
جوهري» ومشترك دون ما هو ثانوي» أو شاذ. وهي تطلب التصميم على 
رؤية العام دون الخاص. والظرف شديد الخصوصية: دون الحالة أو الظاهرة 
العابرة. وطبيعي ألا تقتصر النموذجية-ما دام همٌ الكاتب هو البحث عن 
الجوهري في الصراع الاجتماعي-على الآباءء أو «النوخذة» أو السلاطين, 
ذلك أن الوضعية التي تبدأ بها المسرحية في مجتمع الخليج العربي لا تعزل 
الحالة النموذجية في شخصية الأب وحده. أو «النوخذة» وحده. والسلطان 
وحده» وإنما تدمج هذه الحالة في نسيج العلاقات الاجتماعية: وتلتحم بها 
في سياق المرحلة الاجتماعية والتاريخية؛ التي تمر بها منطقة الخليج العربي. 
الأمر الذي يستدعي التشكيل النموذجي في الشخصيات الرئيسة: والثانوية 
على السواءء ومن ثم فإننا حين نفرد الاهتمام بالنماذج الثلاثة (الأب- 
النوخذة-السلطان) لا نغفل عن غيرها من النماذج المنبثقة في المحيط 
الاجتماعي» والمتشكلة في العالم الدرامي الذي تجول فيه النماذج الثلاثة. 
فكما أن من السهل استراق السمع لوجود الآباءء «والنواخذة» والسلاطين 
في الكثير من الأعمال المسرحية؛ فإن من السهل الإنصات بوضوح لصوت 
المكبوحين من الأبناء؛ والمسحوقين من عمال البحرء والمظلومين المضطهدين 
من قبل الحكام. 

ومما لا شك فيه أن النموذج: أو النمط يمثل معيارا رئيسا للواقعية في 
العمل الآدبيء أو الفني كما يذهب إلى ذلك منظرو الواقعية ومؤصلوها في 
الفكر الأدبي المعاصر أمثال بلينسكي» وجورج لوكاتشء ولوسيان جولدمان 
وغيرهم. فالشخصية النموذجية عند بلينسكي مثلاء هي تلك التي تعبر 
عما هو كلي» وفردي في آن واحد . ولمثل هذه النموذجية ضرورتها القصوى 
في التمثل الفني» والفكري للواقعية في العمل الأدبيء لأن هذا العمل ما لم 
يشتمل على ما هو «نموذجي فلن يجد القارئ فيه أي شيء طبيعي» مهما 
كان الوصف صادقاء وطبيعيا»!!". وقد عمّق لوكاتش مثل هذا المفهوم للنموذج 
أو النمط» وطؤره بصورة واضحة؛ فجعله مقولة رئيسة للأدب الواقعي؛ 
(1) جورج لوكاتشء دراسات في الواقعية الأوروبية؛ ترجمة أمير إسكندرء الهيئة المصرية للكاتب. 
القاهرة. ١972‏ ص 28. 





تمهيد 


ورأى فيه ذلك «المركب الغريب الذي يربط الخاص والعام معاء بطريقة 
عضوية في كل الشخصيات والمواقف. وما يعطي للنمط جوهره ليس كونه 
ممثلا للمتوسط الحسابي للنوع الذي ينتمي إليهء وليس مجرد وجوده الفردي» 
مهما كان تصوره عميقاء ولكنها تلك التحديدات الأساسية الإنسانية 
والاجتماعية التي نجدها متمثلة في أوج تطورهاء وارتقائها في أقصى 
تفتح للإامكانات الكامنة فيهاء في ذروة عرضها لأطرافها البعيدة. مجسدة 
بذلك قمم وحدود الناس والمراحل التاريخية (2. 

إن المفهوم السابق للنموذج يطرح علينا سؤالا بالغ الأهمية حول نماذج: 
الأب و «النوخذة» والسلطان التي شغف الكتاب بمسرحتهاء وصياغة القالب 
الدرامي من محيطها وهو: هل يعمل النموذج على تقليص الشخصية 
المسرحيةء واختزال بنيتها حول صفة أخلاقية واحدة. ضيقة جامدة. أم أنه 
لا بذ من أن ينتزع نموذجيتها من قدرتها على صياغة الجوهري في حركة 
التغير الاجتماعي .. 5وبعبارة أخرى يمكن أن نقول: هل يتناول كاتب المسرحية 
نموذج الأب» أو «النوخذة» أو السلطان: باعتباره مادة درامية جاهزةء يعمل 
على صياغتهاء كما هي في الحياة. أم يتناول الحياة الداخلية للنموذج 
ليعيد صياغتها بالصورة التي ينبغي أن تكون عليها في الحياة. ؟ 

إننا نعتقد أن النموذج» لا يمكن أن يفضي بالعمل المسرحي نحو الواقعية 
إلا حين تكون له عيون تراقب المرحلة التاريخية بانحياز تام لحركة القوى 
الاجتماعية الناهضة؛ وتمضي بأهدافها إلى الأمام» ولا تدع فرصة للنكوص 
إلى الوراءء أو الإطلال على الماضي بترددء وحيرةء وإنما تحصر اهتمامها 
من أجل ضمان تطور القوى الاجتماعيةء وانتصارها في خاتمة المطاف. 
ولن يتفق للشخصية المسرحية النموذجية ارتقاؤهاء واكتسابها لأدق 
الخصائص الدرامية؛ وهو تشكيلها لما ينبغي أن تكون عليه الحياةء دون 
تجسيدها الفوتوغرافي لما هو سائد فيهاء إلا من خلال جمعها بين العام 
والخاصء وتمييزها بين الجوهري والعارض. ومن ثم فإن بحثنا في هذا 
الجزء من الدراسة لن يهدف إلى وصف النماذج التي أتت عليها الأعمال 
المسرحيةء وبسط تاريخها فوق خشبة المسرح» وإنما يهدف إلى معرفة 
(1) تستمد مقولة بيانسكي عن النموذج من جملة مقولات عرض لها لافريتسكي في كتابه «في 
سبيل الواقعية» ترجمة د. جميل نصيف: ذار الحرية للطباعة؛ بغداد: 1974 ص 106 . 





المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الشروط التاريخية المقترنة بنموذجية الآباء «والنواخذة». والسلاطين: ومعرفة 
الخصائص السوسيودرامية في بنيتهاء وعالمها الذي اتصلت بهء فالأهمية 
التي نوكلها لبزوغ هذه النماذج في الحركة المسرحية ليست في شيوعهاء 
وكثرة استخدامهاء وإنما في قدرتها على النمو بالطاقة الدراميةء وتأسيس 
أفعالها النمطية؛ المنتزعة من دينامية التغير في مجتمع الخليج العربي. 
والحق أن صياغة النماذج في الحركة المسرحيةء لا تفرب عن طبيعة 
الظرف التاريخي» الذي يمر به مجتمع الخليج العربيء بل إنها تتركب منهء 
وتندمج فيه بصورة عضوية؛ وأقرب الوسائل التي تحقق إثبات صلة 
الشخصيات النموذجية بالمرحلة التاريخية. هو معرفة ما تختزنه من صفات» 
وخصائص مشتركة؛ تخلص فيها بالدرجة الأولى لحركة التغير الاجتماعي؛ 
والسياسي والاقتصادي في المجتمع. فالنماذج الأساسية الثلاثة (الأب- 
النوخذة-السلطان).ء يشتبك وجودها بالتركيب الهيكلي للمجتمع. إن الأب 
هو الرمز الأعلى للبنية الاجتماعية في الأسرة الأبوية. «والنوخذة» هو 
الرمز الفصيح للبنية الاجتماعية في المرحلة الاقتصادية التقليديةء وخاصة 
في دلالته على الانقسام والصراع الطبقي. والسلطان هو رمز الهيكل 
السياسي للمجتمع العربي. بصفة عامةء والمجتمع في الخليج العربي بصفة 
خاصة. 
ولعل من الصعب تحقيق الاختلاف بين النماذج الثلاثة ما دامت تؤسس 
لقيام وسط اجتماعي. يتسم بنموذجيته الواضحة, ويتميز بخاصيته الدرامية 
العالية النبرة» بل إنه كثيرا ما اندمجت أدوار النماذج الثلاثة. بعضها ببعض 
في كثير من الأعمال المسرحيةء بحيث أصبحت الشخصية تقوم بدور الأب 
و «النوخذة» في آن واحد. أو أنها تقوم بدور «النوخذة» والحاكم, أو السلطان 
فى آن واحد. 
إن الاختلاف بين بنية النماذج الثلاثة مسألة ظاهرية, لأنه يخفي تحت 
سطحه اندماجاء وتسلسلاء یربط بينها جميعاء حول دلالات ووسائل تهدف 
إلى تكثيف العالم الدرامي» الكامن في خصوصيات الشخصية المسرحية. 
وطاقتها المعبرة عن المسرح. وأكثر ما يدلنا على حقيقة الاندماج بين الآباى 
و«النوخذة» والسلاطين هو أن كتاب المسرحية إنما يوعزون بهاء نحو صفة 
أخلاقية مشتركةء وهي الاستبدادء وخاصية وظيفية مشتركةء وهي القدرة 


251 


تمهيد 


على السيطرة؛ والتحكم» ومكانة اجتماعية مشتركةء وهي المركزية التي 
تجعل النماذج الثلاثة تقذ تسبي افلى الك ودين الويال E‏ 
فضلا عن أن مسرحية النماذج الثلاثة تؤسس وسيلة فنية مشتركة للثورة 
الشاملة.. . الثورة على الأسرة الأبوية (نموذج الأب) والثورة على أرباب 
العمل نموذج النوخذة والثورة على الاستبداد السياسي (نموذج السلطان). 

إننا على يقين بأن الجذور الاجتماعية؛ والتاريخية للنماذج الثلاثة. متصلة 
ومندمجة في تركيب اجتماعي معقد . ذلك أن بقاء السلطة التقليدية للأب 
مرتبط ببقاء سلطان الحاكم» وبقاء الرمز القهري في شخصية «النوخذة» 
مرتبط ببقاء النظام السياسيء واستمرار سلطته القهرية. فالكل يغرس 
جذوره في طبيعة النظام الاجتماعي» الذي تفرزه المرحلة التاريخية المعاصرة 
في تطور المجتمع في الخليج العربي. إن هذا الاندماج يحقق في تقديرنا 
حساسية درامية مطردةء يشترك في النفاذ إلى خاصيتها الدينامية معظم 
كتاب المسرحية المحلية. وما ذلك إلا لأن التشكيل المسرحي للحركة الداخلية, 
والخارجية للنماذج الثلاثة (الأب-النوخذة-السلطان) إنما يمثل زاوية حادة 
من زوايا المعارضة لنظام المجتمع السائد. سواء في بنيته الاجتماعية: أو 
الاقتصاديةء أو السياسية. ومن ثم كان من الجائز أن نعتبر هذه النماذ» 
بشتى الأساليب المسرحية التي استخدمت فيها على المسرح:؛ انعكاسا 
موضوعيا لظرف تاريخيء تتسع فيه أشكال الهوّة بين حركة القوى 
الاجتماعية. وطبيعة النظام السياسيء ويكون فيه للمسرح. مندوحة الدخول 
في حوار متصل مع رموز هذا النظام» المتمثلة في النماذج الثلاثةء التي 
سندرسها في هذا الباب. 

وما ينبغي التأكيد عليه؛ أن الجوهري في مفهومنا للنماذج» ليس له 
علاقة بكونها مجرد صيغة مستقاة. لإحدى التصنيفات الأخلاقية التي أقَرٌ 
بها وعي الجماعةء وإن كان بعض الكتاب ينحرف إلى هذه الصيغة في 
بعض الأحيان-وإنما الجوهري في مفهومنا لنماذج الأب و «النوخذة» و 
«السلطان» يتعلق بكون هذه النماذج» تدل على نمط العلاقة الجدلية المتطورة 
بين الحركة المسرحيةء وحركة التغير الاجتماعي. فإذا كانت أشكال التسلط» 
والقهر تتمثل عارية أمام قوانينهاء ومنطقهاء وأقنعتها. حين يبعث المسرح 
تلك النماذج» ويخلق أشكال الوقوف معهاء فوق أرضية واحدة؛ فإن الكثير 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


من أهداف حركة القوى الاجتماعية تجد صياغتها للديمقراطيةء وتختلس 
مجالات تحققها المأمولة من خلال الممارسة المسرحية؛ التي يتفتح فيها 
الحوار مع رموز السلطة القهرية في المجتمع» وترتفع فيها نبرة الخطاب 
وحدته بين نموذج غير شرعي للمتسلط أباء كانء آم نوخذة. أم سلطاناء 
وبين نموذج شرعي يمضي بحركة المجتمع إلى الأمام مطالبا بالعدل والحرية 
والعقلانيةء ابنا كان؛ أم بحاراء أم فردا عادياء وهكذا لم يعد المسرح مسرحا 
معزولا عن حركة المجتمع؛ ولم يعد المجال قابلا للشك في أن المسرح الذي 
يشكل تلك النماذج» إنما يمثل بديلا طبيعيا للديمقراطية الغائبة في حركة 
التغيير. 

إن هناك كما هائلا من المعاييرء والتقاليدء والقوانين» والمواضعات في 
مجتمع الخليج العربي» تمثل شبكة كثيفة من الكوابح» التي تحول دون قيام 
أيْ شكل من أشكال الحوار مع النماذج العليا للنظام المتسلط. والمسرح 
الذي يرتبط في علاقة عضوية مع العوامل الاجتماعية والتاريخية, لا 
ينفصل عن الموقع الإيجابي بين ردود الفعل لمنظومة الكوابح, التي تمثلها 
النماذج العليا من الآباء و«النواخذة».و السلاطين. إنه يقوم بدور الثورة على 
تلك المنظومةء فيشكل أساليب التحرر من التقاليد. والقوانين المفروضة 
ويصور السمات الجوهرية للصراع بين الإنسانء ومنظومة الكوابح» وينحاز 
نحو الدور الإيجابي للحريةء والنشاط الخلاق في حركة التغير. ومن ثم 
فإننا نجد أن الحركة المسرحية في مجتمع الخليج العربي» قد وضعت الأب 
في منزلته «الطبيعية» فى الأسرة, ثم أقامت معه الحوارء مستهدفة إسقاط 
منزلته التقليدية. ومستظهرة الآثار المفجعة لنظامه المتسلط. كما وضعت 
«النوخذة» في مرتبته «الطبيعية» من الهيكل الطبقي التقليدي. وأقامت معه 
الحوار» مستهدقة منه الثأر لجموع الفقراءء ومنبئة بالمستقبل للكادحين. 
ووضعت السلطان في موقعه «الطبيعي» متحكما في المصائرء وممسكا 
بزمام الأمورء وأقامت سنأتي على دراستهاء تمثل تطورا متصلا لرمز واحد. 
يقع في صميم حركة المجتمع. . وهو الذي يتموضع حول نظام السلطة 
التقليدية معه الحوار. مستهدفة تعرية ما يقوم عليه من أسس لا شرعية. 
وبذا فإن المسرح في هذه الحالة يصبح البديل عن الحرية الغائبة قوق نفس 
الأرضية التي نشأت عليها منظومة الكوابح من التقاليد. والمعاييرء والقوانين 


250 


والمواضعات» وأشكال الثقافة؛ وأنماط الحياة المفروضة. 

وتكشف لنا مسرحة النماذج» عن أحد خطوط التطورء الذي مرت به 
التجربة المسرحية؛ فالنماذج الثلاثة التي المغلقة. ولذا يمكن ملاحظة أن 
مسرحة النموذج الدال على مثل هذا النظام بدأت أول ما بدأت في الحركة 
المسرحية ممتطية الوجود الاجتماعي الجاهز لشخصية الأب في الأسرة 
الأبويةء ثم انتقلت من هذا الوجود إلى وسط أكثر اتساعاء وشموليةء وجدته 
في شخصية «النوخذة».وأخيرا كانت شخصية السلطان: أو الملك هي النموذج 
الذي لم يعد الحوار من خلاله مع النظام السياسي مضيّعاء أو معميّاء رغم 
حذر الكتاب» وحرصهم على وضع سلاطينهم في أجواء المادة التاريخية. 
وقصص التراث العربي والشعبي. ذلك أن ظهور السلطان شخصية نموذجية 
على المسرح» لم يدع مجالا للشك في أن عواطف الإنسان:؛ وأفكاره وصراعاته. 
لا تنفصم عن السياسة على الإطلاق. بحيث باتت مسرحة الكتاب لوجودهاء 
وتوظيفهم لنمطيتهاء تصعيدا للوجود الاجتماعي السابق في نموذجي الأب 
و «النوخذة». ولذا سنجد أغلب الكتاب يبدأ بالأب نموذجا لحواره مع النظام 
المتسلظ؛ وينتهى ب «التوخذة» أو السلطان. 

إن مثل هذا الانتقال المتصل جدليا بالعوامل الاجتماعية, والتاريخية 
يبرز لنا دون شك تطورا حادثا في الوعي الاجتماعي. ونضجا حقيقيا 
لبعض المفاهيم السياسيةء كما يبرز تطور حجم المعارضة لرموز النظام 
السياسي في المجتمع. الأمر الذي سيعزز لنا جانبا هاماء وهو أن حبكة 
الشخصية النموذجية إنما تؤسس عالمها الدرامي من حركة المجتمع؛ وتغذي 
وجودها من تغيراتهء وتحولاته التاريخية. 


257 


مسرحة الايا 


تكاد جميع الأعمال المسرحية التي تمسرح الأب 
نموذجا للنظام الاجتماعي القهري المتسلّط تمثل 
بداية تجارب كتابها مع المسرح» رغم أن تاريخ علاقة 
الآباء بالأبناء فوق خشبة المسرح قديمة: إنها تبدأ 
منذ بواكير الحركة المسرحية في الخليج العربيء 
عندما كانت الدروس الأخلاقية تسيطر على مختلف 
الجهود المسرحية. وخصوصا ما اتصل منها ببدايات 
التأليف المسرحي» حيث كان الأب يرمز إلى صفة 
أخلاقية أبديةء تنتزع من الأبناء حرية اختيار 
الزوجة. وحين ازدهرت المهزلة الفنية سواء في 
مرحلة الارتجال المسرحيء أو في مرحلة الانحياز 
إلى القواعد, والتقاليد الدرامية خرجت شخصية 
الأب من حدود علاقتها بالأبناءء وبدأ عالمها الدرامي 
يجول في مثلث يتكون من الآب» والأبناءء والزوجة. 
وأصبح النظام الأساسي الذي تقوم عليه الحركة 
الدرامية فى هذا المثلث منتزعا من الصبغة المثالية. 
العقلانية التي حملت لواءها الطبقة البرجوازية 
المتوسطة,. بعد أن وضحت ردود فعل التغير 
الاقتصادي في سنوات العقد السادس من هذا 
القرن. 

أما حبن أصبحت الأسرة المتغيرة أساسا عقلياء 


2560 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


يوازي أسس النظام الاجتماعيء فقد بدأت علاقة الآباء بالأبناء تتخذ لها 
طابعا نموذجياء يجعلها قريبة الصلة من مقولات الواقعيةء رغم اتشاحها 
بالنزعات الميلودراميةء والرومانسية في كثير من الأحيان. والسمة الواقعية 
الرئيسة التي اكتسبتها المسرحية في الخليج العربي» بعد أن أصبحت الأسرة 
المتغيرةء نموذجها الفني» وقاعدتها الجوهرية؛ هي أن الشخصيات المسرحية 
من الآباء والأبناء والزوجات لم تكن تؤسس وجودها الدرامي من الحركة 
الخارجية للواقع فحسب. وإنما تؤسئسه أيضا من الحركة الداخلية-الذاتية. 
مما جعل نماذج هذه الشخصيات عند صقر الرشود وعبد العزيز السريّع 
على وجه خاص-بعيدة عن كونها نماذج بشرية جاهزة: أو غير نامية. 

إذن فإن طاقة التعبير الدرامي» التي ظلت شخصية الأب تهبها في 
مختلف أوجه الجهود المسرحية في الخليج العربي» لن تحول دون النظر من 
جديد إلى هذه الشخصية بمثال عقلاني» مضاد لأشكال القسر الخلقي» 
وبحساسية درامية مغايرة» تقتضي ظهور هذه النظرة بصورة متلازمة مع 
حجم ردود فعل التغيرات البنيوية في المجتمع. 

ورغم أن ينابيع المثال العقلاني؛ التي تؤسس للشخصية النموذجية للأب 
على المسرح: تمثل امتدادا لينابيع ذات الشخصية في دراما الأسرة المتغيرة, 
إلا أن نم شخصية الأب إلى المرحلة التي تكون فيها رمزا كاملا للنظام 
القهري المتسلط في المجتمع؛ لا بد من أن يكون مصاحبا لبعض التفجيرات 
الداخلية في مجتمع الحركة المسرحية: فإذا كان الأساس العقلي في دراما 
الأسرة المتغيرةء ينظر إلى سلطة الأب على أنها سلطة آخذة في التلاشي, 
وأن دعائمها التقليدية آيلة إلى السقوطء بفعل ما يطرأ على الأسرة من 
تغيرات تخلخل بنيانهاء وتهز قواعدها الهيكلية. فإن الأساس العقلي لمسرحة 
الأب نموذجا للنظام المتسلط (وكذا نموذجي «النوخذة» والسلطان) ينطلق 
من نظرة مغايرةء قوامها استمرار سلطة الأبء وبقاء المرتبةء أو الامتيازات 
التي يحتلهاء سواء في هيكل الأسرة: أو في هيكل المجتمع بأسره. 

وإذا كانت التغيرات الاقتصادية. قد ضيقت المكان على الأب» وقللت من 
صدى سلطته؛ فإن ذلك لا يعني خاتمة للصراع بين الآباء والأبناءء ذلك أن 
ما يفقده الأب لا يضاهي شيئًا يسيرا مما يفقده الابن في ظل الوصاية 
الأو وعرافة اعرد وة ذلك أن كارح السلظة الأ في الاسر 


260 


يزال يمثل رمزا رومانسياء ضافيا للتماسك الاجتماعيء والتقعيد الخلقي, 
والتحالف البشري» ليس في مجتمع الخليج العربي وحده» بل في سائر 
المجتمعات العربيةء ومن ثم كانت الأسرة الأبوية بمثابة الملاذء الذي تحافظ 
بعض المجتمعات من خلاله على جميع أشكال التماسك» وضوابط الزجر 
والنواهي. وخاصة في الفترات التي يمر فيها المجتمع ببعض التحولات 
الخطيرة ذات الآثار المدمرة أو القلقة. 

إن بقاء الأسرة الأبوية رمزا للتحالف. والتضامن» يرسئب في بنية المجتمع 
عوامل نفسية واجتماعية؛ من شأنها أن تؤدي إلى الإقرار بنظام هذه الأسرةء 
والتسليم بضوابطهاء وسلطاتها القهريةء التي تحول دون التقدم نحو مرحلة 
عقلانية متكاملة في تطور المجتمع. وقد لاحظت بعض الدراسات الرائدة 
حول علاقة السلطة الأبوية بالأبناء أن هذه السلطة تؤسس فى سيكولوجية 
الأبناءوآنا تعلى ع قشاف إلى لحد هواهل بقاء النظام الشيرى. فى الأسرة: 
ذلك أن مقارنة نسبة امتثال الأبناء للآباء بالقياس إلى نسبة قوة المنع. 
وأفعال القمع الصادرة من الآباء تؤدي إلى نتيجة هامة وهي: «أن قوة 
الامتثال في نسبتها هي أكبر إجمالا من قوة المنع ونسبتهاء وهذا ما يسمح 
لنا بالقول بأن السلطة الآبوية تتحول إجمالا وبشكل عميق إلى عناصر 
بنيوية ودينامية. وتظهر على شكل سلطة «أنا أعلى» ملكية أكثر من الملك 
وسلطوية أكبر من السلطة 9) 

التطور الاجتماعي للأسرة إذن-وخاصة في مجتمع الخليج العربي 
المعاصر لا يؤّذن بانتهاء مرحلة الأسرة الأبويةء أو أنه-على الأقل-لا ينبي 
بزوال نظامها في عهد قريبء ذلك أن دعائم النظام السياسي في مجتمعات 
الخليج العربي. الذي تستمد منه الأسرة الأبوية سلطتها التقليدية لا تزال 
قائمة. كما أن أيديولوجية هذا النظام, لا تزال تحتفظ بالكثير من وسائل 
الدعم. والضبطء والاستمرار. وما يحدث من تغييرات عميقة في الهيكل 
الاجتماعي للأسرة. أو في أشكال الحراك لبعض الطبقات, أو في بعض 
المؤسسات والهياكل الاجتماعية. لا يمكن مقارنته بالتغييرات الشكلية-الإدارية 
التي طرأت على أنظمة الحكم» وأجهزته في مجتمع الخليج العربي. 

وفوق ذلك فإن هناك عوامل أخرىء لا تؤهل الأسرة في الخليج العربي 
للدخول في مرحلة تفقد فيه نظامها القهري» من ذلك مثلا عدم السماح 


20 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


لأنظمة المجتمع بشرعية ظهور الأحزابء والتنظيمات السياسية؛ التي يمكن 
لها بما تتمتع به من سلطات موضوعية أن تستقطب انتماء الأبناء إليهاء 
وتجتذب امتثالهم لبرامجهاء بدلا من الخضوع القهري للأسرةء وفضلا عن 
ذلك فإن المؤسسات الاجتماعية والثقافية كالأندية والجمعيات غير مؤهلة 
مثل هذا الاستقطاب: رغم عدم حظر قيامهاء وكثرة تنظيماتها في المجتمع؛ 
ذلك أن مثل التنظيمات إنما تقوم بدور الضبط الرسميء أو شبه الرسمي 
وتعمل-من ثهٌ-على دعم القواعد السائدة وتكريس أيديولوجيتها | الأخلاقية. 

ولعل من العوامل التي ترسخ جذور السلطة الأبوية في مجتمع الخليج 
العربي أن القاعدة العريضة للأسرة الأبوية في هذا المجتمع تدكمي إلى 
البرجوازية الصغيرة أو المتوسطة المتميزة بكثرة طموحاتها وأحلامها. وترتفع 
نسبة الاتجاهات السلبية للآباء في هذه الطبقة نحو أبنائهم كما لاحظت 
بعض الدراسات الميدانية© ولا يختلف ذلك عن موقف البرجوازية الصغيرة 
أو المفوسظة في بعضى البلاد العربية فيي تمارس قمعا اكبرتسبيا لحرية 
الشباب في التصرف مقارنة بالطبقات الدنيا والعليا. 

إن العوامل القى ك يق السيلظة الأموية فى هكل الأ فل 
خافية خاريخية طبيعية لتمؤرمر الأبوة ف السركة المسرحية فخلا عن 
أثها تؤسسن النظر إليه من زاوية يتم فيها الخطاب بين النظام السياسيء 
والقوى الاجتماعية الناهضة؛ وقد دفعت هذه الطبيعة المزدوجة التي تجمع 
بين النمو والتأسيس إلى أن تزدوج خاصية البداية لظهور رمز الأبوة على 
االسرع» فالآب الذي يقوع بدور النظام المسلط يمل بداية بحتيقية لظهور 
صوت الخطاب بين المسرح: والنظام السياسي. وأغلب الكثاب الذين حرصوا 
على تجبيد الأب قي مل هذا الدون إثما بومسون من خلال هذا التجسين» 
بدايتهم مع التجرية المسرحية مثل راشد المعاودة في مسرحيتي «بيت طيب 
السمعة» و«ما لان وانكسر». ومحمد عواد في مسرحية «السالفة وما فيها» 
وعبد الرحمن المناعي في مسرحية «أم الزين». 

ولعل ما يؤكد هذه الخاصية المزدوجة أن الأعمال المسرحية؛ التي 
سندرسها في هذا الفصلء لا تتفصل من حيث زمانها عن السنوات التي 
ازدهرت فيها دراما الأسرة المتغيرةء وإنما ا في نفس الفترة؛ بل 
إن الكتاب الذين سنأتي عليهم ريما حملوا بعض المؤثرات الهامة من 


202 


مسرحيات كل من صقر الرشود وعبد العزيز السريّع: وهما الكاتبان اللذان 
عملا على تأصيل الوجود السوسيودرامي للأب في الحركة المسرحية. وقد 
ساعدت هذه المعايشة على تغذية جانب النمو تزف الأبوة. والانتقال به إلى 
مرحلة التجسيد للنظام القهري في المجتمع. 

ولا يخفى علينا بأن الامتداد الذي يصل بين دراما الأسرة المتغيرة 
ورمز الأبوة للنظام المتسلّط ينطوي على ازدواجية أخرى تجمع بين وجود 
الخط الفني» الذي نما بشخصية الأب إلى مستوى جديد في دلالته الدرامية 
وبين وجود الخط «الطبيعي» الذي جعل رمز الأبوة خلاصة مباشرة للأبوة 
المغلقة في دراما الأسرة المتغيرة. وهذا يعني أن جميع الكتابء أيا كانت 
أساليبهم في نموذجية الأب إنما يستدرون مؤثراتهم الدرامية من معايير 
الأسرة التقليدية. سواء كانت أسرة وصاية؛ أو أسرة أبوية. ومن هنا فإن 
معالجة الأب نموذجا للسلطة ستظل مشسمة بالطابع الاجتماعي. وستظل 
نبرة الخطاب مع النظام السياسي القهريء متوارية خلف المشكلات 
الاجتماعية العامة التي تثور عادة بين الآباء والأبناء. وإن كانت لهجة الاستنكار 
للسلطة الأبوية ستزداد فظاظة مع تسليم أغلب الكتاب بوضع أساسي؛ 
ينطلق منه البناء الدرامى. هو رفض السلطة الأبوية. ومعارضة عوامل 
فقا عليها فى مك التظاء الاعتما من 

ولما كانت مسرحية شخصية الأب مضمونا حقيقيا لحرية الحوار مع 
النظام المتسلط فقد امتثل الكتاب لحلول تتراوح بين الإصلاح» والديمقراطية 
والثورية. وهي حلول تكشف عن مراوحة رمز الأبوة على خشبة المسرح» بين 
أن يطفو فوق السطح. وبين أن يغوص بدلالته الدرامية في الأعماق. بل إن 
تعدد الحلول؛ التي يفترضها وجود الأب على المسرح» وازدواجية الجذور 
التي يقوم عليهاء أتاحت الفرصة لأن تتزاحم العناصر الجادة مع العناصر 
الهزلية. والعناصر الواقعية مع العناصر الرومانسية:؛ أو الميلودرامية فقي 
بنية العمل المسرحيء الأمر الذي جعل مضمون رمز الأبوة يتحرك صعودا 
وهبوطاء بصورة تبعث على تنافر العالم الدرامي من حوله. بل إن الخليط 
السابق يؤسس أرضية صالحة لآن يقوم بعض الكتاب بإسقاط رمز الآبوة 
على غير الآباء كالأخ الأكبرء أو العم أو الم على أن يقوموا بذات الدور 
الذي يقوم به الأب في نظام الأسرة الآبوية وهو أن يكون حسب تعبير ولهلم 


10 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


رايخ «الرمز الحيّ للدولة السلطويةء والمجتمع السلطوي داخل العائلة؛ وأن 
تكون الأسرة القائم عليها كمعمل للأيديولوجية السلطوية والبنى الذهنية 
المحافظة» . 

ويمكن القول: إن الجذور الحقيقة لرمز الأبوة يبدأ توغلها في العمل 
المسرحي منذ مسرحيات صقر الرشود» وخاصة في مسرحيتيه «المخلب 
الكبير» و«الحاجز» فقد كان الأب «بو خليفة» والابن الأكبر, «خليفة» يتبادلان 
التعبير عن رمز الأبوة. ويخلقان عالما درامياء قائما على أساس الانقسام 
بين من يقوم بدور الرب في الأسرةء ومن يقوم بدور الخاضع المسلوب 
الإرادة. أما فى مسرحية «الحاجز». فإن الأب «حمود العود» يجاهر أكثر 
من مراع هن مكانة الجماعة؛ وليس عن مكانته الفردية أمام التشكيك 
القوي من الأبناء في التقاليد القبلية للأسرة. 

والدبؤو السايق الأب فى رة والتعاس يهن لاما باهرا فى 
مسرحية وضشا بالطرشة تهات عرس ةد عمل الأب علق كع الحرية 
في بيتهء فحرّم على الزوجة والأخت والأبناء أبسط التصرفات التلقائية, 
معتمدا على أيديولوجية قهرية تطابق الأيديولوجية التي يؤسس النظام 
السياسي عليها بنيته فهو يقول: «الحيرّية حريتي آنه وبس.. حرية هالكوخ 
(مشيرا إلى رأسه) الشية اللي يصلَّحَ ي يصلّحَ لكّم.. يا لله عاد.. يا لله.. 
بيتّي وعيالي آنه مسؤول عَنْهُمَ.. عاداتنا وتقاليدنا آنه المسؤول فيهاء . 

وقد دفع الكاتب وجه التطابق بين الآب والسلطة السياسية إلى الخروج 
عن المواربة» والظهور في مواقف درامية تتوازى حركتها-مباشرة-مع حتمية 
ما يحدث في الواقع. فقد تنازل الأب بعد مواجهة ضغوط الأسرة عن 
سلطته» ورضي بالحل الديمقراطي» ولكن هذا الحل قاد الأسرة إلى التحللء 
وإطلاق حرية الغرائز. ومن ثم ضل الجيل الجديد طريقه إلى الحرية, 
وجاء الأب في خاتمة المسرحية ليذكرهم بأن للحرية قيودهاء فكما لا 
ااه في تأسيس دعائم الحكم, لا تصلح الحرية المطلقة لتأسيس 
هذه الدعائم أيضا. وبذا فقد أدان الكاتب المجتمع المحافظء والمجتمع 
المتحرر على السواءء واعتبر الطريقين ضياعاء وهدرا لإمكانات الأجيال؛ 
وطاقتها متخذا من جيل الآباء رمزا للسلطة القهرية «المستعيدة» ومن جيل 
الأبناء رمزا لرخاوة المجتمع؛ ولغرائزه البشرية المطلقة. 


201 


ولما كانت المسرحية تدين أيديولوجية الأبناء بفظاظة لا هوادة فيهاء فإن 
خاتمة المسرحية المفتوحة لم تخل من الإيحاء بحتمية العودة إلى أيديولوجية 
الأب. خاصة إذا أدركنا بأن هذا الأب «بو مجرن» هو الذي أشهر بندقيته 
في نهاية المسرحية؛ وأوقف انحلال الأبناء بعنف» وحسم ظاهرين وكان 
الكاتب يوحي لنا في ذلك» بأن الخيار الديمقراطي الذي اتجهت إليه الكويت 
لم يكن من العقلانية بحيث يقضي على أيديولوجية الأب. فالمجتمع لا يزال 
يسلّم بالدور الأيديولوجي المحافظ للأب. ولا تزال التغيرات المحدودة؛ التي 
تطرأ على النظام السياسيء لا تنبئ بزواله على الإطلاق. 

ومن بين مسرحيات عبد العزيز السريّع يمكن اعتبار مسرحية «فلوس 
ونفوس» المسرحية الأكثر إرهافاء وتكثيفا لرمز الآبوة القهرية. ذلك أن 
اضطهاد الأب لم يقتصر على تنكره للزوجة؛ التي احتضنته بحنانها في 
أيام الفقرء وإنما انتقل هذا الاضطهاد إلى الأبناءء وتوزع عليهم حسب 
موقفهم من سلطته الأبوية الفظّة. فالأب يتذرع بشرعية الطلاق ودوره 
كزوج لتطبيق أحكامه القهرية؛ وهذه الشرعية ذات الصبغة الدينية الكابحة 
لن تحول دون ارتفاع صوت الحوار معها على لسان «سالم» حين يقول لأبيه: 

وق ها سكت ابی آنه مع شی مستعد لكل شي :+ سالك 
وفهمت کل شيء.. ماكو اف كُوّة تقّدَرٌ تطلّعنا من بيتنا.. بدا . 

وساف جانب له دلالته الخاصة في هة ا ده ا د 
الاجتماعي. الذي يشكل رمز الأبوة القهريةء وهو أن هذا الرمز أداة استنكار 
حادة يشن الكاتب بها هجومه العنيف» وتحامله الشديد على الجوانب المدمّرة 
في التغيّر الاقتصادي. فقد تراجع الإنسان المثابر في أعماق هذا الأب. 
ودخل في تيار الاستبرار لتقاليد السلطة؛ وتحول الأب الساخط على المجتمع 
قبل مجيء «التثمين» إلى ذلك الأب المتماهي في قوانين الدولة بعد مجيئه. 
هذا ما تكد كا نان رمز الأبوة القهرية كرين الطبيعة النظام السياسيء 
ورديف لهء وطالما كانت سلسلة التغيرات الاقتصاديةء تجري في صالح 
النظام السائد لمجتمعات الخليج العربيةء فإنها لا يمكن بحال أن تؤدي إلى 
اضمحلال السلطة الأبويةء وإنما قد تؤدي بها إلى الاشتدادء والضراوة في 
تطبيق الأحكام القهرية على الأبناء. ا 

ونجد صدى واضحا لذات الرؤية السابقة في مسرحية «أم الزين» © 


205 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


لعبد الرحمن المناعي» فهي ترصد التحول الاجتماعي والاقتصادي من 
مرحلة الاعتماد على البحر إلى مرحلة الاعتماد على النفطء وتقدم لنا 
خليطا من الشخصيات؛ بعضها ينظر إلى الماضي بحسرة وشوق» وبعضها 
ينظر إليه بازدراء. وبعضها يقبع في حيرة تمزقهء وتجعله منقسما بين 
صفاء الماضىء» وبريق الحاضر. ولو أننا بحثنا عن الحساسية الدرامية فى 
ذه ا لسرا ماف كى دا اليف الفظرية من اة هرات 
وإقنا وجدنا متصادرها کب خرن بانخسية زاح شي اب ابورا 
فهى الشخصية الوحيدة التى لا يمكن تصنيفها بين ذلك الخليط. ذلك أن 
ااه الجوعرية الت وكيا هذا الأب» تنحصر في اقتران تمثيلية للسلطة 
الأبوية مع التغير الاقتصاديء وظهور النفطء فبعد أن كان أبا يحتضن 
«حمد» و«شريفة» ويعاملهما كابنيه «راشد» و«أم الزين» يتحول إلى عامل 
من العوامل الكابحة؛ والمضطهدة للعواطف البريئة. فقد وضع شروطا باهظة 
أمام «حمد» تحول دون زواجه من «أم الزين» وحين ثابر «حمد» على تحقيق 
شروط الأب غدر بهء ووجده يزوج «أم الزين» من رجل مسن» وثري. 

إن أغلب المسرحيات التي تسجل حركة التغير الاقتصادي في مجتمع 
الخليج العربي تجعل الأب نموذجا ومثلا أعلى للسلطة السائدة: وكأن التغير 
لم يكن سوى انتصار للأنظمة السياسية التقليديةء وتحويلا أساسيا في 
هيكلها من تلك البنية الهشة التي كانت عليها قبل التغيرء إلى بنية أكثر قوة 
و ا ا كان و ال رمن السريحياك الهزلية ای ت من 
الجذور الرثة للآباء قبل النفط, والمكانة الراسخة لهم بعد ظهور النفطء. 
سواء عند محمد النشميء أو عند حسين الصالح الحدادء أو عند صالح 
موسىء أو عند غيرهم من كتاب المسرحية في الكويت والبحرين. 

ولكن ثمة غارق جوهري بين الأعمال المسرحية التي تجعل من التجسيد 
الدرامي للآباء تجسيدا للحوار مع المثل الأعلى للسلطة أو الدولةء وبين تلك 
المسرحيات الهزلية التي عرضنا لها فيما مضى. وهو أن الحوار بين الآباءء 
والأبناء في المسرحيات الهزلية ذو نزعة إصلاحية؛ وأهداف سليمة: فمهما 
بالعدث التغيرانغيين الآف اة كان خبال الولح ووساظليا كفيلة اما 
الصواب للآباءء وانتزاع الثأر للأبناء. أما حين تكون مسرحة الآباء نموذجا 
للحوار مع النظام السياسي فإن العمل المسرحي يكتسب نزعة أكثر صدامية 


200 


مسرحه الاباء 
مع الواقع؛ ويرتبط بأهداف أكثر ثورية؛ بل إنه يستصحب معه في هذه 
الحالة مقولات شتى» تستهدف المعالجة الشاملة» وتبحث عن الحلول المطلوبة. 
وسنحاول القيام بدراسة تنويعات هذه النزعة المصطدمة مع الواقع. الذي 
تسيطر عليه أشكال السلطة القهرية في ثلاثة أعمال مسرحيةء وهي «الوكيل» 
لسعد الفرج و«ح-ب»لخليفة العريفي و«بيت طيب السمعة» لراشد المعاودة. 
ونعتبر مسرحية «الوكيل» أفصح الأمثلة في سياق البحث عن نماذج 
السلطة الأبوية. وأعمقها دلالة. وإصابة للجوهر الدرامي في رمز الأبوة, 
إنها بالنسبة لكاتبها «سعد الفرج» لا تستخلص منه بداية عهده بالتجربة 
المسرحية؛ وإنما تنتزع من تجربته مع المسرح جماع ما فيها من خصائص 
درامية. وجدت مرتعها الخصب في أفكار الكاتب الديمقراطية-الليبرالية, 
فهذه المسرحية هي آخر ما قدمه الكاتب لخشبة المسرح تأليفاء قد تزداد 
فيها القوى الدرامية الهزلية بالقياس إلى مسرحية «عشت وشفت» أو 
مسرحية «الكويت سنة 2000» ولكنها أبدا-لا تؤدي إلى اضمحلال نزعته 
العقلانية التي عرفناه بها في جميع ما كتب للمسرح. بل إن القوى الهزلية 
ربما دفعت بالكاتب في هذه المسرحية إلى مزيد من الازدراء للسلطة القهرية 
في المجتمعء لأن هذه القوى من شأنها أن تخلخل الوجود الجاد لمسوّغات 
النظام القهري» وتجعله عرضة للافتضاح. وتجسئده عارياء رغم طلاء 
الشرعية: وثيابها المزركشة:؛ التي يتظاهر بها . 
يتلاشى في هذه المسرحية ذلك العالم الواقعي الصلد» بتفاصيله الشديدة 
الوضوح» التي كنا نلمسها في مسرحيات سعد الفرج السابقةء وخاصة في 
مسرحية «عشت وشفت». فقد كانت تلك التفاصيل الطبيعية مألوفةء ولها 
ضرورتها الفنية أيضاء ما دامت تمثل سبيكة للعالم الدرامي» ذلك أن رفض 
«بو فلاح» للتطور قائم على اشتباك حياته بوشائج رومانسية مع الأرض 
والماضيء والبيت القديم» أما «علاوي» في مسرحية «الكويت سنة 2000» 
فقد كان مذعورا من المستقبلء لأنه فس كن الحياة الراهنة المعتمدة على 
الاستهلاك؛ واللاانتاجية تفاصيل مغذية لذعره» وتعارضه مع نظام الأسرة 
الأبوية. أما في مسرحية «الوكيل» فإن العلاقة بين الشخصية والوسط 
الطبيعي تنحلء لأن الخطة الدرامية لا تستهدفها على الإطلاق؛ وإنما 
تستهدف تغذية العلاقة بين الشخصيات النموذجية بعضها مع بعض» من 





207 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


خلال فعل الاضطهادء أو التسلط القهري. ولذا كان الكاتب في هذه المسرحية 
في غنى عن تفاصيل الواقع الملموس. 

ولا كان فعل الاضطهادء والتسلط يفترض تجاذب الحركة الدرامية في 
اتجاهين رئيسين. الأول هو اتجاه الفاعلء أو القائم بالعدوانيةء والثاني هو 
اتجاه الضحية أو الواقع في العدوان.. فإن التخطيط الدرامي لمسرحية 
«الوكيل» يجري على منوال حركة ذلك الفعل» مفسحا المجال لنزوح رؤية 
الكاتب حول مفهوم السلطة السائد في مجتمعات الخليج العربية. وقد 
جعل سعد الفرج الأرضية الدرامية؛ والطبيعية المستقطبة لأداء هذا الفعل 
مبنية على هيكل أسري قريب الصلة من الهيكل الذي تقوم عليه أسرة 
الوصاية. ولا يخفى علينا أن التركيب الاجتماعي الذي يقوم عليه هذا 
النموذج للأسرة إنما هو رمز موضوعيء يعكس ذات التركيبة الاجتماعية 
التي تؤسس بنية النظام السياسي» ففي أسرة الوصاية يكون الأعضاء 
أوصياء على اسمهاء وأملاكهاء ونسبها ومكانتها. ومن ثم كان لا بد من 
وجود سلطة كبيرة على الأفراد يستمدها الزوجء أو الأب من كون هذه 
السلطة «قوة منبعثة من دوره كوصيّ على الأسرة: ومن تحمله مسؤوليتهاء 
وتنظيم الأسرة في عشائر لتكون الدولة في نهاية الأمر7. 

ولا تغرب مصادر السلطة السياسية التقليدية في مجتمع الخليج العربيء 
عن ذلك الشكل القريب الصلة من الصورة البدائية لأسرة الوصايةء التي 
تقوم مسرحية «الوكيل» بتجسيدها على المسرح. 

ويتمثل النموذج السابق للأسرة في وجود شخصيات نموذجية متعددة 
يقوم الجد بوظيفة الحاكم: أو القائم بدور الوصي الأعلى عليها جميعاء 
ويطلق الكاتب على هذه الوظيفة اسم «الوكيل» كما يظهر ممارستها على 
المسرح» بصورة توحي بالبدائية القائمة على القمع والسيطرة: الأمر الذي 
يفسح له المجال للتوغل في كثير من المشاهد, والمواقف الهزلية. ولن تعنينا 
متابعة الوسائل المسرحية التي اتبعها الكاتب في مثل هذه المواقف. وإنما 
تعنينا متابعة ملامح الانقسام الدرامي» التي يقتضيها وجود فعل الاضطهاد 
بوجود السلطة الأبوية الغاشمة في هذه المسرحية. 

يتجلى: الانقسام الدرامي في وجود رد فعل الاضطهاد الذي يتمثل في 
«مساعد» وأمّه. وابنة عمه «أمل» وصاحبهم «صالح.» ورغم الجمود الذي 


208 


يوحي به تصنيف الشخصيات المسرحية إلى مجموعة مضطهدة (بكسر 
الهاء) ومجموعة مضطهدة (بفتح الهاء..) إلا أن الكاتب لا يستسلم له طوال 
العرضء ذلك أنه يحرص على تنمية الفعل المسرحي» المنبجس من الاضطهادء 
والشريكه ينيدي ان فى مار اا ات يخا سرا الأول هو 
ارتفاع صوت المجموعة اطي اة بها راان و عاق السب 
التي جمعت بين «مساعد» و«أمل». لا يمكن الفصل بين هذين الدافعينء لآن 
حدث الاضطهاد ينمو من خلال تشابكهما الدقيق. 

لقد قرر العم «بو أمل» أن يزوج ابنته ل «مسلم» من أجل دعم السلطة 
الأبويةء التي يقتسمانها في الأسرةء لكن «أمل» لا ترضخ لخطة والدهاء 
وإنما تعلن حبها ل «مساعد» من ثم تصبح علاقتهما العاطفية بمثابة الخروج 
عن وصاية الأسرة, لأن الأب «بو أمل» لا يسلم بشرعيتهاء كما أن «مساعدا» 
عضو منبوذ داخل الأسرةء سواء من «الجد» أو من «مسلم» أو من «أمل». 
إن مقاومته لاستبداد السلطة الأبوية تلتقي مع مقاومة «أمل» ولذا يرتفع 
صوته ويعرض مشكلته على مجلس العائلةء ولكن شكواه تنقلب عليه ويتحول 
إلى متمرد ينبغي كبته. 

وينمو فعل الاضطهاد بصورة أوضح. عندما يتعاظم رد الفعل من 
«مساعد» ويزداد الصراع بينه وبين «مسلم» الطامع في الزواج من أملء وقد 
حرّك الكاتب شخصية «مسلم» بدقة وبيّن مواقف متشعبة من التحدي 
والمواجهة. فجعلها تقف أمام جميع الشخصيات الأخرى» بتماسك محكم» 
فكانت بذلك عاملا قويا في بعث حركة فعل الاضطهاد» الذي يؤسس عقدة 
المسرحية برمّتها. إن جميع الشخصيات تضطرب أمام أهدافها بينما «مسلم» 
يزداد ثباتاء وجميع الشخصيات يرتد تدبيرها إلى نحره بينما تكون ضربات 
«مسلم» دقيقة الإصابةء وجميع الشخصيات تنمو في خط درامي متعرج» 
بينما تنمو شخصية «مسلم» في خط مستقيم. 

ولم يكن التميز الدرامي الذي ينصب حول شخصية نموذجية شريرة 
ك«مسلم» إلا باعثا على تغذية فعل الاضطهادء وإلهابه بمزيد من التوتر 
الدرامي. بل إن السمات السابقة لهذه الشخصية جعلتها تعبر عن المضمون 
الى ااا اة ا مها تير عه خي الج كد 
أهلته تلك السمات لأن يسحب بساط السلطة من تحت أقدام الجد» ولم 


200 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


يجعل بينه وبين ذلك أي شيءء. فهو يخدع العم بو أمل؛ ويوقعه في حبائل 
كذبه»ء وحيله. ويجعله خاتما في إصبعه. ثم يستدير للجد» ويجابهه بسلوك 
انتهازي فج يؤدي به إلى التنازل شيئًا فشيئًا عن سلطاته ل «مسلم». ويستدير 
لأمل فيرضخها على الزواج منهء كي يذلهاء ويستلب إرادتها الحرة؛ ويضطهد 
عواطفها البريئة نحو «مساعد». ويبقى الكاتب «مساعد» قوق أرضية الصراع 
رغم هجمة «مسلم» عليه لا ليدل على إيمانه بالثورة» وضرورة التخطيط 
للقضاء على السلطة القهرية فحسبء وإنما ليكون رمزا لبقاء فعل الاضطهاد: 
واستمرار عوامله في البنية الاجتماعية. وليس أبلغ في التعبير عن هذه 
الوضعية المستمرة من تلك المشاهد التي يتنازل فيها الجد عن سلطاتهء 
ويقدمها ل «مسلم» قائلا : 

«الرَاي رَائِكَ يا تلم والقُولٌ قُولّكَ؛ ويشَهَدَ الله يا صلم إنّ من اليوم 
ورايح آنة صَسَلّمَكَ الخيط.. وانت فَصّلٌ وإحنا نلبس..» . وبينما يتقلد 
«مسلم» مكانته الجديدة في الأسرةء ويردد الجميع النشيد تمجيدا في 
الجد, تبدأ الإضاءة في التلاشي» فلا يبقى منها إلا خيط من النور يسلط 
على بابك واج هماعد الى كف عليه ااي 

إن أعمق ما تدلّ عليه البنية الدرامية في مسرحية «الوكيل» هو تداخلها 
العضوي الدقيق مع مغزاها السوسيولوجيء فلم يكن بالإمكان إعادة رسم 
خطتها الدرامية إلا من خلال معرفة جوهرها الدقيقء وهو الكشف عن 
الطبيعة الدرامية الكامنة في أيديولوجية السلطة الأبوية التقليدية . ورغم 
ما توحي به هذه المهمّة من إخلاص للواقع؛ ورضوخ لما هو كائن؛ فإن القالب 
الذي مزج العناصر الهزلية مع العناصر الجادة؛ والحركة الخارجية 
للشخصيات (نمطيتها) مع الحركة الداخلية (همومها الذاتية)؛ لا يمكن إلا 
أن يشرخ جدار الواقع الكائن» ويقتحم القشرة الطبيعيةء ذلك أن الكاتب 
ينطلق من ازدراء النظام الاجتماعي المغلقء الذي رمز إليه بالسلطة الأبوية, 
ويسلّم بضرورة تعريته؛ وإزالة ثياب اللاشرعية عن جسده» ومن ثم فقد 
ربط وجود ذلك النظام بالاتجاه الفاعل للاضطهاد وجعله نابعا من المثل 
الأعلى البدائي لأسرة الوصاية لكي يبشر بانهياره» وتفككه في المستقبلء 
كما أنه ألهب فعل الاضطهادء من أجل أن تنمو المعارضة فى قلب البنية 
الامناعية اة وأخيرا فإن توزيع العناصن الهزلية والعتاضر التجادة 


270 


بين شخصياته المسرحية ينطوي على إحدى دلالات التعارض بين الكاتب 
والواقع السائد للنظام السياسي» ذلك أنه اتخذ من أساليب المهزلة وسيلة 
يبني بها رموز النظام القهري في الآسرة؛ فالجد والعم و«مسلم» وجميع من 
يقف في موالاتهم» يتحركون في جو مشبع بالهزل» أما العناصر الجادة فقد 
كانت وسيلة بنائه لشخصيات «مساعد» أمه وابنة عمه. ولا شك في أن 
توزيع عناصر القالب الدرامي على هذا النحو يطبع رؤية الكاتب بالانحياز 
إلى النماذج العقلانية الجادة والتحقير لنماذج المنطق المحافظ الهش. 

وبينما تستخدم «الوكيل» قالب المسرحية التي جمعت جمعا محكما بين 
العنصر الهازل والعنصر الجاد؛ مستهدفةء رؤيتها النقدية الواضحة للواقع 
نجد مسرحية «حدب» لخليفة العريفي تسلك خطة متنافرة: لبنية الفعل 
المسرحي» وحركة الشخصية؛ فهي تبدأ مشدودة نحو صياغة القالب المحكم, 
وتنتهي إلى خليط من التفاصيل النفسية؛ وتبدأ من ناحية أخرى-مسترسلة 
مع أجواء الكوميديا الهزليةء ولكنها سرعان ما تحل هذه الأجواءء لتأخذنا 

وطالما لم يصدر ذلك التنافر عن خطة درامية مدروسة فإنه لا بد من أن 
يلحق بالعمل المسرحي جانبا مصطنعا . لقد خلّف الأب في هذه المسرحية 
وصيّة بعد موته تقضي بتوزيع التركة لجميع من في البيت من أبنائه ومن 
العاملين في خدمتهء ولكن الأخوة الثلاثة «حسن» و«إبراهيم» و«عبد الله» 
لم ترضهم هذه الطريقة في توزيع الثروة. فأقروا العزم على الاستئثار 
بالثروة» فأبعدوا عن طريقهم أختهم «مريم»» والأسرة الفقيرة التي تعمل 
في خدمتهم» والمكونة من «بدرية» وآخيهاء وأبيها. ولا تمضي المسرحية 
بعد ذلك مع الخطة الدرامية المدفوعة بفعل الوصية؛ والصراع حول الثروة 
وإنما تندفع بلا هوادة نحو شخصية «حسن» الآخ الآكبر لتكشف من خلاله 
مواقف بالغة الحدة لفعل الاضطهاد . فقد أصابت «حسن» حالة ذهانية 
شديدة: جعلته يمارس القسوة على جميع من حوله؛ ولم يتورع عن قتل أخته 
و «سعد» الخادم» وتهديد أخوته جميعا بالقتل؛ إن وقفوا في طريق استيلائه 
على الثروة. أو اعترضوا على أسلوبه القهري المتحكم في البيت. 

ولا نشك في أن القضية الأسانبية القن دكت افو الكاقب هى المبراع 
على الثروة. وبعث التناقض بين نزعات الشرء التي جعل نموذجها الأعلى 


27١ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


متمثلا في شخصية «حسن» ونزعات الخيرء التي يتمثل نموذجها الأعلى 
في شخصية «بدرية» أو بعث التناقض بين المثل الأعلى للسلطة القهرية 
المالكة (حسن) وبين المثل الأعلى للانسان المقهور (بدرية) . ومن ثم فقد رمز 
الكاتب لأوجه التناقض بين هاتين الشخصيتين النموذجيتين بحرفي ح-ب؛: 
وأطلقهما عنوانا للمسرحية” . وطالما أن «حسنا» هو الشرير فى هذه 
المسرحية فإنه هو الشخصية الفاعلة للاضطهاد كسابقه ا في 
مسرحية «الوكيل». وفوق ذلك فهو الشخصية الناميةء رغم التصاقه بصفة 
أخلاقية جاهزة. وآية نموه تطوّر فعل الاضطهاد من خلال حركته الداخلية, 
بحيث أنه بات الشخصية الوحيدة القابلة لاستقطاب رمز الأبوة القهرية, 
من خلال هيمنته على البيت» واستئثاره بالثروة. 

وما دمنا نرى في «حسن» شخصية نموذجيةء تمثل نبضا دراميا حقيقيا 
لفعل الاضطهاد في مسرحية (ح-ب) فإن من الجائز لنا ألا نعوّل على 
استرسال الكاتب مع المواقف الهزلية؛ أو نحوها من الاستطرادات» التي لم 
تكن تصب في أعماق فعل الاضطهاد . ذلك أنها أمام وضوح شخصية 
«حسن»» وأحكام حركتها الداخليةء تمثل جزءا مصطنعا في القالب الدرامي 
بآسره. وما يدفعنا إلى مثل هذا التفتيت؛ والعزل بين حدود التنافر. هو 
رغبتنا في استخلاص القيمة الدرامية الأساسية في فعل الاضطهاد المقترن 
بحركة الشخصية النموذجية الوحيدة وهي «حسن». 

إن الخاصية الدرامية الجديدة التي متضعبها شخصية بحسو هد 
تجسيدها للاضطهاد من خلال التفاصيل النفسية؛ فقد أصبحت هذه 
الشخصية رمزا للاضطهاد المتفاقم. لا من خلال مكانتها الطبيعية في 
النظام الاجتماعيء وإنما من خلال دخولها في حالة نفسية شاذة 
(شافزرونيا). أو انفصام الشخصية:؛ بحيث أنها تقوم بتمثيل فعل الاضطهاد 
تمثيلا أيديولوجياء يتصف بالديمومة والحتمية. فتتقمص شخصيات 
تاريخيةء تعد رموزا لهذا الفعلء مثل «نيرون» و «هارون الرشيد» و «الحاكم 
بأمر الله». ثم تمارس الاضطهاد بارتداء ثياب هذه الشخصياتء ليتحرك 
من خلالها في شكل سيناريو تمثيلي؛ يجسد أحلامها اليقظة؛ التي تمثل 
الشكل الواعي لحالتها الذهانية-العصابية. ونعتقد أن التجسيد السيكولوجي 
لفعل الاضطهاد في هذه المسرحيةء يبرز لنا أكثر من جانب. فهو يهتم 


212 


بالحركة الداخلية للاتجاه الفاعل في عملية الاضطهاد؛ أو القهر دون العلاقة 
التي تربطه بالاتجاه الثاني في هذه العملية وهو الضحية أو المضطّهد 
المقهور. واهتمامها بذلك يجعل مخاطبتها لأيديولوجية النظام المتسلط 
أكثر حدة ووضوحاء مما كان عليه الحال في مسرحية «الوكيل». 

وإذا ا دراب کاک وک 
من خلال عركنا السايق لسرحية (حضيع: وغم أنها العمل الشرحي الوحيد 
لخليفة العريفي 'ء فإننا نجيز لأنفسنا الإطلال على مسرحيتي «بيت 
طيب السمعة» و «مالان وانكسر» لراشد المعاودة رغم ضعف بنائهما الدراميء 
وتمثيلهما لبدايات الكاتب مع المسرح: من أجل نفس الفاية التي نسعى 
إليهاء وهي البحث عن القسمات المتميزة في مسرحة نماذج التسلطء والقهر 
التي يدل عليها الهيكل الاجتماعي التقليدي للأسرة. 

تشترك المسرحيتان السابقتان في تعبيرهما عن معنى متجانس لفعل 
التسلط والاضطهادء وهو المعنى الذي نستمده من تسلط التقاليد البدائية 
الجامدة. واضطهادها للفكر الفردي» ومنها-من ثم-للموقف النقدي من 
ظواهر التخلف في هياكل المجتمع وأنظمته. ورغم أن المسرحية الأولى 
«بيت طيب السمعة» ١!‏ تسقط رمز الأبوة على شخصية الأم في الأسرة, 
إلا أنها تدمج شخصية الأب وراء تصرفات الأم وسلوكهاء بحيث تجعلهما 
يمثلان سلطة تقليديةء تضطهد التحرك الفردي لأبنائهما. فالأم تؤمن 
بطقوس الزارء وتدعي القدرة على معالجة المرض عن طريق الحفلات 
والنذورء ونحو ذلك من الممارسات اللاعقلانية, والأب» يقف معهاء بينما 
يقف الأبناء مواقف متبايثة تكشف عن عمق ردود فعل «السلظ»:ومقداق 
الاضطهاد العقلي الذي تسببه لهم الأم. «صالح» المثقف المثالي يجد نفسه 
عاجزاء أمام سلطة الآم والآب» فيتركهما وشأنهماء هاربا نحو العزلة وشرب 
الخمر. و«أحمد» متمرد يدعو إلى إصلاح الوضع السائد في الأسرة. وتوعية 
الأهالي. كي يكشفوا كذب أمه؛ وخداعهاء ولكنه-مع ذلك-يضعف أمام نفوذهاء 
ويختار السكينة. و«أمينة» تنفرد بموقف أكثر لجلجة؛ وخطابيةء ويشاركها 
في ذلك أخوها «عبد الله» إنها تدعو إلى تغيير» يقضي على سلطة أمّهاء 
ويجتث جذور التخلف» وتجاهر بذلك قائلة: «لو كان فِي يَدِيّ ستُلّطّة جانَ 
قتلتّها مِنْ زمان». 


273 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ولا شك في أن التصنيف المنمّط لمواقف الأبناء السابقةء لا يضيف شيئًا 
للمسرحية؛ بقدر ما يؤدي بحركتها إلى النضوبء ويقود شخصياتها إلى 
الجمودء وآية ذلك» أن جميع شخصيات المسرحية تنتهي عند ذات النقطة 
التي تبدأ بهاء حتى لكأن مواقفها السابقة قد فرضت عليها من الخارج: 
لأنها لم تحرك شيئًا-ولو يسيرا-في عالمها الداخلي» فالأم تظل في خاتمة 
المسرحية سادرة في اضطهادها العقلي؛ لأبنائهاء لأن الجميع رفض بذعر 
شديد فكرة التخلص منهاء بأي شكل من أشكال العنفء بل إن «أمينة» التي 
تمت الموت لأمها هي أكثر من تطامن لحالة الذعر السابقة. فسقطت 
لهجتها الثائرة في هوّة عميقة من الصمت والاندحار. 

إن الجانب اليقظ في مسرحية «بيت طيب السمعة» هو مخاطبتها 
للاسطهان الملا ريقو محاويتها الباتسية فى ربقل الفخلف بالسلطة الدهرية 
للنظام الاجتماعيء وإذا تغاضينا عما بها من ركاكة؛ وخطابية جوفاءء سنجد 
أنفسنا أمام موقفها النقدي الذي شثت من خلاله تحملها الهجائي المقذع: 
سواء نحو الاضطهاد النابع من الوسط الاجتماعي المتخلفء أو نحو رد 
الفعل المثالي لفعل الاضطهاد . ولم يستطع راشد المعاودة في مسرحيته 
الثانية «مالان وانكسر "إلا أن يطوّر ذلك الموقف الناقد للاضطهاد العقلى. 
فو وط رمز الأبوة إلا على الشخصية الى فين هن الظافة الرتافيكية 
لهذا الرمزء وهو الأب «بو يوسف». ومن ثم كان أكثر قدرة على خلق شخصية 
نموذجية متماسكة: لا تلتصق بها صفة الاضطهادء إلا من أجل نموّهاء 
وتحريكها على خشبة المسرح. 

ورغم إخلاص الكاتب في هذه المسرحية للقالب الهزلي المسالم لفعل 
الاضطهاد. فإن الخطة الدرامية ترسم شخصية الأب بأخلاق غير متحجرة, 
لآنها تخضعه لامتحان مرهق من قبل الأبناء يؤدي إلى تهديد سلطتهء 
والتنبؤ لها بالتدهورء والانهزام. لقد فرض «بو يوسف» سلطة تقليدية متجافية 
مع من في البيت إلى حد بلوغ الفعل الحقيقي للاضطهاد. فهو يشهر هذه 
السلطة بقوله. «ما أحد له كلمه في ها البيت غير كلمتي..» ثم يحيل هذا 
القول إلى تطبيق عملي فيجعل أسرته في عزلة تامة عن الاختلاط بمظاهر 
المجتمع المتمدنء بحجة المحافظة على الشرف, والتمسك بالدين. 

وقد مضت أساليب المهزلة في هذه المسرحية نحو تأليب كل القوى ضد 


2741 


سلطة الأب التقليدية؛ بكل ما تستدعيه من أشكال الزجر والإكراه. رغم أن 
أحدا في البيت لم يستطع الإفلات من قبضة الأب «بو يوسف». وعندما 
أراد الكاتب أن يوجه ضربة مباشرة إلى هذا الأب لم يجد وسيلة تلائم 
شخصيته الفجّة سوى حيلة المهزلةء فقد تمكن الابن المضطهد «يوسف» من 
الإيقاع بالآب» بآن أوهمه بوجود بعض الأرواح الشريرة في البيت» وأنه-أي 
الأب-لا يراها كما يراها جميع من في البيت» ثم ما لبث أن أقنعه بضرورة 
السفر للعلاج من حالته اليائسة. ومن ثم انفتحت الأسرة المغلقة بعد سفر 
الأب» وبدأ «يوسف» يخطط لمستقبل أختيه «فاطمة» و«علية». فيشرع في 
تزويجهما ممن تحبان» وما أن تعد الأسرة عدتها لزفاف البنتين حتى يهبط 
الأب عليهم غاضباء بعد أن اكتشف اللعبة التى دبرها «يوسف» فيطرد 
ابنهء ويهم يتطليق زوجت ويناوق ترضية «قاطنة».ووعليه» شتقبلان علية: 
ولكنهما تضمران له الحيلة في الإبقاء على علاقتهما بخطيبهما. 

إن «بو يوسف» شخصية نموذجية لرمز الأبوةء لم يحل دون صياغتها 
الدرامية-الطبيعية كونها تجول في وسط هزلي مشبع بالحيل» وسوء الفهم؛ 
بل إن صلابة بناء هذه الشخصية؛ وفجاجة أفكارها المستمدة من التقاليد 
البدائية-القهرية في الأسرة مصدر قوي لتماسك جميع الشخصيات الأخرى 
وبؤرة ضابطة لحركتها أيضا. ولا يمكن مقارنة الصيغة الدرامية المحكمة 
لهذه الشخصيةء بصيغة الأم في مسرحية «بيت طيب السمعة» التي أسقط 
عليها الكاتب رمز الأبوة» فالدور الذي أقحم على شخصية الأم باعد بينها 
وبين رسوخ صيغتهاء أو إظهارها في تجسيد نموذجي حي؛ ولعل ذلك» يؤكد 
لنا أن مسرحية رمز الأبوة لم تصب أهدافها الدرامية المتأصلة في الحركة 
المسرحية إلا من خلال استقاء هذا الرمز من الوجود الطبيعي. لشخصية 
الأب قى ية التظاة الايشاعى كالأسترة: ا 

لقد أوغلت الحركة المسرحية في الخليج العربي في اهتمامها برمز 
الأبوة من أجل مواجهة أشكال التخلف الاجتماعيء التي يرثها المجتمع 
التقليدي عادة بعد ازدياد ضربات التغيرء والتهاب حركتها بالموجات العقلانية, 
ومن ثم باتت شخصية الأب ذات وجود دينامئٌ في مخيّلة كتاب المسرحية. 
ولعل الجانب الذي نستخلصه من سيطرة دور الأب على المسرح» لا يكمن 
في تعبيره عن تاريخ الموضوعات الاجتماعية: التي وضعها الكاتب على 


275 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


خشبة المسرح» وإنما يكمن في قيامه بدور الطاقة الدرامية المتفتحة؛ التي 
استطاعت أن تضع في مأدبة الكاتب المسرحي عنصرا مغذيا هاماء لا غنى 
عنه من أجل تحقيق وجوده الذاتي» والموضوعي في الحياةء وهو ذلك المقدار 
من حريّة التعبير التلقائي عن المعارضة العقلانية لكوابح السلطة القهرية, 
التي تقف وراء الكثير من أشكال التخلف الاجتماعي في مجتمع الخليج 
العربي. 

الأب الذي حاولنا استقصاء صياغته الدرامية على المسرح إنما هو 
نموذج فني» يستهدف التجسيد لما في رمز هذه الشخصية من كثافة شعورية: 
وغير شعوريةء رستبتها حركة المجتمع ثم تمثلتها الحركة المسرحية في شكل 
حساسية درامية متميزةء ولا نعني بذلك أن الدور الذي يلعبه رمز الأبوة 
على المسرح سمة خاصة بالحركة المسرحية في الخليج العربيء قطاما 
يتمتع الأب في أي مجتمع من المجتمعات بسلطة قوية غير مهددة بالتدهور, 
فإنه لا بد من أن ينتزع وجودا ظاهرا من أعماق تراث المجتمع الثقافي, 
وخاصة في المسرح والأدب الشعبي. إننا نراه يلعب دورا رئيسا في المسرح 
الغربي. كما يقول بيير آجييه توشار-من المآسي الإغريقية حتى مسرحيات 
نهاية القرن العشرين. «وقد خلف لنا الإغريق في انتيجونا والكتراء وأوريست 
أكثر الأنماط تأثيرا عليناء أنماط للحب البنوي» والخضوع للأب» حتى لو 
كان الأب ساقطا». 7')وتظل هذه الأنماط ذات سيادة ممتدة فى كثير من 
الحركات السريدية وخصوصا قي الوطن الغربي؛ التي تزدهر فيه شكرة 
أن الأب هو رب العائلة. ورمزها الحي في المجتمع. 

وأيا ما كان الأمرء فإن أنماط الأبوة التي تصوغها الجهود المسرحية في 
الخليج العربيء لا يمكن إلا أن تكون ذات دلالة عميقةء على مدى ا 
توظيف رمز الأبوة باعتباره طاقة درامية متفتحةء تجعل المسرح في مقدمة 
الحركات التي تخوض برزخا مظلما من الصراع مع السلطة القهرية في 
المجتمع؛ وإذا كنا سنعتبر مقياس وجود مثل هذه الطاقة الدرامية فيما 
تخآفه من خلود لنماذج الأبوة فوق خشبة المسرح فإننا لا نذكر من الأعمال 
المسرحية التي مضت في مسرحة تلك النماذج إلا الشخصيات التي لعبت 
دور الأب» وصاغت أبعاده الموغلة في هيكل النظام الاجتماعي» بتماسك 
محكم. هذه الشخصيات هي: «حمود العود» في مسرحية «الحاجز» لصقر 


270 


الرشودء و «الأب» في مسرحية «فلوس و نفوس» لعبد العزيز السريّع؛ و 
«مسلم» في مسرحية «الوكيل» لسعد الفرج» و«حسن» في مسرحية «ح-ب» 
لخليفة العريفي» و «يوسف» في مسرحية «مالان وانكسر» لراشد المعاودة 
وبو راشد في أم الزين لعبد الرحمن المناعي ونحوها من الشخصيات 
النموذجية الحية. 

وأكثر ما يتميز به هؤلاء الآباء وقوعهم في بؤرة الكثافة الدرامية المتخيلة. 
وانحدارهم من صميم الرؤية الواقعية. وقد وجدنا دلائل على ذلك في 
وضوح تلك الشخصيات. وفي نمطيتها غير المتحجرةء وفي نمؤها الدرامي 
المتماسك. وفي استقطابها للحركة وإشعاعها بالرؤية. لجميع من حولهاء 
ولا نشك في أن هذه الملامح المتميزة للآباءء تمثل استبصارا دراميا حيا 
لنموذج السلطة الأبوية في مجتمع الخليج العربي المعاصرء لأنها جعلت هذا 
النموذج أرضية درامية يزدهر فيها الحوار بين النظام السياسيء والقوى 
الاجتماعية الناهضة, كما تنمو فيها الطاقة التعبيرية لشخصية الأب فوق 
خشبة المسرح. 


277 


هطع ة » الو اخدذ» 


لعل ما يمكن التسليم به» أن الطاقة الدرامية 
التي تدل عليها الشخصية النموذجية-الواقعية 
تتنافى مع التحجر والجمودء فكلما دخل النموذج 
على المسرح بين جدران التصنيفات الأخلاقية 
المختزلة. وظل حبيسا في مساحتها الضيقةء بات 
من السب استمراز الطافة الدرامية في أعماقه. 
بل إنه يتحول مع مضي الزمن إلى نموذج مبتوت 
الصلة بحركة المجتمع» تتلاشى منه العناصر 
الديناميكية. ما لم تبعثها. من جديد يد بصيرة 
مبتكرة تعيد إلى النموذج تفتحه»ء وديناميته. 

ونستطيع القول: إن الطاقة الدرامية التي دلت 
عليها شخصية «الآب» لم تنعزل عن دينامية التغير 
في مجتمع الخليج العربي. كما لم تفقد توترها 
الدرامي؛ اللهم إلا في بعض الأعمال المسرحية 
الركيكةء التي لا نستهدف الانشغال بها في هذه 
الدراسة, ولا يعود نمو الحضور الدرامى لشخصية 
نموذجية كالأب إلى التاريخ الزمني القصين الذي 
مرت به الجهود المسرحية في الكويت والبحرين؛ 
وإنما يعود بدرجة أساسية إلى نمو الرغبة الواعية 
في الحوار مع حركة التغير. 

في مجتمع الخليج العربي» وتعاظم أشكال 


210 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


المعارضة لهاء بين طبقات المجتمع؛ وتفاقم ضروب المواجهة لعوامل التخلف 
الاجتماعي. وخصوصا في أوساط الطبقة المتوسطة:, أو البرجوازية الصغيرة, 
سواء كان ذلك الحوار في لهجة ثأر سلمي أو في صيغة تقويض ثوري. 
فالطبقات البرجوازية العليا والمتوسطة والدنيا يزداد نموها مع التطورات 
الاقتصادية لأن حراكها الاجتماعي أوضح وأيسر بكثير من حراك التجمعات 
المغلقة كالطوائف. والنخب الأرستقراطية ومع نمو تلك التطورات تتراكم 
مشاعر السخطء وتتعاظم مظاهر الوعي بالتبخيس في جنبات الطبقة 
البرجوازية, المدنية-الصغيرة, التي تتميّز بنموها الشديد. واتساع قاعدتها 
في مجتمعات الخليج العربي» في تدرك بمزيد من اليقظة أنها أكثر 
المجموعات حرمانا من المشاركة في التغيير الاجتماعي» وأنها أكثر من تقع 
على كاهله تكاليف الحياة المعتمدة على الاستهلاك اللاعقلاني. فكأنها 
تدفع دون غيرها-ثمن التبعية الكاملة للبلدان الرأسمالية. 

وإذا كانت حركة التغير غير المتوازنة أحد عوامل تطور حركة القوى 
الاجتماعية؛ والبلوغ بها مرحلةء تستهدف فيها الأخذ بموقعها التاريخي- 
الطبيعي من حركة التغير الاجتماعيء وإعادة التوازن إلى المجتمع؛ فإنها-أي 
حركة التغير غير المتوازنة-تدفع الحركة المسرحية إلى الانغماس في أشكال 
التفتح العقلاني من الجمود والتخلف. فقد انعكست من خلال المسرح 
صورة جلية لنمو ردود الفعل الواعيةء نحو جميع أساليب التسلط والقهر, 
التي يمكن ممارستهاء وفرضها على حياة الإنسان الاجتماعية والاقتصادية. 
وحتى العاطفية أيضا. ونعتقد أن المظهر البارز لهذا النمو يتمثل لنا ضفي 
إسناد الشكل النموذجى للتسلط إلى شخصية «النوخذة» بدلا من ا 
إلى شخصية «الأب». 

وترتبط شخصية «النوخذة» بذات الأساس العقلي. الذي كان يؤسس 
لقيام شخصية الآب وهو أن تكون نموذجا لتشكيل أفعال السلطة القهرية 
من جانب» وتجسيد أفعال السخط الثوري من جانب آخر. وإذا كانت 
الشخصيتان تشتركان في التعبير عن الكثير من تفاصيل الطاقة الدرامية 
الكامنة فى وجودها الاجتماعى-النموذجى فإن هناك جوانب عديدةء تميز 
شخصية الخد عن ا الأب هتها: 

-١‏ تدل شخصية «النوخذة» على مفهوم أوسع للسلطة القهريةء إنه 


مسرحه «النواخذة» 


وسيلة فعالة لإخراج ذلك المفهوم من دائرة الأسرةء وتخليصه من الصبغة 
الاجتماعية؛ التي ظلت موضوعات الأسرة والزواج» تشيعها حول مفهوم 
السلطة. 

2- تمتاز شخصية «النوخذة» بكونها تنحدر من مكانة اجتماعية قوية: 
وموقع طبقي واضح المعالم: ذلك أن سلطته ترتبط بالسلطة المباشرة على 
قوة الإنتاج» لأنه يمتلك موضوع العملية الإنتاجية غالبا (السفينة) فضلا 
عن أدواتها التي يقوم عمال البحر من «غواويص» و «سيوب» و 
«رضفاء»وغيرهم باستعمالها. ومثل هذه السلطة تجعل شخصية 
«النوخذة» أكثر دلالة على فكرة الانقسام» والصراع الطبقي من شخصية 
الأب. 

3- وبما أن «النوخذة» يسيطر سيطرة كاملة؛ على عملية الإنتاج (صيد 
اللؤلؤ). فإنه يمثل بدون شك الرمز الحي للسلطة السياسية داخل تلك 
العملية الافتمباوية أنه ينكل مقافيمها : ويصوغها في طريقة قيادتهء 
وسلطته على إنتاج البحرء ومن ثم كان أغلب «النواخذة» ينحدرون من أسر 
ذات امتداد قبلي» متحالف مع الأسر الكبرى المتمتعة بالنفوذ والسيطرة. 

4- وتهد شخصية «النوخذة» تمثيلا رئيسا لإحدى المراحل التاريخية 
التي مرت بها مجتمعات الخليج العربي مما يجعل التجسيد النموذجي 
لشخصية «النوخذة» يضعنا مباشرة أمام أحد أشكال استلهام المرحلة 
الاجتماعية الماضيةء ويفجر أمامنا الكثير من شروط استبصار الماضي» 
كيفية استعادته فوق خشبة المسرح. 

إن الملامح السابقة التي تشكل البنية الاجتماعية والنموذجية لشخصية 
«النوخذة» يتضمن التفسير الطبيعي لظاهرة تضرب لها جذورا قوية في 
الكثير من الأعمال المسرحيةء التي قدمت في العقدين السادس والسابع 
من هذا القرنء وهي جعل المثل الأعلى في صياغة الفعل الدرامي» مشتقا 
من النظر إلى الماضيء والتمثيل المطابق للشخصية النموذجية الكائنة في 
تلك المرحلة التاريخية: التي سبقت ظهور الأنشطة الاقتصادية الحديثة, 
وفي محاولة كهذه لاد من التساؤل عن طبيعتها الدرامية. وجوهرها 
الأيديولوجي القائم على استبصارها للماضيء بدلا من انتزاعها للمادة 
الاجتماعية الراهنة ؟ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


نعتقد جازمين أن ربط المثل الأعلى في شخصية نموذجية ك «النوخذة» 
بالمادة التاريخية-الماضية:؛ لا يدل على اتجاه ماضوى» تترسمه الحركة 
المسرحية في أدق المراحل الاجتماعية والتاريخية. حرجا وصعوبةء إنها لا 
تستهدف ا محضا للماضيء ولا تستلهم الحياة الاجتماعية الأولى 
للآباء والأجدادء من أجل بعثهاء أو التعبير عن الشوق إليهاء كما يفعل 
الرومانسيون عادةء بل إن ما تستهدفه الصيغة المسرحية للحياة الاجتماعية 
الماضية هو الطاقة الدرامية الكامنة في أعماق هذه الحياة. تلك الطاقة, 
التي وجد فيها كثير من الكتاب المسرحيين قدرة هائلة على صياغة 
الشخصيات: والأفكار. والقيم صياغة نموذجية شاملةء تمكنهم من التحديق 
في جوهر التناقضات الاجتماعية الراهنةء رغم اعتمادها على مادة 
«الماضي» وتصلهم بحوار متفتح مع رموز السلطة القهرية الراهنةء رغم 
مخاطبتها لما هو نموذجي من كوابح الماضي. 

وليست مهمتنا الاستطراد في تحليل المجتمع التقليدي القديم في مجتمع 
الخليج العربي» وإنما مهمتنا تحديد ما إذا كان خيال كتاب المسرحية قد 
ارتبط بذلك المجتمع القديم من خلال مثل أعلى رومانسيء أو ارتبط بمثل 
أعلى درامى-واقعى. وما ينبغى معرفته لتحديد ذلك هو أن العلاقات 
الاجتاعية كي ال اليه كافك تحددها ملكية مجموعة معينة من 
الأفراد لوسائل الإنتاج في البحرء يكونون عادة من «النواخذة» أو «الطواويش 
«(تجار اللؤْلوٌ) أو نحوهم من التجارء وأرباب الأسر الكبيرة. وقد حدد هذا 
النوع من الملكية نمطا من العلاقات الاجتماعية القائمة على الصراع الطبقيء 
فقد تراكمت الثروة في أيدي طبقة «النواخذة» والتجارء وأصبحت تمثل 
فائضا لقيمة العمل الذي يقوم الوسط الكادح من عمال البحر بتقديمه 
مقابل أجر زهيد . 

إن هذه الطبيعة السائدة بين العلاقات الاجتماعيةء تمثل نموذجا حيا 
لأشكال الصراع والتناقض. وقد ظلت تلك العلاقات الاجتماعية في مجتمع 
الخليج العربيء حتى بعد ظهور النفط. بل إنها تطورت بصورة ملحوظة مع 
تحول وسيلة الإنتاج من البحر إلى النفط» وحدوت التبعية للعالم الرأسمالي. 
وشيئًا فشيئًا تحولت النسبة القليلة من عائدات النفط التي يحصل عليه 
الوسط الكادح المقهور إلى غطاء يحجب الشكل الا للتناقضات 


مسرحه «النواخذة» 


الاجتماعية. وعندما توارث تلك الصورة النموذجية المباشرة لتناقضات 
المجتمع القديم. خلف أنشطة «الاستعراض» لحركة النمو والتحديث» أصبح 
رجوع كتاب المسرحية (وكذا الشعر والقصة القصيرة) إلى صورة المجتمع 
القديم ضربا من المواجهة لما يختمر تحت السطح. وبحثا لا هوادة فيه عن 
جذور الصراع الاجتماعي» وتأكيدا فظا على أن مجتمع الثروة والنفط 
الذي خرج توا من مجتمع تقليدي تسوده مظاهر الانقسام الطبقي الحادء 
لاب من أن يكون مشبعا بملامح متطورة من ذات الانقسام الماضي. 

إذن فإن استعادة المجتمع» الذي يسيطر فيه «النوخذة» على وسيلة 
الإنتاج فوق خشبة المسرح لن يكون لواذاً بالماضيء ولا بحثا عن نقاوة العهد 
القديم؛ وإنما سيكون استبصارا دراميا لما في الماضي من عناصر الصراع 
والتناقض. وأفعال الاضطهاد والسخرة: فكأنه-أي الماضي-بمثابة الأرضية 
الدرامية-الطبيعية لتجسيد» رمز السلطة القيرية كن اللسعيع ن استعادته 
على المسرح» لن تنشغل على الإطلاق بزخرف الماضيء وإنما ستنشغل بالكيفية 
الدراميةء الرامية إلى إطلاق نموذج السلطة القهرية فوق خشبة المسرح. 
فما هى خطوط تلك الكيفية: وما هى معالمها الدرامية الأساسية فى النص 
السرحن 9 ا ا 

ليس من العسير علينا أن نقول؛ إن الحركة المسرحية في الخليج العربي 
عرفت ضربين من الرؤية المستبصرة للماضي.ء أو للنموذج الذي نعني بدراسته 
في هذا الفصل «النوخذة» تجمع الرؤية الأولى بين جمود التسجيل الطبيعي 
للواقع: ونبض الاستبصار الميلودرامي. أما الرؤية الثانية فتجمع بين التفسير 
التاريخي لحركة المجتمع؛ والدعوة السافرة لتغيير النظام الاجتماعيءالراهن. 


الرؤية الأولى: 

تتمثل هذه الرؤية في عدد من الأعمال المسرحية التي تعد من الوجهة 
التاريخية. مؤسسة لوجود الشخصية النموذجية في مجتمع يعتمد على 
الغوص والبحر. وهي مسرحية «النواخذة» لسالم الفقعانء ومسرحيتي «سبع 
ليالي» و «توب توب يا بحر» لراشد المعاودة. ومسرحية «يا ليل دانة» لعبد 
الرحمن التاغي. ومسرعية نورت جاسم الزايدونحوها من السبريطيات, 
وربما كانت المسرحية الآولى «النواخذة» التي عرضت في ينايرا 197 بإخراج 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


حسين الصالح الحداد هي أول مظهر لاستعادة الماضيء برؤية نقدية فوق 
خشبة المسرح» ففيها تحددت ملامح الغاية الجوهرية من وراء تصوير 
الماضي. وأصبحت من ثم غاية مشتركة سعى إليها جميع الكتاب الذين 
اعتمدوا على الرؤية التسجيلية للواقع. وهذه الغاية هي تجسيد فعل 
الاضطهاد والسخرة الذي وقع على كاهل الوسط الكادح من عمال البحر. 

ولا تتردد نغمة الشوق إلى الماضي في مسرحية «النواخذة» كما لا 
نستبين منها صور طاغية لنقاء العهد الأولء وإنما تئن هذه المسرحية بأوجاع 
الماضيء وآلامه وتناقضاته المؤسية. وتستهدف كشف قوانين هذه التناقضات 
من خلال تقديم صورة مطابقة لها في الواقع الطبيعي للعهد الماضيء. وقد 
وجدت خير وسيلة لذلك في ربط حركة الفعل المسرحي بثلاث جهات 
تستدعي عركرة الاكس اماد امت الرقية قاكمة على ماک الراك الطبيعي. 
الجهة الأولى: تهتم بالصورة المكثفة لنموذج التسلط في شخصية «النوخذة» 
والجهة الثانية: تهتم بانعكاس تلك الصورة؛ وتناغمها في الوسط الطبيعي 
الرث «البيئة» والجهة الثالثة: تهتم بردود الفعل الطبيعية للاضطهادء 
والحرمان اللذين يلاقيهما الوسط الكادح. ولا يمكن الفصل بين خطوط 
هذا التركيزء أو بين اتجاهات هذه الكثافة, لأن الفصل بينها يعني تفتيت 
عناصر الفعل المسرحيء وتجزئته بصورة تبعث على الارتباك. ولكن يمكن 
لنا بسهولة أن نميز أكثر تلك الجهات استقطابا للكثافة الدراميةء وهي 
شخصية «النوخذة» «بو مطلق». ذلك أن تركيز الكاتب على فعل هذه 
الشخصيةء وحركتها يلقى ضوءا باهرا على الصيغة العامة للفعل المسرحي 
برمته؛ بحيث أنه من الجائز لنا التعبير عن هذا الفعل بما يمكن أن نسميه: 
مسرحية «النواخذة». 

وحين نمضي مع الخطة السابقةء سنجد أنفسنا وجها لوجه أمام 
«النوخذة» «بو مطلق» باعتباره شخصية نموذجية تستقطب رمز السلطة 
القهرية. على نحو أكثر ضراوة: وأشد عنفاء مما كان عليه نموذج الأب. فهو 
يمارس تلك السلطة دون رقابةء ومن غير وازع» أو ضمير. لآنه ينطلق في 
سلوكه من كونه «شيخ الفريج» الممسك بمصائر الآخرين في يده؛ والمتصرف 
في أقدارهم» يتضح لنا ذلك من خلال الصراع؛ الذي تجسده المسرحية بين 
«النوخذة» وبين عدد من الشخصيات المنتمية إلى الوسط الكادح؛ فنجد 


281 


مسرحه «النواخذة» 


أولا «بو يوسف» يعيش مع أسرته في فقر مدقع» بعد أن كان بحارا كبيرا. 
لقد تنكر له الزمن. واضطهده «النوخذة» بو مطلق حين طالبه بأداء «الدين» 
أو المال الذي اقترضه عندما كان يعمل معه بحاراء أو بأن يعمل معه ابنه 
«يوسف». دون مقابلء أو أن يجعل بيتهء رهنا تحت تصرف «النوخذة». 

وتستحوذ فكرة «الدين» على تحرك فعل الاضطهاد. لما تتضمنه هذه 
الفكرة من عناصر مسرحية مثيرة للتناقض. لأنها تمنح «النوخذة د شرعية 
منطقية للقيام بذلك الفعل. 

ورغم أن «الدين»-في تقديرنا-لا يعدو كونه جزءا من فائض القيمة 
اللاي راکم کی حيوب والدوا دد وقجان اللؤلق إل آنه يفال رمال مادا 
قوياء يمنح أي «نوخذة» الحق في إطلاق سلطتهء وفرضها بشتى الطرق 
الممكنة. وتستند نموذجية السلطة عند «بو مطلق» في مسرحية «النواخذة» 
على هذه الشرعية اللاإنسانية, التي تمنحه الحق في ممارسة كل ما يستطيع 
من أشكال القهر. وبوسعنا أن نقدر ما يمكن أن تتمادى معه النزعة البشرية 
الطبيعية. حين تركبها فكرة التمسك بمثل هذا الحق. إنها لا بد من أن 
تكون أقرب المظاهر للتعبير عن المثل الأعلى للسلطة المركزية. 

ويمكننا ملامسة ذلك» حين نمضي مع خيال الكاتب» في تجسيد شخصية 
«بو مطلق» فقد طالب هذا «النوخذة» بالبيت مقابلا للدين» وحين صمدت 
الأسرة أمام هذا الخيار الصعبء لجأ «النوخذة» إلى إخفاء الابن «يوسف» 
واحتجازه دون علم والديه؛ وبذا تعاظمت صورة فعل الاضطهاد. إلى درجة 
قال فيها ابن «النوخذة» لأبيه.. . «أكيد صرنا حكومة..». 

وتنمو حركة الفعل الدرامى (الاضطهاد) فى هذه المسرحية بعد اختفاء 
«يوسف». حيث دخلت اتشات ثانوية كرف يقع عليها الفعل السابق 
أبرزها شخصية أم الفار التي فقدت زوجها وطاردها النوخذة بالدين وبيع 
بيتهاء وتمكن من الزواج منها لكنها تمكنت من الثآر منه؛ لأنها أحرقت 
سفينته» ثم أشاعت أن «يوسف» هو الذي أحرقهاء بعد هريه من سجن 
«النوخذة». 

إن علاقة «أم الفار» بالنوخذة؛ تدفع إلى نمو فعل الاضطهاد. وتتجه به 
رأساء نحو التوغل؛ في مصير أسرة «بو يوسف» لأن الإشاعة التي روجتها 
م الغاري جمالك والتويقةة يراد ظلما رادا في ادال رو موسق 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وينشب أظافره في مصيرهاء قائلا بلهجة ضارية: بيك ظالِم وإلاّ ما 
اظ . إماً کک تَعَطُونِيَ فة شوعي. 
والاً تَشوفُوّن شىء طُولٌ عُمُرَكّم ما « 

لقد ال الفار» u‏ الأجواء الميلودراميةء فقد 
بدأت قصتها مع «النوخذة» مضطهدة: يستلب منها زوجها في حادثة مفاجئة, 
ثم أصبحت امرأة في أحوج ما تكون إلى الإشفاق والعطف. ومع ذلك ينالها 
اضطهاد «النوخذة» بقسوة شديدة. وحين أرادت أن تخرج من صورة الضحية 
الميلودرامية؛ التي تتكالب عليها قسوة الواقع؛ لم تجد سوى وسيلة الثأر 
الميلودرامي» فقد أحرقت السفينة وبهت «بو مطلق» من صنيعهاء فطلقهاء 
ولكنيا ردت علبة قاكلة : 

«طَلق الحينَ وسو اللي تبية؛ عَدْبَتَنيَ: وَعَدَبتَ ولّديّ من قبّليّ. لكن 
سويت اللي أبيه رخزت فد مل ما حرّقت قلبيَ. . القوي و 
والبيت وَأخذكة.. ويوسف کا هُوّ عنّدَ أهلة؛ وَسَيوَ اللي كبية ألْحيّن...©. 

ولا يقابل هذه الصورة الميلودرامية المتشفية من فعل الاضطهاد, 
تلك الصورة الميلودرامية المتضائلة إزاءه؛ والمتمثلة في موقف «بو 0 
الذي لا حول له؛ ولا قوة. فهو يقول بعد اختفاء ابنه. «من عنده آشتكي.. 
إهو بروحه ياخذ من المساكين ولا يعطيهم».. ولا تقتصر دلالة هذه العبارة 
عند حدٌ تعبيرها عن مفهوم السلطة؛ التي تجسدها شخصية «النوخذة» 
وإنما تتجاوز ذلك إلى التعبير عن أقصى مراحل ردود فعل الاضطهاد 
الميلودرامية اليائسة. 

ويتناغم الطابع الميلودرامي» الذي اتسمت به ردود الفعل على الاضطهاد 
مع الوسط الطبيعيء الذي يتحرك بهء فيحشد الكاتب من التفاصيل الطبيعية 
للواقع الرث؛ ما يجعل من المكان بمثابة الأعماق المعتمة للثأر اليائس» الذي 
تلقاه «النوخذة». فالمكان المشبع بمظاهر الفقر المدقع؛ والشخصيات المشؤهة 
بالعجز «بو يوسف» والعاهة البدنية «خميس» والبطالة «يوسف». كل ذلك 
جعل الحركة المضادة للاضطهاد في الوسط الكادح. لا تتلمّس لها طريقا 
واضحاء ولا تستهدي بموقف منظم» وإنما تكتفي بالحنقء والتبرم المكبوح. 

لقد أصبحت كثافة جميع العناصر الدرامية في مسرحية «النوخذة» 
مرتبطة بوجود الشخصية النموذجية؛ وهي «بو مطلق» فلولاها ما كان 


22 


مسرحه «النواخذة» 


لفعل الاضطهاد تلك البنية الدرامية الملموسة في حركة الشخصيات. ولولا 
أخلاقها الشريرة. ما تصاعدت أبخرة الميلودراماء التي لم تخل من رغبة 
الاقتصاص لفعل الاضطهاد . أما التفاصيل الواقعية؛ التي يستغرق الكاتب 
في تسجيلهاء فلا تضفي طابعها الميلودرامي» ورؤيتها النقدية إلا حين يترجّع 
فيها صدى انعكاس فعل الاضطهاد» الذي يقوم به «النوخذة» «بو مطلق». 
بل إن الماضيء الذى يستفاد كاملا في هته المسرحية لا يخرج من صمثه: 
إلا من خلال ما تمثله شخصية «بو مطلق» من صفات تجعلها صورة مطابقة 
للواقع الراهن. ونستطيع أن نعتبر مسرحية «سبع ليالي» لراشد المعاودة 
التي عرضت في يوليو / تموزا197 بإخراج عبد الرحمن بركات أكثر الأعمال 
المسرحية في البحرين والكويت تصعيدا لأوجه الكثافة الدرامية, 
والميلودرامية؛ التي أتت عليها مسرحية «النوخذة» لسالم الفقعان. ففي 
مسرحية «سبع ليالي» يتمازج الاضطهاد. وحدث الجوع في فعل واحد, 
وتزداد العتمة في تفاصيل الواقع الاجتماعي الممضيء من أجل استيعاب 
التعبير عن ذلك الفعل؛ أما ردود الفعل في الوسط الكادح: فإنها تصل إلى 
مركلة الانفتجان أو الثورة. 

وما كان لراشد المعاودةء أن يستبصر كل ذلك من الماضيء لولا عنايته 
الدقيقة في اختيار أكثر مواقع المجتمع القديم أنيناء واحتداما بالصراع 
والتناقضء ذلك أنه لم يعتمد على سياق عشوائي في استعادة الماضي على 
المسرح» وإنما لجأ إلى فترة تنب بحراكية المجتمع؛ ونضال القوى الاجتماعية 
المضطهدة: رغم السيطرة المحكمة لطبقة «النواخذة» والتجار. وهي فترة 
الثلاثينات التي شهدت فيها سنة 1932 انتفاضة عمال البحرء (هدّة الفواويص 
كما يسميها الأهالي) ©. 

ومن أكثر سمات الفترة, التي يلجا إليها الكاتب في مسرحية «سبع 
ليالي» وجود شبح الحرب العالمية الثانية وتفاقم الأزمة الاقتصادية بصورة 
بعثت على كساد تجارة اللؤلؤ. ودفعت نحو غلاء المعيشة والحصار الاقتصادي 
الأمر الذي جعل من الثلاثينات فترة جوع وتضور اجتماعيء تدفع-حقيقة- 
إلى الانفجارء وإعلان السخط. كما حدث ذلك في «هدّة الغواويص». 

وأبرز ما تصوغه مسرحية «سبع ليالي» من عهد اجتماعي» يتصف 
بالجوع» ويلفه الحصار الاقتصاديء. هو تحريكها للفعل المسرحيء بإيقاع 


267 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الجوع نفسه» وتنظيمها للواقع الطبيعي» مهما تنافرت فيه ملامح الميلودراماء 
من خلال تواتر ذلك الإيقاع؛ فمن العسير علينا أن نعثر في هذه المسرحية 
على شخصية؛ تستقل ببنيتها الدرامية عن حدث الجوع والاضطهاد. ومن 
العسير علينا أن نجد فيها موقفا مسرحياء لا يرتبط بصورة مباشرة مع 
هذا الحدث. فالمسرحية لا تتميز ببراعة تذكر في صياغة الشخصية؛ ولا 
بتأسيس أحداث دراميةء مادية أو ملموسة؛ وإنما تتميز بقدرتها على أن 
تشتق الرؤية الواقعيةء المنبئة بالخلاص» من صميم الآثار الميلودرامية, 
المتفجعة لحدوث الجوع. ولا مراء في أن أكثر الملامح التي تقتضيها طبيعة 
حدث الجوع؛ والاضطهاد هي إحالتها خشبة المسرح إلى رقعة» تستوعب 
وقوف عدد كبير من الشخصيات فوقهاء بحيث أن أي شخصية: مهما قل 
شأنها ؛ أو عظمء يمكن لها أن تجول في ذلك الحدث الكبيرء ويشملها بأثر 
من آثاره» ونستطيع أن نجد صدى هذه الطبيعة الدرامية في مسرحية 
«سبع ليالي». فهي تقدم لنا في عدد قليل من الصفحات ١4‏ شخصية:؛ يبعثر 
الكاتب وجودها الاجتماعي فوق رقعة الحدث العام «الجوع»» والمكان العام 
(قرية في جزيرة من جزر الخليج العربية). ثم لا تكاد تصل إلى معظم 
الشخصيات. يد التحليل» والاستقصاء. وكأن الأساس الذي يزج بها على 
المسرح» هو أن تكون بمثابة التفاصيل المتجمعة في لوحة الجوع؛ فالكاتب 
يجعل منها وسيلة لتغذية جوع القريةء دون أن يخلق لهذه الشخصيات 
وسائل تغذيها. وإذا كان مثل هذا الأساس قد أتى على معظم الشخصيات 
بالجمود؛ وقذف بها على المسرح كالدمىء؛ فإنه يأتي على حدث الجوع 
والاضطهاد بغذاء وافرء ويهيي له الانتقال من مرحلة التأثير الميلودرامي 
الفاجع إلى مرحلة الاستبصار الواقعي. 

سنجد مرحلة التأثير الميلودرامي لتحرك الجوع والاضطهادء لا تقتصر 
على مجرد المبالغة في عرض تفاصيل الواقع الرث. الذي يلم به ذلك 
الحدثء كالجدار المهدّم؛ والملامح المزرية للمقهىء؛ الذي تتجمع حوله 
الشخصيات. والملابس الرثةء والتقاط الأطفال لحبات النؤّىء ونحو ذلك 
وإنما يتجاوز التأثير الميلودرامي-الطبيعي ذلك العرض إلى الشخصيات 
نفسهاء باعتبارها تفاصيل لحدث الجوع» وتعتمد خطة الكاتب في ذلك 
على فكرة قريبة الصلة من المذهب الطبيعي» وهي المطابقة, أو التمثيل 


مسرحه «النواخذة» 


الأمين لتفاوت ردود الفعل البشري» حول أي حادثة طبيعية أو اجتماعية, 
وتمضي شخصيات «سبع ليالي» من ثم-في أكثر من اتجاه» يتوغل بها جميعا 
نحو أجواء الميلودراما الباحثة عن الأثر البالغ الشدة: إن هناك أكثر من 
شخصية: يقودها الجوع» وتفقد فيها الاتزانء والتماسك. فتطلق مشاعر 
التذمر والشكوىء وتعرب عن فقدانها للصبرء وتطرق كل الأبواب من أجل 
فك حصار الجوع دون فائدة. ولذا تصل حالتها إلى البكاء الشديدء والرغبة 
في الانتحارء عندما تجد نفسها ذليلة أمام كبرياء «النواخذة». كما حدث ل 
«بو نيّوم». أو تصل حالتها إلى رجم أسرة كاملة بالموت. كما حدث ل «بو 
سند» الذي يقول: «تموت زوجتي ! ! ويموتون عيالي ! ! وآبيكهم الدهر كله 
ولا الكلمة الثاقصة». أو تصل حالتها إلى هستيريا غير متزنة؛ ولكنها 
شديدة التعبير عن عتمة الجوع, «وإيقاله في مصير الشضخصية؛ كها حدث ل 
«سعيد» الذي يدخل على المسرح» وقد ألمت به نوبةء تشرف به على الهلاك. 
فيبدو أمامنا وكأنه يختنق جوعا. وخاصة حين يقول: 

a‏ .. ابی آتتّفسن.. ابي هوا .. آبِيَ آتتضن.. إِخحْتتَقّت.. هوا هوًا.. 
مر خبز.. كمز.. +0411 ۰ 

أما أبلغ الحالات المعبرة عن قتامة حدث الجوع: فنجدها في شخصيتي 
«حبيبي» و «لطيفة». فكلاهماء مقذوف به على المسرح في حالة جنون 
مطبقء ولا يكاد الكاتب يبحث في مصادر جنونهما بانهماك. كما نجد ذلك 
في الدراما السيكولوجية عادة. ولكن حوارهما الهلاسيّ على المسرح رغم 
قلته. يكشف لنا عن اختباء مصادر جنونهما في حدث الجوع والاضطهاد. 
فنحن نجد في حوار «حبيبي» شكلا واعياء يصلنا برغباته الداخلية» وهي 
الحصول على الغذاءء والعثور على الكنزء الذي سيخلّص القرية من بؤسهاء 
فهو يقول: 

«مَا تَصيدّق.. حَدتّنيَ من يَديّ ووَدَتَنَي في وسنطّ الحوش. -0 الأرض 
آنا ونّاهَا .. . اتا ا واه بال وَبَحَثْنَا وبقّسنًا تَرَاب.. وَبَحَثَنَا 
ولقينًا حصى.. وَبَحَنْنًا وَلقينًا طيّن.. وَبَحَتْنَا َحََنا وَلقينًا صندوق. ىترا 
الصندؤق ولقيئًا ذهب أحمزيلتة. وسوس تالخد ات الع .شىء أبيض.. 
وشئء خضر. . وَفضة بيضة. . وَجِينِهَاتَ حُمُرَ وَسمَك مَقللَيّ وَمَعَصُوّر عليه 
لومي ويا خُبڙ حار في صَحَنْ مَشَيَرَ. ودحاخيئّة إتطًايَرَ . e‏ 


289 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


إن جذور الصورة السابقة لكنز الذهب والخبز والسمكء. التي يبعثها 
خيال «حبيبي» مغروسة في حدث الجوع والاضطهادء ذلك أنه يظل طوال 
المشاهد. التي يخرج فيها على المسرح» يردد الحوار السابق معتقدا بوجود 
خزينة من الذهب والغذاءء ينبغى البحث عنهاء أو استرجاعها. وكذا الحال 
بالتسية لشخصبية ولطيفة» قي ستظر هود اها الققودة وشيخة وتفيش 
في هذيان مستمرء مع صورتها المتخيلةء وهي تشترك مع «حبيبي» في حلم 
هلاسي واحد» وكل ما هنالك أن «الخزنة» التي ينقب عنها «حبيبي» 
تتحول إلى «الفارس» الذي تنتظره «لطيفة». كي يعيد إليها ابنتهاء ويقلب 
جوعها إلى شبع. كما تقول: «الفارس بيوصل وبناكل لحم.. وبناكل شحم.. 
وبنفرج سبع ليالي وليلتين وليله..» 

ولا تجري معظم شخصيات «سبع ليالي» على النحو السابق من التشوه: 
وانعدام الوزن: وفقدان الصلة الواعية بالواقع: بل إن هناك شخصيات 
تلعب دورا متوازناء في ضبط ردود الفعل اليائسة. حول فعل الجوع 
والاضطهاد . إنها تحمل في أعماقها استجابة ميلودرامية لهذا الفعل؛ ولكنها 
مع ذلك أكثر صلابةء وأقوى تمردا . فهي لا تكتفي بالبحث عن الغذاءء كما 
فعلت الشخصيات السابقةء وإنما هي تبحث عن أسباب حدث الجوع 
والاضطهاد. لتنتزع اللقمة منهاء ومن ثم فهي مؤهلة أكثر من غيرهاء لأن 
تنقل الفعل المسرحي إلى مرحلة الاستبصار الواقعي.. .. وهو استبصار لا 
مكف كب الكاقي ره النمطيةء التي نهجها مع شخصياته السابقة؛ لأننا 
حين نقف مع شخصيتي «جسمان». و«محمد» سنجد في الأول مثالا لثائر 
القرية. ومخلصها وفي الثاني مثالا لمثقفها «البرجوازي» المثالي النزعة. 

إن ما يفقده «محمد» من جراء حدث الجوع والاضطهاد. يدخل عنصرا 
جديدا في تجسيد الاستجابة الميلودرامية لهذا الحدث» وهو العنصرء الذي 
يأتي على العواطف بالاضطهاد. والحرمانء فهو يحب «شيخة»» ولكن الجوع, 
يحول دون زواجه منهاء فلا يستطيع توفير المهرء والبيت مع الضائقة التي 
تمر بها القريةء ومن ناحية أخرى. يضطر والد «شيخة» لتزويج ابنته من 
أحد «النواخذة» وهو «الحجي سالم» رضوخاء لسيطرته؛ وإنقاذا لنفسه 
من الجوع. وبذا تتعرض عواطف «محمد» و «شيحة للكبح والاضطهاد على 
مرأى منهماء بينما ظل «محمد» ذلك الإنسان البيوريتاني» الذي لا يتصور 


290 


مسرحه «النواخذة» 


نفسه في موقف العدوان على الآخرين: إنه يحسن الظن إلى حد السذاجة, 
ويتذرع بالصبر إلى حد الضعفء ويحلم بالسعادة للقريةء دون أن يحرك 
ساكنا. 

أما الاستجابة الميلودرامية التي يبثها الكاتب في شخصية «جسمان» 
فتتخذ بعدا آخر في تحريك فعل الجوع والاضطهاد. ففي أعماق هذه 
الشخصية, ينبعث أنين الجوعء ويتسع تاريخ الاضطهاد, ويرتفع صوت الثائرء 
ومن ثم لا يستطيع «جسمان» احتمال الحدث, إلا بتصميم على الثأر من 
«النواخذة» والتجار. كما نلاحظ ذلك في معظم عباراتهء المتلونة بصور 
الامتجانة البلردرامية البائفة ركيم ذلك مكلذ ,اكه يرد على ومفيند شق 
يطالبه بالصبر والتريث: «ما عدي صَبّرٌ.. تحَطّمَت أعصابيّ.. الحياة مَاتتٌ 
من حُوليّ.. ماقت العصافيّر.. ماتت القّطَّاوةٌ.. مات الكلام.. والهوى تلوّث.. 
الور تحوّل ظلام.. وَاللّيلُ صار ما ينتهي.. والنهار صارٌ ظهُوَرة ما يبَعَتْ 
على الأَمَل.. آحسٌ نَفسِيّ في قَفْصْ.. آحسٌ نمسي آخْتنَّق.. أشباح الموت 
إثراكض جدام عَيُونِيَ.. ما آقدَرٌ يا محمد.. ما آقدر !إل (5) 

وحين ندرك أن شخصية «جسمان» تمثل جوهر الاستبصار الواقعي 
اكاب خان دكا أن تتم سي اكضاز هذه الشخسية اة درامية 
مميزة. سواء في مواقفها العنيدةء أو في حوارها الميلودرامي» المنمق بالصور, 
كما رأينا في المقطع السابقء أو في طريقة تمثلها للخلاص من حدث الجوع 
والاضطهادء كما نرى ذلك في الأسلوب, الذي انتهى إليه «جسمان» في 
خاتمة المسرحية. إنه يشهر سكينهء ويؤلب أهالي القريةء فيحملوا عصيهم 
ويتقدمهم في لهجة واحدة نحو «النوخذة الحجي سالم». 

وأعمق ما توحي به تلك الهجمة من دلالات الاستبصار الواقعي-الدرامي, 
هو أنها تعيد إلى ذاكرتنا شخصيتي «حبيبي» و«لطيفة». وتجعل من حلمهماء 
أو فااسهها حول #الخدنة:و«النارس»»«يمظية الأفق البعيت» الذى باز هه 
استبصار الكاتب للواقع الجديد» فبينما يخرج «جسمان» والمجموعة ثائرين 
على «الحجي سالم» يرتفع صوت «حبيبي:< الخزانة يا جسمان أما لطيفة 
فيتراءى لها الفارس في «جسمان» وتصرخ: هات شيخة يا جسمان وحينئد 
يرقص «حبيبي» وتزغرد «لطيفة». 

تي اسك قم سريف ع ا اا اهيا ف جار اال 


20١ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


المحيطة بارتياد عمال البحرء لسخطهاء وثورتها على اضطهاد «النواخذة» 
والتجار. فاستطاعت أن تؤسس لذلك شكلا مسرحياء يستعيد الماضي على 
أنه قطعة نابضة من الحياة. وهذا يعني أن عناية راشد المعاودة لم تتصب 
الاهتمام من أجل خلق كيان مسرحيء محدد المعالم بقدر ما نصبت الاهتمام 
لتسجيل الواقع. 

ففي الوقت الذي يضمحل تركيز الكاتب على العقدة المسرحيةء يزداد 
تركيزه على الاستعراض التسجيلي للشخصيات. وفي الوقت الذي يزداد 
افتقار المسرحية للأفكارء والمواقف» يزداد احتشادها بتفاصيل الوسط 
الطبيعي. وقد ظل هذا الأسلوب ملازما للكثير من المسرحياتء التي وجدت 
في لين الغوص والبحر» فتحا لاستقطاب عناصر الصراع» والتناقض. 
وكشفا عن أرضية درامية صالحة للحوارء بين الماضي والحاضر. 

ولا تفلح استعادة راشد المعاودة للماضي مرة ثانية في خلق كيان مسرحي 
متماسك» فقد كتب رابع أعماله المسرحية وهي «توب توب يا بحر» التي 
عرضت في يوليو/ تموز1975 بإخراج سعد الجزاف. وجاهد في هذه 
المسرحية على أن يشتق من «عهد الغوص والبحر» قالبا يرتكز الاهتمام 
فيه على الحبكة والمشكلة الاجتماعية؛ ولكنه لم يستطع الفكاك من الأساس 
السابقء الذي اعتمدت عليه مسرحية «سبع ليالي» و مسرحية «النواخذة». 
وهو النظر إلى عهد الغوص والبحر على أنه واقع زاخر بعناصر الصراع 
والتناقض, وأنه لا بد من تقديم أي رقعة من هذا العهد» كما كانت عليه دون 
إلصاقها بأي تأكيد خيالي لم يكن عليه ذلك العهد. 

کے ع حون قري ا بن میا ها علق اتاد اة 
ولكن سلطة الماضي على مشاعر الكاتب» تبعثر الفعل المسرحي» وتحجب 
إمكاناف تقكيل او فی الم رة ما ا واخ ل ربط 
عليها الفعل العام كما في مسرحية «سبع ليالي» وإنما تتجه نحو علاقة 
محددة بين «النوخذة» الذي يقوم بفعل الاضطهاد؛ وبين فرد معين من أفراد 
بحارته وهو «ناصر» فقد خطط «النوخذة» للتلاعب في توزيع الحصص 
المالية على البحارة؛ واكتشف «ناصر» هذا التلاعب فثار عليه. ثم بيت 
«النوخذة» خطة للتخلص منهء فألزم جميع البحارة بدخول البحرء رغم 
انتهاء موسم رحلة الغوص.» واستطاع أن يقضي على «ناصر» ولكنه لم 


202 


مسرحه «النواخذة» 


يستطع أن يقضي على سؤال كبير فجرته الأم؛ التي فجعت في ابنهاء فقد 
أصيبت «أم ناصر» بصدمة عاطفية شديدةء وفقدت عقلهاء وباتت تعتقد» 
أن ابنها لم يمت» وأنه لا بد من أن يرجع إليها. 

وهناك عوامل شتى. لا تسمح بإنقاذ الحبكة السابقة من التميع؛ أو 
الاسترسال في عرض تفاصيل الواقع الطبيعي: منها الاختفاء السريع 
لشخصية «ناصر» فقد انتهى دورها بصورة مفاجئةء رغم أنها شخصية 
غير مكتملة. ومن ثم توافر الاهتمام: والتركيز لعرض التفاصيل الميتة 
وإثارة المشاهد» وجمل الحوار المتهلهلة من فرط التكرارء والركاكة. وقد دفع 
اختفاء «ناصر» السريع إلى الزج بعامل آخرء لم يأت على حبكة الفعل 
المسرحي إلا بالتعرج: والالتواءء وهو محاولة استقصاء الحالة السيكولوجية: 
التي ألمت بأم ناصرء بعد موت ابنها. وباتت دراسة الكاتب لجنون هذه 
الشخصيةء ومتابعة هذيانها غير المنقطع. هو الوسيلة القادرة على ملء 
الفراغ الذي خلفه اختفاء «ناصر». ولم تكتسب المسرحية من هذا التعرج 
إلا تعمية لمظاهر وجود الحبكة. واستمرارا لظهور مشاهد العرض لتفاصيل 
الواقع. والجانب الذي تستبقي شخصية «أم ناصر» عمقه هو إدانة فعل 
الاضطهادء ومجاهرة العداء لمثله الأعلى» المتمثل في «النوخذة» لو أننا 
شذبنا وجودها الدرامي» مما لحق به من تكرار في الحوارء أو الحركة 
لوجدناها سه قانية من شخصية ولطيفة» ف سرا وسيم »فد 
كانت حالتها الذهانية تقتضي التصديق بعودة ابنتها المتوفية إليهاء كما 
اقتضت حالة «أم ناصر» التصديق بعودة ابنها أيضا. 

لقد ظلت المسرحية التي تستعيد الماضيء على أنه قطعة من الحياة لا 
تستبصر من عهد الغوص والبحر سوى ذلك الفعل النمطيء المرتبط بشخصية 
«النوخذة» هو فعل الاضطهاد . ولما كان هذا الفعل يتراءى لها فوق «قطعة 
من الحياة» فقد أصبح في منأى عن الاهتمام بالحبكة؛ وكأن الاتجاه إلى 
استعادة الماضي على هذا النحو يجري معاكسا للاتجاه الذي رسمته دراما 
الأسرة المتغيرة. عندما حرصت على الموازنة الشديدة بين الحبكة 
والشخصيةء وبين الفكرة» والواقع الطبيعيء. الذي يغذيها. ومن ثم فإن 
عناصر الميلودراما ووسائلها البالغة لم تغمر هذا الاتجاه كما غمرت الأعمال 
المسرحية التي استعادت عهد الفوص والبحرء بحكم أن هذه العناصر رديف 


293 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


طبيعي» لنمطية فعل الاضطهاد ولا لعقلانيته. 

ولا يعني إشباع الماضي بأجواء الميلودراما تشويه عهد الفوص والبحرء 
كما قد يتبادر ذلك إلى الذهن» بل إنه يعنى الكشف عن القوانين الاجتماعية- 
المابيعية اتك فى الوط الط الى اة فظو ارات 
الانغمار في تفاصيله. وقد نقل لنا أريك بنتلي عن الكاتب الطبيعي وليم 
آرنشر تعريفا للميلودراماء يذهب فيه إلى أنها «مأساة لا منطقية.. . وأحيانا 
لا عقلانية») وينطبق هذا التعريف بصورة دقيقة على وصف الوضع 
الاجتماعي لمرحلة الغوص والبحر. بل إن هذا التعريف» يلخص لنا الأساس 
الدرامي؛ الذي بنى عليه الكتاب رؤيتهم النقدية للماضيء واستعادتهم 
الفضفاضة لتفاصيله الممضة؛ لأنهم لم يستلهموا لخيالهم من تلك المرحلة 
سوى الفكرة القائلة بأن العلاقة النمطية السائدة بين «النوخذة» والبحار 
لم تقم إلا على قوانين خارجة عن المنطق الطبيعي؛ والإنساني. 

ويكشف لنا الأساس السابق عن سبب دقيق لتلك المجافاة بين قالب 
المسرحية؛ التي تستعيد الماضي باعتباره قطعة من الحياةء وبين قالب 
مسوحية الحيكة أو مرجي الآمكاو التي تك على توظيف الحيكة 
لإثبات الفكرة). فقد ظلت نمطية فعل الاضطهاد. المنبجس من طبقة 
«النواخذة» لا تستثير فى مخيلة الكتاب إلا مزيدا من الإغراق فى تفاصيل 
الواقع» المأزوم بالمأساة اللامنطقية. ومزيدا من الإشباع لأجواء اودر اها : 
ولم تتمكن الوسائل المسرحية الجديدة: التي دخلت في إخراج الكثير من 
الأعمال المسرحية من تخفيف حدة الاعتماد على تلك الركيزتين. بل إنها 
ساعدت على تفتحها. إذ كثر استخدام المواويلء وأهازيج الغوص الحزينة 
على المسرح. ولم تخل خشبة المسرح» حين ترتدي تفاصيل العهد القديم من 
صوت «النهام») وإيقاعات الغناء الشعبيء المعروف في منطقة الخليج 
العربي. 

وقد ساعد كل ذلك على تكريس الصبغة الطبيعية-الميلودرامية .ولم تنج 
منها بعض الأعمال المسرحية؛ التي تحايلت من أجل تخفيف تلك الصبغة 
اسا ووب الحكارة الشعبية كنسريحية ضبن الرستح الاي مال بال 
التي عرضت عام 1979 بإخراج الكاتب. أو بإسباغ القالب الرومانسي 
كمسرحية جاسم الزايد «نورة» ) التي عرضت عام 1979 بإخراج فؤاد 


291 


مسرحه «النواخذة» 


الشطي. وعلى الرغم من ذلك فقد تمكنت مسرحيتا «ياليل ياليل» و «نورة» 
من تقليل الجفوة السابقة في مسرحيات «النواخذة» و «سبع ليالي»» و «توب 
توب يا بحر»» بين قالب استعادة الماضيء وقالب مسرحية الحبكة. ويرجع 
ذلك إلى اعتماد «ياليل ياليل» على قالب الحكاية الشعبيةء واعتماد «نورة» 
على عقدة رومانسية لحدث الاضطهاد. لأنها جعلت من قصة الحب بين 
«سالم» أبن البحار الفقيرء وبين «نورة» ابنة «النوخذة» الغني أرضية طبيعية 
لهذا الحدث؛ فكان ذلك كافيا لتلا يفلت زمام الإمساك بالتفاصيلء ولا 
يتسع الحدث؛ أو تجول الشخصيات خارج حدود العلاقة التي جمعت بين 
«سالم» و «نورة». 


الرؤية الغاضية: 

نعتبر اتجاه بعض كتاب المسرحية إلى مسرحية «النواخذة» فوق أرضية 
الماضي» برؤية تجمع بين الرغبة في التفسير التاريخي» والدعوة إلى التغيير 
الاجتماعي» امتدادا متطورا لاتجاه الرؤية الطبيعية-الميلودرامية؛ التي تتبعنا 
آثارها فيما مضى من دراستنا للأعمال المسرحية في هذا الفصل. فقد 
ظل عهد الغوص والبحر يثيران حساسية درامية شديدة لتوتر لدى كثير من 
كتاب المسرحية في الخليج العربي. ولم يستنفد هذا العهد قدرته على 
مداهمة الواقع الجديد؛ بخيال يهتك الحواجز الصلبة؛ التي وضع لها النفط 
سبائك قوية. لأن اللجوء إلى هذا العهد. أصبح وسيلة تهدم تلك الحواجز 
التي دأبت على فصل العهد الماضي عن الواقع الجديد. كما نجد ذلك في 
عدد من الأعمال المسرحية منها مسرحيتا «إذا ما طاعك الزمان «و«سرور» 
لإبراهيم بو هندي» ومسرحية «تنزيلات» لمهدي الصايغء ومسرحية «ياليل 
ياليل» لعبد الرحمن المناعي. 

وفي هذه الأعمال المسرحية؛ تتم إزالة بعض الحجب التى حالت دون 
امتصار ا وصياغة شخصية «النوخذة» على المسرح رقن واقعية- 
درامية. فلم يعد الهدف من استبصار المؤلف المسرحي للماضي» مجرد 
التمثيل الأمين للوسط الطبيعي في عهد الغوص.ء والبحرء ولم يقتصر الأمر 
قي نموذجية «النواخذة» على مخاطبة الجوانب اللامنطقيةء وإنما أصبح 
الهدف من مصاحبة الماضيء توظيفه؛ ووضعه في عمليةء قوامها تفسير 


205 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


حركة المجتمع: وتحليلهاء كما أصبحت نموذجية «النواخذة» تستلخص من 
فكل اعا رور رة وهی اسان ا ا رد ا 
بالحلول الواديكالية. ۰ 

ولا مراء في أن رؤية كهذه لن تجد لها وجودا درامياء مقنعا في قالب 
الا العامة و افيه و نما ميحج و ایا ی 
اتد انها وسائل مسررخية اكثر فنعا :واستجابة ليها ااي 
ولم يكن من الصعب عثور إبراهيم بو هندي ومهدي الصايغ وعبد الرحمن 
لتاقي على ال شاه الوا تل يعد أن فيد كل مه رة ود 
العزير السرهم الطرويق اليا كلد مها إلى كاصيل ا9 ات اله لدراما 
الأسرة المتغيرةء ووضعا أيديهما على ما هو ميلودرامي» ورومانسيء وتعبيريء 
وملحمي من أجل تعميق صلتهما بحركة التغير في الأسرة والمجتمع. وكان 
من أكثر الوسائل الفنية؛ التي طبعت الحركة المسرحية بعد تأصيل ذلكما 
الكاتبين لهاء وسائل المسرح الملحمي» فقد جربها كثير من كتاب المسرحية 
في الخليج العربي» وعاث فيها بعضهم تخبطا وتقليداء ولكن البعض أصاب 
بها آهدافاء ومكاسب جوهرية للحركة المسرحية. ونعتقد أن من بين 
المسرحيات التي تمق هذه الإصابة: كي تخريبها لتك الوساكل مسرحيات 
«إذا ما طاعك الزمان» و «سرور» و«تنزيلات» و «ياليل ياليل». 

لقد اتجهت وسائل المسرح الملحميء» التي استخدمها الكتاب في 
السودياف الببايقة إلى اا اواو الاك ور سوت ا 
اار ي يق أنه لير من العسير علينا الا إن برو اة تميق 
مسرحيات إبراهيم بو هندي» ومهدي الصايغ وعبد الرحمن المناعي. عن 
مسرحيات سالم الفقعان: وراشد المعاودة هو اشتراكها في استخدام تلك 
الان اف القادرة سح اا ر ا و ا ا 
ذلك بوضوح شديد منذ مسرحية إبراهيم بو هندي «إذا ما طاعك الزمان» 
التي عرضت بإخراج محمد عواد غام 1973. ضفي هذه المسرحية؛ تتلاشى 
التفاصيل» وتختصر إلى حد التجريد. وتشع فيها بعض أجواء الحكاية 
اا د ا رهن عو طر رق يغصي 
الراوي. كما يتصاعد الميل إلى الكثافة التعبيرية؛ سواء كان ذلك في الحركة 
التي جسدها المخرج» موغلة في التجريدء أو في اللغة التي حرص الكاتب 


22 


مسرحه «النواخذة» 


على أن تكون شعرا باللهجة العامية. وفي أجواء مسرحية من هذا القبيلء 
ما عاد الماضي قطعة منتزعة من حياة الغوص والبحرء وإنما عاد تشكيلا 
لجوهر فعل الاضطهاد السائد بين علاقات الإنتاج في ذلك العهد. ووسيلة 
للتحديق في حقيقة مغفلة. وهي أن نمطية فعل الاضطهاد المتجسمة في 
طبقة «النواخذة» تنحدر إلى الواقع الراهن في صورة نمطية متطورة. 

إن المسعى الذي تجاهد مسرحية «إذا ما طاعك الزمان» لارتياده هو 
إثبات أن «النواخذة» في عهد الفوص والبحرء تحولوا إلى «نواخذة» جدد 
في عهد النفطء والتبعية للعالم الرأسمالي؛ وأن عمال البحر تحولوا إلى 
عمال شركات النفط, المتحالفة مع النظام السياسي وتطرح علينا مثل هذه 
الفكرة مشكلة ظاهرةء تعكس مدى قصور الكاتب في البلوغ بمسرحيته إلى 
مرحلة الإقناع» وهي أننا لا ندرك الفكرة السابقة في سياق فعل مسرحي, 
يسعى لإثباتها بالطرق المسرحية المعروفةء وإنما ندركها في سياق السرد 
التقريري لعملية التحول من «نواخذة» وعمال في عهد البحر إلى «نواخذة» 
وعمال في عهد النفط. ولذا لم يكن استخدام الراوي» والقذف بشخصيات 
متذمرة على المسرح إلا عاملا في أن يرتع أسلوب الخطاب؛ والسرد على 
خشبة المسرح. 

لقد أغرقت المسرحية جزءا غير هين منها في تصوير اضطهاد 
«التواغةة لعمال البحر وحعلتا ندرك ما يتعرض لةه عمال البحر من 
شظف وقسوة؛ سواء من طبيعة العمل البدائي في البحرء أو من طبيعة 
علاقات الإنتاج. ولكنا لا ندرك ذلك في مواقف مسرحية مجسدة:؛ وإنما 
ندركه في حوار مسرحي مسرود . إن «دانة» تروي لنا كيف فقدت أباها 
وأخاها وزوجهاء بسبب العمل المضني في البحر و «أم سعد» تروي فقدانها 
لزوجهاء وعمها. والموقف الوحيد» الذي يبرزه الكاتب في شكل مسرحي» 
هو موقف وداع «دانة» لزوجها «بو فهد» مشيعا بمشاعرها المتذمرةء لتتقبل 
خبر موته في البحر بعد ذلك مشيعة بالزغاريد. والطبول في الخارج 
معلنة زواج ابنة «النوخذة» من أحد الأغنياء. وأعمق ما يفصح عنه مثل هذا 
التشكيل؛ هو أن البحر يمنح الموت للطبقة الكادحةء ويمنح الترف والثروة 
لطبقة «النواخذة» ومن ثم كان جوهر فعل الاضطهاد. الذي يعلن عنه الكاتب 
في هذه المسرحية؛ يكمن في انفصال الطبقة الأولى عن الإنتاج؛ أو العمل 


227 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الى قو هق ای كوو وقول بخان اناا اقفر مين بان 
زوجها: 

«دانة: إنت تتمرمر 

أو غيرك من عقب غربالك إيبيع الذهب 

ترجع إيكل التعب 

لهم الرّين ولك الباقي.. . شقا.» © 

لقد كانت مسرحيات المعاودة السابقة توحى أحيانا بفكرة الانفصال عن 
العمل ولكنها لا تجعل منها وسيلة لنزع القشرة التي تتستر بها الطيقة 
المسيطرة. في حين أ مسرحية «إذا ما طاعك الزمان» تنرع هله القشرة 
بهدف تحليل حركة المجتمع وليس تصويره» فنحن نجد النوخذة في الفصل 
الأخير يتحالف مع الغريب (رمز الأجنبي أو العالم الرأسمالي) وتتفق معه 
على مشروع جديد للانتاج (النفط). وهنا يبدأ أسلوب جديد في الاستغلال 
يستخلصه الكاتب علئ لسان إحدى الشخصيات مؤّداه استمرار فعل 

«راشد : اللي راح 

درس تفلمتاة وباقي 

واللّي في وذهم تعبنا في البحر 

إهمه في فايدة تعب باكر واهمه 

a 

بس تغيّر عندهم درب الخطر 

آو قذل عتدهع شكل الت 
ر وري لاف و کور ا فو لح رت ال اا 
للاضطهاد يما في الماضي من تناقضء أو بما تضعه شخصية نموذجية ك 
«النوخذة» من دلالات فصيحة لذلك الفعلء وإنما ربط نمطية فعل الاضطهاد: 
نک اوک اا ا و ا واا کیا فى ر 
«إذا ما طاعك الزمان» يمثل آسناتتا لبغيتها الدراميةء رغم غياب الحبكةء 
وتضاوّل عناصر الفعل المسرحي فيهاء وهو أث نمطية «النوخذة» تستقيم 


298 


مسرحه «النواخذة» 


بدقة متناهيةء للتعبير عن حركة التغير في مجتمع الخليج العربي تعبيرا 
دراميا ضافيا. 

ويستمر الأساس الدرامي السابق لشخصية «النوخذة» في المسرحية 
الثانية لإبراهيم بو هندي وهي «سرور» التي عرضت في أغسطس / آب 
5 بإخراج عبد الرحمن بركات. ولكنه يتجه إلى وضوح أكثر مما كان 
عليه في مسرحية «إذا ما طاعك الزمان». ففي مسرحية «سرور» يزداد 
فيل العاقب إلى ااا من كالب الجعاية كياج إلى کت رو رھ 
قصة «سرور» التي تخلصت فيها زوجة الأب الشريرة من ابن زوجها بقتله 
ودفن يديه ورجليهء ورغم رغبة الكاتب في إيجاد الشكل الشعبي للمسرحية 
إلا أن الكثافة الدرامية التي عبرت عنها شخصية «النوخذة» غمرت شخصية 
زوجة الأب» وظلت شخصية «النوخذة» من ثم شكلا نمطيا لتاريخ فعل 
الاضطهاد بين عهدي ما قبل النفط وما بعده. ولذا فإن تركيز الكاتب على 
النوخذة وإغفاله ل «مرت الأبو» ارتياد سهل للجانب النمطي الأعمق في 
الشخصية الأولىء وانتزاع لطبيعتها الدرامية الجاهزة؛ رغم إمكانية التعبير 
عن ذات الفعل النمطى للاضطهاد من خلال الشخصية الثانية التى زجت 
بها الحكاية الشعبية زنوت الآبو). ا 

وما دام قالب الحكاية الشعبية يضمحل» بسبب سلطة الوجود الدرامي, 
الذي دلت عليه شخصية «النوخذة» بو علي» فإن من الصعب علينا أن نميّز 
سرحية شروو عن سرح ,]ذا ما امك الزمان» بتقليد مسرحي 
جديد . ذلك أن «بو على» نسخة مطابقة للنوخذة «أحمد»» واستمرار لشكلهاء 
ومضمونها الان مسريعية: إذا ما طاعك الزمان»: فهو الذي يستغل 
البحارة بشراسة في عهد الغوص والبحرء وهو الذي يتحالف بلا هوادة مع 
الضيف (وهي تسمية مرادفة للغريب في المسرحية السابقة). والرغبة التي 
استیدت بالكاتب في وبل شل الأ شان الذي يقوم وا رة 
زمنية عريضةء تستقطب الماضي والحاضر.. . تعود للظهور مرة ثانية في 
شكل فني» يتجه للارتداد نحو الماضي. فقد كان «بو فهد» في مسرحية «إذا 
مأطافك الان وسكي لأينه قاری ا اشطهاد کی الماضنئ: ركم أنه 
يعيش نفس الاضطهاد . وما فعله «الخادم» في مسرحية «سرور» لا يختلف 
عن ذلك أبداء فهو يحكي للطفل «سرور» قصة من الماضيء ولكنها تلتقي مع 


210 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الحاضر عند نقطة واحدة» وهي استمرار فعل الاضطهاد . 

إن للماضي دورا كبيرا في البنية المسرحية عند إبراهيم بو هنديء لأنه 
يؤكد به على صفة الديمومة للفعل النمطي «الاضطهاد». ونعتقد أن تأكيدا 
كهذا يتناغم مع نزعة يختلط فيها التشاؤم مع المعارضة: واليأس مع الإيمان 
بالمستقبل. ويدلنا على ذلك ما ذهب إليه أحد الباحثين من أن الماضي يلعب 
دوره في تنظيم الحدث الدرامي» «في تلك العصور التي اختفت فيهاء أو قل 
التي لم تظهر فيها بعد حتمية القيام بمجابهة منظمة للوضعية التاريخية 
القائمة من جانب القوى الاجتماعية الجديدة التي أخذت تنضج في أعماق 
هذه الوضعية». ".ولا مراء في أن مقولة عدم ظهور حتمية القيام بالمجابهة 
المنظمة هي القوام الصحيح للنزعةء التي يعبر عنها إبراهيم بو هندي في 
تكراره للارتداد بالماضيء ومزجه بالحاضر. لأنه إنما يتفاعل مع عصر لم 
تظهر فيه إمكانية تغيير الأنظمة السائدة؛ أو احتمال إقصائها . ولكن تتفاقم 
فيه نزعة تسلم بضرورة هذا الفعل الثوري: ومن ثم كان ذلك داعيا لاختلاط 
التشاؤم: واليأس مع المعارضة:؛ والإيمان بالمستقبل. 

وبغض النظر عما عاد به الارتداد بالحدث إلى الماضي في مسرحية 
«سرور» من التنظيم» والتوضيح للكثير من مظاهر الارتباك والغموض. التي 
سيطرت على مواقف المسرحية؛ وحوارها في الفصل الأولء فإن الغاية 
الدرامية المثلى لهذا الارتدادء لم تبارح الفعل النمطي للاضطهاد. فخلاصة 
هذا الارتدادء تتجه نحو صياغة الديمومة المتشائمة لهذا الفعل؛ كما نرى 
ذلك في تعليق الخادم. 

الخادم: الى فَلَتّةَ صايرٌ وكل يوم يَصِيرَ 

ناس تَرُوحَ السمَاً وئاس تَمُوتَ 

تاس اليُومَ تندهِنَ في الأرض وباجر تثبنئ قُوقَهُمَ بَيُوتَ 

تلّقَى عشة محوّطة بور وحريجة 
دار ما دَأَرةَ حَديقَة 
هاذى يا ستَرُورٌ الحقيقة 
هاذى يا ستَرُورَ الحقيقة.(2١)‏ 


مسرحه «النواخذة» 


ويضوع المقطع السابق غضملا عن دلالته المتشاكمة تقسيرا لحركة المجتمع. 
وهو أن لكل عهد «نواخذة» جدداء وأن طبيعة فعل الاضطهاد., لا تتحسر عن 
الواقع الجديد. ما دامت طبيعة علاقات الإنتاج السائدة فيه هي الشكل 
المتطور عما كان سائدا فى عهد «نواخذة الغوص والبحر» من علاقات 
اجتماعيةء ولم قاكر شخسبية ارخا عقا ها أساسا دراه ذلك 
التفسير. مسرحيتي «يا ليل يا ليل» لعبد الرحمن المناعي و «تنزيلات» 
لمهدي الصايغء بل إنها عادت للظهور في شكل مسرحي. أكثر رصانة 
وقدرة على استيعاب وسائل التغريب في المسرح الملحمي» لقد خفت في 
هاتين المسرحيتين صوت الخطاب الف الذي كان متفشيا في مسرحيتي 
إبراهيم بو هنديء وازدادت العناية بالحبكةء رغم الانهماك في توسعة 
الدورء الذي يلعبه الراوي» والجوقة مع مسرحية «يا ليل يا ليل»» أو الانشغال 
الظاهري بقالب المسرح داخل المسرح مع مسرحية «تنزيلات». 

وتلتقي مسرحية «سرور» مع مسرحية «يا ليل يا ليل» في جانب أساسي 
مع رؤيتها لحركة المجتمع؛ وهو التأكيد على أن سيطرة طبقة «النواخذة» 
على وسائل الإنتاج» لا تستند على أسلوب شرعي عادلء وإنما تستند على 
انحطاط أخلاقي سافرء فالعم «بو علي» في مسرحية «سرور» استولى على 
الثروة بعد أن قتل أخاه. أما «النوخذة» فلاح في مسرحية «يا ليل يا ليل» 
فقد أغوى «أم فرحة»» واتفق معها على سرقة أموال زوجها على أن يتزوجها 
بعد ذلك» ولكنه خدعهاء وتخلى عنهاء بعد حصوله على الثروةء وارتدائه 
ثوب «النواخذة»» وحين كبرت «فرحة» وأصبحت قتاة مثيرة الجمال» عاود 
«النوخذة» «فلاح» رغبة السيطرة عليهاء كما فعل مع أمها من قبلء واستخدم 
من أجل ذلك نفوذه» وأخلاقه الشرسةء ولكنها-أي فرحة-نجت من براثن 
«النوخذة» هذه المرة. لأن جميع البحارة؛ وجدوا فيها الفرحة التي يحلمون 
بها. فحرروها من سلطة «النوخذة» وحرروا أنفسهم من التراضي.ء والبلادة 
اللذين فرضهما عليهم «بو فلاح». 

إن سياق الفعل النمطي للاضطهاد في شخصية «النوخذة» فلاح لا 
يختلف عن سابقه في شخصية العم «بو علي» فكلاهما يؤسس لحركة 
مضطردة: تبدأ بأخلاق عدوانية منحطة؛ وتمر بشرعية الاستقلال 
الاجتماعي للوسط الكادح» وتدخل بعد ذلك في مرحلة الديمومة؛ وبعد 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ا سا ن كيل الساصيره وتعرير اال 

وإذا Eg E ae‏ 
لا ادات امقر ادا اوا وکوا ایا ی فاح 
تر اا باذك هي الانقواة القطلوى ارك وإذا عا طاعك الان 
إنها ى من الضراع الطيقى ميق طليقة وار اة عمال اجر ااا 
دراميا للفعل المسرحي» وسياقا جوهريا لإثبات فكرة الديمومة: «المتشائمة» 
لفعل الاستغلال الاجتماعي. وتطور طبيعته ما بين عهدي «الفوص» و 
«النفط». لقد ظلت هذه الفكرة في مسرحية «إذا ما طاعك الزمان» تطفح 
فوق سطح الحوار التعليمي» دون أن تجد لها أرضا درامية تغوص فيهاء 
وتخصب صلتها الآساسية بالمتلقي. بينما لم تعد كذلك في مسرحية 
کک :ذلك اننا تسد اکاک هذه امسر هة گر قدرة على کات 
كرت وکا الال بها رم غا كن فجرت ا0ا هة فى رة 
مامه الت غركنا لها هما مكنى اتاب الائي ويك أن استقاء له 
اال و ا رووا ي ا ار ار اد 
على المسرح. 

وأبرز مظاهر اقتدار الكاتب في إثبات فكرة انحدار فعل الاستغلال 
الاجتماعي في عهد النفط من ذات الفعلء الذي كان سائدا في عهد الغوض 
رال هى سط عل الرساكل السرحية. وة ف تالبهاء بطريقة 
اا على الكنموو اقا والرسا من النكرة امه فر اة 
فكل السرج داخل السرم مك على هيم زمعانية المزل بين المهدين 
(البحرء والنفط).ويكسو الخشبة بوسائل من مسرح بريخت» تجمع بين 
ار کی كبر کا ارک والرظية کی ت تابهر اکر کن 
يتكلمون حوارا عادياء ولكنه مليء بالاإيحاء. ويؤدون حركتهم بإيقاع كاريكاتوري 
مالتسال شه كرض ای درن أن قبط بالطافة اندرا إلى 
مستوى السذاجة: بقضل الأجواء القبيرية: الى قبا غتاضر الإيعاء فى 
الحوارء والإضاءة؛ ودور المؤثرات الفنية الأخرى من غناءء ومواويلء وتمثيل 
نامف( الكرواقه ) ونحوفا . 

وآيا شاكان الدون الذى مته هذه الان و اترات کی ديق افكار 
اح منا انناف ف ا العافي الأسكويه الس دال 


مسرحه «النواخذة» 


المسرح هو الذي يحقق القدر الأكبر من التحكم المسرحي لرؤيته المفسئرة 
لحركة المجتمع. ففي هذه المسرحية يلتقي مجموعة من أعضاء فرقة للتمثيل؛ 
ويجري بينهم في البداية حوارا مضطربا حول بعض مشكلات المجتمع 
الكويتي» مشيرا إلى الفكرة المذاعة بشكل رسمي في الكويت» وهي أن 
الدخل الفردي للمواطن يبلغ 14890 دولارا سنويا. ليمضي بعد ذلك في 
إثبات أن المواطن الكويتي» الذي يتمتع بأعلى معدل عالمي من الدخل الفردي 
إنما هو صورة أخرى متطورة من ذلك المواطن المستغل في عهد الفوص 
والبحر. فإذا كان اقتصاد البحر يدر ربحا وفيرا في جيوب طبقة «النواخذة» 
والتجارء فإن نمط الاستهلاك. الذي يعيشه لاط الكويتي بعد النفط. 
جعل المعدل المرتفع من دخله الفردي يصب في خزينة الطبقة البرجوازية 
التجارية. المسيطرة على النشاط الاقتصادي. وكما كان البحار يدفع طول 
عمره «أقساطا» من القيمة الزهيدة لعمله الشاق. لأنه مضطر دوما 
للاقتراض من «النوخذة» دفعا لجوع أسرته؛ فإن المواطن الكويتي في ظل 
الاقتصاد الحديث. يدفع «أقساطا» شبيهة بأقساط «الستلف» التي يدفعها 
البحار. إنها أقساط اعتماده المفرط على أدوات الاستهلاك من سيارة 
ومكيّف. أو أثاث. أو نحو ذلك. 

وتمضي المجموعة في فرقة التمثيل بعد ذلك من أجل إقناعنا بالتفسير 
التاريخي-المادي لحركة المجتمع» على غرار التفسيرء الذي استهدفته 
مسرحية «إذا ما طاعك الزمان». ولكن مع خلاف بسيطء وهو أن هذه 
المسرحية صاغت التحول التاريخي» الذي مرت به المنطقة من اضطهادء 
يتعرض له عمال البحرء إلى اضطهاد؛ يتعرض له عمال شركات النفط.. . 
بينما التحول التاريخي» الذي تصوغه مسرحية «تنزيلات»يسجل الانتقال 
من استغلال قيمة العمل في الوسط الكادح من عمال البحرء إلى استغلال 
قيمة الدخل السنوي المرتفع في الوسط المستهلك العريض من المجتمع. 
وقد وجد مهدي الصايغ خير وسيلة للإقناع بمثل هذا التحول؛ القيام 
باستبصار الماضي عن طريق قيام أعضاء فرقة التمثيل بجميع الأدوار 
القادرة على تجسيد طبيعة العلاقات الاجتماعية في عهد الغوص والبحر. 

وحين استعاد الممثلون أدوارا من الماضي» أمكن القول: بأن الواقع الراهن 
إنما يرث من الماضي الشكل المتطور لفعل الاضطهاد والسخرة؛ فنحن نرى 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


«عبد الله العريشان» الذي يصب المواطنون دخولهم الفردية في خزائنه هو 
نفسه ذلك «النوخذة»الذي بدأ يتذرع بأخلاق وصولية إلى أن تمكن من 
الاستحواذ على ثروة «عجيل العريشان»» بعد زواجه من إحدى بناتهء وحينئد 
شذد قبضته على عمال البحر. وأخذ يملي عليهم شروطه؛ ويفرض سيطرته 
تحت ضغط «السلف». الذي ينوء به كاهلهم» والظروف المتدهورة؛ التي تمر 
بها تجارة اللۇلۇ. 

إن العامل الفني الذي يسئّر للكاتب إثبات فكرة التحول من أقساط 
الغوص إلى أقساط النفط يكمن في وعيه باستخدام أساليب التغريب 
الملحمي» فهو يزج بالممثلين في أدوار الماضيء ولكنه لا يقطع صلتهم بحقيقة 
يدركون مسبقا أنه لا بذ من الوصول إليهاء ولذا نجدهم-مثلا-يخترقون 
تقمص الأدوارء التى يلعبونهاء بتلقائية متواصلةء كما نجد ذلك فى هذا 
الحوار: 

هيفاء: مشكلة أفول نجم تجارة اللؤلؤ أثرت على ناس ثانيين.. مشكلة 
مثل هذي تطيح على روس المساكين الغواويص وأمثالهم.. 

إبراهيم: المساكين اللي كانوا غرقانين بأقساط من نوع ثاني.. . 

نبهان: بالضبط مثل حاج 

أم سعد : أقساط متعلقة بارقابهم.. . أقساط ما لهم فيها خيار.. الحاجة 

نبهان: بالضبط مثل حاجتك للبيت.. والآثاث والسيارة.. . (يلتفت إلى 
هيفاء) بس مو سيارة إبخمسة آلاف دينار.. . 

آم سعد: المسألة بالنّسبة لهم أكبر من هذى.. حياة أو موت... أقساط 
تتعلّق بأكلهم وشربهم.. نعم.. يأكلون ويشربون بالأقساط.. 

أحمد: القُواص كان يتعمل مع كائن خرافي ما يرحم.. إسمه البحر 

نبهان: واسمه النوخذة 2" . 

وما كان للكاتب أن يقتحم سياق الفعل المستعاد من الماضيء بالطريقة 
السابقةء لولا أنه وضع الحوار التعليمي السابق في قالب المسرح داخل 
المسرح. لأن أعضاء فرقة التمثيل في المسرحية؛ اتفقوا منذ البداية على 
التنقيب في تاريخ النمط الجديد ل «النوخذة» في عهد النفط» وهو «عبد 
الله العريشان» هذا الاتفاق الذي جعل الماضي» حكما مباشرا على الحاضرء 
كما جعل الحاضر حكما مباشرا على الماضي» ولم يكن استخدام المسرح 


504 


مسرحه «النواخذة» 


داخل المسرح إلا الأسلوبء المتناغم مع طريقة التنقيب عن الماضيء» أو شكل 
استصدار الحكم منه أو عليه. 

وأيا ما كانت الوسائل التي اتبعتها مسرحية «تنزيلات» أو غيرها في 
شك الخلاقة افوا بم اا «النوخذة» فإن الخلاصة التي 56 
ضرورة التأكيد عليهاء هي أن نمطية الفعل المرتهن ب «النوخذة» تنعتق من 
صفات الجمود. حين يكون استبصارها على المسرح غير مقيّد بمفاهيم 
ووسائل مسرحية جامدة؛ وهذا يعني أن نموذجية «النوخذة» لن تستنفد 
طاقتها الدرامية طالما كان استبصارها مرتبطا بدينامية المجتمع» وبتغيراته 
المستمرة. تماما كما لم تستنفد نموذجية الأب. هذه الطاقة منذ عهد الإغريق 
وحتى الآن. 

سيظل «النوخذة» أساسا درامياء يمكن أن ينعكس من خلاله ما يطراً 
على الطبقات الاجتماعية في مجتمع الخليج العربي من أشكال الحراك, 
وما تتعرض له معارضة القوى الاجتماعية الناهضة للأنظمة السياسية من 
تطوّرء وما يمر به نظام الدولة أو السلطة من تغيّر. ولن تخرج شخصية 
«النوخذة» من الذاكرة أو المخيلّة مع مختلف الأجيال القادمة؛ ومع شتى 
الظروف المتباينة. طالما أنها منحوتة في ذاكرةء أو مخيلة شعبية لفصح 
عنها-في أبسط المظاهر-تلك الأغنية القديمة التي كانت النساء يرددنها 
على شواطيىٌ البحر: 

لا صلب عليه 

يا وخا هُمَّ 

لا تَصلِب عليه 

ترَى البَحَرَ ارد 

قط إيديهُم 

تَرَى حيّال العُوص 


قَطَّعْ إيديهُم 


مسرحة السلاطسن 


تختلف شخصية السلطان» أو الملك عن كل من 
«الأب» و«النوخذة» اختلافا شديداء رغم اشتراكها 
معهما في بعث الطاقة الدراميةء المتحاورة مع رموز 
الأنظمة السياسية في المجتمع. وجوهر اختلاف 
هذه الشخصية هو أنها ليست رمزا للسلطة أو 
الدولة وإنما هي الممثلة «الطبيعية» لها.. . بينما 
كان الأب و«النوخذة» رمزين لها داخل الأسرة 
والمجتمع. فلا يمثلانها إلا بمقدار استجابتها 
لقوانين السلطة؛ ومفاهيمها ومثلها الأخلاقية. ومن 
ثم كان لا بد من أن يتم لقاء المخيلة المسرحية مع 
شخصية السلطان فوق أرضية درامية متميزة. لآن 
الصورة الممثلة ل «طبيعة» السلطة السياسية فى 
المجتمع؛ ليست كالصورة المنعكسة لذات الطبيعة 
في المرآة؛ أو فوق سطح الماء. والشخصية المسرحية 
التي تنتزع نموذجيتها مما يشترك» أو يتشابه معها 
في دوافع الفعل» والسلوك؛ ليست كالشخصية 
المسرحيةء التي يختلط في بنيتها ما هو فردي مع 
ما هو نموذجي. 

وإذا كانت الصورة «الطبيعية» لشخصية 


السلطان» تفترض لها استجاية درامية مغايرة فى 


خيال الكاتب المسرحيء فإن من اللازم التساؤل 


307 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


عن الجوانب الموّسسة لمنظومة السلطان, أو المؤسسة لنموذجيته؛ لأن معرفة 
هذه الجوانب من شأنها أن تساعد على معرفة الكيفية الجمالية؛ التي 
تقتحم بها شخصية «السلطان» خشبة المسرح. 

ربما كان من الجائز أن ينظر إلى السلطان الذي استولى على عرش 
السلطة بالوراثةء أو بالقوة على أنه «شخص لا نموذجي» كما ذهب إلى ذلك 
جان دوفينيو. ذلك أنه لا يستطيع الاعتماد على أي قاعدة من القواعد, 
التي تصلح لبقية الناس فهو لا يشبه أحداء ولا يشبهه أحد . فليس بينه وبين 
الآخرين قاسم مشترك. وكذلك فإن القواسم المشتركة, لا تصلح له؛ إنه 
محكوم عليه بأن يكون «فردا» بحكم الاعتراف الذي هو موضوعه (". ولا 
تغري فرديته إلا بالاصطفاء الاجتماعيء الذي نصبه ملكاء ثم عزله عن 
بقية الناس» واستبعده عن الضمير المشترك» وجعله من الشخصيات التي 
تقاوم بالعزل» أو النبذء أو القتل. 

وعلى الرغم من المنطق السوسيولوجي الدقيق الذي تتفحصه النظرة 
السابقة لفردية الملك» أو السلطان. فإننا نعتقد أن تلك الفردية لا تستقطب 
جانبها الخاص في بنية هذه الشخصية إلا لآنها تؤسس لقيام الجوانب 
النموذجية في ذات البنية. فحين لا يشترك مع السلطان فرد آخر في بلوغ 
أعلى مراحل السلطة؛ فإن الكثيرين يبلغون ما يبلغه من القدرة على تجسيد 
فعل الاضطهاد. والتسلط. حسبما تقتضيه مكانتهم الطبيعية من التدرج 
الاجتماعي» أو حسبما تقتضيه نوازعهم البشرية بين ميول عنصري الخير, 
والشر. ونحن لا ننفك نعزو الآثار الخالدة للكثير من المآسي الإغريقية 
والإنجليزية والإسبانية والفرنسية إلى وجود شخصيات كالملوك. أو القوادء 
أو نحوهم ممن يتوغلون في صدر كل واحد مناء رغم بعد الصلة بينناء وبين 
عصورهم» ورغم أننا لا نشبه أحدا منهم. ولا يزال «أوديب» الملك رمزا 
للكثير من نزعاتنا وآمالنا المحطمةء والصامدة على السواء. كما لا نزال 
نجد في اضطهاد الملوك لشعوبهم في التاريخ: أو فوق خشبة المسرح اضطهادا 
لوجودنا الإنساني» بينما نجد في مقاومة هؤلاء الملوك» وعزلهم» أو قتلهم 
وعدا لنا بواقع جديد. 

والوظيفة التي تناط بها شخصية السلطان تعني الكثير من الجوانب 
النموذجية لأيديولوجيتها . فالميراث الطويل من الدينء والمجتمع؛ والسياسة 


مسرحه الستلاطين 


في هذه الشخصية صير منها رمزا للحق الإلهي. الذي يجعل من السلطان 
امتدادا طبيعيا للإله. ورمزا للذات» التي يصونها القانونء دون أن تصونهء 
ومثلا أعلى لاستقرار الأخلاق» وثبات السيادةء والسلطة على المجتمع. 
ورغم كل ذلك فإن أعمق ما في نموذجية الملك. أو السلطان لا يقتصر على 
أيديولوجيتهاء وإنما يتجاوز ذلك إلى صياغتها لما هو جوهري من النزعات 
والأخلاق» والقوانين السائدة في المجتمع. لدرجة أصبح فيها التاريخ لا 
يعنى بالحياة العادية للأفرادء قدر عنايته بحياة الملوك» وتقلبات الأحوال 
السياسية التي يعيشونهاء كما أصبحت المأساة في أزهى عصورها 
الكلاسيكية. لا تجد نسيج فلسفتها الأخلاقية في شخصية عاديةء وإنما 
تجدها في حياة الملوك. ويقودنا ذلك للقول في تعبير أكثر دقة. إن ما هو 
نموذجي في شخصية الملك. يتصل بتعبيرها عن منظومة «الجوهري» في 
تاريخ المجتمع؛ أكثر مما يتصل بتعبيرها عن منظومة التصنيف النمطي 
لأيديولوجيتها. 

ومادام السلطان شخصية يلتقي في أعماقها الفردي مع النموذجي مع 
الجوهريء فإنه-بلا شك-أكثر تركيباء وتعقيدا من نموذجي الأب «والنوخذة» 
وربما كان من العسير على الكاتب العادي أن يخوض في تلك الأعماق 
المضطربة بمأمن من الغرق في جانب منها . لقد تيسر ذلك لبعض العبقريات 
المسرحية مثل سوفوكليس وشكسبير. وخاصة في مسرحيتي «أوديبوس» و 
«هاملت». ولكنه ليس من الهين تمثيل الخليط المعقد لشخصية السلطان 
في المراحل الاجتماعية التي لا يحظى فيها نظام السلاطين بالشرعية 
المقبولة. ذلك أن إظهار السلاطين والولاةء والأمراء على المسرح في فترة 
تزداد فيها عزلتهم» وعدم إمكانية تنظيمهم العقلاني لحركة القوى 
الاجتماعية. مصحوب دوما بالانحيازلما هو نموذجيء أو جوهري في 
اشحفبية ا حك لا بد من ا اكا الد س لكل مظان 
يستولي على العرش بأساس غير شرعي .ولا بد من خلق فعل نمطي يتلازم 
مع سلوكه وأخلاقه. ومن ثم فإن بإمكاننا القول: إن مجتمع الخليج العربي, 
لم يمر بفترة تتبلور فيها عزلة الأنظمة كما يمر بها في المرحلة الاجتماعية 
المعاصرة؛ التي ظهرت فيها المسرحيةء وخرج فيها السلاطين على خشبة 
المسرح. 





30۹ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


وربما انطبق ذلك على المجتمع العربي بصورة عامةء فحين كانت عزلة 
السلاطين والخلفاء في العصور الإسلامية مستورة بكثير من العوامل 
الاحضاعية والسياسية: والاقتصادية فلت ضورة مؤلاء السالاطين متقسية 
بين أخيارء وأشرارء كما نجد ذلك في سلاطين «ألف ليلة وليلة» ونحوها من 
قصص التراث العربي» أما حين كشفت حركة القوى الاجتماعية الحجب 
هق ملك العزثة فى سريطلة الاس شما (الغصر الحدية) :كن ضورة السلطان 
لم تعد باعثة لأساس الانقسام الدرامي» وإنما عادت باعثة لنموذج 
الأيديولوجية المرفوضة. ونمط الفعلء المبتوت الصلة بضمير الجماعة. 

إذن فإن شخصية السلطانء شأنها كشأن الأب «والنوخذة» لم تخرج 
على المسرح إلا من أجل تشكيل الحوار مع أيديولوجيتها. ولعل ظهور هذه 
الشخصية فوق خشبة المسرح في الخليج العربي» يمثل امتدادا متطورا 
للحوار مع نموذجي السلطة القهرية السابقين (الأب والنوخذة). فرغم أن 
تاريخ ظهور شخصية السلطان أسبق من تاريخ ظهور نموذجي الأب؛ و 
«النوخذة» لأنه يرجع إلى بواكير الحركة المسرحية في الثلاثينات, 
والأربعينات إلا أن ذلك لا يعني أن إدانة السلطة التقليديةء قد اقترنت 
بظهور السلطان على المسرح» منذ ذلك التاريخ. ذلك أن الكثير من الأعمال 
المسرحية المقتبسة, أو المؤلفة لم تكن تقاوم شخصية السلطان» أو تدينها. 
ويكفي التذكير بمثال ناصع لذلك» وهو مسرحية «خروف نيام نيام» لحمد 
الرجيب» التي أظهرت المثل الأعلى للعدالة والحق؛ وإنصاف المظلوم من 
خلال شخصية السلطان. لقد كانت مقاومة هذه الشخصية متمثلة في 
إدانة رموزها داخل الأسرة والمجتمع؛ كما رأينا ذلك في دراستنا لنموذجي 
الأب «والنوخذة» باعتبارهما رمزين إضافيين للسلطة القهرية في المجتمع 
التقليدي. وظلت الأعمال المسرحية التي درست هذين الرمزين: لا ترفض 
شكل السلطة التقليدية فحسب» وإنما ترفض جميع مترادفاتها في المجتمع. 
كرجل الدين الموصوم بالتماهي مع السلطة القهرية في أغلب أعمال راشد 
المعاودة المسرحية. 

لقد أصبح المسرح مع تمثيل أيديولوجية الملك سياسياء لا بالمعنى الواسع 
لهذه الكلمة. وإنما بالمعنى المحدد في مخاطبة الجانب «الجوهري» من 
الحياةء الذي تنبعث منه مشاكل الإنسان العادي» وأفكاره. وعواطفه؛ كما 


مسرحه الستلاطين 


تنصب فيه أيضا. وذلك هو الجانب الأيديولوجي في نموذج الحاكم. ولما 
كانت مناقشة هذا الجانب محفوفة بمخاطر القوانين التى شرعت فى 
الع فاق الات المي ف ينها إلى ونا اسا الدراهي ةين 
الوسط الطبيعي لصراعات السلطة السياسية؛ ومشاكلها الجمة مع 
خرو اعرف اي رها إلى ف هاو ها د رفاك 
تبدو في شكلها الظاهرء معزولة عن تفاصيل الحياة الاجتماعية الراهنة, 
وک ا واا دن الا بيذ الحياة: رة لم د اا 
في كثير من الأحيان من الأجهزة المحكمة للرقابة الرسمية. 

و اا اسي كن كلق واج عن هذا ال غ رال 
توظيف التراث الشعبي تارة» وعلى وسائل الإطلاقء والمطابقةء ونسبية 
المكان والزمان: ثازة أخرى. واتعكس استخدام هذه الوسائل على شكل 
اا ارا و خا ا اوو سرحي المكدوب باللقة اة 
النسحي مدل الحرار المكتوب بانايسة الداسية وا متمد القول سردن 
تماسكه من أجواء الحكايات الشعبية-العربية. ومن الميراث الهائل لشخصية 
الملك. وبات هذا الفعل أكثر طواعيةء وقدرة على احتضان الأفكار. وتحريك 
الشكسية على اشرب وإن الع :نيل دريجة التلجاكية هي هن انكر ان 
القضية التي بلغتها دراما الأسرة المتغيرة عند صقر الرشود وعبد العزيز 
السرئع. 

وأكثر من لجا إلى توظيف التراث الشعبي العربيء أو استعان بزخرقته. 
خا عدو يعقوب اللي في مسر ةة اكور معشاق صا »وفلف 
أحمد خلف في مسرحية «مصباح علاء الدين» وأحمد جمعة في مسرحية 
«شهرزاد الحلم الواقع» وعبد الرحمن المناعي في مسرحيتي «المغني والأميرة» 
و «هالشكل يا زعفران» ومحمد عواد في مسرحيتي «العطش» و «حسن 
وفرارة الخير.» ا ا 

وتشترك جميع هذه المسرحيات في عدة خصائص مسرحيةء فهي تناقش 
مشكلات الحكم والديمقراطية في قالب تهيمن عليه أيديولوجية الملك أو 
السلطان: وهي تعني بتوجيه الخيال الدرامي» الذي تشع به أجواء الحكايات 
الشعبية نحو المطابقة الشديدة لما في الواقع من تناقضات» وصراعات» وإن 
سلكت في ذلك طرقا ملتويةء وأساليب متعسفة في بعض الأحيان. وهي 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


تروض حركة الشخصيات: بما فيها شخصية السلظان: بجعلها مغفموسة 
إلى الأذقان في قسمة ميلودرامية بين أن تكون خيرة: أو أن تكون شريرة: 
وبين أن تكون ظالمةء أو أن تكون عادلةء وبين أن تكون مضطهدة (بكسر 
الهاء)ء أو أن تكون مضطهدة (بفتح الهاء)» وهي تسرف في تكبيل الرؤية 
الدرامية بالحتمية السائدة في الواقع؛ لدرجة لا تختلف فيها عن الاستبصار 
الفوتوغرافي للماضي عند كل من سالم الفقعان وراشد المعاودة. ثم لا تكاد 
تخرج عن حتمية الاستمرار الأيديولوجي للملك إلا باستشراف رومانسي 
غالبا. 

لقد أعاد كثير من كتاب الحركة المسرحية في الخليج العربي عددا من 
سلاطين ألف ليلة وليلة إلى الظهورء وكان «حسن يعقوب العلي» في مسرحية 
«الثالث» التي عرضت عام ۱976 بإخراج فؤاد اللي كاوس ر د 
السلطان في سياق الحتمية السائدة في الواقع» وغمسها في بحيرة عميقة 
من الحيرة والبلبلة اللتين نجد مصدرهما في عاملين: الأول عدم نضج 
أفكار الكاتب حول مشكلات الحكم والديمقراطية؛ والعدالة؛ والثاني سيطرة 
قالب الحكاية الشعبية التي استمدها الكاتب من قصص «ألف ليلة وليلة» 
وتأثيرها عليه بدرجة بلغت حد التكبيل لخياله؛ فبطل هذه المسرحية صورة 
أخرى من «أبي الحسن المغفل» في ألف ليلة وليلة, الذي لقيه هارون الرشيد 
مع وزيره جعفر البرمكي متنكرين:؛ وأرادا أن يتسليا معه فأسبغا عليه مظاهر 
الاحترام والمكانة الكبيرة ووضعاه في موضعها ولكنهما ما لبثا أن كشفا له 
حقيقته: بعد أن كاد يصدق ما حدث له من تحؤّل. 

ولا تفجر شخصية «أبي الحسن» في مسرحية «الثالث» أكثر من ذلك 
الشيء الجوهري الذي تصب فيه مشكلات الناس جميعهاء وهو أيديولوجية 
الحاكم. وفيما عدا ذلك فإن هذه الشخصية لا تخرج على الإطلاق من 
ثوبها الهزلي في «ألف ليلة وليلة» الذي جاهد مارون النقاش في فترة 
مبكرة من تاريخ المسرح العربي على زخرقته بآلوان زاهية في مسرحية 
يغنوان «أبو الحسن المقفل». 

لقد تنازل السلطان في مسرحية «الثالث» عن أيديولوجيته لابن الطبقة 
الشعبية بعد أن أعيته السبل في الوصول إلى حل لمشكلات الفقرء والظلم 
المنتشرة في بلاده. وقد رأى مع وزيره» أن خير من سيشيع العدل هو من 


مسرحه الستلاطين 


تجرع مرارة الظلم. ومن ثم يتنكران» ويبحثان عن هذا الفقير المظلوم: الذي 
سيقيم ميزان العدالةء فيجدانه في «أبي الحسن» صاحب المقهى. 

انتقلت الولاية إلى الفقير المظلوم: الذي يحمل في صدره نقمة شديدة 
على الأغنياءء والتجار. وقد حكم «أبو الحسن» على نفسه منذ البداية, 
فقال في لهجة صارمة للحاجب, الذي لم يعد يوليه ثقته. «يظل الإنسان 
عندي مظلوما ما دام فقيرا فإذا اغتنى أصبح ظالما». ورغم عرضية هذه 
العبارة بالنسبة للتخطيط الدرامي سواء في الأصل الشعبي للحكاية؛ أو 
اها السرعي الج هإنها اصح عن وضية شدود "في اة 
الأيديوتوجية اللاديمقراطية: وتلقي بظلال هخ الشك على التزعة الحيادية 
التي مضت المسرحية في تجسيدها . فقد أصبح استلام أبي الحسن للولاية 
ذريعة درامية باعثة على الكثير من التناقضات حول مسألة الحكم والعدالة, 
و لتسوال حول کو و اا مهنا إلنهاء من خلال ا 
والبراهين المطروحة في أجواء الدورء الذي لعبه أبو الحسن. ؟ 

ورغم غبار الأحكام المسبقة التي تثور في حوار المسرحية: إلا أن ما 
يستهدفه الكاتب حقيقة هو القول بحتمية بقاء الظلم: ما دام الحكم قائما 
على أيديولوجية الفرد . ولن يختلف حجم الظلم مع اختلاف الجذور الطبقية 
للجاكي راتما يخال قديره مستالة فة كينا اتيش مسر تالقان إلى 
ذلك. فما إن تولى أبو الحسن الحكم» حتى بدأ يعزل» ويولي من يشاء 
ويطلق سجناء الوالي السابق ويعود لمصالحة أبي غالي إكراما لابنته جوهرة, 
ويستقصي أعمال الولاية فيجد السجن عقابا للجميع» وحين وصلته شكوى 
من ارتفاع الأسعارء أصدر قرارا يلزم التجار بتخفيض أسعارهم إلى النصف. 
فثاروا عليه مطالبين بخلعه من الولاية. وفي الوقت الذي أمر أبو الحسن 
باعتقال كبير التجار؛ ومصادرة آموالهء بحجة الاحتكار. كانت شكوى التجار 
قد.وضلت إلى السلطان» فقون الدزول إلى الولاية للاظالاع علي سا شل ابو 
الحسن بأمورها. 

لمحي المسريعية بون ذلك إلى غايكيا: حين تجح ابا الحسوفع 
السلطانء والوزيرء وكبير التجار؛ وتجعله أمام الجميع في صورة تحتمل 
الانقسام إلى موقفين متعارضين: أحدهما يدينه ويقاومه. والآخر يتعاطف 
بالدفاع عنه. فالوزير يشكك بقوة في عدل أبي الحسن:ء ويراه ظالما في 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


أحكامه التي أصدرها في حق التجارء ومتسببا في الفوضى عندما أطلق 
سراح السجناء, بما فيهم المجرمون. ومحابيا المجرم عندما عفا عن أبي 
غالي» ومثيرا للرعب بانتزاعه اعتراف المذنب تحت التعذيب. أما أبو الحسن 
فقد دفع جميع هذه التهم؛ وردها إلى نحرهاء فالتجار محتكرون للسلي 
ومغالون في طلب الربحء ومن ثم وجب ردع جشعهم بالقوةء والسجناء الذين 
أطلق سراحهم» أخذوا إلى السجن في عهد ظالم. وأبو غالي أذنب حقاء 
ولكنه تاب فعفا عنه. أما سجناؤه الذين أرغمهم بالقوة على الاعتراف: يما 
اقترفواء فقد أخذهم بذنوب محققة؛ إيمانا منه بأن: «العدل لا يستتب إلا 
بالسوط.» وأن المذنب لا يعترف طواعية بذنوبه. 

ولم ينته الانقسام السابق إلى خاتمة واضحة:؛ وإنما ظل الاحتمال قائماء 
فاغرا جميع إمكاناته للحيرةء والسؤال والاختيار اللذان طرحهما أبو الحسن 
في نهاية المسرحية بقوله: «الرأي الأخير لك يا مولايء فإما أن تقبل أسلوبي 
وتأخذ به وتصدق على الأحكام: وإما.. . وإما أن أعود إلى المقهى». 

وعلى الرغم مما في هذه الخاتمة المفتوحة من عناصر الحياد» والبعد 
عن إصدار الأحكام القاطعة؛ فإن سياقها المسرحي الذي يقود إليها لم 
يرسم بالصورة غير المنحازة نفسها. لآنه يحفل بكثير من الحجج: والأحكام 
التي نراها بمثابة التعليق الحتمي على جميع شكوك الوزير و ردود أبي 
الحسن. فالاحتمالات المتوقعة في خاتمة المسرحية. محكوم عليها على 
لسان أكثر من شخصيةء و في مواقف متعددة. و أبلغ هذه الأحكام أن أبا 
الحسن يقر بعدم مقدرته على تحقيق العدلء لأنه يجد نفسه بمفرده في 
بحر متلاطم من الظلم.. . إنه يتساءل: «كيف أقيم العدل 5» فتجيبه الجارية 
هند: «عندك العقل يا مولاي فاسمع شكاوى الرعيةء واستشرء وفكر بها ثم 
احكم». ولكنه يرد عليها بقول يائس: «لكني واحد.. . واحد بين عشرات 
الظلمة في دوائر الولاية..». 

ويتردد صدى تشكيك الكاتب في عدالة الحاكم الفرد على لسان 
السلطانء الذي كثيرا ما يرد الظلم إلى عدم الإحساس بالمسؤولية لقد قال 
بذلك قبل أن يعطي الولاية لأبي الحسن:ء وقال به-أيضا-بعد أن أحس 
باستمرار الظلم. رغم وقوف الفقير المظلوم حكما على الظلم. مما يعني أن 
هناك شعورا قوياء بأن القضاء على الفقرء والظلم لا يكون بإيديولوجية 


314 


مسرحه الستلاطين 


الفردء وإنما يكون بالأيديولوجية الديمقراطية؛ التي تشرك الجميع في 
مسؤولية القرارء أو الحكم. 

ويوجه الكاتب تشكيكا دقيقا في عدل الحاكم» الذي يجعل القوة والظلم 
وسيلتين لاستتباب العدل» بدلا من أن يجعل الحوارء والمشاركة وسيلتين 
لهذه الغايةء كما فعل أبو الحسنء الذي استخدم العنف لإشاعة العدل, 
فبات ظالما للجميع. فالكل-حتى أقرب الناس إليه. كجوهرة حبيبتهء وهند 
جاريته-يشكك في عدلهء بينما هو يقول لهم بلا هوادة «العدل لا يعرف 
الرحمة.» بل إننا نلمح في مشهد لقاء «أبي الحسن» مع «سرور»حامل 
السوط في عهد الوالي السابق «ابن غانم» أن الكاتب لا يفرق بين ظلم «ابن 
غانم» و ظلم «أبي الحسن» لأن كليهما يستهدي بالعصا لبلوغ العدلء كما 
يدل على ذلك هذا الحوار: 

«سرور: (داخلا) مولاي !1 

أبو الحسن: أنت الذي كنت تحمل السوط. 

سرور: أنا عصا الوالي يا مولاي. 

أبو الحسن: عصا الظلم و الطفيان. 

سرور: و آنا الآن عصا العدل في يدكم يا مولاي. 

أبو الحسن: أنت الذي أخفت عنبر و هددته بالضرب. 

سرور: و آنا الذي قبضت على ابن غانم و سلمته إلى مدير السجن...* 

إذن» فإن أبا الحسن حمل عصا الظلم» و الطفيان؛ التي حملها غريمه 
«بن غانم» و طبق حكمه الصارم «العدل لا يعرف الرحمة». فرجم التجارء 
و أتباع الوالي بأحكام, دون أن يناقشهم فيهاء وعمل على تأثيمهم بشتى 
الطرقء من أجل أن يبرر لنفسه العدوان عليهم. و من ثم انتهى إلى نفس 
المأزق الذي انتهى إليه الوالي «بن غانم» و هو قيامه بفعل الاضطهاد, 
وتمثيله الصحيح لنمطيته؛ و خاصة عندما أصبح بمثابة المثل الأعلى لمن 
يطلق العنان للعدوانية الذاتية. 

وبإمكاننا القول بعد كل ذلك إن الاحتمالات التي انتهت إليها خاتمة 
المسرحية, و تعليقها النسبي على أيديولوجية أبي الحسن» تمثل. في تقديرنا 
النهائي توجيها مصطنعا لأحداث المسرحية: وليّا لجذعها النابت. فالبطل 
الذي يقرر نمطه الأيديولوجي منذ البداية بمقولته السابقة: «يظل الإنسان 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


عندي مظلوما ما دام فقيرا فإذا اغتنى أصبح ظاما». لا يمكن أن يكون 
نموذجا محتملا للعدل» و الديمقراطية بنفس وضوح آي نموذج آخر محتمل. 
و لو كان «أبو الحسن» كذلك لحكمنا بفداحة رؤية الكاتب» و خطورتها 
السلبية على موهبته؛ لأن من «يرى كل الأشياء بدرجة واحدة من الوضوح لا 
يرى منها في الحقيقة شيئًا».. . كما يقول بيلينسكي . في حين أن أبا 
الحسن لم يكن سوى نموذج مضاد للأيديولوجية الديمقراطية. وفي يقيننا 
أن البلبلة التي تثيرها خاتمة المسرحية. وخصوصا في تظاهر الكاتب, 
بعدم القطع بحكم واضح على أيديولوجية أبي الحسن,» إنما هي أثر من آثار 
التزام الكاتب بقالب الحكاية الأصلية في «ألف ليلة و ليلة» وانخداعه بما 
في خاتمتها من بريق درامي» لم يكن يستهدف المقاومة الصريحة لشخصية 
السلطان على الإطلاق. 
ولو أننا نظرنا إلى مسرحية «الثالث» مجردة مما لحق بمخيلتها الدرامية 

من بعض تفاصيل الحيادء والمطابقة لأجواء القصة الشعبيةء لوجدناها 
تبقى أدانتها الشديدة لأيديولوجية الفرد ومقاومتها العنيفة لأي نموذج من 
نماذج الحكم المناقضة للديمقراطية. سواء انحدر الحاكم إليها من ذات 
البطائة, الؤصلة لأيديولوجية السلظان: كدين غائم»: أو انحدن إليها من 
حي شعبي فقيرء ك «أبي الحسن». 

واذا كان اقات الخائحى اسه من الحقاية الشمية قن الع حورا 
مزدوجا فى مسرحية «الثالكميآن أطاق لفكرة الكاتب إمكانية مائلة ابات 
ثم عاد. وأمسك بتلابيبها في دائرة ضيقة؛ فإن القالب الخارجيء الذي 
استمده الكاتب لمسرحيته الثانية «عشاق حبيبة» التي عرضت عام 978| 
بإخراج فؤاد الشطي يقركن سبيظطرخه اللحكمة على أشكاز الكاتب: 
وشخصياته؛ لدرجة تكون فيها سائر التفاصيل؛ عرضة للانخرام في النمطية 
الحامدةدومرة ذلك أن القغالب الخارجى فى هذه السرحية فاكم على 
المطابقة الشديدة للحتمية السائدة في الواقع العربي. فالث خصيات 
والمواقف, والأفكار, ليست سوى مادة يزخرف بها الكاتب التصميم الخارجيء 
الذي فرضه على مخيلته. ولا تجدي أجواء التاريخ المصطنعة لهذا التصميم 
في الخروج من دائرة الجمودء وإنما تبقى قيوده على الكاتب» حتى نهاية 
المسرحية, 


516 


مسرحه الستلاطين 


لقد لجأت مسرحية «عشاق حبيبة» إلى فترة سلاطين» العهد الأيوبيء 
ورسمت في أجواتها الشكيلة. خارطة سياسية للوطن العربي» تنطبق بوضوح 
شديد على فترة الاستعمارء التي خسر فيها العرب الكثير من الثروة 
والأراضي. واستخدمت لذلك أسلوبا يجمع بين الرمز والواقع.. فجعل من 
«حبيبة»» شخصية مركزية يطلب الجميع حبها ويرمز بها للوطن أو فلسطين, 
ويحيطها بأطماع حاسم صليبي ومساعده اليهودي «رفيع» فضلا عن أبناء 
العم الأربعة. 

وبينما تؤثر «حبيبة» ابن عمها «أحمد» الذي يخلص في حبهاء وصون 
كرامتهاء والدفاع عنها من الأطماع المحيطة بهاء تمضي بنا الشخصيات 
النموذجية حولهاء نحو أهداف لا يتوقع المتلقي على الإطلاق؛ أن تحيد 
عنهاء وتتحرف عن مسارها . فالحاكم الصليبي يبدأ باعتقال «أحمد» وإبعاده 
عن «حبيبة» وحين لا يجد منها غير الكراهية؛ يبدأ في تنفيذ الخطط, 
التي يدبرها له مساعده اليهودي «رفيع» ضد أحمد. وضد أبناء العم الذين 
انقسموا إلى أطماع متعارضة. 

ولسنا في حاجة للاثبات بأن الوقائع السابقةء إنما تستهدف المطابقة 
لما هو سائد في الواقع العربي المعاصرء وإذا كانت تتمكن من تحقيق هذه 
المطابقةء بما أوتي الكاتب من مقدرة على ضبط عناصر الفعل «الطبيعي» 
فإنها لا تتمكن من النظر إلى الواقع إلا في حدود جلدته الخارجية؛ 
فالشخصيات مرغمة على أن تكون شديدة النمطية. والمواقف تجري في 
مسار محفور لها سلفاء فوق قشرة الواقع. بحيث لا يمكن توقع جريهاء 
خلافا لما هو معروف من تناقضات الواقع العربي» في ظل المرحلة 
الاستعمارية. ولذا فنحن لا نتوقع من الكاتب في هذه المسرحية أن يأتي 
برؤية جديدةء تقفز فوق أسوار «الحتمية السائدة». كما لا نتوقع لشخصية 
الحاكم أن تخرج عن نمطيتها المسطحة في ممارسة فعل «اضطهاد 
المستعمر» لدرجة أن سرقة «رفيع» اليهودي لقافلة السلاح لم تكن وسيلة 
لإثارة دماء جديدة في عروق الوسط الدرامي-الطبيعي. وإنما كانت وسيلة 
لتتميط شخصية الحاكم» وبلوغها درجة الجمود. 

ولعل بإمكاننا أن نلاحظ من خلال تجربة «حسن يعقوب العلي» في 
مسرحيتي الثالث و «عشاق حبيبة,أن مقاومة أيديولوجية الحاكم» وجدت 


317 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


قالبها الدرامي المحكم في سياق الأجواءء والموضوعات التي رسخت وسائلهاء 
وحيلهاء وقيمهاء وشخصياتها في التراث الشعبي. سواء ما اتصل منها 
بقصص «ألف ليلة وليلة». أو بغيرها من القصص الشعبية القديمةء بينما 
لم تجد أيديولوجية الحاكم نفس السيطرة الدرامية المحكمة عندما وضعت 
في قالب المطابقة الشديدة للحتمية السائدة في الواقع. 

ومن العوامل التي تساعد على تماسك القالب الدرامي مع توظيف 
التراث الشعبي» أن كثيرا من موضوعاته القديمةء قد عولجت من قبل على 
أيدي بعض الكتاب» كما هي الحال مع حكاية «أبي الحسن المغفل» ونحوها 
من قصص ألف ليلة وليلة» الأمر الذي يجعل التناقض السابقء لا يثير 
أمامنا غرابة. وخروجا عن المألوف. خاصة وأن «تاريخ المسرح» أوضح 
دائما أن بعض الموضوعات المسرحية؛ التي عولجت بقوة من قبل على أيدي 
الكتاب المسرحيين في الماضي ظلت تضفي سحرها الأبدي على المؤلفين 
المتعاقبين» . وإلى جانب ذلك ظل الكثير من الأساطيرء والقصصء وأحداث 
التاريخ تغري بمعالجتهاء واستعادتها فوق خشبة المسرح» دون أن تفقد 
أثرهاء ورونقها بل ربما ساعد استبصارها عند أكثر من كاتب» وفي أكثر 
من عصرء على أن يستمر نمو الطاقة الدرامية في داخلهاء بما يتضافر لها 
من غذاءء تتمثله كل مرة في مغزى جديد. 

ويمكننا أن ننصت لصدى انعكاس أجواء التراث الشعبى» وأجواء المطابقة 
للحتمية السائدة في بعض الأعمال المسرحية؛ التي ثراها أكثر إفضاحا عن 
مظاهر القيود. ومظاهر التحرر في صياغة أيديولوجية السلطان من 
مسرحيتي حسن يعقوب العلي. ومن ذلك مثلا مسرحيات: «العطش» لمحمود 
00000 زاد الحلم اا لأحمد جمعه» و«المغني والأميرة» و 
«هالشكل يا زغوان» لعبد الرحمن المناعي. 

لا قن مسري لكي شن مر رشان اه من هيه 
تقنيتها في مطابقة الحتمية السائدة في الواقع. إنها توغل في هذه المطابقة, 
لدرجة تجعل لها إطارين أو شكلين من أشكال المطابقة للصراع السائد, 
أحدهما أزلي-مطلق. وهو ذلك الصراع القائم بين القوي والضعيفء والآخر 
نموذجي-مطلق؛ وهو ذلك الصراع القائم على وجود الأيديولوجية القهرية 
للسلطان.وتحكي لنا مقدمة المسرحية قصة الصراع الأزلي الأول في زمان 


مسرحه الستلاطين 


نسبي(الأمس). ومكان نسبي أيضاء (مكان ما في الأرض أو السماء). وبأسماء 
تنطوي على دلالة الانقسام. فهناك «بار» (وهي تسمية شعبية مستمدة من 
الإنجليزية يراد منها القوة) الذي يرمز إلى القوة المتمردة. وهناك «سلام» 
الذي يرمز إلى الضعف والقعود. يتحدثان في جو يوحي بالجفافء والجمود 
عن لعنة «العطش» التي حلت بمدينتهما المنفيان منها. وفي هذا الحوارء 
يقر «بار» العزم على العودة إلى مدينته بعد أن أدرك لعنة العطشء بدعة 
اختلقها الأقوياء للسيطرة على الضعفاء. وسرعان ما ينقل الكاتب الانقسام 
السابق بين «بار» و «سلام» إلى مدينه زمانها نسبي أيضاء (الحاضر) 
مستهدفا التصويرء والمطابقة للنموذج المتحقق من الصراع» والانقسام بين 
القوة والضعف في المجتمع المعاصر. فقد تحول «بار» إلى «سعد الغريب» 
الذي يدخل مدينة يهلكها العطشء دون أن يحرك الأهالي فيها ساكناء 
والعطش بدعة اختلقها سلطان المدينةء اضطهادا منه للمتمردين على سلطتهء 
هذا السلطان الذي يسبب العاهات للأعرج المتمردء ويجعل منه أداة رؤية 
لتخويف الأهالي» في الوقت الذي يتحالف مع «الصاحب» (تسمية شعبية 
تعني الأجنبي) ويمنحه حق استباحة أراضيه في مقابل حماية أيديولوجيته 
السائدة. كل هذه أسرار يكشفها سعد الغريب للأهالي ويحرضهم على 
الثورة على سلطان المدينة ومستعمرها. 

ومن غير العسير أن ندرك أن الكاتب لم يستهدف سوى المطابقة الشديدة 
للظروف الخارجية التي كان فيها مجتمع الخليج العربي مرتبطا بأيديولوجية 
متحالفة مع الاستعمار البريطاني. بحيث أصبح الواقع الخارجي المتحقق 
في سلسلة متصلة من الوقائع العامة بمثابة التصميم الذي يفرض على 
الكاتب رسم جميع الخطوط الدرامية المطابقة له. ولا مراء في أن مثل هذه 
المطابقة تظل عاجزة عن تحقيق رؤية جديدة:؛ أو ابتكار موضوع مؤشر مهما 
جاهدت في سبيل ذلك بوسائل الزخرف الطبيعي» ومظاهر التعمق 
الميتافيزيقي» كما هو في مسرحية «العطش» فنحن نجد الكاتب يهتم بجملة 
من الوسائل» التي من شأنها أن تضلل المتلقي عن الاهتداء إلى طريق 
المطابقة؛ وتكسو أجواء المسرحية برغبة في عدم الاكتراث بالواقع؛ فالأسماء 
ذات دلالة رمزية مرتبطة بالشخصية النموذجية. والزمان والمكان مطلقان:» 
والصراع ينحدر من حتمية مطلقةء وتفاصيل الجفافء. والعطش ذات دلالة 


31۹ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


تعبيرية تضفي على العرض المسرحي انبهارا خارجيا ذا تأثير شكلي؛ فالشأن 
في هذه المسرحية ليس لتفاصيل المكانء وإنما لمجاراة الواقع. إنها لم تخلق 
من أجل تجسيد فكرة تتخطى حدود الواقع؛ كما يفعل كتاب الدراما الرمزية 
أمثال ميترلنك وبيكيت» ويونسكو وغيرهم» وإنما خلقت من أجل الزخرفة 
الشكلية لمطابقة الحتمية السائدة في الواقع. فنحن ما أن نخرج من تلك 
التفاصيل» حتى نجد نماذج الواقع «الطبيعي» تتزاحم في صدامها بمتابعتناء 
ونعود حينئن إلى الاتصال المتراخي بتلك النماذج. لأن كل ما سيقوله الكاتب 
عن فعل الاضطهادء الذي يمارسه السلطان و «الصاحب» أو فمل المقاومة 
التي يمثلها «سعد» والأهالي نكاد نتوقع حدوثه عن طريق ما ينبي به من 
إمكانات التقابل مع الواقع. 

وهناك وسيلة أخرىء» لم يستخدمها محمد عواد إلا من أجل زخرفة 
أسلوب التطابق مع الحتمية السائدة. وهي انتزاع بعض الأسماء من أجواء 
التراث الشعبيء مثل «خيل إبليس» و«بار» و «الصاحب»» ومثل «طائر الرخ» 
الذي رآه «سلام» في منامه و «الوحش» ذي الرؤوس السبعة, الذي تنكر 
«الصاحب» في صورته. ولم يكن استخدام مثل هذه الأسماء قادرا على 
زحزحة الفعل الطبيعي عن حركة الفعل المسرحي. لأنها لم تزد عن كونها 
رداء تنكرياء تتخفى وراءه نموذجية سافرةء تطبع حركة الفعل» وحركة 
الشخصيات بين طرفي الاضطهاد. والمقاومة. 

وربما كان الجانب الوحيد الذي أصاب الكاتب في توظيفه لا يتراءى إلا 
في استخدام «خيل إبليس». إذ لم ترتبط دلالة هذه التسمية ارتباطا ميكانيكيا 
بإحدى الشخصيات النموذجيةء وإنما ارتبطت بسياق الفعل المسرحي. 
فسلطان المدينة هو الذي يرغم الآهالي على التصديق بأن ذلك الآدمي 
الأعرج المشوه ينتحل شخصية خرافية «خيل إبليس»» من أجل ترويض 
نزعته العقلانية المتمردةء وكبحها بالفكر الغيبي. ومن ثم فقد لامس الكاتب» 
بتوظيف هذه التسمية الشعبيةء جانبا دقيقا من اضطهاد الأيديولوجية 
الحاكمة؛ وهو بعث مظاهر العجزء والإحساس بالقهر عن طريق الاعتراف 
بالسيطرة الخرافيةء وإشاعة التصديق بها في حياة الإنسان العادي. 

ولما كان مثل هذا الجانب مرتبطا بأيديولوجية السلطانء فقد استهدف 
الكاتب مقاومته على لسان (سعد)ء الذي يقول: «خيل إبليس خرافة يرفضها 


مسرحه الستلاطين 


العقل.. . ويبدو أنها نوع من التبرير لخوفهم.. .» بل إن الكاتب يحرص 
طوال المسرحية على أن يجعل بطلها ثائرا على السيطرة الخرافية؛ ومحاربا 
النزوع الغيبي» في تفكير الأهالي: لأنه سبب بلادتهم: وتسليمهم بالعجز. 

لقد ظلت الوسائل التي زخرف بها محمد عواد مطابقته للواقع» معزولة 
تماما عن إمكانية التجسيد لأي فكرة تتخطى التصميم الخارجي للواقع, 
وكأنها بمثابة الإدعاء الكاذب بالرمز أو بالكثافة والتجريد. وريما لم يعن 
ذلك إلا مزيدا من الالتزام بالحتمية السائدة من جهة:؛ والمقاومة لأيديولوجية 
السلطان من جهة أخرى. إن هذا الالتزام هو الجهد» الذي أنفقه الكاتب 
حقا من مسرحيته. وأبلغ مظاهره تتجلى في إدانة التشويه الجوهري المزمن؛ 
وهو تناقض أيديولوجية السلطان مع الديمقراطية والعقلانية: فالبطل الذي 
أدرك العلاقة السببية بين فعل القهر. والسيطرة الخرافية على الواقع من 
شأنه أن يدرك ما هو أخطر من ذلك» وهو أن عطش الأهالي الحقيقي؛ 
ليس إلى الماءء وإنما إلى الحرية. فالسلطان يغريه بتحقيق ما يريد للمدينة. 
فلا يطلب الماء. وإنما يقول: «أريد تحريرها وتحرير أهلها.. أريد لهم 
الحرية...» ومن ثم أصبحت غاية «سعد» هي أن يروي عطش الأهالي إلى 
الحريةء وأن ينتزع لهم حقوق المشاركة في السلطة. وهذا كفيل يجعله 
العنصر الأساسي في مقاومة أيديولوجية السلطان. بل إن الكاتب لم يشغل 
نفسه بشيء قدر اشتغاله بهذا العنصر الدرامي في مسرحيتهء بحيث أتى 
ذلك على بنيتها بالترهل: كما أتى على لغتها بالاسترسال؛ والخطابة الفجة 
في كثير من المقاطع؛ وخاصة على لسان «سعد» ثائر المدينة. ومخلصها من 
العطش. 

والمظهر الأساسي لميوعة حوار المسرحية؛ ينبعث من أن مواقف المواجهة 
بين «سعد»» وبين السلطانء والصاحب محدودةء ومحصورة في زاوية تناقض 
مكشوف بينهم» ولكن الكاتب مع ذلك يجعلها معجونة بكثير من الجمل 
الحوارية الفضفاضة. وكأن المشكلة الفنية التي خلقها محمد عواد لمسرحيتهء 
أنه جعل الفعل المسرحي المحدود. في قالب لغوي ممطوط ويمكننا أن 
نلاحظ جانبا من هذه المشكلة في المقطعين الجاريين على لسان السلطان 
في حواره التالي مع الصاحب. 

الصاحب: (مفكرا) أصمت.. .. 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


سلطان: كيف أصمت.. وأفكاره هكذا .. كيف أصمت ومكره وحيله تفوق 
مكرنا وحيلنا إنني أتوقع زوال سلطاننا وجبروتنا على يد هؤلاء البهائم.. 
إنني أحلم كل ليلة حلما مزعجا يوقظني من نومي.. ويبعث الرجفة في 
أوصالي.. إنني مريض يا سيدي.. . عليل منهمك.. 

الصاحب: (ثائرا) أصمت عليك اللعنة وعلى أحلامك.. . دعني أفكر... 
أريد هدوء للتفكير.. . هل فهمت.. . أريد أن أفكر. 

سلطان: فكر.. فكر.. . يا جناب الصاحب.. . أما أنا فقد عجزت عن 
التفكير. إن هذا اللعين يكاد يتغلب علينا بأفكاره وحيله.. . إنه داهية 
مخطط.. . والأفضل أن تفكر في وسيلة نتخلص فيها منه قبل أن يتخلص 
منا ويخمد أنفاسنا.. . هذا ما أحلم به كل ليلة...».(° 

(التأكيد منا على الجمل المكررة) 

إن المسرحية محشوة بالكثير من الجملء والمقاطع التي تحذو صياغتها 
حذو المقطع الثاني في الحوار السابق على لسان السلطان. ولا نشك في أن 
مثل هذه الصياغةء تعطل حركة الفعل المسرحي» وتستلب منه أعز خصائصه 
المسرحية, وهو التوازن التلقائي بينه وبين الحوار. والحق أننا لا نستغرب 
تطنيكم اا السايقة فى مسيدية الحطضي. إذا ها داكا أن الوسائل 
التي أغرق الكاتب بها مسرحيته كالرمزء ودلالات التراث الشعبيء والإطلاق 
النسبي للزمان والمكانء لم تتجاوز بأثرها الزخرفة السطحية للفعل المسرحي. 
لقد ظلت تحوم حولهء كما مضينا إلى توضيح ذلك فيما سبقء دون أن 
تتداخل في مواقفهء أو تمتزج بطاقته الدرامية المؤسسة من المواجهة بين 
فعل الاضطهادء وبين الدعوة إلى الديمقراطية. 

وإذا كانت مسرحية «العطش» هي مثالنا الفصيح على أن أيديولوجية 
السلطان تصل إلى مرحلة النمطية الجامدة: كلما ازداد سياقها المسرحى 
ازقباظا بالحمية الساكدة واققرانا شيو الطايقة لحد اقا الخاريهية: فان 
مسرحية «شهرزاد الحلم والواقع» لأحمد جمعه © هي مثالنا على أن 
أيديولوجية السلطان:؛ تتحرر من بعض قيود النمطية الجامدة حين تكون 
مستلهمة من مادة التراث الشعبي. فالجوانب النموذجية لشخصية السلطان 
في هذه المسرحية لا تستأصل دوافعها الذاتية؛ ولا تدعوها إلى الانغلاق 
في أفعال نمطية غير نامية فوق خشبة المسرح؛ وإنما تدعوها لاستقطاب 


مسرحه الستلاطين 


الطاقة الدرامية لفعل الشخصية:؛ ولأفكارها . ونعتقد أن ذلك أثر غامر من 
آثار حكاية شهرزاد مع الملك شهريار. على الكاتب. ليس من خلال أصلها 
الشعبي المعروف فحسب وإنما من خلال استلهامها المتكرر في مخيلة بعض 
الكتاب المسرحيين العرب أيضا. 
فاستطاع أن يبرز من خلالها صورة معتمة للحاكم المستبد» الذي ينعكس 
سوء حاله بعد خيانة زوجته مع العيد الأسود على سوء الحال الاجتماعية: 
وعالجها على أحمد باكثير في مسرحية «سر شهرزاد» من زاوية يؤكد فيها 
على أن قتل شهريار لزوجته ليس إلا صورة مفرطة لنزواته؛ ومظهرا لإطلاق 
شهواته بسفك دماء العذارى بعد التمتع بهن. وقد اتخن أسلوب التحليل 
النفسي,» وسيلة لإثبيات ذلك فجعل «شهرزاد» توقظ عقل الملك» وتقنعه 
بترك عادته البشعة مع العذارى عن طريق حكاياتهاء ولكن دون أن تزحزح 
وا ا ا ی ق 
مسرحية «شهرزاد» فى ضوء فلسفته الذهنية القائمة على ضرورة التوازن 
بين مطالب الجسد. ومطالب الروح. فجعل شهريار ملكا مهزوم الروح قبل 
أن تحكى شهرزاد حكاياتها علیهء ولكنها بعد حكاياتها هزمت انتصاره على 
أجساد العذارى: وأصبح يجد فى شهرزاد انعتاقا لروحه. وهزيمة لجسده. 
وظل ينساق وراء الإخلاص المحض لهذه الروح, إلى أن أصبح في حكم 
المقضي عليه في النهاية. ومن ثم كان شهريار مثالا للتطرف. وعدم التوازن 
فى كلتا الحالتين. 

وتكاد مسرحية «شهرزاد الحلم والواقع» لأحمد جمعة تستفيد من معالجة 
المسرحيات السابقةء فهي تهتم بإبراز الأثر الاجتماعى لاضطهاد الملك 
العبودية البشعة. كما تظهر مواقف كثيرة للنائحات على بناتهن اللاتى 
سفكت دماؤهن ظلما وبهتانا . فضلا عن أنها تظهر اضطهاد الملك لوزرائه. 
وازدراءه لهم . وتهتم أيضا بجوانب سيكولوجية في شخصية الملك شهريارء 
الخيانة الأولى لزوجته. ونحن منذ البداية نشاهد شهريار» يفصح لنا عن 
جدور نزوة الاضطهاد في ذاته فيقول: 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


«أنا شهريارء آنا الدم؛ آنا زهرة الموت» أيتها العذارى سأمطركن بدمي 
القاني» لن أكون شهريار إذا لم أفعل ذلك (بانكسار مؤقت) أريد امرأة 
تحبني (برجاء) أريد امرأة تشفق علي (بتضرع) أريد امرأة تغسل هذا 
الجرح من قلبي...7. 

إذن فإن الإعلان عن الصورة الدموية؛ والإفضاء برغبة الاضطهادء 
تقترن مع غياب المثل الأعلى للمرأة في شخصية (شهريار) لدرجة يمكن 
القول: بأن الاضطهاد هو النزوة المعبرة عن ذلك الغياب» والمخففة لآثاره 
النفسية المتوترة. وتظل شخصية شهريار طوال مسرحية أحمد جمعه غير 
معافاة من أمراضهاء كما كانت عند باكثير والحكيم. وربما كانت نزواتها 
المرضية أكثر تأثرا بنزوات شهريار في مسرحية توفيق الحكيم بوجه خاص» 
كما سنرى ذلك من العرض والمقارنة. 

إن أحمد جمعه يتبع منهاج الحكيم في جعل دوافع الفعل الدرامي 
للمسرحية مرتبطة بالتغيرين السيكولوجيء والذهني» الذي أصاب شهريارء 
بعد أن فرغت شهرزاد من حكاياتهاء وريما أفسح أحمد جمعه جزءا من 
مسرحيته لتصوير شخصية الملك قبل هذه الحكايات» ولكن ذلك لا يعنى 
ااا با كى رة الطاب للملاقة اكدواطية العاينة فى شخصية 
شهريار. فقد ظلت عناصر الفعل عند أحمد جمعه نابعة من رصده للتغيرء 
الذي أحدثته شهرزاد . تماما كما كانت هذه العناصر قائمة على نفس المنبع 
في مسرحية الحكيم. 

وتنعكس وحدة الأساس الدرامي في المسرحيتين على قيام مظاهر 
متفرقة؛ تبين لنا مدى سلطان مسرحية توفيق الحكيم على مسرحية أحمد 
جمعه. فالحوار تسوده نزعة ذهنية؛ تنحدر إليه من شهرزاد الحكيم. وشهرزاد 
نفسها لم تزد عن كونها مثلا أعلى للمرأة يتسامى أمام شهريار إلى أن 
يتغلغل في أعماقهء ويزيح عنه قناع «الملكية» ويستبدله بشخصية أخرى. 
وهذه نفس المهمة التي ترتادها شهرزاد في مسرحية الحكيم» بل إن الفلسفة 
التي تعتنقها شهرزاد عند أحمد جمعه؛ والغموض الذي تتلفع بهء والشبهة 
التي أثيرت حول اختيارها المقصود لهزائم الملوك» وانتصارات الشعوب في 
حكاياتها. وصفاتها الشخصية التي ملكت بها زمام الملك» أقول: إن كل ذلك 
يعكس لنا آثار الأقدام التي تذرعها شهرزاد توفيق الحكيم في مسرحية 


324 


مسرحه الستلاطين 


أحمد جمعه. 

ونعتقد أن التأثير المستمد من مسرحية الحكيم لا يفرغ مسرحية أحمد 
جمعه من مكابدتها الدرامية في بعث بعض الأصداء الجديدة لحكاية 
شهرزاد . فإذا كانت هذه الشخصية النموذجية, الملهمة. وسيلة مشتركة 
عله توكيق سكي کد لسار و ا اللناكد وكا ينانا 
الروحي والماديء فإن تأثيرها الدرامي على الملك شهريار عند كلا الكاتبين 
يكن جواش الالتعالاف واللغايرة: كتوق الحقم سعيد فو ر ةة 
خائعةقسى لفأضيل كلذك التركرة يق زو السادلي يق خلال اسقياده 
فبديوتوجية املك القاكمة على التطرفه وعدم الكواوؤن: تما يستهيدف 
أحمد جمعه رؤية سياسية خالصةء تسعى لبيان الآسس اللاعقلانية أو 
اللامنطقية في أيديولوجية الملك. ومن ثم كانت شهرزاد عند الحكيم رمزا 
اطق ف كل مو اروج والعقل ب والحلكيدةة وا ت عفد | حون جد 
رمزا للحرية والعقلانية. 

ويمكن القول: إن الكاتب استغل فكرة الأصل الشعبي للحكاية؛ التي 
جعلت شهرزاد منقذة لبنات جنسها من نزوة «اضطهاد الملك». فجعلها مرة 
أ ده وار ولكن لين مق آخل العذارى عسي واا من لجل 
الإنسانية كلها وليست حكاياتها للملك شهريار إلا تمثيلا حقيقيا لثورتها 
التيضاع على حكمة انيد فقن اخذت تقنعه يحقمية زوال ملكة من 
اخاؤل.عرضها لتم اهزاكه لرك والتسان افعو ها كسك من 
قصص. فاستطاعت في البداية أن تشر رعب الملك ثم ما لبشت أن جعلته 
محبا مسجونا في حكاياتهاء وحين تنبه بعض الوزراء لخطورة شهرزاد 
أثاروا حولها تهمة التآمر عليه وطلبوا امتحانها أمام العالم أبي الفضل. 
فخذلتهم جميعاء وأفحمت منطق أبي الفضلء وانتصرت على نوايا الملك. 
وشكوكه؛ فازداد تعلقه بها . ولكنها بلغت مرحلة اليأس من تغيير أيديولوجيته. 
ولم تجد حينئذ سوى أن ترفض البقاء في القصرء وتتحول إلى نقيض 
مطلق لأآيديولوجيته. 

وحن ترام شيا و الى لا فر بهذا وة زنك 
شهريان. يكو المجال مفعريها أماح لكاي لاسياغ البلا انمتية على 
جركتياء کو کی اا را من اها رد شور انحن اا 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


الواقعية والأسطوريةء وتنكشف عن كونها حقيقة مطلقة لقيمة الحرية. 
وهنا يعود أحمد جمعه للالتقاء مع توفيق الحكيم عند نقطة هامة من تطور 
الفعل الدرامي» وهي بلوغ الملك شهريار مرحلة الانفمار بمثل أعلى يخلخل 
أيديولوجية الملك تحت أقدامه. لقد استمد شهريار الحكيم من شهرزاد 
وعيا جديداء جعل أيديولوجيته النزوية تواجه انقلابا فظاء لأنها أطلقته من 
عقال غرائزه إلى ديمومة لا قرار فيها. وهاهو يقول لها علانية: 

ولا آريد آن انقسن كنت قبل اشعرولا اع , اليوم آنا اعى ولا اشع 
كالروح ومن ثم فقد انهزم «الملك» في شهريارء وأصبحت شهرزاد نبوءة 
العهدء الذي لم تستطع أن تحققه للملك. كما نفهم ذلك من قولها: «أنت 
إنسان معلق بين الأرض والسماء ينخر فيك القلق.. . لقد حاولت أن أعيدك 
إلى الأرض فلم تفلح التجربة.». 

ونجد شهريار في مسرحية أحمد جمعه يواجه انقلابا متوازيا من الوجهة 
الدرامية؛ مع الانقلاب السابق لشهريار الحكيم» فالمثل الأعلى للحرية يهزم 
المثل الأعلى للأيديولوجية المغلقةء والعقلانية تهزم اللاعقلانية. إن جبروت 
شهريار لا يستطيع إرغام شهرزاد على البقاء في القصرء وما عاد هذا 
الملك قادرا على أن يحتمي بأيديولوجيته. أمام شهرزادء وإنما عاد يطلب 
الاحتماء بالمثل الأعلى فى شخصية شهرزاد . نلاحظ ذلك بوجه خاص فى 
الاقف الأخيرة من الوح فاا يحمل اى الاك ةا تسرد السيش 
عليهء ولكنه لا يحرك ساكناء وإنما يضع شهرزاد في خيار بين أن تقبل 
احتماءه بها أو يقضي شهريار على التمردء لكن الرغبة في الاحتماء بشهرزاد 
تنمو نحو دخول شهريار في حالة عقلانيةء واعيةء يقر فيها بحتمية سقوط 
أيديولوجيته. كما أقرٌ شهريار الحكيم بذلك من قبل. إنه يقول للقائد. الذي 
يريد أن يفتك بشهرزاد : «أنا دخلت منطقة الوعي.. . فأيقنت أن هذه 
المملكة تصير إلى الزوال ما لم تمنحها هذه السيدة من قوتها ووعيها. أما 
أنت فلا زلت عبد القوة.. . كنت مثل شهريار.. .° 

وتنتهي المسرحية بنبوءة واضحة؛ سافرة المغزى. تتضاءل فيها القيم 
الشعرية التي كانت تتضمنها نبوءة شهرزاد في مسرحية «توفيق الحكيم» 
فالملك يسقط على الأرض بعد أن يقول: «هذه المملكة قد آن لها أن تحتضر 
لقد مضى عصرها.. . وآن لعصر آخر أن ينبعث» أليس هذا ما حاولت أن 


5326 


مسرحه الستلاطين 


تقوليه يا شهرزاد؛ فإذن صدقت.. . صدقت نبوءتك.. . أولا يقف الكاتب 
عند هذا الحد من الإفصاح. والتقريرء وإنما يمضي إلى استباق تحقق 
النبوءةء فالمكان ينفجر بالدماء وصوت القائد ينادي: «أحرقوا شهرزاد ...» 
بينما تصدر صرخة عميقة من شهرزاد» وتنطفيّ الأضواءء لتعود بعد ذلك 
في شكل قطع بيضاء فوق أنقاض الجميع. وكل ما سعت إليه هذه الخاتمة 
من قوى الإثبات والتقرير. وضجيج الوسائل المسرحية من موسيقى؛ وأضواء 
و «أصوات» الباريتون؛ والكورس المترنمة بشعر شيللرء تكاد تكون مختزلة 
في خاتمة توفيق الحكيم» التي يبلغ الحوار فيها مرتبة الشعر. 

«العبد: (يتبعه بأنظاره حتى يختفي) لقد ذهب. 

شهرزاد: لا مفر له من هذا. 

العبد: أقسم أنها دماء زوجاته ! هي دماء زوجاته مضى عهد الدماء. 
لكن هذا ما صار إليه الرجل. 

شهرزاد : (كالمخاطبة نفسها) دار وصار إلى نهاية دورة. 

العبد: (يتحرك فجأة) أستطيع أنا أن أعيده إليك. 

شهرزاد: خيال ! شهريار آخر يولد غضا نديا من جديد. أما هذا 
فشعرة بيضاء قد نزعت 4 19) 

لقد جرى أحمد جمعه إذن» وراء نفس المهمة التي ابتكرها توفيق الحكيم 
لشهرزاد. وهي أن تبلغ بالدائرة إلى حتمية الانغلاق (دار وصار إلى نهاية 
دورة). وكل ما هنالك أن أحمد جمعه لم يجعل مهمته تصب من منابع ذهنية 
أو فلسفية محضة: وإنما جعلها تصب من منابع رؤية تخاطب «الجوهري» 
المشترك بين أيديولوجية شهريار النزويةء وأيديولوجية الظرف الاجتماعيء 
والسياسي الراهن في المجتمع العربي. وقد لا تفيب على الكاتب حدود 
الاستفادة التي بلغها من توفيق الحكيم» أو من غيره؛ بقدر ما نعيب عليه 
غلواء اللغة التقريرية فى الحوارء واستجابتها المباشرةء والمتعسفة أحيانا 
لفكرة الإسقاط على الأوضاع الراهنة. كأن يقتحم الحوار إشارة ما إلى 
الفلسطينيين: أو إلى الحرب اللبنانية. ومذبحة تل الزعتر. ذلك أن مثل 
هذه الإشارات الخارقة لأجواء التراث الشعبيء لا تنجو من سذاجة الإيحاء 
في كثير من الأحيانء بل إنها غالبا ما تغلق مخيلة المتلقي» وتفرض عليه 
ضربا من الوصاية. فما لم يكن الفكر. والفعل المسرحي واضحين» متوغلين 


327 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


في مخاطبة «الجوهري» فإن أي إشارة عارضة لن تجدي في الاقتراب من 
«الجوهري» على الإطلاق. وقد كان أحمد جمعه غنيا عن جميع إشارات 
الإسقاط العارضة بجملة لماحة وردت على لسان شهرزادء وهي قولها للملك: 
«جئت من هذي الديار ومن هذا العصر». 

وأيا ما كان الأمر فإن مسرحية «شهرزاد الحلم والواقع» تعمق وضوح 
الظاهرة التي ارتبطت بها مسرحية السلاطين؛ فهي كسابقتها مسرحية 
«الثالث» تخاطب ما هو نموذجي-جوهري في أيديولوجية السلطان» وتبعث 
المعايشة الخلاقة بين أفكارها السياسية المعاصرةء وبين القيم الدرامية 
المتأصلة في الحكاية الشعبية. وتقوم بجس نبض الواقع الاجتماعي. 
والسياسي الراهن. لا بملامسة جلدته؛ وإنما بإزالتهاء والنظر لما هو أسفلها 
من مشاكل جوهرية. بينما لم تتمكن مسرحيتا «عشاق حبيبة» و «العطش» 
فى ظل عنايتهما المسرفة بوسائل المطابقة للحتمية السائدة من تحقيق 
الشكل المتماسك لتلك المعايشة. وقد ظلت جميع الأعمال المسرحية التي 
تبحث عن مظاهر الطاقة الدرامية فى شخصية السلطان لا تحقق أغراضها 
فق هذا الست الا من كلدل الاتحاميق الأساسية: وها 

ا - توظيف التراث الشعبيء أو اصطناع أجوائه. 

- توظيف وسائل الإطلاق؛ والمطابقة للحتمية السائدة في الواقع. 

ويمكن القول: إن الشكل المسرحي مع مسايرة الاتجاه الأول لم يفقد 
عافيته وتماسكه في أغلب الأعمال المسرحية كمسرحية «حسن وفرارة 
الخير» "التي كتبها محمد عواد للأطفال بعد مسرحية «العطش». 
ومسرحيات «المغني والأميرة» و «هالشكل يا زعفران» و «الحذاء الذهبي» 
لبه الرعية الذاضى 7 ورك اك هما ااا وهو دار ع 
و وطن الظاكن» لكلف خمد حاف : 

ورغم أن أغلب هذه الأعمال المسرحية كتب للأطفال؛ إلا أنها لم تخل 
من البحث في عناصر الطاقة الدرامية الظاهرة أو المستترة لأيديولوجية 
السلطان؛ بل لقد حرصت على نموذج التعايش السابق بين هذه العناصرء 
وبين افتتانها بقوالب الحكايات الشعبية. مع ملاحظة؛ أن التعايش الذي 
تحرص عليه لا يعني ذلك التوازنء الذي تمثله مسرحيتا «الثالث» و «شهرزاد 
الحلم والواقع» بين مقاومة السلطان وبين استبصار طاقته الدرامية من 


مسرحه الستلاطين 


الأصل الشعبي. فهناك بعض المسرحيات التي لم تكابد سوى إعادة صياغة 
الحكاية القديمة في شكل مسرحيء يزهو بحوار جيد» ووسائل مسرحية 
ضافية؛ بينما لا تخرج مقاومة أيديولوجية السلطان فيه عن الإطار الدرامي 
في الأصل الشعبي» ذلك الإطار الذي لا يتجاوز الطاقة الدرامية القائمة 
على فكرة الانقسام بين الخير و اتشر وهو ما يتطيق لى مشر ياك «حسن 
وفرارة الخير» و «الحذاء الذهبي» و «هالشكل يا زعفران». 

وهناك بعض المسرحيات التي لم تلتزم بأصل شعبي محدد» وإنما تصنعت 
أجواج وا خيلثة: ييحن شخصياته التموناجية ت عمدت إلى تفیل مشاومنتها 
العقلانية لأيديولوجية السلطان؛ متحررة من الأطر القديمة للصراع في 
الحكايات والآساطير الشعبيةء وهو ما ينطبق على مسرحيات «المغني 
والأميرة» و «النحلة والأسد» و «وطن الطائر». وقد انعكس عدم التوازن 
السايق غك الشخصية التموتجية للسناظان بصوزة واطتحة: حيث وحدناها 
شخصية منقسمة على نفسها. ومصدرا لخليط من الأفكار غير المنظمة 
أو الموظفة بوضوح في المسرحيات الأولى: بينما وجدناها شخصية غير 
منقسمةء ومصدرا لانتظام الفكرة. ووضوحها في المسرحيات الثانية. 

أما الشكل المسرحي مع الاتجاه الثاني؛ وهو المطابقة للحتمية السائدة 
في الواقع فقد ظل عاجزا عن تحرير إمكانات الطاقة الدرامية في 
أيديولوجية السلطان من قيود التطابق؛ وسذاجة التقابل؛ وقد رأينا كيف 
أحالت هذه القيود المحاولات الرامية إلى الرمزء والتكثيف في مسرحيتي 
معشاق حرييةه و الط إلى مجرد إكماء مقف وکت يدون عا 
طالما الواقع الخارجي؛ يشع في مخيلة المتلقي؛ ويستبق حدوث الفعل المسرحي 
على مرأى منها. وقد حاول بعض الكتاب الاهتداء إلى أسلوب مسرحي» 
يخوض تجرية المطايقة للواقع بيعكن الصيغ الشرخية الكاكرة على التغاليد: 
كتجربة سليمان الحزامي في مسرحياته الثلاث «مدينة بلا عقول «و «القادم» 
و«امرأة لا تريد أن تموت» '. وكتجربة خلف أحمد خلف في مسرحية 
نشرها بعنوان «اللعبة». 

وتقع تجربة سليمان الحزامي في تناقض واضح: وهو أنها تغامر بارتياد 
أجواء مسرح العبث واللامعقولء دون أن يستوعب صاحبها تلك الفلسفات, 
أو الأزمات الروحية والفكرية التي كانت بمثابة الأساس العقلي لذلك المسرح. 


5320 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ومن ثم فقد ظلت الأجواء المسرحية الجديدة مصطنعة؛ ومنقولة إليها من 
غير تمحيص ف «القادم» صيغة مبلبلة لجودو في مسرحية صمويل بيكيت 
المشهورة «في انتظار جودو».والأسماء المغرقة في الرمز في مسرحية «مدينة 
بلا عقول» صيغة شكلية؛ توحي بتحرر العالم الدرامي» في حين أنها تنطوي 
على نفس النمطية الجامدة في مسرحيتي «عشاق حبيبة» و «العطش». 
فبدلا من أن تكون المدينة محكومة بسلطان»ء أصبحت محكومة بعبد الآلات 
الأكبرء وبدلا من أن يكون فعل الاضطهاد نابعا من مقاومة أيديولوجية 
الحق الإلهي للسلطانء أصبح نابعا من مقاومة «أسطورة» الرجل الأوحد. 
ولا تختلف جميع المبررات التي يتخذها السلاطين لوجودهم الشرعي عن 
مبررات الاضطهاد التي يرفع «عبد الآلات الأكبر» لواءها لأنه لا يسعى إلا 
لآن يكون «أفضل رجل.. . أحسن رجل.. . أقوى رجل.. . وهكذا حتى يصبح 
عند أبناء هذه المدينة ما يسميه علماء النفس بالعقدة الكاملة.» (215. 

أما نمط الانقسام الذي يبعث لفعل الاضطهاد طاقته الدرامية؛ فلا 
يختلف عما ألفناه في المسرحيات السابقةء فكما يكون حول «العبد الأكبر» 
نماذج للولاءء والمسايرة يكون حوله نماذج للسخط والمقاومة. إنها متوزعة 
الوجود في المسرحية؛ من أجل مطابقة الانقسام السائد في الواقع؛ وتخوض 
في الصراع لا من أجل تحليل مشكلات الواقع: وإنما من أجل التوصل إلى 
إثبات تقريري؛ بحتمية زوال الأيديولوجية اللاعقلانية, كما نلمس ذلك 
بوضوح في خاتمة المسرحية. فقد تمكنت «منظمة التحرير من الآلة» من 
القضاء على مخطط العبد الأكبرء وسقط منهارا متسائلا: «كيف حدث 
ذلك 5» فيجد الجواب بهذه الحتمية من الفتى الأولء الذي يقول له: 

«لا جواب عندي.. . الشمس تشرق ولا أحد يعرف كيف تشرق.. . 
والحرية تأتي.. . عندما تصرخ النفوس أين الحرية.. . 5 وأنت يا سيدي 
كنت فاشلا في تعاليم الحرية.. لذلك ضاع منك أنت كل شيء.. 140). 

إن من الضرورة يمكان آن يتم للكافب امتعاب فسيقة اتشكل السرحي: 
الذي يريد تجريبه: لا من أجل إثبات الفلسفة التي يقوم عليهاء وإنما من 
أجل إزالة جميع المخاطر المحفوفة بارتياد الأشكال المسرحية الجديدة. 
وقد ظلت الأشكال الفنية مطروحة أمام مخيلة الكاتب في كل مكان؛ وفي 
مختلف العصورء رغم اختلاف الفلسفات التي أنجبتهاء لأنه «بمجرد أن 


مسرحه الستلاطين 


يغرجم المضمون إلى شكل فمن لمكن افتباس الشكل واستخدامه كوسيلة 
تكنيكية بحتة بدون الخلفية الأيديولوجية التي انبثق منها»'. وإذن فإن 
أساس نفينا لمقدرة سليمان الحزامي على التحرر من قيود المطابقة للحتمية 
السائدة نابع من سلطة هذه المطابقة على أفكاره» ومخيّلته. ففي الوقت 
الذي لم يستوعب فيه فلسفة المسرح عند بيكيت أو يونسكو أو غيرهماء لم 
يستطع التخطيط لأفكار بديلةء تمكنه من خلق التلاؤم بين ما ينفعل به من 
آفگارء وما يفكتن يه من أشكال .وتستظيع أن تلن مصدافية هذا الأساس 
في مسرحية «اللعبة» لخلف أحمد خلف» قهي مثال واضح على أن بلوغ 
مرحلة الثلاقم السايق: كفيل بالتزويج المقتع لاستخدام الأشكال المسرحية 
الجديدة. 

لقد استخدم خلف أحمد خلف التكنيك؛ الذي اشتهر به الكاتب الإيطالي 
لويجي بيراندللو وهو المسرح داخل المسرح: واستوعب جوانب هامة من 
الأهداف الفلسفية عند الكاتب الإيطاليء كالتماثل بين الواقع والدراما.. . 
أو صورة الإنسان كممثل والحياة كلعبة هي لعبة الأدوار.. "كما جاء في 
تعبير آريك بنتلي: عما حققه بيراندللو تلدراماء ثم إنه استوعب جانبا 
مهماء استطاع به أن يخترق الجلد السميك الذي بسطه الالتزام بمطابقة 
الحتمية السائدة. وهو كشف التناقض بين الواقع والحلم. فالكاتب لا 
يستهدف مطابقة الواقع إلا من أجل تحليل ذلك التناقض؛ وبيان مدى 
تأثيره في خلق شرعية الاستمرار لنفس الواقع المرفوض.. . وما كان لمثل 
هذه الرؤية «النقدية» آن تابث بجرأة: وشراسة إلا في شكل مسرحي رديت 
للشكلء الذي ابتكرته مسرحيات: «ست اقات ق عن الت و 
«الليلة نرتجل» و«كل شيخ له طريقة» و «هنري الرابع.» 

والخطة الدرامية في مسرحية «اللعبة» معدة تمام الإعداد للكشف عن 
التناقض بين الحلم والواقع. فلكل من وجهي التناقض بطله» أو نموذجه 
الأيديولوجي. ونموذج الوجه الأول (الحلم) كاتب مسرحي أراد أن يخلق 
شخصية: يدع أمامها كل السبل لأن تنمو بشكل تلقائي» دون مواصفات 
مسبقةء وبعد تفكير عميق يهتدي إلى أن الشخصية الوحيدة القادرة على 
التحرك التلقائيء دون أن تؤثر عليها وصاية خارجية هي شخصية «الحاكم» 
التي تمثل نموذج الوجه الثاني (الواقع). ومن ثم فقد أحضر بمساعدة 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


صديقه ممثلا مسرحياء وطلب منه أن يخوض في التجربةء التي يريدها 
له» وهي أن يمثل شخصية حاكم فعلي» وأن يتجاهل وجوده (أي وجود 
الكاتب) ويتعامل مع الأحداث والشخصيات دون اي إليه. 

ويبدأ الممثل القيام بالدورء فإذا هو حاكم فعلي تستبد به رغبة جارفة 
لأن يغير التاريخء ويصنع الأقدار عن طريق عقد اتفاقية سلمية بينه وبين 
أعداء يحتلون جزءا من أراضي الوطن. ورغم معارضة الوزير والشعب إلا 
أنه يمضي في خططه الرامية إلى إقامة سلام مع الأعداء. 

ولا يغفل خلف أحمد خلف طوال المسرحية عن وجهي التناقض» الذي 
أراد تفجير مشاعرنا نحوه. بحيث يمكن القول: إن نمو الفعل المسرحي. 
وتحولاته لا تتمثل في الدورء الذي لعبته شخصية الحاكم, وإنما تتمثل في 
تطور احتدام التناقض بين شخصية «الكاتب» وشخصية «الحاكم» كما أن 
يبدأ الممثل في القيام بدور الحاكم حتى تبدأ شخصية «الكاتب» تفقد 
قدرتها تدريجيا على توجيه ذلك الدورء ففي البداية يعلق الكاتب على 
القرارات الفردية التي يتخذها الحاكم بقوله: «لقد خدعني الملعون».. ثم لا 
يلبث أن يصفه بالوحشية والشراسة؛ وعندما يمضي دور الحاكم نحو مواقف 
أكثر خطورةء يتضح لنا بمزيد من العمق» أن الهوة الحادثة بين ما يقوم به 
الحاكم: وما يشعر «الكاتب» و «الصديق» بالحاجة إليه هي نفسها تلك الهوة 
الفاصلة بين أحلامناء ورغباتنا الشعورية ر . وقد بدأ خلف أحمد 
خلف يزيح الستار عن هذه الهوّةء بأسلوب لا تنقصه الجرأة على الواقع؛ ولا 
السخط على الحلم. ففي الوقت الذي يبلغ فيه اضطهاد الحاكم مرحلة 
خطيرة يعلق «الكاتب» و «الصديق» بمثل هذا الحوار. 

الكاقي: يبدو أنك نسيت أنها تجرية: 

الصديق: أى والله.. لقد نسيت.. (ثم مستدركا) ومع هذا فإن هذه 
التجربة تخلق موقفا خطيرا لا بد من أن نتدخل لمناقشته. 

الكاتب: (ضاحكا) عجبا.. تريد التدخل في تجربة لتناقشها وترى كل 
هأ يجرق على زشة الوطن الكبين وشتعت ي 

وربما كانت العبارة الأخيرة من الحوار السابق أكثر عبارات الكاتب 
استخلاصا للتناقض الدرامي» الذي تستهدفه مسرحية «اللعبة» وهو صياغة 
الحرب الباردة بين الواقع وبين المشاعر الواعية أو اللاواعية. في مشاهد 


مسرحه الستلاطين 


تبلغ درجة عالية من التوتر والصدام. فقد مضت علاقة شخصية الكاتب 
بدور الحاكم نحو منعطف بليغ الدلالة. نشاهد فيه الحاكم يواجه الكاتب 
بنفس التحدي الذي يواجه به الأصوات المعارضة لأيديولوجيته؛ فكلما دفع 
الكاتب بشخصية قوية أطاح بها الحاكم» وعندما أراد الكاتب أن ينبهه إلى 
الدور التمثيلي» الذي يقوم به قوبل بالسخرية» ثم حاول أن يدبر له انقلاباء 
ينهي به كابوس التجربةء ولكنه قضى على «الوزير» زعيم الانقلاب» ومثل 
به» وبلغ التناقض بين الحاكم والكاتب طريقا مسدوداء لأن المشكلة أصبحت 
كما يصفها صديق الكاتب: «هل ما سمعناه جريمة في مسرحية؛ أم جريمة 
في الواقع 5.» ولا تنتهي صورة ذلك التناقض إلا بالإجابة عن هذا السؤالء 
فقد تدخل الصديق والكاتب لإيقاف الممثل عن مواصلة دوره التمثيلي؛ 
ولكنهما فوجنًا به يوجه إليهما تهمة التآمر عليهء ويأمر بالتخلص منهما. 

لقد كان احتدام الصراع بين الكاتب والحاكم هو المظهر الدرامي القوى 
لاحتدام التناقض بين الحلم والواقع؛ وكانت وسائل الشكل «البيراندوللي» 
أقدر من غيرها على إثبات مثل هذا التتاقض. وتقديمه بصرامة مؤلمة: 
فقد استطاع تكنيك المسرح داخل المسرح أن يفصل بين وجهي التناقض. 
ويجعل الطاقة الدرامية نابعة من وجودهما معا على خشبة المسرح. وأبلغ 
ما يحققه هذا الفصل لمسرحية «اللعبة» تجسيدها لعنصر جوهري جديد» 
لم نألفه في المسرحيات السابقة وهو أن أحلامنا ومشاعرنا واعية بوجود 
الفعل اللاعقلاني للاضطهاد.وواعية بضرورة تغيير أعنت رموزه. المتمثلة 
في أيديولوجية الحاكم أو السلطانء ولكنها-رغم هذا الوعي-تقف عاجزة 
مصلويةء تجرفها السلطة اللاعقلانية بقسوة شديدة. 

ولا تخلو الخلاصة السابقة من التشاؤم المؤلم» الذي لا يمكن رده إلا 
لقيود المطابقة» والتقابل مع الحتمية السائدة في الواقعء فالمظهر اللاعقلاني 
لآيديولوجية الحاكم في مسرحية «اللعبة» استلهام صريح لزيارة الرئيس 
المصري «أنور السادات» للقدس عام ۱977ء وتخطيطه لعقد اتفاقية صلح 
منفرد مع إسرائيل. وتشاؤم خلف أحمد خلف في ترديد آثار هذه الزيارة 
ليس إلا ثورة غاضبة على صورة رد الفعل (العربي) التي امتلأت بالهياج 
العاطفي, والانفعال الميكانيكي» دون أن تقرر الاتجاه السليم إلى الحل 
العقلاني. وما كنا لنصف تشاؤم الكاتب بالثورة لولا اقترانه بالدعوة لعدم 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


التسليم بالحتمية السائدة. والتخلص من ذنوب التناقض. بل إن هناك 
رجفة تعتري المتلقي من صرخة «الكاتب» في خاتمة المسرحية بقوله 

«تتفرجون.. . تتفرجون على جريمة حقيقية.. . تحركوا.. . اتركوا 
مقاعد الفرجة 20...». ومصدر الرجفة في صرخة الكاتب أنها تذكرنا 
بعنصر الاستمرار في عذابنا الجوهريء وعنصر الإقرار بتناقض مشاعرنا 
مع الواقع. 

ونعتقد أن التصوير الدرامي لعملية الخلق الفني في مسرحية اللعبة 
ال ل بر ا 0 
كاك شحصية العاف هنتم بان الخلق الى عة وا عة يسيطر الكاات 
فيها على أفكاره» ولكنه حين بعث شخصية الحاكم على المسرح انفلت منه 
زمام السيطرة على حركتهاء وامتزج الخيال بالواقع؛ كما رأينا ذلك في 
المصيرء الذي انتهى إليه الكاتب مع صديقه على يد «الحاكم.» وأصبحت 
الحقيقة الماثلة أمامنا هي أنه بدلا من أن يتحكم خيال «الكاتب» في خلق 
التجربة أصبح الواقع هو الذي يمسك بزمام هذه التجربة. حتى نهايتها 
الفاجعة. وإذا كانت هذه الحقيقة؛ تعكس إخفاقا ظاهريا لأفكار خلف 
أحمد خلف حول عملية الخلق؛ فإنها تعمّق خطة التناقض الدرامي بين 
الحلم والواقع؛ وتبني للواقع أسسا أيديولوجية لا عقلانية صلبةء في مقابل 
بنائها لقعود المشاعر ورخاوة مقاومتها لتلك الأسس. 

ورغم ما تحققه مسرحية «اللعبة» من مظاهر الاستيعاب للشكل 
التجريبيء والانفعال بوسائله الدراميةء فإن إضافتها الجوهرية ليست في 
تجربتهاء وإنما في اتجاهها نحو إثبات أن أبلغ مصادر الطاقة الدرامية 
نعثر عليها في أيديولوجية الحاكم أو السلطانء لآنها الأيديولوجية الوحيدة 
القادرة على أن تبني من الحاكم رمزا دراميا للواقع. وقد كان هذا الإثبات 
دأب الكتاب المسرحيين الذي أغرتهم وسائل المطابقة للحتمية السائدة, 
كحسن يعقوب العلي» ومحمد عواد. وسليمان الحزامي» وغيرهم. ولكن 
إثبات هؤلاء لم يبلغ وسائل الإقناع الدرامي التي بلغتها مسرحية «اللعبة». 

وريما كنا على يقين الآن من أن مسرحيات «الثالث» و «شهرزاد الحلم 
والواقع» و «اللعبة» أدركت كيف تعزو للسلاطين: أو الحكام إمكانات هائلة 


3351 


مسرحه الستلاطين 


لعملية استقطاب الطاقة الدرامية في ظرفين اجتماعي» وسياسي حالكي 
السواد؛ وخلقت في التجربة المسرحية ثنائية جديدةء غير مألوفة تجمع بين 
الهواجس الدرامية: والهواجس الأيديولوجية,ء ولو أن حركة التغير في مجتمع 
الخليج العربي لم تصل إلى مرحلة تتموضع فيها عزلة الأنظمة السياسية 
عن حركة القوى الاجتماعية لما كانت هنالك ضرورة تدفع إلى ذلك 
الاستقطاب. وما كانت المخيلة المسرحية في حاجة إلى خلق تلك الثنائية. 
بل إننا نستطيع أن نرد جانبا كبيرا من ثقة الكتاب المسرحيين في وسائل 
المطابقة للحتمية السائدة إلى ما بلغته تلك العزلة من درجات التوترء لأنها 
ألقت بثقلها «الطبيعي» على ذهن الكاتب المسرحي» وخرجت من ثم في 

ونستطيع أيضا أن نرد ظهور الكثير من نماذج التشوه الميلودرامي الفاجع 
في مسرحية السلاطين-وكذا في مسرحية «النوخذة» إلى توتر تلك العزلة 
اللاعقلانية. فالسلاطين-ومثلهم النواخذة-نماذج دائمة للأفعال المتطرفة 
وانعكاس طبيعي للعلاقة غير المتوازنة مع الواقع» ومن ثم دأبت المخيّلة 
المسرحية على الرد عليها بأفعال متطرفة؛ وعلاقات أو نماذج غير متوازنة 
تقابلهاء وتقاومهاء كالمجانين؛ والمعتوهين والحمقى» ومشوهي الخلقة: 
والساخرين الساخطين» ومن أمثلة هذه المقاومة الميلودرامية «عمران» الخادم 
الساخط في مسرحية «عشاق حبيبة» ونظيرة «عنبر» في مسرحية «الثالث» 
والأعرج في مسرحية «العطش» والفتى مع الفتاة اللذين ينوءان بأثقال 
العبودية في مسرحية «شهرزاد الحلم والواقع» و «نصار» المجنون في مسرحية 
المغني والأميرة. والتوأمان الأحمقان «فهمان ونبهان» في مسرحية «وطن 
الطائر». والرجل الطبل في مسرحية «مصباح علاء الدين» ونحوهما من 
النماذج المعذبة. 

والنماذج المشؤهة السابقة التي بعثتها عزلة الأنظمة السياسية عن 
الطبقات الشعبيةء تؤكد لنا أن مقاومة أيديولوجية تلك الأنظمة لا يمكن 
وقفهاء أو التكيّن بحدودهاء فهجماتها تتصاعد من القاع» وتنبىْ بعهد جديد. 
قد يطول انتظاره. ولكنه آت بلا ريب. ولم تكن هذه الوظيفة التنبئية غاربة 
عن استبصار الطاقة الدرامية من «النواخذة» أو «الآباء»» بل لقد كانت أحد 
الشروط المستهدفة من وراء مسرحتهاء ومقاومتها . إنها تشترك مع مسرحية 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


السلاطين في بعث نزعات الحرية والعقلانية فوق خشبة المسرح ولذا 
كانت تشترك معها في اعتناق المثالية الأخلاقية التي تنبنْ بها حركة القاع. 
وقد سبق لها أن أخرجت نماذج مشؤهة عديدة أحاطتها بالحدب» والعطف 
ك «خميس» في مسرحية «النواخذة» و «حبيبي» مع «لطيفة» في مسرحية 
«سبع ليالي» و «طريف ومرشد» في مسرحية «مالان وانكسر» و«أم ناصر» 
في مسرحية «توب توب يا بحر»» ومحمد في مسرحية «ح-ب» و«السكران» 
كن مورا «سرور» و «بو مسعود اة «یا ليل يا لیل»» و «خميسوه» 
في مسرحية «نوره»» و«نشمي» في مسرحية «تنزيلات». وأغلب هؤلاء مجانينء 
وبعضهم مشوهون. ولكنهم مع ذلك يخاطبون اللاعقلانيةء ويقاومون ثبات 
الواقع؛ ويقربون المسافة بينهم وبين ظهور النظام العقلاني في المجتمع. 

لقد غاب الحوار مع السلطة المطلقة في مجتمعات الخليج العربي؛ كما 
تقضي بذلك الحتمية السائدة في الواقع» ولكنه لم يغب على الإطلاق فوق 
خشبة المسرح منذ عهد الارتجال المسرحي. وأعمق ما تحققه مسرحية 
«السلاطين» في سياق ندائها للحرية والعقلانية؛ أنها لم تجعل هذا النداء 
مستورا بالرموز؛ أو مدفوعا في بعض الطرق المتعرجةء كما توحي بذلك 
مسرحية الآباء و«النواخذة» ونحوهم من مترادفات نماذج السلطة القهرية. 
وإنما جعلت هذا النداء مكشوفا في فترة كشفت فيها الأيديولوجية السائدة 
عن جميع أفنعتهاء ومدفوعا بتأصيل مهمتين حضاريتين : تأصيل القالب 
الدرامي بوسائل التراث الشعبي» وتأصيل الأيديولوجية الديمقراطية بوسائل 
عقلانية. وهما مهمتان لا تتعايشان مع الحتمية الراهنة في مجتمع الخليج 
الغريى. 


5336 


تعقبتة :هذه الذواسة: بالاستقصاء: والفتجليل 
ثلاثة اتجاهات رئيسة؛ لم تخرج عن سياقها جميع 
الآثار الفنية التي خلفتها التجربة المسرحية في 
الخليج العربي. ضفي الباب الأول تبينت اتجاها 
ظاهرا لفلسفة المهزلة الفنيةء ولتشكلاها النابعة 
من اشكالات حركة التغير لدى كل من محمد 
النشمي» وعبد الرحمن الضويحي» وحسين الصالح 
الحداد» وصالح موسىء وسعد الفرج» ومحمد عواد. 
وفي الباب الثاني تبينت اتجاها ظاهرا للتشكيلات 
الدرامية الدالة على تشكيلات الانقسام» والصراع 
داخل الأسرة المتغيرة. مؤسسة (أي تلك التشكيلات) 
لقيام ملامح دراما اجتماعية-واقعية. لدى كل من 
صقر الرشودء وعبد العزيز السريّع. وسعد الفرج. 
وفي الباب الثالث تبينت اتجاها ظاهرا لتشكيلات 
المواجهة. والصراع مع رموز السلطة ودلالاتها 
والكيفية التي بعثت بها على خشبه المسرح» في 
سبيل خلق معالجة درامية. سياسية-واقعية. لدى 
كل من راشد المعاودةء وسالم الفقعان؛ وسعد الفرج» 
ومهدي الصايغ؛ وعبد الرحمن المناعي» وحسن 
يعقوب العلي. ومحمد عواد. وأحمد جممةء وخلف 
أحمد خلف. 

ويرتبط الاتجاه الأول بأقوى حركات التغير 
البنائية في مجتمع الخليج العربي» وتحول البنى 
الاجتماعيةء والاقتصادية مع تحول نمط الإنتاج 


337 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


من وسائل الاقتصاد التقليديةء إلى وسائل الاقتصاد الحديثة. واستدعى 
مثل هذا التغير تغيرا جوهريا في المسرح» كان أبرز مظاهرهء انتشار المهزلة 
الفنيةء وذيوع فلسفتها الساخطة على المعاييرء والقوانين» والطبائع. ومن 
أجل ذلك فقد سخرت الدارسة جهدا بينا من أجل تحليل التشكيلات 
الهزليةء وكيفية اندماجها في حركة التغير البنائي. وكان أوضح نتائج هذا 
الجهد هو أن جوهر فلسفة المهزلة الفنية؛ قائم على تعارضها الشديد مع 
جميع أشكال التوجيه الرسمية لحركة التغيرء وجميع أشكال التنظيم 
«العشوائي» اللاعقلانية: لما هو راهن في التغيرء ولما هو قادم فيه أيضا. 

وتقدم لنا الهزليات» أو الهرجات المسرحية المرتجلة أول النماذج الدالة 
على فلسفة التغارض السابقة. فالكيفية الثي كان يقوم عليها الارتجال 
المسرحيء هي تعقب الفعل (وهو التغير الحادث في المجتمع)؛ باستجابة 
تلقاتية لرد الفعل (وهي المعارضة الساخطة. (ومن ثم فقد تشكلت من هذه 
الاستجانة::وسائل كيد لا كر اترا والتعانين السريدية وإلما فقن 
بضرورة ملاحقة أعباء التغيرء بأسلحة تفتك بمظاهر الارتجالء في تشريع 
القوانينء وتنظيم الإداراتء وتحديث المجتمع. 

وظلت جذور مرحلة الارتجال المسرحي راسحة التأثير في المهزلة الفنية, 
المبنية على القواعد المسرحية. فقد نقلت إليها الكثير من الحيل؛ وأساليب 
السخرية. ونقلت إليها وسائل الإفصاح السيميولوجي, التي تكتنز بها اللهجة 
الشعبية الدارجة. ونقلت إليها صلتها العضوية بحركة التفير. وكان أبلغ 
نتائج ذلك كله؛ أن أصبحت نماذج الانقلاب الهزلي عند عبد الرحمن 
الضويحى رمزا لانقلاب الأخلاقء والعادات؛ والمعايير» بعد مجىء التغيرات 
البنائية في كتمع وأمسيضت والهوة الثقافية؛ الحادكة من ذلك الشيرات 
عاملا جوهريا في تأسيس الفعل المسرحي» أو في تشكيل العقدة؛ التي 
تنبني عليها الشرحيات اليؤلية وسيم الحوطه من كتين تلك التثيرات 
المتسارعة عاملا في بعث خيال المهزلة الفنيةء ودفعه لاستخدام وسائل 
الفنتازياء من أجل ردع المظاهر اللاعقلانية. بحدس التنيؤء والاستشراف. 
وأخيرا أصبحت التطورات الاجتماعية المتجهمة؛ تخلي المهزلة الفنية من 
قوى الإضحاكء وتفسح ال مكان للرد على تلك التطورات بجهامة أكثر شدة, 
وامتعاض أكثر مرارة. ومن ثم تغلبت احتمالات ظهور الكوميديا الهزلية 


الخاتمه 


الواقعية. وتملكت البعض رغبة في استخدام الرمزء والتحليل النفسي؛ 
والخيال المتطرف. 

ولم يكن يعني ذلك كله إلا وضوح نتيجة واحدةء وهي أن التشكيلات 
الهزلية التي أتينا عليهاء انعكاس موضوعي للإشكالات الاجتماعية التي 
بعث بها التغير البنائي في المجتمع» وأن هذا الانعكاس لم يتخذ منهجا 
حياديا في تشكله المسرحيء وإنما اتخذ أكثر الصيغ نزوعا إلى الديمقراطية 
وأعمقها تعبيرا عن إمكانات التحرر الفرديء المكبوحة في مجتمع الخليج 
العربي. 

وبمضي الاتجاه الثاني في تفسير الكيفية التي تبلورت من خلالها مفاهيم 
الدراما الاجتماعية؛ من خلال ما طرأ على الأسرة في مجتمع الخليج 
العربي من تغيرات بنائية. فتستكشف الدراسة؛ مع تمحيص هذه الكيفية 
وتحليلها عن تقاليد جوهرية تؤسس-دون شك-لوضوح خصائص الدراما 
الاجتماعية؛ ولتأصيل قواعدها في الحياة المسرحية. وأبرز ما تؤصله من 
«تقاليد» لهذه الدراماء هو فكرة الشك في حتمية المعايير السائدة في نظام 
الأسرةء والانقسام حولها بين ثائر عليهاء ومتمسك بمطالبهاء وزواجرهاء 
ومتماه بسلطتها القوية. ولم تكن الأسرة في مجتمع الخليج العربي تعرف 
بطلا يحمل لواء مثل هذا الشكء أو يثير روح هذا الانقسام» بين أفرادها 
قبل حدوث التغيرات البنائية في هيكل الأسرة؛ وهبوب رياح النزعة الفردية 
بين أعضائها. لقد دخل مثل هذا البطل على الأسرة مع دخول تلك التغيرات: 
ومع حراك القوى الاجتماعية. وتطور معارضتها للنظام الاجتماعي؛ 
والسياسي في سنوات العقد السادس. 

ومن بين التقاليد الأساسية التي تؤصلها هذه الدراسة في سبيل خلق 
الدراما الاجتماعيةء امتزاج الشاك والاتفساة السابقين وودد منابع 
الدوافع الفردية؛ من أجل تحقيق الثورة الشاملة على النظام التقليدي للأسرة. 
فالبطل لا يستهدف انهيار هذا النظام بدافع من الشك وحده» وإنما يستهدفه 
بدافع من رغباتهء واتجاهاته السيكولوجيةء وبدافع من القوانين المحدقة 
به» أو النزعات البشرية المحرضة لأفعاله» بحيث يصبح بطل الدراما 
الاجتماعية بعد ذلك كله. خليطا من الإثم المركب. الذي يدفعه للعصف 
بأكثر من جهةء لدرجة لا تنجو ذاته من هذا الإثم. 


5353© 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ويتجلى بعد ذلك تقليد آخر للدراما الاجتماعية؛ وهو أن الطابع الحتميء 
والمادي في التغيرات البنائيةء سواء ما اتصل منها بأشكال الحراك 
الاجتماعيء أو ما اتصل منها بقوانين توزيع الثروةء وتبدل نمط الإنتاج.. . 
أقول: إن هذا الطابع الحتمي يستنبط حتمية درامية لاتجاهات الفعل 
المسرحى فى الدراما الاجتماعية. بحيث أنه سيشير-بالضرورة-أشكالا من 
التعارض. والاتقبباء داخل الأسرة المثغيرة؛ خاصة يعد الاستفادة من 
تناقضات «الهوة الثقافي» الناجمة عن التغير المتسارع» وعدم تزامن التغيرات 
المادية مع التغيرات اللامادية. 

ويقترن التغير في حجم الأسرة. وانفتاح أبوابها لدخول المثل الأعلى 
للفردية الحديثةء بتبلور جملة من المعالم الأساسية للدراما الاجتماعية من 
بينها تعايش الأفعال مع الأفكار فوق أرضية درامية واحدة؛ واستتباط الأفعال 
الدرامية العنيفة من مظاهر الحياة اليومية؛ العادية للأسرة. أو بعثها على 
خشبة المسرح من أجل إزاحة الستار عن الجانب السيكولوجي لفردية بطل 
الدراما الاجتماعية. وخصوصا حين تلتهب فى داخله رغبة الانفصال عن 
قوانين أسرة الوصاية. ا 

والتنويعات السابقةء بكل ما تؤصله للدراما الاجتماعية من تقاليد 
مسرحية: إنما هي ابتكار مسرحيء لم يخلق إلا من أجل بعث عناصر 
الاق مو النظام تيدع الأسوة. بل إن جي دا تحرره تلك التتويعات 
من ميلاد» لوسائل مسرحية حديثة؛ وجميع ما تستوظفه من أساليب» سواء 
أكانت من تقاليد الميلودراماء أم من فلسفة الرومانسيين, والتعبيريين؛ إنما 
دفعت الكتاب المسرحيين لتشكيلها على المسرح» من أجل خاصية وظيفية 
أساسيةء وهي إعلان الثورة الشاملة على نظام الأسرة التقليدي في مجتمع 
الخليج العربي» وإلهاب ظهر «رموزها» بالضربات الموجعة. 

وهناك نتيجة هامة أيضاء وهى أن تلك الثورة العارمة؛ التى رفعت دراما 
الاسر اتير راما سعط ب سيب شو ياء وضنت إقيالها على النظام 
الاجتماعي التقليدي» أبعادا متفتحة من الخيالء إنها لا تمنح الفرصة 
للتعارض بين الخيال؛ والواقع. بل إنها تستعين بالأول على الثاني. ومن أجل 
ذلك فإن الوعي الجمعي. حين يدفع إلى تشكيل الفنتازيا-مثلا-إنما يدفع 
بالمسرح نحو مواجهة حادة مع الواقع السائد . بحيث يجعل من خيال الفنتازيا 


3410 


الخاتمه 


نقضا لتغير حادث. وتمثيلا لتغير لم يحدث في آن واحد. 

ولا يدع الاتجاه الثالث في هذه الدراسة المجال للنزاع حول نتيجة أساسية: 
وهي أن مخاطبة رموز السلطة القهرية في مجتمع الخليج العربي؛ إنما هي 
صياغة جوهرية: دالة على أن التغيرات الاجتماعية الحادثة في هذا المجتمع: 
لم تحقق لحركة القوى الاجتماعية شكلا ديمقراطيا «واقعيا» يستنبت طاقاتها 
المكبوحة. 

ومن ثم فقد كان ابتداع التجربة المسرحية لنماذ ج«الآباء»» و «النواخذة» 
«السلاطين» بعثا للطاقة الدرامية الملتهبة من ناحيةء وتحقيقا للديمقراطية 
الغائبة من ناحية ثانية. 

وجميع ما تستخلصه الاتجاهات الثلاثة من نتائج: وما تجمله من 
خصائص. وأحكام. إنما يدعم لنا خلاصة جوهريةء ذات شقين» تنهض 
عليهما هذه الدراسة منذ أشواطها الأولى: الأول يفضي بنا نحو حقيقة لم 
نعد في ارتياب منهاء وهي أن المعيار الذي يولد تشكيلات» واتجاهات التجربة 
المسرحية في الخليج العربي إنما هو في وعي القوى الاجتماعية الإرادي 
بحركة التغير: في سياق يستهدف التحقق الذاتي لوجودها. والثاني أن 
التجربة المسرحية في ذلك المجتمع لم تكن تعبيرا عن الحرية المتحققة 
فيهاء بمقدار ما هي بديل عن غيابهاء وعدم تحققها. 

وفي كلتا الحالتين من هذه الخلاصة: فإن ما ينتظم في التجربة المسرحية 
من تشكيلات. أو موضوعات. أو أفكارء لم يكن نتيجة جهد فردي. ضيق» بل 
إنه معطى نابع من جهد مشترك لمجموعات اجتماعيةء متماثلة. جعلت من 
التجربة المسرحية أقوى التجارب تعارضا مع الواقع السائد في التاريخ 
الثقافي لمجتمع الخليج العربي (الكويت والبحرين) . 


الل 


الهو امش 


الفصل الأول 

(1) «السوالف» جمع «سالفة» تستخدم في لهجة معظم أهالي الخليج العربي للاشارة إلى ما 
سلف حدوثه من مواقف. وقصص.ء ونوادر وهي لا تختلف عن الإطار الشعبي للحكايات؛ ولكنها 
أكثر واقعية منها لأنها غالبا ما تدور حول أحداث قريبة العهد. 

80 اا لكرج مضا ززترية وار اللقافة والارشاء نی چا ی 
118 

(3) مجلة «الرائد» يونيو 1953. 

(4) انظر حول هذا الموضوع كتاب «الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري» د. علي الراعي. كتاب 
الهلال. مصر 1968. 

(5) الأرديس نيكول, المسرحية العالمية: ترجمة عثمان نوية؛ ج اء ص 195. 

(6) د. علي الراعي؛ الكوميديا المرتجلة في المسرح المصريء كتاب الهلال» مصر ۱968ء ص|8- 82 
وانظر: كتاب د. محمد يوسف نجم» المسرحية في الأدب العربي» حيث يفترض فيه أن يكون 
اكرون ارين فة اطلموا على الكوميديا دي الارقي: 

(7) الأرديس نيكولء المسرحية العالمية. ترجمة عثمان نوية ج :ص 289. 

(8) مذكرات النشمي؛ الحلقة (2) مجلة «عالم الفن» 10- أكتوبر-تشرين الثاني 1971 . 

(9) يشير النشمي في مذكراته إلى أن هذه الشخصية معروفة لدى معظم الكويتيين في فترة 
تقديم العرض وأنه لم يستهدف بمحاربتها سوى الإصلاح الإداري انظر: الحلقة (3) من المذكرات. 
مجلة عالم الفن؛ 24 أكتوبر / تشرين الثاني 1971 . 

(10) المصدر السابق. 

(11) أنظر ذلك في مقال كتبه عبد الرزاق البصير عن إحدى مسرحيات محمد النشمي» في مجلة 
«الشعب» 27 فبراير / شباط 1958. ولا يذكر البصير اسم المسرحية؛ ولكنا نرجح أنها مسرحية 
«ضاع الأمل» من خلال المواقف التي يشير إليها. وانظر مقال كتبه عبد الله خلف عن المسرح 
الكويتي بعنوان «دخول المرحلة الثانية للبناء الممسرحي» صوت الخليج 20 كانون الثاني / يناير 
966 

(12) مذكرات محمد النشمي؛ عالم الفن: الحلقة (4) 24 أكتوبر / تشرين الثاني 1971 . 

(13) يذكر محمد النشمي في مذكراته عن مسرحية «بلاوي» أن الممثلين تعرضوا لضغوط خارجية 
من أجل منع أداء أدوارهم انظر عالم الفن 31 أكتوبر / تشرين الثاني 197١‏ . 

(14) المصدر السابق 

(15) ذكر لي محمد النشمي أن الفصل الثاني من «قرعة وصلبوخ» هو الذي أوقف من قبل 
الحكومة؛ أما الفصل الأول الذي صور حياة الماضي فقد استمر معروضا كما لو أنه مسرحية 
مستقلة تحت اسم «من الماضي» مما يبرز الانطباع بتفكك البناء المسرحي للمسرحية المرتجلة 
وخاصة حين يزيد طولها عن فصل واحد. 


3413 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


(16) من القوانين المرتجلة التي صدرت عام 1955 قانون شؤون الموظفين؛ وقانون شون العمال. 
وعام ١954‏ صدر قانون السجل العقاري وقانون المطبوعات؛ وقد أدخلت الدولة نظام الدوائر 
الحكومية ولكن مع ذلك ظل ارتجال القوانين وتداخل الصلاحيات إلى أن أقر الدستور وتغير 
الجهاز الإداري. 

(17) نرى أن مسرحيتي «شرباكة» ضاع الأمل «كتبتا إما بعد فترة من التدريب عليهماء وإما بعد 
عرضهما على الجمهور؛ وذلك لأن التوجيهات المسرحية بداخلهما تشير إلى مواقف دخول؛ أو 
خروج الممثلين بأسمائهم الحقيقيةء كأن تشير إلى مشهد دخول محمد النشمي» أو محمد القصارء 
أو عبد الله المنيس. انظر المسرحيتين في نسختيهما المخطوطتين. وهما متوفرتان لدى الباحث. 
(18) أساس هذا الخلاف أن زكي طليمات لم ينظر باهتمام إلى ما يقدمه المسرح الشعبي بقيادة 
محمد النشمي» فبدلا من أن يطور المسرح انطلاقا من كوادر هذه الفرقة؛ وإمكاناتها اتجه إلى 
تأسيس فرقة مسرحية بمضمون عربي وإطار كلاسيكي. وقد أهمل فرقة المسرح الشعبي فلم 
ينصفها حتى من الناحية المادية حيث أعطته الدولة إمكانات مادية كبيرة لدرجة أنه أحضر من 
مصر عددا كبيرا من الممثلين والممثلات برواتب مجزية. وبذا فقد اتخذ طليمات خطوات منعزلة 
عن الكثير من فناني المسرح في الكويت وعلى رأسهم محمد النشمي. 

(19) د. علي الراعي؛ الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري. ص 83. 

(20) أعادت فرقة المسرح الشعبي تقديم مسرحية «شرباكة» عام 1972. 

(21) قدم محمد النشمي «فرحة العودة» مع مسرحية «غرام بو طبيلة» في عرض واحد سنة 1963. 
ولكنه عاد لمراجعتهاء ونشرها في كتاب صدر عن المطبعة العصرية؛ الكويت .197١‏ وقد اعتمدت 
على النص المنشورء أما المسرحيات الأخرى فقد اعتمدت على ما توفر لدى من نصوصها المخطوطة. 


الفصل الثاني 
(١)يعتبر‏ عبد الرحمن الضويحي المخرج الأول لفرقة المسرح الشعبي» ففد أخرج مسرحياته التي 
كتبها باستثناء «الجنون فنون» التي أخرجها خالد الصقعبي. وأخرج سبع مسرحيات أخرى هي 
«يمهل ولا يهمل» ۱966ء ومحكمة الفنانين (1972) «وصخنا الماي وطار الديك» ,1974 وجميعها 
لصالح موسى. كما أخرج «كابوي في الدبدبة» ا۱97 لإبراهيم العواد «وورطة»خريج ۱976 من 
إعداد حمد السبع؛ و«إبراهيم الثالث» ١973‏ من إعداد جعفر المؤؤمن» «وعمارة رقم 1978.220 لراشد 
المعاودة. 

(2) د. زكريا إبراهيم. سيكولوجية الفكاهة والضحكء مكتبة مصرء بدون تاريخ. ص ا8. 

(3) أريك بنتلي» الحياة في الدراماء ترجمة جبرا إبراهيم جبراء المكتبة العصرية بيروت 1968 ص 
301. 

(4) د. محمد حسن عبد اللهء الحركة المسرحية في الكويت, الناشر: مسرح الخليج العربي» 
الكويت ۱976 ص 207. 

(5) المصدر السابق ص 8. 

(6) هنري برجسون» الضحك» بحث في دلالة المضحك؛ ترجمة د . سامي الدروبي ود. عبد الله 
عبد الدائم» دار اليقظة العربية ۱964 ص 8. ٠‏ 


344 


الهوامش 


7( عرضت مسرحية «رزنامة» بإخراج مؤلفها عيد الرحمن الضويحي في الكويت بتاريخ 2 
يناير-كانون الثاني ١1970‏ عرضت في البحرين أيضا بنفس الإخراج عام 197١‏ . 

(8) مسرحية «اصبر وتشوف» الفصل (3) صفحة (6) مخطوطة. المسرح الشعبي. 

)9( هنري برجسون» الضحك» بحث في دلالة المضحكء ترجمة سامي الدروبي وعيد الله عيد 
الدائم ص 26. 

)10( مسرحية «حرامي آخر موديل» الفصل الثاني صفحة )6( المسرح الشعبي. 

(11) أريك بنتلي» الحياة في الدراماء ترجمة جبرا إبراهيم جبراء ص 234. 

(12) د. زكريا إبراهيم. سيكولوجية الفكاهة والضحك ص 69. 

(13) مسرحية «حرامي آخر موديل» مخطوطة. المسرح الشعبي. 

)14( مسرحية «انتخبوني» الفصل الثالث» المشهد الثاني ص 5 مخطوطة. المسرح الشعبي. 


الفصل الثالت 

(1) هربرت ريدء الفن والمجتمع. ترجمة فارس متري ظاهرء دار القلم؛ بيروت: الطبعة الأولى عام 
,1975 ء ص 173. 

(2) بوتومورء تمهيد في علم الإجتماع دار المعارف. القاهرة ۱980ء ترجمة د. محمد الجوهري 
وآخرون ص 350. 

(3) د. محمود عبد القادرء التوافق النفسي والإجتماعي للشباب الكويتي ومشكلاتهء رابطة 
الإجتماعيين: الكويت ,975| ص اا ٠‏ 

(4)د. محمد عبده محجوب» الكويت والهجرة. دراسة للآثار الديمغرافية والإجتماعية, الهيئة 
المصرية العامة للكتاب؛ الإسكندرية بدون تاريخ ص 20. 

(5) أخرج حسين الصالح الحداد اثنتي عشرة مسرحية لفرقة المسرح العربي وهي على التوالي: 
إغنم زمانك لعبد الحسين عبد الرفا و «الكويت سنة 2000 لسعد الفرج» و 24 ساعة إعداد جعفر 
المؤمن. وحط حيلهم بينهم إعداد سعد الفرج و«من سبق لبق» لعبد الحسين عبد الرضا و «الليلة 
يصل محقان» و «القاضي راضي إعداد محمد جابر» و «حط الطير طار الطير» لعبد الأمير 
التركي» و «مطلوب زوج حالا» إعداد عبد الحسين عبد الرضاء وسعد الفرج» وعالم نساء ورجل 
إعداد جعفر المؤمن. وثلاثون يوم حب إعداد أنور عبد الله وإمبراطور يبحث عن وظيفة للدكتور 
سمير سرحان. أما فرقة المسرح الكويتي فقد أخرج لها سبع مسرحيات وهي «حجي فقير وآخر 
لحظة» لرضا علي حسين و «النواخذة» لسالم الفقعان و «لعبة حلوة» لماريفو و «سهارى/»إعداد 
حسين الصالح. و «التالي ما يلحق» لمهدي الصايغء وشياطين المدرسة إعداد محمد مبارك؛ و 
«بوسند في باريس» إعداد فوزي الغريب. 

(6) مسرحية «ناس وناس» الفصل الأول مخطوطة:؛ المسرح الكويتي» ص 5. 

(7) ل.ج. بوتس. الملهاة في المسرحية والقصةء ترجمة إدوار حليم» الدار المصرية للتأليف والترجمة, 
القاهرة ۱965ء ص 137. 

(8) مسرحية «مشروع زواج» حسين الصالح» الفصل الأول مخطوطة:؛ المسرح الكويتي ص5. 
(9) إلفين توفلر» صدمة المستقبل؛ ترجمه محمد علي ناصف. دار نهضة مصرء القاهرة؛ ۱974ء 
کن 2 


345 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


(10) «البرمة» وعاء كبير من الفخار. يستخدم في الصيف لحفظ الماء باردا . قبل أن تدخل أدوات 
التبريد الحديثة في المنازل. 

)11( مسرحية «عتيج الصوف ولا جديد البريسم» الفصل الثالث؛ مخطوطة. المسرح الكويتي؛ 
ص5 

12( عرضت مسرحية «ضعنا بالطوشة» في دمشق بدعوة من المسرح الكوميدي السوري في 
يوليو-تموز 1976 وهي أول مسرحية يخرج بها المسرح الشعبي عن النطاق المحلي «الكويت والخليج» 
أقيم بتونس في يولية 979[ 

(۱3) د. محمد غانم الرميحي؛. البترول والتغير الاجتماعي في دول الخليج العربي. معهد البحوث 
والدراسات العربية. القاهرة. 1975 ص 36. 

.21 مسرحية «يمهل ولا يهمل» الفصل الأول» مخطوطة:؛ المسرح الشعبي» ص‎ )١14( 

(15) اضفر السايق: صن 8: 

(16) مسرحية «شرايج بو عثمان» مخطوطةء المسرح الشعبي. 

(17) أنظر: مسرحية «العلآمة هدهد» الفصل الثاني. مخطوطة: المسرح الشعبي» ص 18 . 


الفصل الرابع 


)١(‏ هنري برجسون» الضحك» بحث في دلالة الضحك» ترجمة د. سامي الدروبي ود. عبد 
الله عبد الدائم» ص 9. 

(2) الأرديس نيكول؛ علم المسرحيةء ترجمة دريني خشية. ص 346. 

(3) مسرحية «الكويت سنة 2000» الفصل الأول مخطوطة: المسرح العربي ١966‏ ص ١‏ . 

(4) «الشخص المحدث» شخصية مجددة تهدف إلى تحويل مجتمعها بتتميتهء وتحديثه من 
خلال نقل نماذج» أو نظم اقتصادية وتكنولوجية إليه؛ أو محاكاتها عن الدول المتحضرة. 

(5) الخثرة: أكلة شعبية قديمة يهرس فيها السمك مع الرز فتبدو في شكل حساء غليظ. 

(6) مسرحية الكويت سنة 2000ء الفصل الثالث؛ النسخة المخطوطة, المسرح العربي» ص 31. 
وهي مطبوعة في كتاب باللغة العربية الفصحىء ولكن مع تغيير عنوانها إلى «دقت الساعة» 
صدرت عام ۱975ء مطبعة حكومة الكويت» وقد اعتمدنا في دراسة المسرحية على النسخة المخطوطة 
باللهجة المحلية؛ لأنها أكثر تلقائية واسلم من التقعّر الذي وقعت فيه بسبب تحويلها إلى الفصحى,؛ 
كما أنها النسخة التي اعتمد عليها العرض المسرحي عندما قدم عام 1966 . 

(7) جون ديوي» الفن خبرة؛ ترجمة د . زكريا إبراهيم» مكتبة النهضة المصرية؛ القاهرة. ص 
2 

(8) أريك بنتلي: الحياة في الدراماء ص 247. 


(9) إلفين توفلر. صدمة المستقبل؛ ترجمة محمد علي ناصف» ص 33. 


316 


الهوامش 


(10) د. محمد حسن عبد اللهء الحركة المسرحية في الكويت. ص 215. 

)11( مسرحية «شرايكم يا جماعة» ص 22:؛ النسخة المخطوطة. المسرح الكويتى 9 . 

(12) استخدم الحلم في مسرحية «لما حصي بطلت أصلي» لعبد الله بركات التي أخرجها 
أحمد الشاهين عام 9 كما استخدم في مسرحية بحرينية باسم «الملل» لفؤاد عبيد عرصت عام 
1973 بإخراج يوسف جمال. 

(13) مجموع ما تنفقه حكومة الكويت على الزراعة والثروة السمكية يصل إلى 0,5 من 
مجموع الانفاقات. أنظر. الميزانية العامة لدولة الكويت 1974- 1975 ص 715. 

(14) حققت المخاوف من المستقبل ضغوطا على حكومة الكويت في السنوات الأخيرةء دفعتها 
لإنشاء «صندوق الأجيال المقبلة» وهو نوع من الاستثمار والضمان لمستقبل الكويت عندما ينضب 
النفط. وقد خصص له 50 / من الاحتياط العام يضاف إليه سنويا 10“ من إيرادات الدولةء 
قصللا عن الدكل من استثمارات أموال الصتدوق: 

(۱5) جان دوفينيو. سوسيولوجية المسرح ترجمة حافظ الجماليء وزارة الثقافةء د مشو 1976 
ج اص 75. 
الفصل الخامس 
(ا عبد الغزيز خسين: شقال هرونة التغاليد: البحثة تير :1948 

(2) توفي صقر الرشود في حادث انقلاب سيارة على طريق الفجيرة؛ خورفكان في الإمارات 
العربية المتحدة حيت كان يعمل فيها خبيرا للحركة المسرحيةء وكان ذلك فى 25/12/۱978 بينما 
كان بدء إعارته للامارات في ١‏ / 3/1978 وتعتبر هذه الوفاة خسارة كبرى لأبرز وجوه الحركة 
حيث كانت عروضه المسرحية التي تقدم في القاهرة ودمشق وبغداد والمغرب وفي المهرجانات 
المسرحية موضع حفاوة. وقد كتب الرشود ست مسرحيات وثلاثا أخرى بالاشتراك مع زميله عبد 
كما أن له مساهماته المحدودة في التمثيل: وتكويت بعض النصوص العالمية كبيت الدمية لأبسن. 
والغربان لهنري بيك و «الجحلة» لبيراندللو, والقاضي خايف لجوردن دافيوت. وقد نال صقر 
الرشود بعد وفاته جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في الفنون والآداب لعام 1979. 

(3) اتخذ صقر الرشود موقفا زكي طليمات شبيها بموقف محمد النشميء لقد كان ينتقد أسلوبه 
الكلاسيكي في الإلقاء والإخراج؛ وينفر من عدم اندماج المسرح الذي يقدمه في مشاكل المجتمع 
الكويتي؛ وكاد لا يعطي زكي طليمات دورا كبيرا في تأسيس المسرح في الكويت. هذا ما كان 
يفصح به أكثر من مرة في مناقشاتي المتكررة معه حول هذا الموضوع حين يزور البحرين؛ وهذا ما 
يشير إليه د. محمد حسن عبد الله في كتابه «صقر الرشود مبدع الرؤية الثانية» بل إن الرشود 
عبر عن ذلك مباشرة في مقابلة أجرتها معه مجلة «الحياة المسرحية» عدد (2) 7ء وزارة 
الثقافة. دمشق. 


347 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


من مرة في دراساته عن الحركة المسرحية في الكويت بهدف توثيق الجانب المتيسر من هذه 
المسرحيةء وقد اعتمدنا على جزء من الملخص المنشور في كتابة «الحركة المسرحية في الكويت» 
الناشر مسرح الخليج العربي ؛1976. ص136 . 

(5) المحاذير التي نضعها هنا تقع على خلاف ما ذهب إليه الدكتور محمد حسن عبد الله سواء في 
كتابة «صقر الرشود مبدع الرؤية الثانية» أو في كتابة «الحركة المسرحية في الكويت» فهو يتجاوز 
التعليق على موضوع المسرحية ليتحدث عن عنصر الحكاية فيها وإجادتها في توزيع عناصر 
الصراع والخصائص الطبقية؛ وكذلك سليمان الخليفي في كتابه «صقر الرشود والمسرح في 
الكويت» فهو يحدثنا عن الطابع الرومانسي. كما يعيد الملاحظات السابقة؛ ونعتقد ذلك جميعا 
ضربا من التجوزء أو التعسف النقدي ما دامت المسرحية مفقودة 

(6) الأسرة «اليسرية» في العرف الشائع هي التي لا تنحدر من أصل قبلي» ولكن هذا لا يعني أنها 
TT‏ إنها في تقديرنا أسرة منحدرة من عشيرة عربية فقدت الروابط القبلية 
إما بطول استقرارها أو بكثرة هجرات أفرادهاء ولذا يمكن ملاحظة أن أغلب الأسر التي تسمى 
«بيسرية» في الكويت مهاجرة إليها من بعض المناطق الزراعية كالإحساءء والبحرين» والعراق: 
والساحل العربي في إيران. 

(7) انظر مثلا التقرير المطؤل الذي رفعه زكي طليمات إلى دائرة الشؤون الاجتماعية مبينا فيه 
خطته في تطوير الحركة المسرحية في الكويت. 

(8) د. عاطف غيث. التغير الاجتماعى والتخطيط. دار المعارف. القاهرة ۱966 ص 19. 

(9) أنظر المشهد كاملا في مسرحية «أنا والأيام» ص 36. 

(10) أنظر: مقال «صراع الأجيال في المسرح الكويتي» سليمان الشطيء مجلة البيان مارس-آذار 
1 وكتاب المسرح في الوطن العربي د. علي الراعي» ص 410 وكتاب الحركة المسرحية في 
الكويت» د محمد حسن عبد الله ص 154؛ وكتاب صقر الرشود والمسرح في الكويت» سليمان 
الخليفي» مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع؛ الكويت» ۱980 ص 87. 

)١١(‏ صقر الرشود مبدع الرؤية الثانية. د محمد حسن عبد الله منشورات مجلة دراسات الخليج 
والجزيرة العربية. جامعة الكويت سنة 1980 ص 165 . 

(12) جورج جورفتشء دراسات في الطبقات الاجتماعية ترجمة أحمد رضا محمد رضاء الهيئة 
المصرية العامة للكتاب» القاهرة ۱972ص 226. 

(13) مسرحية الحاجزء تأليف وإخراج صقر الرشود» مسرح الخليج العربي» ١966‏ مخطوطة» ص 
0 وقد عرضت هذه المسرحية في كل من بغداد والقاهرة. 

(14) «كل من طق طبلة قال آنه قبله» مثل شعبي تضربه «موضي» لذم التقليد الأعمى. 

(15) «لعبة الخشيشة» أو «صادر ما صاده» من الألعاب الشعبية التي تكون بين طرفين؛ يختفي 
أحدهماء ويبحث الآخر عنه حتى يصطاده أو يحسب مغلوبا. 

(16) المضدر السابق: ضن 

(17) «الملآلة» وعاء يستخدم في البيوت القديمة لحفظ الغذاءء ويصنع من الخشبء أو جريد 


النخلء ويكون معلّقا بحبال في السقف . وقد استخدم صقر الرشود «الملالة» عنوانا لمسرحية في 
بداية الأمر ثم أبدله «بالحاجز». 
(18) من المسرحيات الكويتية التي اشتقت نموذجها الدرامي من حتمية التمرد على تقاليد الأسرة, 


مسرحية «صورة» لعبد الأمير التركي التي أخرجها عبد العزيز الفهد للمسرح الشعبي في يوليو 


3418 


الهوامش 


/ تموز 1969. ومسرحية «التالي ما يلحق» لمهدي الصايغ التي أحرجها حسين الصالح الحداد 
للمسرح الكويتي في يونيو / حزيران 4 . 


الفصل السادس 

.354 بوتو مورء تمهيد في علم الاجتماع؛ ترجمة د. محمد الجوهري وآخرون ص‎ )١( 

(2) أنظر حول المفهومات المذكورة لتفكك الأسرة كتاب. الأسرة في عالم متغير؛ د . سناء الخولي. 
الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ القاهرة عام 974| ص 26- 27. 

(3) هناك رأي لسليمان الخليفي يقترب مع ما نطرحه؛ ففي كتابه صقر الرشود والمسرح في 
الكويت» يرى أن كلا من «المخلب الكبير» و «الحاجز» هو إعادة نظر: الأولى في شخصيات 
«فتحنا» والثانية في موضوع «تقاليد» أنظر الكتاب المذكور. ص 29. 

(4) رغم عدم توفر نص مسرحية «فتحنا» فقد وصف الدكتور محمد حسن عبد الله شكلها الفني 
بعدم التناسب, أنظر كتابه الحركة المسرحية في الكويت. ص ١38‏ كما وصفها سليمان الخليفي 
بالرومانسية؛ انظر كتابه صقر الرشود والمسرح في الكويت. ص 28. 

(5) أنظر ملخص أحداث مسرحية «فتحنا» الذي سجله د محمد حسن عبد الله في كتابهء الحركة 
المسرحية في الكويت» ص 137. 

(6) روبرت بروستاين: المسرح الثوري» ترجمة عبد الحليم البشلاوى, الهيئة المصرية العامة للتأليف 
والنشرء القاهرةء بدون تاريخ» ص 23. 

(7) صقر سليمانء مسرحية المخلب الكبيرء مطابع دار الرآي العام» الكويت بدون تاريخ» ص 25. 
(8) المصدر السابق . 

(9) وضع صقر الرشود في صدر مسرحية «المخلب الكبير» المنشورة عبارة يقول فيها «إنني أكره 
القوي الظالم كما أكره الضعيف المظلوم» أحب المساواة. فهل من مساواة وعدل في هذا العالم 
ليحكما بين القوة والضعف ؟» وفي الغلاف الأخير من الكتاب وضع أكثر من عبارة تتسم بالتقرير 
الذهني أو التساؤل المخير كقوله. «نحن أفكار تسيرنا فكرة الصراع للبقاء. مع أنه لا بقاء .. عجبا 
«.. . وقد ضلّلت هذه العبارات وغيرها بعض نقاد المسرحية فاعتبرها تراجيديا.. . كالدكتور 
محمد حسن عبد الله في كتابه» صقر الرشود مبدع الرؤيةء وكسليمان الخليفى في كتابه «صقر 
الرشود والمسرح في الكويت» ص 56 وما بعدها. 

(10) أريك بنتلي؛ الحياة في الدراماء ترجمة جبرا إبراهيم جبراء ص 209 . 

(11) للوقوف على الأخطاء اللغوية في مسرحية المخلب الكبيرء أنظر: المعالجة النقدية المفصلة 
للجانب اللغوي من هذه المسرحية في كتاب الدكتور محمد حسن عبد الله «صقر الرشود مبدع 
الرؤية الثانية» ص 130 وما بعدها. 

(12) روبرت بروستاين» المسرح الثوري» ترجمة عبد الحليم البشلاوي» ص 25. 

(13) أنظر المعالجة النقدية لهذا المشهد عند كل من د. محمد حسن عبد الله في «صقر الرشود 
مبدع الرؤية الثانية» ص 43 .وسليمان الخليفي في «صقر الرشود والمسرح في الكويت»ص 63. 
(14) علي عقلة عرمانء سياسة في المسرح. اتحاد الكتاب العرب» دمشق 978| ص 247. 

(15) مسرحية «الطين» تأليف وإخراج صقر الرشودء مسرح الخليج العربي» مارس ١965‏ مخطوطة 
ص .١8‏ وقد نشرت في مجلة «البيان» الكويتية: أبريل / نيسان 1979. 


341۹ 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


(16) المصدر السابقء ص 38. 

(17) من المسرحيات التي تعتقد أنها تترسم اتجاه صقر الرشود في الكتابة المسرحية «هدوا 
المسلسل» لحمد السبع» التي أخرجها عبد الأمير مطر للمسرح الشعبي عام 1973. والحق الضائع 
التي أخرجها خالد الصقعبي لنفس الفرقة عام 1968 . وطرباش لوماش لسالم الفقعان التي 
أخرجها عبد الرحمن الشايجي للمسرح الكويتي عام 1973. ومسرحية (ح-ب) لخليفة العريفي 
التي أخرجها لفرقة مسرح أوال البحرينية: وبيت طيب السمعة لراشد المعاودة التي أخرجها 
سلطان سالم لأسرة فناني البحرين عام 1969. و«اليريور» التي أخرجها ناصر القلاف لنفس 
الفرقة عام 1974. 


الفصل السابع 

26 أرسطوء في الشعرء ترجمة عبد الرحمن بدوي. ص‎ )١( 

(2) تضطرب نسبة «الأسرة الضائعة» لعبد العزيز السريع بسب التعديلات التي أضافها المخرج 
بإشراف اللجنة الثقافية في مسرح الخليج العربي لدرجة أن الكاتب يرفض نسبتها إليه. 

(3) أنظر: إلفين توفلر. صدمة المستقبل ترجمة محمد علي ناصف» ص .4١‏ وبوتومور تمهيد في 
علم الاجتماع» ص 353 وإيزنشتات» من جيل إلى جيل لندن. ۱955ء بالإنجليزية. 

(4) الأسرة الضائعة. مسرح الخليج العربي. مخطوطة:؛ 963| ص 20. 

(5) «دروازة الجهرة» بوابة كبيرة للسور الذي كان يحيط بمدينة الكويت القديمةء وقد هدم السور 
بعد إعادة تخطيط الكويت. وأبقيت البوابة كالآثر التاريخي. وسط شوارع جديدة تزينها الأشجار. 
(6)كانت مسرحية «فلوس ونفوس» باسم «التثمين» ولكن الرقابة اعترضت على هذه التسمية؛ 
فأقرٌ لها الكاتب العنوان المذكور وهو «فلوس ولصوص». 

(7) يعرف مجتمع الخليج العربي قبل التفير الاقتصادي نظام «المفازعة» في حدود العلاقات 
القرابيةء أو القبلية؛ أو الإقليمية؛ أو علاقات الجوارء وهي تعني المساهمة بالعمل لمن يحتاج إليه 
دون مقابل؛ وبدافع الدخول في عملية التضامن. 

(8) مسرحية عشت وشفت» لسعد الفرج؛ مطبعة حكومة الكويت؛ بدون تاريخ» ص 56. والكتاب 
يضم مسرحية أخرى للفرج هي «دقت الساعة» ونرجح صدوره عام 1975 وقد كتبت المسرحيتان 
وعرضتا باللهجة العامية؛ ولكنهما نشرتا بعد تحويلهما إلى العربية الفصحى. واستدعى الكاتب 
لذلك جهدا لغويا من صديق له هو يحي الكيلاني فوقع النص الفصيح في عيوب التقعر اللغوي, 
والبيان المتكلف الذي أتى على التلقائية المسرحية في النص العامي. ولولا تعذر عثورنا على هذا 
النص لما استخدمنا شواهد من النص الفصيح المنشور. 

(9) لعل ذلك يذكرنا بمسرحية بستان الكرز لأنطون تشيخوف. حيث يكون الوجود الدرامي لكل 
شخصية فيها مرتبطا بفعل واحد» وهو إنقاذ بستان الكرز. 

)10( مسرحية «هدامة» لمهدي الصايغ؛ مسرح الخليج العربي؛ مخطوطة. 6 ص 20. وهي من 
فصل واحد» أخرجها صقر الرشود مع مسرحيتين قصيرتين تحت اسم «الواوي» عام ۱976 . وهذه 
المسرحية الثانية للكاتب بعد «التالي ما يلحق» التي قدمتها فرقة المسرح الكويتي عام 1974 . وعام 
1 قدم مسرح الخليج العربي مسرحية ثالثة للكاتب وهي «تنزيلات» بإخراج منصور المنصور. 
)1١(‏ روبرت بروستاين» المسرح الثوري» ترجمة عبد الحليم الشلاوي ص 27. 


الهوامش 


الفصل الثامن 

)١(‏ الأسرة النواتية: هي البنية الحديثة للتركيبة للأسرة التي تقوم على دعم الإرادة الفردية 
لحصر تركيبتها المصغرة في الزوجين وأبنائهما. 

(2) (3) مسرحية «الجوع» تأليف عبد العزيز السريع» مسرح الخليج العربي» مخطوط 1964 ص 
30. 

(4) «آنجب» أصلها الفصيح في اللغة العربية «أنكب» وتستخدم في العامية للرد القامع على الفعل 
(5) المصدر السابق. ص 48 

(6) مسرحية عنده شهادة؛ عبد العزيز السريع» مسرح الخليج العربي» مخطوطة, 1966: ص 6. 
(7) مسرحية «لمن القرار الأخير» عبد العزيز السريع» مسرح الخليج العربي» مخطوطة 968| ص 
25 

(8) نعتقد أن تشخيص الحيرة يمثل جانبا بارزا في موهبة عبد العزيز السرّيع؛ ولعله أكثر الكتاب 
في الخليج العربي قدرة على تحليل هذا الجانب» والاهتمام به. سواء في أعماله المسرحية؛ أو في 
بعض أعماله القصصية القصيرة التي نشرها في الصحافة المحليةء بل إنه كتب تمثيلية تلفازية 
قصيرة بعنوان «حيرة البداية» قدمها تلفاز الكويت. وفيها يشخص دوافع متناقضة بين الوعي 
واللاوعي في شخصيتين تنتهيان إلى إقامة علاقة عاطفية بينهما. 

(9) مسرحية الدرجة الرابعة. ص 63. 

(10) يمكننا أن نجد نموذجا لهذا البطل المسرحي في التمثيلية القصيرة التي نشرها عبد العزيز 
السريع في الملحق الأدبي لمجلة الرائد الكويتية دود أن يطلق عليها عنوانا. وتدور حول شخصية 
واحدة يدفعها الشعور النفسي العميق بالوحدة والكبت إلى الأوهام والكوابيس» حتى يتراءى لها 
مقبض الباب مسدسا مصوبا إليهاء ويثير مخاوفها النفسية إلى حد الانهيار. أنظر: الملحق 
الأدبي. مجلة الرائدء بدون تاريخ. 

)١1(‏ هناك عدة مسرحيات نراها ترفد من هذا الاتجاه منها: مسرحية «الصج يبقى» لإبراهيم 
العواد. ومسرحية شعاع لحمد السبع؛ وهذا الميدان يا حميدان وصبيان وبنات لجاسم الزايد 
ومتاعب صيف لسليمان الخليفي» و 3*3 لرضا علي حسين وغيرها. 


الفصل التاسع 

(1) جان دوفيبيو. سوسيولوجية المسرح» ترجمة حافظ الجمالي» ص 190 . 

(2) أخرج صقر الرشود (ضاع الديك) في نوفمبر ۱972ء ثم عرضها في البحرين مدة أسبوع. 
(3) «الأحمدي» مدينة من مدن الكويت؛ تتركز فيها إقامة الوافدين من الأجانب كالإنجليزء وغيرهم 
من الذين يعملون في شركات النفط ومؤسسات البناء والاستثمار ونحوها. 

(4) مسرحية «2,3,4, ابم» مسرح الخليج العربي» مخطوطة 1972 . 

(5) عرفت الحركة المسرحية في الخليج العربي العديد من المسرحيات التي سيطرت عليها 
مشاعر العطف مع الماضي» وقد عرضنا لبعض منها في الباب الأول كمسرحية «عتيج الصوف ولا 
جديد البريسم» لحسين الصالح و«فرحة العودة» لمحمد النشمي» وعرضا في الفصول 

الماضية من هذا الباب.مسرحيات «فلوس ونفوس» لعبد العزيز السريّع «وعشت وشفت» لسعد 
الفرج وهدامة لمهدي الصايغء وأخيرا «2.3.4.! بم» التي جعلت للماضي وجودا دراميا متميزا 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


ببيانه الشديد اللهجة في الحكم على هجمة التطور. أما في الباب الأخير من هذه الدراسة 
فسنرى ظواهر أخرى في الالتفات إلى الماضي سنعرض لها في موقعها. 

(6) إلفين توفلر» صدمة المستقبل؛ ترجمة محمد علي ناصف. ص 47. 

(7)هناك مثل يدعم ما نذهب إليه في هذا السياق وهو مسرحية الكويت سنة 2000 التي كتبها 
سعد الفرج عام۱964. فقد تنبأت هذه المسرحية بحدوث ظواهر جديدة لنظام الاستهلاك واللاإنتاح 
في عام 2000 «كاستيراد» و«الدقوس» و «المرق» - 

= والسفر إلى أكثر س بلاد أوروبية يوم وليلةء وتنبأت بميوعة السلوك الاجتماعي وانحلاله. بيد 
أنّ مراجعة سريعة للظواهر الاجتماعية منذ السبعينات تكشف أن الكثير مما تنبا به سعد الفرج 
قد تحقق قبل سنة 2000. وفي ذلك دلالة على أن سرعة التغير في مجتمعات الخليج العربي خانت 
توقعات الكاتب وتنبؤاته. 

(8) عرضت مسرحية «شياطين ليلة الجمعة» بإخراج صقر الرشود في ديسمبر-كانون أول عام 
3 ثم عرضت بنفس الإخراج في بيروت» ودمشق. والمغرب. 

(9) روبرت بروستاين» المسرح الثوري» ترجمة عبد الحليم البشلاوي؛ ص 132. 

(10) مسرحية «شياطين ليلة الجمعة» مسرح الخليج العربي .١973‏ ص 7. 

.78 مسرحية «بحمدون المحطة» مسرح الخليج العربي» مخطوطة:؛ ۱974 ص‎ )١1( 

(12) المصدر السابق؛ ص 45. 


الفصل العاشر 

)١(‏ د. زهير حطب» ود . عباس مكي السلطة الأبوية والشباب» معهد الإنماء العربي» بيروت بدون 
تاريخ ص 163. 

(2) د. محمود عبد القادرء الحراك المهني للآباء واتجاهاتهم نحو مستقبل أبنائهم في الكويت 
والبحرين: مجلة دراسات الخليع والتحريرة العربية العدد 4 السنة الأولى ٠.1975‏ 

(3) ولهلم رايخ: الثورة والثورة الجنسية؛ ترجمة محمد عيتاني؛ دار العودة بيروت ۱972ء 

(4) ص 114. 

(5) مسرحية «ضعنا بالطوشة» صالح موسىء إخراج عبد الأمير مطرء المسرح الشعبي» عرضت 
بالكويت في 2 /3/ , 1974 وبدمشق في يوليو / تموز 1976. 

(6) قلوس ونفوس ص 49. 

(7) عرضت مسرحية «أم الزين» عام 1974 بإخراج هاني صنوبر (مخرج مسرحي أردني) وكاتبها 
عبد الرحمن المناعي هو الكاتب الوحيد من قطر الذي سنشير لبعض أعماله المسرحية في هذا 
الباب» وذلك لما تنطوي عليه كتاباته في المسرح من ملامح قنية واضحة:.وأهداف فكزنة حادة. 
(8) د. سناء الخولي» الأسرة في عالم متغيّر. الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة؛ ۱974 ص 
6 

(9) مسرحية الوكيل؛ سعد الفرج» المسرح العربي. مخطوطة. ص ا5. 

8# الط إبراهيم عبد الله غلوس ظلوامرالكسرولاالترحية فى النجريق ترك ا توعان اتر 
والتوزيع؛ الكويت؛ ۱982. ص 98. 

)1١(‏ تحوّل خليفة العريفي بعد كتابة وإخراج (ح-ب) عام 1975 إلى الإخراج. وقد أخرج مسرحيات 


الهوامش 


«سرور» و«السلطان الحائر» و«قابيل لكل العصور» وغيرها . ولم يكتب بعد (ح-ب) سوى مسرحية 
بعنوان «المهرج» عام 1982. 

(12) قدمت أسرة فناني البحرين مسرحية «بيت طيب السمعة» وأخرجها سلطان سالم عام 
9 وعرضت في الكويت خلال العام نفسه. 

(3١)قام‏ بإخراج مسرحية «مالان وانكسر» مؤلفها راشد المعاودة في مايو-أيار عام 1972 ثم أعيد 
عرضها عام 1978 بإخراج عبد الرحمن بركات. 

(14) بيير آجييه توشارء المسرح وقلق البشرء ترجمة د. سامية أسعدء الهيئة المصرية العامة 
للتأليف والنشرء القاهرة. ا197 ص 65. 


الفصل الحاد ى عسر 

)١(‏ السيوب جمع «سيب» وهو البحار الذي يقوم بمساعدة الغواص» بأن يهيئ له أدوات الغطس 
في حالة النزول؛ أو يسحبه من قاع البحر في حالة الطلوع. والرضفاء جمع «رضيف» وهو بحار 
حديث عهد بالجحرء يقوم بتعلم إحدى المهنتين السابقتين. 

(2) مسرحية «النواخذة» سالم الفقعان إخراج حسين الصالح الحداد المسرح الكويتي» 22 / 2 / 
97١‏ . مخطوطة ص 42 ونشرت في كتاب صدر عن «مطابع صوت الخليج» الكويت» 1973. 

(3) يضع راشد المعاودة في صدر مسرحيته تاريخا مغايرا لما ذكرناه عن «هدّة الغواويص» وهو عام 
٠9‏ . والصحيح ما أثبتناه اعتمادا على مطالعتنا للوثائق البريطانية في المكتبة الهندية ومكتب 
الخارجية في لندن. 

(4) مسرحية «سبع ليالي» راشد المعاودة إخراج عبد الرحمن بركات» مسرح أوال يوليو تموز 197١‏ . 
مخطوطة ص .١‏ وقد عرضت المسرحية بنفس الإخراج في مهرجان دمشق المسرحي الثالث. 
(6 الصوو السابق كى 15+ 

(6) آريك بنتلي الحياة في الدراماء ترجمة جبرا إبراهيم جبرا ص 222. 

(7) النهام هو المغني الذي يصاحب البحارة في رحلة الغوصء ينشد لهم المواويل الشعبية بحنجرة 
قويةء لينما يشاركونه بالإيقاع والتصفيق. 

(8) كتب جاسم الزايد أربع مسرحيات عرضت جميعها في الكويت وهي: «سبيت حي لوميت» التي 
أخرجها سعد المنير في يناير كانون ثاني 1976ء و «هذا الميدان يا حميدان» التي أخرجها عبد 
الأمير مطر عام 17 و «صبيان وبنات» لنفس المخرج عام 1980 . ومسرحية «نورة» التي نراها 
أنضج مسرحيات الكاتب وأجدرها بالإشارة . 

(9) مسرحية «إذا طاعك الزمان» لإبراهيم بو هندي» وإخراج محمد عواد. مسرح أوال 21973 
مخطوطة ص 22. 

(10) المصدر السابق ص 23. 

)1١(‏ نظرية الأدب» تأليف عدد من الباحثين السوفييت» الجزء الخاص بالدراماء م. س. كوركيينيان؛ 
ترجمة د. جميل نصيف التكريتي» منشورات وزارة الثقافة والإعلام: الجمهورية العراقية, 980! 
ص 706. 

(12) مسرحية «سرور» ص 34. 

(13) مسرحية تنزيلات» مهدي الصايغ؛ إخراج منصور المنصورء مسرح الخليج العربي» يناير ا198 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


مخطوطة ص .١18‏ 


354 


الهوامش 


المواجح والمصادر 


أولا: المراجع 

-١‏ إبراهيم؛ د. زكريا. سيكولوجية الفكاهة والضحكء مكتبة مصرء بدون تاريخ. 

2- أرسطو في الشعرء ترجمة د. عبد الرحمن بدويء دار الثقافةء بيروت. 

3- برتليمي؛ جان بحث في علم الجمالء ترجمة د . أنور عبد العزيز. مطبعة مصرء القاهرة 1970 . 
4- برجسون» هنرى الضحك» بحث فى دلالة المضحكء ترجمة د سامى الدروبىء د . عبد الله عبد 
الدايم: دار اليقظة العربيةء دمشق 1964. 

5- بروستاين؛ روبرت. المسرح الثوري» ترجمة عبد الحليم البشلاوي؛ الهيئة المصرية للتأليف 
والنشر القاهرةء بدون تاريخ 

6- بنتلي» أريك الحياة في الدراماء ترجمة جبرا إبراهيم جبراء المكتبة العصرية بيروت 1968. 
7 يوتسي ل» ج الملهاة في المسرحية والقصةء ترجمة أدوار حليم» الدار المصرية للتأليف والترجمة 
القاهرة. 

8- بوتومور تمهيد في علم الاجتماع؛ ترجمة د. محمد الجوي وآخرون,» دار المعارف مصر, 1980 . 
9 بينوت» إيف ما هي التنميةء ترجمة سعيد أبو الحسن. دار الحقيقةء بيروت بدون تاريخ. 

0- توشارء بيير آجييه المسرح وقلق البشرء ترجمة د . سامية أسعدء الهيئة المصرية العامة للتأليف 
والنشرء القاهرة؛ .197١‏ 

.1974 توفلر؛ ألفين صدمة المستقبلء ترجمة. محمد ناصف. دار نهضة مصرء القاهرة؛‎ -١١ 
جاسكوين» بامبر الدراما في القرن العشرين؛ ترجمة محمد فتحي.ء دار الكاتب العربي؛‎ -2 
القاهرة بدون تاريخ.‎ 
جورفتش» جورج دراسات في الطبقات الاجتماعيةء ترجمة أحمد رضا محمد رضاء الهيئة‎ -3 
.1972 المصرية العامة للكتاب؛‎ 

4- جولدمان» لوسيان من أجل سوسيولوجيا الروايةء (بالإنجليزية) منشورات تافيستوك» لندن 
5 

5- حدادء قاسم المسرح البحريني.. التجربة والأفق» مطبعة وزارة الإعلام: البحرين 1982 . 
6- حطب. د. زهير تطور بنى الأسرة العربيةء مركز الإنماء العربي؛ بيروت ط ,١‏ 1976 . 

7- حطب» د. زهير / مكيء د . عباس. السلطة الأبوية والشباب مركز الإنماء العربي» بيروت, 
بدون تاريخ. 

8- الخليفي» سليمان صقر الرشود والمسرح في الكويت» دار العروبة للنشر والتوزيع؛ الكويت 
10 . 

9- الخولي» د. سناء الأسرة في عالم متغيرء الهيئة المصرية العامة للكتاب» القاهرة 1974. 
0- دوفينيو. جان سوسيولوجية المسرح: ترجمة حافظ الجماليء وزارة الثقافة والإرشاد القومي. 


357 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


دمشق جزءان: 1976. 

21- ديويء جون الفن خبرة: ترجمة د . زكريا إبراهيم» مكتبة النهضة المصرية: القاهرة. 

2- الراعيء د . علي الكوميديا المرتجلة في المسرح المصريء كتاب الهلال» مصرء 1972. 

3- رايخ» ويلهلم الثورة والثورة الجنسيةء ترجمة محمد عيتاني» دار العودة. بيروت» 1972. 

4- الرميحيء د . محمد البحرين.. مشكلات التغير السياسي والاقتصاديء دار ابن خلدونء 
يروت ::1976:: 

5- الرميحيء د . محمد البترول والتغير الاجتماعي» في دول الخليج العربي. معهد البحوث 
والدراسات العربيةء القاهرق 1975. 

6- ريدء هربرت الفن والمجتمع؛ ترجمة فارس متري ظاهره» دار العلم» بيروت. ط ١‏ , 1975. 
7- عبد القادرء د. محمود التوافق النفسي والاجتماعي للشباب الكويتي ومشكلاتهء رابطة 
الاجتماعيين. 1975. 

8- عبد الله د. محمد حسن الحركة المسرحية في الكويت» منشورات مسرح الخليج العربي» 


الكويت 1977. 
9- عبد الله؛ د. محمد حسن المسرح الكويتي بين الخشية والرجاء؛ دار الكتب الثقافيةء الكويت 
8. 


0- عبد الله؛ د . محمد حسن صقر الرشود مبدع الرؤية الثانية. منشورات مجلة دراسات الخليج 
والجزيرة العربيةء الكويت؛ 1980. 

31- عرسان» علي عقله سياسة في المسرح» اتحاد الكتاب العرب» دمشق 1987. 

2- غيث» د. عاطف التغير الاجتماعي والتخطيط. دار المعارف» القاهرة؛ 1966 . 

3- غلوم: إبراهيم عبد الله ظواهر التجربة المسرحية في البحرين. شركة الربيعان للنشر 
والتوزيع الكويت؛ 1982 . 

4- فروم, أريك الخوف من الحريةء ترجمة مجاهد. عبد المنعم مجاهد. المؤسسة العربية 
للدراسات والنشرء بيروت 1972. 

5- كوركينيان؛ م. س نظرية الأب» ترجمة د. جميل نصيف. منشورات وزارة الثقافة والإعلام 
الجمهورية العراقية, 1980. 

6- لافرتيسكى فى سبيل الواقعيةء ترجمة د. جميل نصيفء. دار الحرية للطباعةء بغداد 1974. 
7- لالو. شارل الفن والحياة الاجتماعية؛ ترجمة عاد التوا. 

8- لوكاتشي» جورج دراسات في الواقعية الأوروبية؛ ترجمة أمير إسكندرء الهيئة المصرية العامة 
للكتاب» القاهرة؛ 1976. 

9- محجوب» د-محمد عبده الكويت والهجرة؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب» الإسكندرية؛ بدون 


تاريخ. 
40- محجوب» د . محمد عيده. الاتجاه السوسيوآنثروبولوجي» وكالة المطبوعات. الكويت. بدون 
تاريخ. 


ا4- النفيسي. د. عبد الله الكويت الرأي الآخرء لندن 1978. 

2- نيكول؛ الأرديس علم المسرحيةء ترجمة دريني خشبة؛ مكتبة الآداب؛ القاهرة. 

3- نيكولء الأرديس المسرحية العالمية. ترجمة عثمان نويه؛ وزارة الثقافة والإرشاد القومي مصرء 
ج اء بدون تاريخ. 


المراجع والمصادر 


44 تيكول: الأزديس السبرحية العا ية ترجمة د غبد اللههبن الحافظ مكولى؛ الؤسسة الصرية 
العامة للتأليف والترجمة. ج 3 مصرء بدون تاريخ. ۰ 

5ف تيكول الأرديس السترحية الغاكية:ترجمة د تور شريت» الداز الكصرية للكاليف والترجمة: 
القاهرة ج 5, 1966. 

6- هاوزرء أرنولد الفن والمجتمع عبر التاريخ: ترجمة د . فؤاد زكرياء دار الكاتب العربي للطباعة 
والنشرء القاهرة (جزءان) 1969. 


ثاضيا: الدوريات 

.1948 البعثة) كويتية (سبتمبر‎ -١ 

2- البيان (كويتية) أبريل ۱979ء مارس ۱981. 

3- الحياة المسرحية؛ وزارة الثقافة والإرشاد. دمشقء. عدد 2, ۱977 .د 
4- دراسات الخليج والجزيرة العربية (جامعة الكويت) أكتوبر 1975 . 
5- الرائد. كويتيةء يونيه 1953. 

6- الشعب (كويتية) 27 فبراير 1958 . 

7- صوت الخليج (كويتية 20 كانون الثاني 1966) . 

8- عالم الفن (كويتية)-۱0 أكتوبر-24 أكتوبر |197, |3 أكتوبر ا۱97 . 
9- كتابات» (بحرينية) عدد 3- أكتوبر 1979- عدد 3 سنة 2, 1977. 
0- مجلة الكويت:. -١‏ يناير 1969. 

.1976 مجلة كلية الآداب والتربيةء جامعة الكويت؛ يونيه 1976- ديسمبر‎ -!١ 
.1968 / ١2 / |4 النهضة؛ كويتية.‎ -2 

3- اليقظة, كويتية. 6| / ١2‏ / 1968. 


خالثا: مصادر الدراسة من الأعمال المسرحية التي وقعت الإحالة 
عليها: 

- بو هندي. إبراهيم 

.1973 إذا ما طاعك الزمان. مسرح أوال» مخطوطة:‎ -١ 

2- سرورء مسرح أوال. مخطوطة, 1975. 

- جمعة .أحمد 

3- شهرزاد الحلم والواقع؛ مجلة كتابات. عدد ١١ء‏ السنة ,3 1978. 
4- أبو نواس يرقص الديسكو. دار الفارابي» بيروت 1982 . 

- الحزامي» سليمان 

5- مدينة بلا عقولء دار العودة» بيروت |197. 

6 القادم» دار ذات السلاسل؛ الكويت 1978. 

- الحداد» حسين الصالح 

7- ناس وناس.ء المسرح الكويتي. مخطوطة 1966. 


550 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


8- عتيج الصوف ولا جديد البريسم. المسرح الكويتي مخطوطة, 1967. 
9- مشروع زواج؛ المسرح الكويتي. مخطوطة, 1969 . 

0- شرايكم يا جماعة؛ المسرح الكويتي. مخطوطة:؛ . 1969 . 
-١‏ عضني وآعضك. المسرح الكويتي. مخطوطة, 1970. 

- الحكيم» توفيق 

2- شهرزاد» دار الكاتب اللبنانى: بيروت. 1973. 

- خلف» أحمد خلف 

3- اللعبة. مجلة كتابات. عدد5اء السنة 4: . 1979. 

- الرشود» صقر 

4- آنا والأيام» مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1964. 

5- المخلب الكبيرء مطابع الرأي العام» الكويت» بدون تاريخ. 
6- المخلب الكبيرء مسرح الخليج العربي. مخطوطة:؛ 1965 . 
7- الطين مسرح الخليج العربي. مخطوطة؛ 1965. 

8- الحاجزء مسرح الخليج العربي. مخطوطة, 1966 . 

- الرشود والسريّع. صقر / عبد العزيز 

-١ -9‏ 2- 3- 4- بم مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1972 . 
0- شياطين ليلة الجمعة مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1973. 
21- بحمدون المحطة؛ مسرح الخليج العربي» مخطوطة, 1974 . 
- سالم» سلطان 

2- نادي المتفرجينء دار العودة. بيروت ۱974 . 

- السريّع-عبد العزيز 

3- الأسرة الضائعة. مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1963. 
4- فلوس ونفوسء مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1970 . 
5- الجوع. مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1964. 

6- عنده شهادة. مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1965. 
7- لمن القرار الأخير» مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1968 . 
8- الدرجة الرابعة. مسرح الخليج العربي. مخطوطة ا197. 
9- ضاع الديك» مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1972 . 
0- ضاع الديك» شركة الربيعان للنشر والتوزيع؛ الكويت|198. 
-3١‏ تمثيلية. ملحق مجلة الرائد ۱972 

- السر يُّع. محمد 

2- مجنون سوسو مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1974 

3- بخور أم جاسم» مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1969. 
- الصايغ؛ مهدي 

4- هدامة. مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1976 . 

5- تنزيلات» مسرح الخليج العربي. مخطوطة 1980 . 

- الضويحيء عبد الرحمن 


360 


المراجع والمصادر 


6- سكانه مرته؛ المسرح الشعبي» مخطوطة 1964 . 

7- أصبر وتشوب» المسرح الشعبي» شريط فيديو965! . 

8- الجنون فنون؛ المسرح الشعبي» شريط فيديو1965 . 

9- كازينو آم عنبرء المسرح الشعبي» مخطوطة 1966. 

0- حرامي آخر موديل» المسرح الشعبي» مخطوطة 1967. 

.1967 إنتخبوني» المسرح الشعبي» مخطوطة‎ -4١ 

2- رزنامة؛ المسرح الشعبي» مخطوطة 1967 . 

- عبد اللطيف. طارق 

3- عالم غريب غريب غريب. المسرح العربي. مخطوطة. 1976 
- العريفيء خليفة 

4- ح-ب مسرح آوال» مخطوطة 1975 . 

- العلي» حسن يعقوب 

5- الثالث؛ المسرح العربي مخطوطة 1976 . 

6- عشاق حبيبةء المسرح العربي. مخطوطة 1976 . 

- عوا د» محمد 

7- كرسي عتيقء المسرح البحريني. مخطوطة .197١‏ 

8- السالفة وما فيهاء مسرح أوال. مخطوطة 1972. 

9- العطشء مجلة كتابات. عدد 3- السنة 2- 1977.-الفرج» سعد 
0- الكويت سنة 2000ء المسرح العربي» مخطوطة 1975. 

ا5- عشت وشفت» مطبعة حكومة الكويت» الكويت؛ 1975. 
2- الوكيل؛ المسرح العربي. مخطوطة. 

- الفقعان» سالم 

3- النواخذة. المسرح الكويتي» مخطوطة 197١‏ . منشورة في كتاب» مطابع صوت الخليج: الكويت 
3 .-المعاودة: راشد 

4- بيت طيب السمعة؛ أسرة فاني البحرين» مخطوطة 1969 . 
5- سبع ليالي» مسرح أوال» مخطوطة (197. 

6- مالان وانكسر» مسرح أوال» مخطوطة 1972. 

7- توب توب يا بحرء مسرح الجزيرة. مخطوطة1975.-المناعي: عبد الرحمن. 
8- آم الزين؛ المسرح القطري» مخطوطة 1974. 

9- يا ليل يا ليل مسرح السد. مخطوطة 1979. 

0- المغنى والآميرة. مسرح السد. مخطوطة 1980. 

- موسى-صالح 

. 1966 يمهل ولا يهمل» المسرح الشعبي» مخطوطة‎ -6١ 

2- العلامة هدهد» المسرح الشعبي» مخطوطة 1970 . 

3- محكمة الفنانينء المسرح الشعبي» مخطوطة 1974 . 

4- شرايج بو عثمان» المسرح الشعبي» مخطوطة1974. 

5- مفاوضات مع الشيطان: المسرح الشعبي. مخطوطة1974. 


30I 


المسرح والتغير الاجتماعى فى الخليج العربى 


6- ضعنا بالطوشة, المسرح الشعبي» شريط فيديو1974 . 
- النشمى» محمد 

67- ضاع الأمل» المسرح الشعبي. مخطوطة1958. 

8- شرباكة؛ المسرح الشعبي. مخطوطة 1958. 

9- بغيناها طرب صارت نشب المسرح الكويتي» مخطوطة 1964 . 
0- حظها يكسثر الحصى.ء المسرح الكويتي. مخطوطة 1964 . 

71- فرحة العودةء المطبعة العصريةء الكويت. ا۱97 . 


5302 


المؤلف في سطور 

دكتور إبراهيم عبد الله غلوم حسين 

* ولد في مدينة الحد-البحرين عام 1952. 

* حصل على دكتوراه الدولة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية الجامعة 
التونسية في الآدب العربي الحديث عام 1952. 

* أستاذ مساعد فى كلية البحرين الجامعية. 

#ضطو وزكس سابق الأمدرة الاح الات الجر 

* رئيس تحرير مجلة كلمات التي تصدرها أسرة الأدباء والكتاب. 

* عضو ومدير سابق لفرقة مسرح أوال-البحرين. 

* كتب العديد من الأبحاث والدراسات حول القصة والمسرحية والحركة 
الثقافية بصفة عامة في منطقة الخليج العربي. كما صدرت له مؤلفات 
منها : 

!980 القصة القصيرة في الخليج العربي» دراسة نقدية تحليلية. عام‎ -١ 

2- ظواهر التجربة 
المسرحية في البحرين عام 
.198١‏ 

* يعمل منذ فبراير ۱986 
أستاذاً زائراً في قسم اللغة 
العربية بجامعة الكويت . 





المتلاعبون بالعقول 
تأليف: د. هربرت شيللر 
ترجمة: عبد السلام رضوان 


205